سنتعرض في هذه الدراسة لبعض ما يحدث في أعياد الغرب المسيحي من
غرائب، وللأصول الوثنية التي تستند إليها هذه الأعياد، وليكن مجال بحثنا ما
يسمى بعيد ميلاد المسيح (عليه السلام) [1] ، وعيد رأس السنة الميلادية كأكبر
مناسبة في الغرب النصراني.
فالاحتفالات بهذا العيد تقام في يوم وليلة الخامس والعشرين من شهر ديسمبر
(كانون الأول) في المجتمعات النصرانية الغربية، وبعد ذلك بحوالي أسبوعين عند
النصارى الشرقيين.. حيث تغلق جميع الدوائر الرسمية وغير الرسمية أبوابها،
وكذلك المستشفيات والمحلات التجارية وتتوقف كثير من وسائل المواصلات
كالحافلات والقطارات عن العمل. وفي العموم فإن حركة الحياة تتوقف في ذلك
اليوم كما لو كان الناس قد نزلوا إلى ملاجئهم إثر غارة جوية معادية!
لكن لعل المقيم في تلك البلاد أو الزائر في ذلك اليوم والليلة يرى أن نوعين
من المحلات لا تغلق أبوابها، بل يزدهر سوقها ويكثر روادها، وهما: حانات
الخمور والبارات التي يشرب فيها الخمر والمسكرات؛ حيث يفرط الناس بشربها
إلى حد فقدان العقل وفقدان السيطرة على السلوك مما حدا بالشرطة البريطانية إلى
إصدار قرار بتخفيض النسبة المسموح بها من الشراب لمن يقود السيارة إلى خمسين
بالمائة [2] وذلك قبيل عيد الميلاد السابق.
ومن عجائب المفارقات أن أحد رجال الشرطة المكلفين بحفظ الأمن في تلك
الليلة قاد سيارته وهو في حالة سُكر، بعد أن خرج من حفلة شراب للشرطة
بمناسبة عيد الميلاد! ؛ مما تسبب في اصطدامه بسيارة أخرى، وذلك بعد ساعات
من إصدار قرار التخفيض السابق! ! ؛ مما جعل مدير الشرطة يصدر أمراً لجميع
أفراد الشرطة يحرم فيه عليهم الشرب قبل قيادة السيارة!
(صحيفة (ستار) The Star 27/12/86 وصحيفة (صن) The Sun
27/12/86م) .
ورغم تفاؤل الشرطة البريطانية بقانون التخفيض الجديد والذي قد يكون قلل
من عدد الوفيات نتيجة حوادث السير في عيد الميلاد السابق مقارنة بأعياد الأعوام
السابقة.. إلا أنه من لم يمت بالسيف مات بغيره.، فمن الحوادث الطريفة في ليلة
العيد السابق أن شاباً سقط من ارتفاع أربعين قدماً على شابة تبلغ العشرين من العمر؛ مما أدى إلى إصابتها بالشلل المزمن.. الشاب المخمور قال لأصدقائه: لقد كنت
في غيبوبة تامة ولا أستطيع أن أتذكر كيف سقطتُّ كل هذه المسافة! ! (صحيفة
(صن) The Sun 27/12/86) .
وإذا كان المعنى اللغوي للعيد أنه الذي يعود بالفرح والمرح والسرور فإن
العقلية البناءة (! !) للحضارة المعاصرة أبت إلا أن تجعل منه شيئاً آخر.. ونحن
وإن كان بين أيدينا عدد من حالات الخطف والقتل والاغتصاب التى حدثت في ليلة
العيد السعيد! إلا أننا لسنا بحاجة إلى سردها - وليس هذا موضعها - ويكفي
القارئ العزيز أن يعلم أن الخمر أم الخبائث.. وأن يعرف أنه كما أغلقت الدوائر
والمحال التجارية أبوابها في ذلك اليوم والليلة فإن من تربوا منذ نعومة أظفارهم
على أفلام العنف والجريمة وأفلام المجون والخلاعة قد استنفروا طاقاتهم القصوى
في سبيل تحقيق تلك الشهوات وإشباع تلك الغرائز.. ولك أن تتصور أي سعادة
وسرور يعيشها طفلان لم يتجاوزا الخامسة من عمرهما، وأى معانٍ من معاني ميلاد
المسيح تبقى في ذهنيهما بعد أن شاهدا وحشاً كاسراً يهجم - تلك الليلة -على أمهما
وجدتهما ويحيلهما إلى جثتين هامدتين تسبحان في بركة من الدماء؟ ! ويولي هارباً.. بقي أن تعرف - أخي القارئ - أن هذا الوحش هو (والدهما الحنون) !
