حوار
دور المرأة المسلمة
وجهت البيان مجموعة من الأسئلة إلى الأخت الفاضلة خولة درويش. وكان
الحوار يدور حول مكانة المرأة المسلمة ودورها في الأسرة والدعوة إلى الله،
فأجابت مشكورة.
س: لا نستطيع أن نقول أن هناك مشكلة في الإسلام اسمها المرأة، لأن هذا
الدين من عند الله ولا يظلم ربك أحداً، وكل له مكانه ومكانته في حدود ما يسر له.
ولكن السؤال من ناحية واقع المسلمين، هل هناك مشكلة للمرأة؛ وما أسباب
هذه المشكلة؟
ج: حقاً لا توجد مشكلة للمرأة في الإسلام ... أما من حيث واقع المسلمين،
فواقعهم يزخر بالمشكلات لكل من المرأة والرجل على السواء: من بناء الأسرة إلى
طريقة الكسب، طريقة الإنفاق، التعلم، العمل لخدمة الإسلام ...
والمرأة المسلمة تعيش الأوضاع نفسها التي يعيشها الرجل المسلم، فهي بلا
شك تعاني نفس المشكلات أيضاً، يضاف لها المشكلات المفتعلة والتي يصورون
سببها رئاسة الرجل للأسرة.
وفي ظل الالتزام بأمر الله تعالى، لن تكون هناك مشكلة أبداً، وسبب ذلك أن
الله تعالى خالق الذكر والأنثى وكرمهما جميعاً قال تعالى: [ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ]
شرع ما فيه خير الجميع من رجل أو امرأة، ولا يحابي في تشريعة الحكيم أيا منهما.
هذا وإن جعل التشريع الحكيم القوامة للرجل.. لكنه قيده بضوابط شرعية
تمنعه من النكاية بالمرأة وإلحاق الضرر بها.
وفي غيبة تطبيق الشريعة الربانية تبرز الأنظمة البشرية التي تقصد مصلحة
أحد الطرفين لا محالة، وهنا فقط تكون المشكلة من تضييق على المرأة باسم
القوامة ليحرمها من حقها المشروع.. إلى تسيب المرأة تحت دعوى الحرية
والمساواة.
س: بالنسبة لمشكلة التعليم، إلى أي حد تساهم المناهج الآن في تشكيل عقلية
المرأة وإعدادها لدورها المطلوب؟ وما هي حدود تعلم المرأة التي تتناسب ودورها
وشخصيتها؟
ج: إن عدم إلمامي بجمع مناهج البلاد العربية يجعل الجواب صعباً، وفي
حدود معلوماتي فإن المناهج الحالية لها بعض الفائدة في تعليم البنات ما ينفعهن في
حياتهن. لكن يعكر على هذه الفوائد كثير مما لا فائدة حقيقية منه، بل ومآله ضرر
محقق.
أما الاهتمام بدورها الأسري، وإعدادها لتكون زوجة واقعية وأماً مربية
فالمناهج لا تفي بهذا المقصود المهم. أما الشطر الثاني من السؤال، وهو حدود
تعلم المرأة: فالعلم المفروض هو ما تحصل به معرفة أمور دينها التي لا يتم
الإسلام إلا بها. أما ما زاد على ذلك فالمرأة تتعلم ما قدر الله لها من العلم وما
ترغب فيه ويتناسب مع استعداداتها وذكائها ما دام ذلك بحدود الشرع. في كون
العلم دون اختلاط أو خلوة.. ونحو ذلك وكذا نوعية العلم الذي تدرسه، فالعلم الذي
هو ترف فكري لا ينفعها في دينها أو دنياها، ويعتبر مضيعة للوقت وتحاسب عليه
أمام الله عز وجل.
ومن أكثر ما يهم المرأة المسلمة ويجب أن تسعى لتعلمه: معرفة أسس
الشريعة التي تؤهلها للعبادة، معرفة قواعد الصحة العامة، التدبير والاقتصاد
المنزلي، أسس التربية، وكذا ما ينفعها في مهنتها المشروعة (كأن تنمي معلوماتها
التي تختص بالتعليم وإن كانت تعمل معلمة، أو تجدد اطلاعها إن كانت طبيبة..
وهكذا) .
س: من الملاحظ أن المرأة كان لها دور كبير في أوائل الدعوة فما دورها
الآن؟ وهل أتحنا لها أن تقوم بهذا الدور في مجتمعاتنا الدعوية المعاصرة. ومن
يتحمل مسؤولية إبعادها عن هذا الدور؟
ج: لا شك أن كل منصف يقدر للمسلمة في فجر الدعوة دورها ومساهمتها في
تبليغ رسالة السماء، ونتطلع إلى الاقتداء بأولئك النساء الفضليات. أما دورها الآن، فأرى أنه شبه مفقود، وإن وجد فهي محاولات ذاتية وقليلة للقيام بهذا الواجب
الشرعي. ونرجو لهذه المحاولات أن تنمو على أسس شرعية سليمة.
