الافتتاحية
في مساء يوم الجمعة 14 أيار (مايو) من عام 1948 وقف الصهيوني بن
غورين ليقرأ بيان الاستقلال وقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، وكانت
البداية مؤتمراً عقد في مدينة (بازل) في سويسرا الذي كتب عنه هرتزل في مذكراته
«لو أردت أن أختصر مؤتمر بازل في كلمة واحدة - وهذا ما لن أفعله - لقلت:
في بازل أسست الدولة الصهيونية، ولو أعلنت اليوم ذلك لقابلني العالم بالسخرية
والتهكم، ولكن بعد خمس سنوات على وجه الاحتمال، وبعد خمسين سنة على وجه
التأكيد سيرى هذه الدولة جميع الناس»
وما بين هذا التخطيط وقيام الدولة كانت هناك مؤامرات وأساليب ماكرة
ومساعدات قوية من الغرب، قابلها من العرب والمسلمين حركات جهادية عفوية
قليلة العدد والعدة، أو لجوء إلى منطق الضعفاء: الشكوى والشجب، وتصديق ما
يقوله الغرب ويكثر فيه من الوعود وإرسال اللجان للتحقيق وطرح المشاريع التي لا
يقصد منها إلا التسويف والخداع، حتى يتمكن العدو ويقوى مع الأيام. والعجيب أن
الغرب وإسرائيل استمرا على هذه السياسة، والعرب أيضاً استمروا على سياستهم،
فقد قاتل العرب مع الإنكيلز ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى طمعاً في
أن تتكرم عليهم بريطانيا بدولة عربية، ولكن بريطانيا كانت في واد آخر، كانت
تخطط مع فرنسا لابتلاع البلاد العربية، وفي هذه الفترة أعطت اليهود هدية ثمينة
وهي (وعد بلفور) لمساعدتهم على إنشاء وطن قومي، وفي عام 1921 زار وزير
مستعمراتهم (تشرشل) مصر فقدم له عرب فلسطين شكوى عن اليهود وتصرفاتهم! ! واستمرت هذه السياسة إلى الآن. وفي عام 1946 جاءت لجنة لتقصي الحقائق في فلسطين، وأوصت ببقاء الانتداب البريطاني، وفي عام 1947 جاءت لجنة من الأمم المتحدة واقترحت تقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية، واعتبار القدس وبيت لحم منطقة دولية، واستمرت اللجان والمشاريع المطروحة من التقسيم إلى مشروع (روجرز) ، إلى (شولتز) و (بيكر) .
وفي عام 1937 عندما أنشب عبد القادر الحسيني القتال مع اليهود، أرادت
بريطانيا الالتفاف حول هذه الحركة، فاقترح أحد ساستهم (مكمايكل) : «أن يدخل
المسرح حكام البلاد العربية المجاورة الأكثر ميلاً للتعاون، كما اقترح إجراء
مفاوضات مع رؤساء بلديات العرب» .
وما يجري الآن وفي السبعينات هو عين ما جرى سابقاً، العرب يفرحون في
كل مرة انتظاراً للوعود، وسياسة إسرائيل والغرب من ورائها لم تتغير؛ ففي عام
1978 قاد موشى ديان وزير خارجية إسرائيل أمريكا: «كي لا تكون القدس
عاصمتنا لا يكتفي بقرار مجلس الأمن، بل عليهم كتابة التوراة من جديد، وتغيير
أحداث آلاف السنين» [1] .
واليوم يقول (شامير) الكلام نفسه، وسياسة أمريكا تقوم على ثوابت لم تتغير
وهي: رفض إقامة دولة فلسطينية، رفض أي تغيير في الضفة الغربية لا ينسجم
مع سياسة إسرائيل، رفض أي وفد فلسطيني مستقل لمباحثات السلام التي يعدون
بها.
لقد قدمت أمريكا أثناء حرب الخليج الوعود ذاتها لحل ما يسمى بـ (الصراع
العربي-الإسرائيلي) وبدأت زيارات (بيكر للمنطقة) وبدأت الآمال تتبخر يوماً بعد
يوم، وحتى لو كانوا صادقين، فإن هذه الجولات والمباحثات ستستمر سنين،
فكيف ونحن نعلم أنهم غير صادقين، وفي مقابلة تلفزيونية مع (وليم كوليي) ،
رئيس المخابرات الأمريكية السابق قال بمناسبة زيارة بيكر الثالثة: «إن ما ندعوه
بمبادرات السلام لا يستهدف حل النزاع العربي الإسرائيلي فهذا نزاع لا يمكن حله
الآن، وإنما الهدف الاستمرار في عملية السلام..» [2] .
وما زيارة وزير خارجية الاتحاد السوفياتي للمنطقة إلا تأكيداً لتضامنها مع
أمريكا، فقد صرح هذا الوزير في الأردن أن سياسة الاستيطان اليهودية تنسف
جهود السلام، ولكنه عندما زار إسرائيل لم يتفوه بكلمة حول هذا الموضوع.
وموقفه هذا يذكرنا بتنسيق روسيا مع أمريكا عشية حرب حزيران 1967
عندما أبلغت روسيا بواسطة سفيرها في القاهرة، أبلغت مصر بألا تكون البادئة في
الحرب مع إسرائيل، ويالها من نصيحة ثمينة.
فإذا كان الموقف الأمريكي لم يتغير، و (شامير يعمل بالفكر التوراتي ولا
يريد أن يقدم في آخر حياته تنازلات - بزعمه - للعرب، فلماذا هذا الركض وراء
(السلام) ؟
الحقيقة أن هؤلاء اللاهثين وراء الصلح هم فاشلون في الحرب وفاشلون في
السلم، وبما أن أمرهم ليس بأيديهم، فلم يبق أمامهم سوى هذه المسرحية السخيفة.