(صحيفة (صن) 27/12/86) .
وإذا كان كثير من الناس في ليلة عيد الميلاد ويومه يمكثون في بيوتهم أو في
خماراتهم يعربدون.. إلا أنهم وفي ليلة رأس السنة الجديدة يخرجون إلى الاحتفالات
بسكرهم وعربدتهم، فقد أعلنت الشرطة البريطانية أنه قد تم إلقاء القبض على ما
يزيد على (150) شخصاً في منطقة ميدان (الطرف الأغرّ) بوسط لندن والتي
تتركز فيها عادة الاحتفالات بحلول العام الجديد.. وكانت معظم الحوادث التي
وقعت قد جاءت نتيجة للسكر والإخلال بالنظام العام والتعدي على الناس.. وقد
عالجت سيارات الإسعاف (195) شخصاً من بين المحتفلين بالمناسبة بسبب
إصابتهم بجروح نتيجة تهشم زجاجات الشراب! وقد نُقل نحو خمسين آخرين إلى
المستشفيات للعلاج، وقد قُدر عدد رجال الشرطة الذين أصيبوا في هذه الحوادث
بنحو أربعين رجلاً (جريدة الشرق الأوسط، 29/12/86) .
وها هنا نوع آخر مما ابتُلي به أهل هذه الحضارة:
ففي روما أعلنت وزارة الداخلية الإيطالية عن الحصيلة النهائية لضحايا
استخدام المفرقعات والألعاب النارية الملونة في احتفالات رأس السنة الجديدة،
وقالت مصادر الوزارة: إن مواطناً كهلاً قُتل في مدينة نوشيرا في الجنوب الإيطالي
بفعل دخان مفرقعة، وجرح (600) شخص آخرون في روما ونابولي وغيرهما من
المدن الإيطالية، ومعظم المصابين يعانون من حروق في اليدين والوجه بسبب
انفجار المفرقعات بأيديهم، أو بسبب عدم احترام الشروط القانونية أثناء تصنيع هذه
المفرقعات.. وتعتقد أوساط الداخلية أن عدد الجرحى أكبر من الرقم المعلن؛ لأن
العديد ممن أصيبوا بجروح لم يلجأوا إلى المستشفيات العامة وفضَّلوا الصمت.
وكانت صحيفة (كورييري ديلاسيرا) الإيطالية قد ذكرت أن ثلاثة أشخاص
قتلوا وأصيب أكثر من (500) في هذه الاحتفالات (الشرق الأوسط 3/1/86) .
ومصائب أعياد رأس السنة الميلادية لا تقتصر على أوربا وأمريكا بل
تنسحب على كل الذين يحيون تلك الاحتفالات.. ففي مانيلا (عاصمة الفلبين) لقي
اثنان وعشرون شخصاً حتفهم وأصيب المئات من جراء الألعاب النارية وإطلاق
النار في أجواء العاصمة، وذكرت مصادر الشرطة الفلبينية أنه رغم الحظر
الحكومي على استخدام الألعاب والقذائف النارية إلا أن هؤلاء لم يبالوا به، وأن
المستشفيات تستقبل مئات المصابين من جراء هذه الألعاب والطلقات الطائشة، ومن
بين الضحايا خمسة من أعضاء أسرة واحدة كانوا نائمين داخل منزلهم الخشبي الذي
احترق من جراء الألعاب النارية (الشرق الأوسط 3/1/86) .
تكاليف عيد الميلاد من منظور آخر:
اطلعنا حتى الآن على شيء من التكاليف البشرية والصحية والاجتماعية
والأخلاقية لأعياد الميلاد في بلدان الحضارة المعاصرة.. فلننظر إليها الآن من
زاوية أخرى.. زاوية التكاليف المادية.. فكما أسلفنا القول إن المجتمعات الغربية
تتناول من الخمور في تلك الأيام ما لا تتناوله في غيرها ... فمصانع الخمور
والمشروبات الكحولية تعمل بطاقاتها القصوى قبل حلول العيد.. ومحلات بيعها
تظل مشرعة أبوابها حتى ساعات الصباح المتأخرة.. ويقتنيها الناس على هيئة
خزانات صغيرة في البيوت انتظاراً لتلك الليلة حيث يجتمع فيها الأقارب المقربون
ذلك الاجتماع اليتيم! ! وكأن هذه العربدة المفرطة هي الاحتفال اللائق بذكرى ميلاد
المسيح (عليه السلام) ! !