أما مسؤولية إبعادها عن هذا الدور:
- فتتحمله الأوضاع الجائرة في كثير من البلاد الإسلامية.. فهي قد أبعدت
الرجال عن القيام بهذا الواجب فضلاً عن النساء.
- وتتحمله الموروثات الخاطئة عن مهمة المرأة في الحياة، حيث ينظر إليها
على أنها أداة لحفظ النسل.
- وتتحمله أنانية كثير من الرجال أو ضيق أفق بعضهم، لشعورهم بذاتهم في
غيبة وعي المرأة وعملها في الدعوة.
وتتحمله المرأة نفسها؛ إذ للأسف يصعب على البعض الموازنة بين الحق
والواجب فيجمح بها الغرور، ويحول الكبر والغطرسة التي قد يخلفها العمل دون
تقدير رأي الزوج مما يحول البيت إلى جحيم لا يطاق.
وأرى أن الحل هو في التربية الإسلامية المتوازنة التي تدعو إلى إعطاء كل
ذي حق حقه أولاً، ومن ثم الدعوة إلى الخير والتناصح.
س: ضمن التناول المتطرف للأمور يأتي موضوع المرأة بين من يريدون
مساواتها بالرجل في أمور الدعوة وبين من يحتصرون دورها ومهمتها في المطبخ
والأثاث والملابس.. الخ ما رأيكم في هذا؟
ج: إن الدعوة قد تستلزم السفر أو الخروج من المنزل، وقد تستلزم الذهاب
إلى بيوت الأخريات أو قدوم النساء إلى بيت المرأة، كما وأنها تحتاج إلى بذل
وإنفاق. وهذه الأمور جميعاً ينظمها الشرع ويجعل الرأي فيها جزءاً من قوامة
الرجل على المرأة. أي أن مساواتها بالرجل في أمور الدعوة تنافي الدعوة التي
تريد أن تتصدر لها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن تكون مهمتها الطبخ والأثاث ونحو ذلك،
فهذه مهام تقوم بها أي امرأة أو حتى الرجل إن كان خادماً، فلماذا أوصى الشرع
بحسن اختيار الزوجة؟ وإلا ما الفرق بين امرأة وأخرى.
والناظر في دور المرأة المسلمة في هذا المجال عبر التاريخ، يجد أنه كان
لدعم عمل الرجل، ولا يصح بحال أن يستهان بهذا الدور، فمواساة السيدة خديجة
للرسول -صلى الله عليه وسلم- في بدء الدعوة شدت أزره وأذهبت روعه حين
تحملت معه المصاعب في الشعب وواسته بمالها، فكان موقفها يعجز عنه الرجال.
فالمرأة في كونها السكن النفسي لزوجها تؤدي دوراً دعوياً مهماً. ذلك لأنه
مشغول البال والفكر، لا يمكن أن ينهض لحل مشكلاته الخاصة فضلاً عن دعوة
الغير إلى الخير. وأنّى له أن يجد الراحة وقد تحول بيته إلى مكان لتنغيص العيش
وإثارة الهم.
وباختصار فالرجل المسلم لا يكبتها فيحطم كيانها وبنفس الوقت لا يترك الحبل
على الغارب فيفسد دينها ودنياها، والمرأة المسلمة تعلم أن عملها في المطبخ ليس
مجال أنفة وكبر، وإنما هو مجال للثواب، ورجلها المسلم إذا أمكنه لا يبخل عليها
بإحضار بعض الآلة المريحة التي تشعرها، بكيانها، وتوفر جهدها ووقتها لتقوم
بمهام دعوية جليلة.
س: هل تستطيع المرأة المسلمة توظيف موضوع الزيارة مع الأقارب أو
الجيران أو أخواتها المسلمات دعوياً لإيجاد تطلعات إلى الحياة الإسلامية؟
ج: إذا كانت مسلمة حقاً فبالتأكيد تستطيع ذلك وهو جزء من واجبها الديني.
ذلك أن نظرة الناس إلى الدين إنما تبنى بالنظر إلى تصرفات المتدين.
ودعوتها تبثها في كونها قدوة حسنة في كريم أخلاقها، اعتدال لباسها واحتشامه،
همومها، تطلعاتها، معايشتها للآخرين ومشاركتها لهم في آلامهم وأفراحهم، حسب
ما يبيحه الشرع. كل ذلك تأتي به طبيعياً دون تكلف، فضلاً عن الدعوة المقصودة
في انتهاز الفرص المناسبة للدعوة والتوجيه على أن لا يكون في ذلك مبالغة، وعلى
أن تراعي أحوال المدعوات وإلا كان الكلام ممجوجاً ثقيل الظل. وبالتالي تمقت
المبادئ التي تدعو لها.
س: أين تقف المرأة المسلمة الآن من مؤسسة الأسرة وهموم هذه المؤسسة؟
ج: للأسف قد تزف الكثير من فتياتنا إلى بيت الزوجية، والواحدة منهن
تحمل أوهاماً كثيرة.. تظن أنها ستذهب للراحة والتدليل، وما درت أن هذه بداية
المسؤوليات، فقد ذهب دور الأخذ الأسري الطفولي وجاء دور العطاء العاطفي
والتضحية بالراحة والرغبات لمصلحة كل من الزوج وأهله والأصحاب والجيران.. ومن ثم الأولاد.
