الافتتاحية
(3)
لم يشعر المسلمون أنهم بحاجة، إلى منهج يضبط أقوالهم وتصرفاتهم كما
يشعرون في هذه الأيام، حيث أثبتت الأحداث الأخيرة أنه بغياب هذا المنهج
ضاعت الرؤية الإسلامية الصحيحة، وغاب الوعي عن خطورة الأعداء، ووضح
العجز عن اتخاذ موقف يرضي الله سبحانه وتعالى، موقف تاريخي لتعلقه في
بأحداث كبيرة لها شأن في مستقبل الأمة.
وللمرة الثالثة نعود لنؤكد أن المنهج الصحيح هو منهج أهل السنة، فهو
العاصم من الزلل وهو الذي يهدي في حالك الظلمات، هذا المنهج هو الذي جعل أبا
بكر الصديق -رضي الله عنه- يقف من حركة الردة ذلك الموقف الصلب حتى
أذعن له بقية الصحابة، وهو الذي عصم الإمام أحمد حين تساقط كثير من ...
الشخصيات، وهو الذي جعل ابن تيمية يصمد للتتار في دمشق حين صمم أهلها
على تركها خوفاً من الدمار الزاحف، وحين فكر العلماء أنفسهم بترك دمشق، وقد
ذكرهم ابن تيمية بغزوة الأحزاب وأن النصر للمسلمين.
إن التمسك بهذا الميزان العادل والقسطاس ليس صعباً ولا هو من الأمور
المستحيلة بل كما قال تعالى: [وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ] فهو يسير
على من يسره الله عليه، وعسير على من لم يوفق لذلك لضعف في الرأي أو هوى
خفي، أو لجهل في فقه الكتاب والسنة، ومبادئ الإسلام الكبرى في السياسة والحكم
في الحرب والسلم، وفي تقدم الأمم ورقيها، وسنن الله في فشلها وذهاب ريحها.
إن هذا المنهج ليس للذين يقيسون الأمور بآرائهم، ويسمونها (اجتهاد) دون
علم شرعي دقيق ودون فقه للولاء والبراء، ولا هو للذين يبترون النصوص مع قلة
معرفتهم بالواقع ومعرفة مناط الحكم، والذين يتكلمون عن المصلحة لا يملكون
وسائل الاجتهاد، فكيف يجتهدون في أمور خطيرة؟ ! هلا استشاروا قبل أن يقدموا، وهلا دققوا في تحقيق المناط والإحاطة بكل جوانب القضية، وماذا يقول قادة
الرأي وزعماء الأمة حين يتركون شعوبهم تتيه في بيداء الأوهام وهم المكلفون
بقيادتها إلى مواقف العزة والكرامة، وإذا كانوا هم الرواد فإن الرائد لا يكذب أهله.
إن التمسك بالمنهج عند بعضهم كان نظرياً وعندما جاء التطبيق ابتعد كثيراً
عن الأصل، بل إن بعضهم لا يحبون امتلاك منهج ما لأن هذا يتعبهم، وهم تعودوا
التنقل حسب المزاج وما يسمونه (المصلحة) وهل هناك مصلحة غير مستنبطة من
فقه الكتاب والسنة وتطبيقات هذا الفقه عندما كان المسلمون يعيشون في ظل
الاستعلاء الإيماني اللهم لا مصلحه إلا في هذا الفقه، ولابد من العودة إلى هذا
المنهج. ...