إن كل هذه الحشود الكحولية تكلف ميزانية الفرد ومن ثم المجتمع الغربى ما لا
يحصى من الأموال.. وهى في نفس الوقت تكلف ميزانية الدولة في المحافظة على
الأمن ومواجهة حوادث السير والشغب ومعالجة المرضى والمصابين والبحث عن
الجناة القاتلين أو عن الخاطفين والمخطوفين! !
* ومن مظاهر البذخ في احتفالات أعياد الميلاد لدى المجتمعات المتحضرة ما
أسلفنا ذكره من الألعاب النارية والمفرقعات وهى بلا شك تكلف الكثير.. الكثير..
ولها من الآثار - غير المادية - ما أسلفنا الحديث عنها.
* ومن تلك المظاهر أيضاً ما يسمى بشجرة الميلاد وهى من الأشجار
المخروطية دائمة الخضرة، تزرع خصيصاً لهذا الغرض.. حيث يقتنيها أغلب
الناس في الغرب، ويضعونها في منازلهم أو متاجرهم، ويزينونها بالأضواء
الملونة والتماثيل واللعب الصغيرة.. كما يضعون تحتها الهدايا التي أهداها بعضهم
لبعض.. ثم يفتحونها ليلة عيد الميلاد! ! وقد بِيع منها في أمريكا في عيد الميلاد
السابق حوالى (32) مليون شجرة (جريدة الأهرام 3/1/87) ولا يزيد هذا العدد
بكثير عن مثيله في البلدان الأوربية.
* ومظهر آخر من مظاهر هذا الإنفاق ما يسمى ببطاقات عيد الميلاد.. حيث
يرسل كل فرد عشرات البطاقات إلى أهله وأصدقائه أو زملائه في العمل يتمنى فيها
لهم عيداً مرحاً بهيجاً وسنة جديدة سعيدة.. وهذه البطاقات تعتبر معيار ومحك
الصداقة بين الناس.. فيكفي الابن العاق - وما أكثر العقوق في تلك المجتمعات! [3] الذي لم يَرَ والديه منذ سنوات وهو يعيش معهم إن لم يكن في نفس البلدة ففي
نفس القطر - يكفيه أن يرسل بطاقة تهنئة لوالديه بهذه المناسبة كى يصبح ابناً باراً
واصلاً لرحمه! !
وهكذا تنهال قبيل حلول العيد بأيام ملايين البطاقات على مصلحة البريد، مما
يحدوها إلى توجيه طاقاتها لتوزيع هذه البطاقات كى تصل قبل حلول العيد وتأجيل
الرسائل العادية مهما تكن أهميتها..
* ومن المظاهر التي يشاهدها رجل الشارع في احتفالات أعياد الميلاد الأنوار
والأقواس التي تتزين بها واجهات المحلات والشوارع الرئيسية العامة والتي ينفق
عليها الكثير من الأموال التي لو وُجهت لمصلحة الفقراء الذين يعيشون تحت
مستوى الفقر (راجع البيان عدد (?)) أو للذين ينامون في العراء تحت درجة
التجمد في الشتاء القارس فيفترشون ويلتحفون ما ترميه المحلات التجارية من
أوراق ونفايات - لا أقول في إفريقية الجائعة ولا في بعض المناطق الفقيرة من
القارة الآسيوية - وإنما في أكثر عواصم العالم تمدناً وتقدماً، في لندن وباريس
وواشنطن ونيو يورك وغيرها من كبريات المدن الأوربية والأمريكية.. إن هذه
الأموال - التي تنفق في مثل هذه المظاهر التي أسلفنا ذكرها وغيرها الكثير - لو
وُجهت في مثل هذه المصالح لحفظت حياة الكثيرين بل وأخلاقهم وشرفهم الذي
كثيراً ما تجري المساومة عليه بسبب الفاقة والحاجة!! لكنها الرأسمالية الظالمة! !
هذا غيض من فيض مما تنفقه الدول والشعوب في عواصم الإسراف
والفوضوية.. ولعل هذه الشعوب قد أسرفت في فهم قصيدة الشاعر الإنجليزي)
توماس تاسِّرTusser " عام حيث يقول:
(خذ في عيد الميلاد بأسباب المرح والابتهاج؛ فعيد الميلاد لا يجىء إلا مرة في العام) .