وتبدأ المشاكل حين تصطدم الفتاة بالواقع الذي لم تهيأ له، وقد يطول لسان
المسكينه لتثبت أنها ليست بأقل من رجلها، فتحول دون الهناءة المنتظرة ويتعلم
أطفالها ذلك.
والمرأة الداعية لدينها تعلم أنها إن احترمت زوجها وأحسنت عشرته احتساباً
للثواب من الله فهي في عبادة تؤجر عليها.
وإن حفظته في أهله فراعت حقهم وأحسنت إليهم، وإن حفظته في ماله
فوضعت كل درهم في موضعه المشروع فهي في عباده. وهي إن ربت أولادها
فأحسنت أدبهم فهي في عبادة يبقى أجرها لما بعد الموت، تعرف أطفالها حق الله،
وتتابعهم في أداء الصلاة، تعودهم على مراقبة الله والعمل على مرضاته، تعرفهم
حق الوالدين، فلا تسمح لأحد بذكر كلمة سوء عن الأب، حتى ولو كانت في أشد
حالات الغضب. وإلا فهي التي ستتلقى التهجمات من ابنها نفسه فيما بعد؛ لأنها قد
أورثته العقوق، تحببهم في العلم ومصاحبة الكتب..
وهكذا تجعل من بيتها واحة عطرة تفوح بالخير والفضيلة في أرجاء المجتمع، والمسؤولية للنهوض، بالمرأة (فيما أرى) موزعة بالتساوي على أسرنا وإعلامنا
ومناهج الدراسة.
س: ما هي الكتب والموضوعات التي تبني شخصية المرأة وتنميها في
الأمور التي نرى أنها مهمة لها كمسلمة تعيش في ظروف المجتمعات الإسلامية الآن؟
ج: الكتب كالدواء فكما أنه يوصف لكل مريض ما يناسبه، ويضر به أن
يعب من الصيدلية أي دواء. كذلك فلكل امرأة ما يناسبها من الكتب حسب ثقافتها
واستعداداتها والغاية التي تريد أن تقرأ لأجلها. وعلى العموم فالكتب التي يشترك
الجميع فيها قد تكون:
- المرأة بين الفقه والقانون لمؤلفه، د. مصطق السباعي -رحمه الله-
- كتاب الحجإب - تفسير سورة النور، لأبي الأعلى المودودي -رحمه الله-
- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، لأبي الحسن الندوي.
- واقعنا المعاصر، محمد قطب -حفظه الله-
- قولي في المرأة، مصطق صبري -رحمه الله-
- الإسلام والحضارة الغربية، د. محمد محمد حسين -رحمه الله-
- المجلات الإسلامية كالبيان مثلاً.
س: باعتبارك تشرفين على المدارس الأهلية للبنات، فما انطباعاتك عن هذه
المدارس؟ وما دورها في تربية أبناء المسلمين تربية إسلامية هادفة؟
ج: للمدارس الأهلية دور كبير في التغيير الاجتماعي سلباً أو إيجاباً، وقد
عرف المبشرون والعلمانيون ذلك، فتخرج من مدارسهم أناس أداروا دفة التوجيه
والقيادة في كثير من بلادنا الإسلامية.
واليوم ولله الحمد قد أدرك الكثير من المسلمين أهمية المدارس والتربية فيها،
فنشطوا ليسدوا بعض الثغرات، وليقوموا بأمانة تربية الأجيال المسلمة، وأصبح
كثير من هذه المدارس يسعى إلى غرس المثل الإسلامية، والقيم الخلقية السامية
رغم العقبات التي تلقاها، من قلة الكوادر المؤهلة في الإدارة والتعليم حيناً، أو
الصعوبات المالية حيناً آخر أو تدخل الأنظمة في أكثر بلدان المسلمين؛ لتحد من
انطلاقة المدارس الجادة نحو تحقيق أهدافها المرجوة الخيرة.
ومهما يكن الأمر فهي معقد الأمل للتربية الإسلامية المنشودة، جزى الله
القائمين عليها خيراً.
س: وأخيراً هل لديك نصيحة تريدين توجيهها إلى الفتاة المسلمة؟
ج: نعم أرجو من كل فتاة مؤمنة أن تكون على مستوى مسؤوليتها،
فالمؤامرات تحاك ضدها فلا تنخدع.
وأن تشعر أنها على ثغر خطير من ثغور الإسلام، فلا يؤتين من قبلها.
أن ترتفع فوق جواذب الأرض والتفاهات الفارغة، والموضات الخداعة
القاتلة، لأنها ذات رسالة وأية رسالة! إنها إعداد الأجيال المؤمنة، لَبِنات الحياة
الإسلامية، والمجتمعات الجادة على طريق سلف هذه الأمة وما ذلك على الله بعزيز.