منتدى القراء
تصحيح مفاهيم
حول كتاب واقعنا المعاصر
زين الدين حاج الطيب
حينما نزل العمل الإسلامي إلى الساحة السياسية ثارت بلبلة في صفوف بعض الشباب الذين أخذوا أطراف الحديث حول هذا الموضوع مستدلين بتجارب لا يمكن
مقارنتها مع الوضع القائم في الجزائر [1] ومستشهدين في ذلك بمواقف الأستاذ
محمد قطب الذي تعرض في كتابه «واقعنا المعاصر» للعمل الإسلامي الذي
ينطلق من منبر الحكم ليصل إلى القاعدة مع العلم أن الحال في بلادنا يكاد يكون
العكس تماماً، والفرق شاسع بين طليعة تريد أن تبلغ الإسلام إلى الشعب من خلال
منبر الحكم وبين شعب يريد أن يبلغ الإسلام إلى منبر الحكم من خلال طليعة.
إن الجبهة الإسلامية هي وليدة إرادة شعب وليس إرادة أشخاص.
«فهي ظهرت وليدة روح وإرهاصات تاريخية وليست حركة كونتها جماعة
أرادت أن تكون حزباً، إنما هي مولود تاريخي» [2] .
إن من حظوظ الحركة الإسلامية في الجزائر هو كونها تتعامل مع شعب يتميز
بروح جادة يمكن أن نقارنها بحرارة الشعب الأفغاني ويكفي أن نشير بأن عدد
ضحايا أكتوبر كانوا أكثر من عدد ضحايا بعض الشعوب في ثوراتها التحريرية.
إنه لا يمكننا مقارنة الجبهة الإسلامية ببعض الحركات في الشرق، ولاسيما
في مصر، حيث تعرض الأستاذ محمد قطب لتلك التحالفات التي خاضها المسلمون
مع بعض الأحزاب من أجل الوصول إلى البرلمان. فالجبهة الإسلامية بقوة
أنصارها وولاء الشعب لا تزال متميزة بشعارها وأهدافها ووسائلها وهي بهذا غنية
عن أي تحالف يكون على حساب أهدافها.
وهذا الكلام لا يعني التقليل من شأن الحركة الإسلامية في مصر التي نعتبرها
هي الرائد في مطلع هذا القرن، إنما أردنا أن نقول إن للشعوب حظوظاً، وأن حظ
الحركة الإسلامية في الجزائر كان في عزيمة الشعب وحماسته وإخلاصه لدينه.
إن فضيلة الأستاذ حينما يتعرض للمسلمين الذين يشتركون في الحكم بعد ما
كانوا ينتقدونه ويقولون للناس: [ومَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ]
صادق في كلامه، مصيب في انتقاده - وموقف الجبهة الإسلامية في هذا الصدد
واضح ليس فيه التباس، فهي تستعمل المطالبة والمغالبة دون إفراط أو تفريط لقوله
تعالى: [ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ] ، وقوله -عليه
الصلاة والسلام-: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من
خالفهم ولا من خذلهم» ، وتستعمل المطالبة لإقامة الحجة لقوله تعالى: [ومَا كُنَّا
مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً] وقوله تعالى: [ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ
حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ] .
كما تستخدم المغالبة لضمان مصالح الأمة والمحافظة على ثوابتها وصيانة
مكاسبها؛ لقول عمر بن الخطاب: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم
أحراراً» .
إن مسألة تحكيم شرع الله أصبحت مطلباً شعبياً وليست مطلب الحركة
الإسلامية فحسب وهذا ما يوافق قول الأستاذ محمد قطب في التغيير حينما قال:
(إن المسلمين يصلون إلى الحكم ممكنين في الأرض حين تعي الجماهير جيداً أن
«لا إله إلا الله» معناها: تحكيم شريعة الله [3] ، فالشعب الجزائري بوعيه الفطري
لمقتضيات الشهادة عبر عن رغبته في تطبيق شرع الله، وذلك من خلال الانتخابات
التي كانت فيها الأغلبية الساحقة للجبهة الإسلامية.
فالجبهة الإسلامية كالحوتة بحرها الشعب [4] ، شعب واع متحمس لدينه
وعقيدته.. ويكفي أن نشير بأن هذا الشعب في تجاوبه مع الجبهة أصبح مستعداً
لمواجهة أشد التحديات.