على أننا لم نتعرض بالذكر لما ينفق على الهدايا عشية الميلاد وغيرها مما
ليس له آثار سلبية واضحة على المجتمع.. وهكذا تنتهى مواسم الأعياد
والاحتفالات فيفتقد كل فرد رصيده فإذا هو قد أفلس أو كاد! ! هذا إن كان ممن
حالفهم الحظ فلم يقضِ أيام العيد على الأسرَّة البيضاء، أو خلف أستار الحزن على
ابن أو بنت اختطفت أو قريب أو صديق وقع ضحية للعنف أو لحوادث السير..
وإني لأجد التشابه جلياً واضحاً بين هذه الشعوب في أعيادها وبين قوم إبراهيم -
عليه السلام - حين رجعوا من عيدهم فرحين مبتهجين فوجدوا آلهتهم قد حُطمت..
فأصيبوا بخيبة أمل وعادت عليهم أعيادهم وبالاً وخزياً.. إلا أن الفارق الوحيد هو
أن ما حُطم هو الكفر والضلال بيد إمام الموحدين الخليل - عليه السلام - أما هؤلاء
فقد حطموا أنفسهم وأموالهم بأنفسهم وصدق الله العظيم إذ يقول في إخوانهم اليهود:
[يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ] [الحشر: 2] .
حقاً، إنها لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.. ألا فليعتبر أبناء
المسلمين الذين يريدون أن ينحوا بأعيادنا هذا المنحى الخطير بحجة التطور والرقى! وها قد تبين آثار البذخ والإسراف بكل أنواعه على الأفراد والمجتمعات فهل
ترضي هذه الآثار والنتائج رجلاً مخلصاً لأمته ومجتمعه؟ ! وهل يرضى عاقل أن
يرى هذا السموم تفتك بأهله وقومه؟ ! .. ألا فلنلتزم حدود ما أبيح لنا في أعيادنا
من لهو ولعب يسير فإن فيه الكفاية لما نتطلع إليه من مرح وفيه الملجأ مما
نخشاه من آثار وعواقب وخيمة.
خرافة سانتا كلوز أو ما يسمى بابا نويل:
ويتمثل في رجل عجوز سمين مرح ذي لحية بيضاء طويلة وملابس حمراء
زاهية.. يقولون إن أصله يرجع إلى القديس (نيكولاس) الذي عاش في أوربا في
القرن الرابع الميلادي وكان يعطف على الأطفال ويوزع عليهم الهدايا.. وقد تحول
الآن إلى أسطورة كبيرة يصدقها كثير من الأطفال (بل في استفتاء أجرته إحدى
شبكات التلفاز الأمريكية في عيد الميلاد السابق - قال 90% من الكبار أيضاً إنهم
يؤمنون بوجود سانتا كلوز) .
وتقول الأسطورة الحالية: (إن سانتا كلوز يعيش في القطب الشمالي مع زوجته وأعوانه يديرون مصنعاً كبيراً للُعب الأطفال، وفي ليلة الميلاد يسافران معاً على زحافة ثلجية يجرها ثمانية غزلان، وتمر الزحافة على سطح كل منزل لينزل منها سانتا كلوز من خلال المدخنة إلى غرفة الطعام ليضع الهدايا في جوارب خاصة يتركها للأطفال معلقة بجوار المدفأة.. وعادة ما يضع الأهل تلك الهدايا بدلاً من سانتا كلوز وقت نوم الأطفال، فإذا ما استيقظوا تيقنوا أن سانتا كلوز حقيقة لامراء فيها) (الأهرام 3/1/1987م) .
هكذا يتربى أطفال الحضارة المعاصرة على الخرافة والكذب! ! والأعجب
من ذلك أن تظل هذه الخرافة في عقول مَن تجاوزوا سن الطفولة! ! .
هل حقاً يحتفل النصارى بعيد ميلاد المسيح؟ !
يقول المؤرخون: إن المسيح - عليه السلام - لم يولد في هذا الموعد الذي
يحتفل به اليوم في البلاد النصرانية.. حيث يؤكد آباء الكنيسة في القرنين الثاني
والثالث الميلاديين أن ما يسمى بعيد ميلاد المسيح ما هو إلا صورة طبق الأصل لما
كان يحتفل به الوثنيون في أوربا قبل ميلاد المسيح بوقت طويل (دائرة المعارف
البريطانية ج16، ص364 رضي الله عنهritannica صلى الله عليه وسلمncyclopedia) .
