مجله البيان (صفحة 847)

تربية

ملاعبة الأطفال والرأفة بهم

خولة درويش

هؤلاء الأطفال ذوو النفوس الصافية، أحوج الناس إلى الرحمة بهم، والعطف عليهم، فهم يحسون بحسن المعاملة حسب مداركهم، ويهتمون بمن يوادهم منذ نعومة أظفارهم.

فاللعب حق من حقوق الصغار، وهو رمز لحيويتهم ونشاطهم، ويرى

(فروبل) أن الطفل الذي يلعب بنشاط، ولا ينفك يلعب حتى يصيبه الإجهاد فيكف؛

هذا الطفل سيكون في مستقبل حياته شخصاً ذا إرادة وعزيمة يكافح ويستميت في

النضال لخيره وخير غيره [1] ..

وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يداعب الأطفال، ويرأف بهم ويحسن

ملاعبتهم ومن ذلك مواقفه مع أحفاده ومع أبناء الصحابة -رضوان الله عليهم -

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «قبّل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر رسول الله إليه ثم قال: من لا يرحم لا يُرحم» [2] .

فالأطفال هم الأطفال، اللهو وحب اللعب من طبيعتهم، والإسلام يعطي

الطفولة حقها ويراعي الفطرة الإنسانية فلا يكبتها.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «دخل علي رسول الله -صلى الله عليه

وسلم- وأنا ألعب بالبنات (أي اللعب) فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: خيل سليمان ولها أجنحة فضحك» .

كان هذا والسيدة عائشة جارية صغيرة السن، يراعي رسول الله سنها

ودواخلها الفطرية، فلا ينهرها كما يفعل بعض الجفاة، ولذا هي بقلبها الكبير

النابض بحب الخير، تصبح من أمهات المؤمنين اللواتي يتسع عقولهن لمختلف

فنون العلم والتي قد يعجز عن مثلها الرجال. فما كان لهو الطفولة سبباً يباعد بينها

وبين النبوغ.

وقد جاء في الإصابة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يداعب الحسن والحسين -رضي الله عنهما- ويمشي على يديه وركبتيه وهما يتعلقان به من الجانبين فيمشي بهما ويقول: «نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما» . وهكذا فمن أهم واجبات المربي ولا سيما الأم أن تلعب مع أطفالها بمرح وحبور بعيداً عن الأنفة والكبر، يقول معاوية -رضي الله تعالى عنه-: (من كان له صبي فليتصاب له) .

ولا يفوتنا أن الغرض من اللعب ليس التسلية فقط ولا تمضية الوقت وبعثرته

وإنما نهدف إضافة إلى الترويح والتسلية أهدافاً نبيلة مفيدة تجعل اللعب في خدمة

المثل، توجهها الأم الحكيمة الوجهة التي تريدها وترضي ربها.

ففي اللعب التمثيلي يتعلم الأطفال الآداب الإسلامية التي تحرص على تمثلها

والعمل بها فيتعلم الأطفال آداب الحديث والزيارة والاستئذان والطعام والشراب،

وفي تمثيل الطبيب تشيع البهجة بين الأم وأطفالها، ويتعلم الطفل مساعدة المحتاج،

وكذا تمثيل رجل المرور حيث يتعلم آداب السير.

هذا وليست العبرة في كثرة الألعاب، أو غلاء ثمنها.. إن ميزاناً يعمل للطفل

من أغطية العلب الفارغة ويبيع فيه في دكانه له أثر كبير في تنمية خياله وتوجيهه

إلى أدب التعامل بما يتناسب مع طفولته.

ومن روائع ملاعبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأطفال، أنه مر بعبد

الله بن جعفر وهو يبيع مع الصبيان (أي يلعب لعبة البيع) فقال: «اللهم بارك له

في بيعه» .

ومع إتاحة الفرصة للأطفال في اللعب، لا يصح أن نمكنهم من الألعاب

المحرمة حتى لا يعتادوها: (مر ابن سيرين على غلمان يوم العيد بالمربد وهم يتقامرون بالجوز فقال: يا غلمان لا تقامروا فإن القمار من الميسر) .

وفي اللعب الجماعي وانتظار الدور يتعلم الأطفال الصبر واحترام رغبات

الغير، والبعد عن العزلة والحرية المنضبطة، والابتعاد عن الخطر، وتعلم وسائل

الأمن والسلامة والبعد عن الأنانية.

كما يزداد محصول الطفل اللغوي ونموه العقلي إذ يتفتح ذهنه في كل لحظة

على جديد، ويتعلم الطاعة وفن القيادة، ونصرة المظلوم.

توجيهات أثناء اللعب:

يحسن بالمربي أن يعامل الأطفال خلال ألعابهم حسب القوى التالية:

1- عدم التدخل في شأن الطفل أثناء انصرافه إلى اللعب إلا إذا استلزم نظام

طعامه أو نومه ذلك، أو إذا تعرض الطفل للخطر. على أن نكون مستعدين

لتشجيعه وتقدير أعماله وتقديم العون له إذا طلبه إلينا فقط.

2- أن نتقبل الفكرة أو الخطة التي يرسمها الصغار للعبهم، ولا نفرضها

عليهم، من أجل استفادتهم وللوقوف على أسلوبهم في التفكير وهكذا نستطيع أن

نوجه نشاطهم في لباقة تبعد بهم عن الفوضى والعبث.

3- مشاركة الطفل بين حين وآخر في لعبه تعليماً له وتفريحاً.

4- لا يعطى الأطفال لعباً كثيرة دفعة واحدة حتى لا يزهدوا فيها جميعاً أو

يعبثوا بها.

5- الموازنة بين اللعب الجماعي والفردي لإبعاد الطفل عن الانطواء،

وتعليمه أسلوب التعامل مع الغير واحتمال الأذى والتعرف على وجهة النظر

المخالفة

6- اللعبة الجيدة هي التي يستطيع الطفل أن يستخدمها بأوجه مختلفة وتندمج

مع تصوراته الخيالية، أما اللعب الميكانيكية فهي قليلة الأهمية في مرحلة الرضاعة

والطفولة المبكرة لأنها تثير الخوف في نفس الرضيع ولا تترك له شيئاً حتى يعمله

بنفسه.

وليست العبرة في غلاء اللعبة وارتفاع ثمنها فقد يعزف الطفل عنها ليلعب

بكرتونة فارغة أو نحوها، وقد تتصرف الأم بالألعاب القديمة فتجعل فيها حركة

وحيوية تثير فرح الطفل وتسعده أكثر بكثير من الألعاب ذات الثمن المرتفع. وهكذا

بالإمكان أن يعيش الأطفال في أجواء مريحة منشطة ومفيدة دون تكاليف تذكر.

7- مراعاة الأمن في اللعب وعدم إرهاق حسه بكثرة التعب فيه، وكذا عدم

اللعب في الليالي عند العشاء فعن جابر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كفوا صبيانكم عند العشاء فإن للجن انتشاراً أو خطفة» [3] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015