تربية
تعويد الأطفال تحمل المسؤولية
خولة درويش
«يرى جميع المربين أن تنمية الشعور بالمسؤولية لدى الطفل ينبغي أن
يكون الهدف الذي تسعى إليه تربيته وتعليمه فيما تقدمه له من خبرات وتتبع معه من
أساليب» [1] .
وذلك أن الإنسان اللاهي العابث لن يفيد أمته ولا نفسه بشيء ذي بال. وقد
غرس الإسلام في نفوس أتباعه منذ فجر الدعوة الإحساس بمشاعر الأخوة
والتزاماتها، ذلك أن الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخرين لن يتكون إلا نتيجة تحمل
المسؤولية فعلاً، أي عن طريق المشاركة مع الآخرين من أفراد الجماعة في دراسة
ومواجهة المشكلات العامة التي تضمهم وتربط بينهم جميعاً، وهذا نموذج من توجيه
النبوة يرشدنا إلى أسلوب بناء شخصية الناشئ، قال تعالى في قصة إبراهيم -عليه
السلام-: [فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ
مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ]
[القصص: 26] .
فلم يتعجل -عليه السلام- على ولده ليقضي أمر الله تعالى، وإنما شاوره
لتكون الاستجابة عن رضا نفس.
فاحترام شخصية الطفل وإشعاره بالثقة في نفسه خير معين له على تحمل
المسؤولية والقدرة على حمل التبعات.
-روى مسلم عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- «أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره
أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر
بنصيبي منك أحداً» رواه مسلم.
وهكذا يعتاد الطفل الجرأة الأدبية، وينشأ بعيداً عن الانهزامية، وفيه قوة رأي
وحجة.
هذا ولتحميل الأطفال المسؤولية حدود لا يجوز للمربي أن يتعداها. فلا يصح
تكليف الأطفال فوق طاقتهم، وكذا الاستعانة بهم استغلالاً لهم في أمور تجري فيها
الإجارة، وقد جاء في المدونة: وكل من استعان غلاماً ما لم يبلغ الحلم فيما ينبغي
في مثله الإجارة، فهو لما أصابه ضامن [2] . كما وأنه لا يصح بحال أن نئد
شخصياتهم، ونهدم فيهم روح الابتكار والتجديد بالتسلط، وحد باب الحرية أمامهم.
«إن التحكم الفارغ من الأبوين لمجرد الإلزام بالطاعة وتعويد الطفل عليها،
فذلك حري بأن ينتهي بالطفل إلى التمرد إن كان شديد المراس، أو الاستكانة
والانطواء إن كان لين القوام، وكلاهما فاسد» [3] .
ويبقى التوازن بين الضبط والحرية اللامسؤولة هو الأسلوب الحكيم، وخير
الأمور أوسطها.
نعود الطفل الاعتماد على نفسه في الأكل والشرب، بل واختيار ملابسه فتنمو
شخصيته، يشارك في ترتيب السرير والمائدة والكتب ... ونحوها، فينبذ الكسل
والتوكل والخمول ويتجه إلى العمل المنتج.
يتعامل مع مصروفه الشخصي بحرية موجهة.. ماذا يشتري وماذا يترك؟
وفي العمل تشاوره المربية: إنك سترتب ألعابك وتمسح غبار الغرفة، فأيهما ترغب
تقديمه الآن، وأيهما يؤخر إلى ما بعد ساعة من الآن؟
لعل ذلك يساعد في قدرته على تحمل المسؤولية، والإحساس برغبات
الآخرين، وتقدير قيمة ما سيعمله لأنه سيجني نتائجه. فعندما يخطئ ندربه كيف
يتعلم من أخطائه ونعالج الخطأ بحكمة، فيصلح الطفل ما أفسد، ويزيل آثار فعلته،
فإن وسخ ينظف، وإن تكلم بكلمة خاطئة يعتذر.. أو يحرم من لعبة ما.. وفي كل
حال لا بد من الحكمة والعبر في التعامل مع الأطفال، والنظر إلى الأسباب الكامنة
وراء أعمالهم من وجهة نظرهم هم، لا كما يراها الكبار، ومن ثَمَّ معالجتها
بتحميلهم تبعات أعمالهم. وبالمقابل تشجيع من يبدي استعداداً لتحمل المسؤولية،
نشعرهم بلهجة الحب والحنان بواجبهم وإمكانياتهم، وأنهم سيصبحون من أبطال
الإسلام، فقد كانوا أطفالاً مثله، وبذلك نبعث الثقة في نفوسهم ويتوثبون نحو العمل
الخير المفيد. فإذا بالبنت تعين أمها والولد يساعد أباه حسب إمكانيات الأطفال وكل
يبذل جهده راضياً ليعمل بعيداً عن اللهو والعبث.