الافتتاحية
ليس هناك منطقة في العالم تعرضت للغزو ورد الغزو، وقامت على أرضها ...
حروب ومعارك كالمنطقة العربية، أو ما يسمونه في لغة الغرب (الشرق الأوسط) ،
إنها التفاحة التي تغري الآخرين بقطفها، فهي دائماً في نظر هؤلاء بلاد (السمن
والعسل) ، جاءها الإسكندر من الغرب، وجاءها هولاكو من الشرق، وذهب
الغازيان وبقيت المنطقة محتفظة بهويتها وثقافتها، هكذا قدر لها، وهكذا ينظر إليها
الغرب، كما يؤكد تقرير صادر عن مجموعة العمل الخاصة بالشرق الأوسط التابعة
للمجلس الأطلسي حينما عبر عن لا (الأهمية العظمى) ، للشرق الأوسط. [1] .
لقد كنا نحاذر أن تقع هذه الحرب التي أعقبت أزمة الخليج، وكنا نتمنى ألا
تقع، لأنها ستترك جرحاُ ليسر من السهل برؤه في المدى القريب، ولكن ستبقى
هوية المنطقة (الإسلام) ، وستبقى أصالة المنطقة.
لقد تذكرنا في هذه الأيام قول أحد شعراء الإنكليز المشهورين (الشرق شرق
والغرب غرب، ولن يلتقيا) ، هذه المقولة التي حاول كثير من الكتاب في الشرق
والغرب أن يثبت عكسها، ولكنها الحقيقة التي تثبت نفسها مع الأيام، فطبيعة
الثقافة الغربية التي يرضعها الطفل من المنزل والمدرسة والمجتمع تختلف جذرياً
عن طبيعة الثقافة الإسلامية، فالغربي الذي يعطف على الحيوان، وفي الوقت نفسه
يخرب البلدان إنما يعبر عن ثقافته، وليس من باب التمثيل أن يعطف على الحيوان
لإظهار رقته ورحمته، ولكنها الثقافة الغربية، ومن النماذج الواضحة في
ذلك ما يروى أن جندياً إنكليزياً كان يصوب بندقيته على مواطن كيني، فما
كان من هذا الكيني إلا أن هجم وعض الإنكليزي فاستغرب الأخير هذا التصرف
والتفت إلى زميل له وقال له: انظر إلى هذا المتوحش....
كان أجدادنا على علم بعقلية الأوروبيين وطريقة تصرفهم، فعندما كتب مسلمو
الأندلس معاهدة مع ملك أسبانيا يؤمنهم على أموالهم وأعراضهم، وحرية تدينهم قام
فيهم القائد العربي موسى بن أبي الغسان وقال: «يا قوم لا تغشوا أنفسكم، ولا
تتسلوا بالمحال، ولا تظنوا أن ملوك النصارى وافون بمواعيدهم لكم، فوالله إن
الموت الأحمر هو أهون مما نتوقع، وإنما نحن مستقبلون أمراً أيسره اكتساح
الأوطان وفضيحة العيال وانتهاب الأموال وقلب المساجد» .
كما يعبر عن هذه الحقيقة المستشرق النمساوي الذي اعتنق الإسلام محمد أسد، عندما قال: «قد لا تقبل أوربا تعاليم الفلسفة (البوذية) ، أو (الهندوكية) ، ولكنها
تحتفظ دائماً فيما يتعلق بهذين المذهبين بموقف عقلي متزن ومبني على التفكير، إلا
أنها عندما نتجه إلى الإسلام يختل التوازن، ويأخذ الميل العاطفي في
التسرب..» [2] .
ويقول غوستاف لوبون: «لقد تجمعت العقد الموروثة، عقد التعصب التي
ندين بها ضد الإسلام ورجاله، وتراكمت خلال قرون سحيقة حتى أصبحت ضمن
تركيبنا العضوي» [3] .
إن الغرب وهو في نشوة انتصاره لا يتنبه إلى قوانين التاريخ الصارمة، إنه
لا يستطيع العيش طويلاً وهو يجترح الأزمات ويمتص خيرات الشعوب، وله عبرة
في الامبراطورية الروسية، التي أضعفت الدولة العثمانية ثم بدأت تلتهم الأقاليم
الإسلامية في آسيا، ثم جاءها العقاب الخفي، وجدت نفسها فجأة خاوية على
عروشها، تستجدي المعونة الاقتصادية، وهكذا علمت روسيا وسيعلم الغرب أن
الظلم مرتعه وخيم.