ضوء في طريق الغرباء
بدأ الوحي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتلك الهزة الشديدة العنيفة،
وكأنها تهيئة له -صلى الله عليه وسلم- لاستقبال ذلك الأمر الضخم ليكون -عليه
الصلاة والسلام- في قمة الانتباه والصحو.
ثم يأتي أول أمر، أول توجيه، أول كلام الله عز وجل إلى رسوله الكريم
وإلى البشر أجمعين [اقْرأْ] ، يأتي دعوة قوية للقراءة والعلم.. قراءة الكون
والحياة، قراءة الإنسان والكائنات، قراءة السنن والأوضاع والأحوال. قراءتها
على هذا النحو [بِاسْمِ رَبِّكَ الَذِي خَلَقَ] باسم الله سبحانه الخالق المبدع، اقرأ هذه
الآيات ولكن بالنظرة الجديدة بالإخلاص الكامل والتجرد لله الواحد، اقرأ كل هذه
الآيات ولكن من خلاله سبحانه بالتصور الذي يوحيه ويرضاه، اقرأ وزن ولكن
بميزان الله، وانظر وشاهد ولكن من خلاله سبحانه.. إخلاص كامل، ونقلة بعيدة..
هذا هو الطريق وتلك أولى خطواته، طريق تقوم خطواته منذ بدايتها على
الجادة واليقظة والانتباه بل على قمة هذه المعاني تسير يدفعها الإخلاص والتجرد لله
سبحانه.. هذا هو الطريق إخواني فهل نحن سائرون؟ !
نعلم إخواني إن الاستمرار على الجادة شيء صعب، وإن الارتقاء ومداومة
اليقظة والصحو شيء كذلك صعب يحتاج إلى عزيمة لا تنضب، كما أن الإخلاص
ومتابعة النفس وشهواتها والتجرد لله تعالى شيء يحتاج إلى صلة دائمة بالله تبارك
وتعالى وذكر دائم، وأن كل هذا في إجماله يحتاج إلى صبر لا ينفذ.
لهذا فأول ما يحتاج إليه الإنسان بعد أن يضع قدمه على الطريق ويخلص النية
والقصد ذلك هو الزاد.. فتعالوا معي إخوتي لنرى ما الذى وجه الله تعالى إليه نبيه
الكريم ليستطيع حمل التبعة والأعباء العظام. تعالوا لنرى ثم لنحاول أن نحمل
أنفسنا على مثله، عسانا نصدق في اقتفاء الأثر الكريم لذي الخلق العظيم على درب
رب العالمين. في محاولة لبعث الأمة من جديد بعد إزالة الغربة على طريق
التمكين لدين الله ربنا رب العالمين.
كان من أول التوجيهات تلك التي جاءت في أول سورة المزمل وأول سورة
المدثر، فكانت دعوة إلى قيام الليل والتهجد، وترتيل القرآن الكريم كلام الله رب
العالمين، وكانت دعوة لذكر أسماء الله وصفاته والتسبيح والتبتل إليه والخضوع
لجنابه، وكانت دعوة للتوكل عليه والخلوص إليه سبحانه فهو مالك الملك رب
المشرق والمغرب بيده الأمر كله وهو فعال لما يريد، ثم كانت الدعوة إلى الصبر
والاحتمال، هذا مع الإعراض عن سبيل المجرمين وفي الحقيقة أن كل هذا من قيام
وترتيل وذكر وتبتل وحسن توكل يحتاج إلى صبر تتقاصر دونه الهمم الضعيفة
وترتعد منه الأوصال الهزيلة في حين أن من يقوم بتلك الأعمال فإنه يزداد يقينه
وتثبت أقدامه وبالتالي يزيد صبره فهي حلقات يسلم بعضها إلى بعض، وهي في
مجملها الزاد والنبع الذي لا ينضب.