وتقويم الأعياد المسيحية مأخوذ من (تقويم يوليوس الشمسي) وهو التقويم الذي
أدخله يوليوس قيصر إلى روما عام 46 قبل الميلاد.. والذي جعل أيام السنة 365
يوماً (المرجع السابق) .. حيث كان الوثنيون يحتفلون (يوم 25 من ديسمبر) بما
يسمونه " عيد ميلاد الشمس التي لا تقهر " أو ما يسمى " بيوم الانقل ابالشتوي
الصيفي الروماني" (المرجع السابق) ، ولقد أقيم أول احتفال بعيد ميلاد المسيح -
كما يزعمون - سنة 336 ميلادية في روما وذلك في اليوم السادس من شهر يناير.. ثم ثبَّتت الكنائس الغربية في نهاية القرن الرابع الميلادي الاحتفال بميلاد المسيح
في يوم (25 من ديسمبر) إلا أن الكنيسة في أرمينيا لم تعترف بهذا التغيير واستمر
الاحتفال به في السادس من شهر يناير (دائرة المعارف البريطانية ج4 ص283) ..
كما هو الحال الآن في معظم الدول الشرقية.. إلا أن المؤرخين يؤكدون أن المسيح - عليه السلام - لم يولد في أي من هذين الموعدين! ! .
أصل شجرة الميلاد:
أول من استخدم الشجرة هم الفراعنة والصينيون والعبرانيون كرمز للحياة
السرمدية، ثم إن عبادتها قد شاعت بين الوثنيين الأوربيين وظلوا على احترامها
وتقديسها حتى بعد دخولهم في المسيحية فأصبحوا يضعونها في البيوت ويزينونها
كي تطرد الشيطان أثناء عيد الميلاد (دائرة المعارف البريطانية، ج3، ص284) .
ولم يطلق عليها شجرة الميلاد إلا في القرن السادس عشر الميلادي - في ألمانيا الغربية - حيث تحولت مما يسمى (بشجرة الجنة) في الاحتفال الدينى
بذكرى آدم وحواء في 24 من ديسمبر إلى شجرة الميلاد، حيث أصبح الناس
يعلقون عليها الشموع التي ترمز إلى المسيح - بزعمهم - ولم تدخل فكرة الشجرة
إلى إنجلترا إلا في القرن التاسع عشر (المرجع السابق) .
هذه هي الجذور الوثنية لهذه الأعياد التي يحتفل بها النصارى اليوم
ويعتبرونها أكبر مظاهر دينهم، وينفقون فيها ملايين الدولارات.. وما مثلهم إلا
كمثل من وصفهم القرآن بقوله: [إنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ
يُهْرَعُونَ] [الصافات: 69-70] . على أنك لو سألت كثيراً ممن يحتفلون بهذه
المناسبة عن سبب احتفاله بها فإنه لن يعرف أكثر من كونه لا يذهب يومها إلى
العمل، ويشرب فيها الخمر بشراهة، ويتناول ليلتها الديك الرومى!
وإنه لمما يؤسف له أن ينخدع بعض من أبناء المسلمين بمظاهر هذه الأعياد
الزائفة، فصاروا يحتفلون بها في بلدانهم الإسلامية، ويتبادلون بطاقات التهاني أو
يتبادلونها مع النصارى ويهنئونهم بهذه المناسبة.. وكأنهم يقرونهم على دينهم!!
بل الأدهى من ذلك أنها أصبحت عطلة رسمية في كثير من بلدان المسلمين!
بل الأعجب من ذلك أن تبتدع بعض العواصم الإسلامية بدعة لم تسبق إليها،
وليس لهذه البدعة ما يقرها من شرع أو عقل أو قانون أو عرف، ألا وهي خروج
السفهاء في منتصف الليلة - التي سيتمخض عنها العام الميلادي الجديد - بأسلحتهم
النارية وما إن تقترب الساعة من الثانية عشرة ليلاً حتى تنطلق عاصفة من إطلاق
الرصاص الذي يقوم به موظفون رسميون من جنود وميليشيا، على مسمع الدولة
التي سلحتهم وبصرها، وهكذا تستمر هذه المظاهر النارية التي ليس لها ما يبررها، فكم من حوادث مؤسفة في هذه الليلة، وكم رصاص يهدر ونفوس ترعب،
وحوامل تسقط، بلا رادع يردع هؤلاء عن هذا الفعل الشائن الذي يتحدى - بلا
حياء -مشاعر المجتمع وعقائده وآدابه العامة.
وعلى غرار هذا الاحتفال بعيد ميلاد المسيح - على زيفه كما بينا سابقاً -
انتشرت بدعة عيد مولد الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هذه البدعة التي
يحتفل بها الصوفية وغيرهم في أغلب بلدان العالم الإسلامي حيث تقام الاحتفالات
وتزين المساجد والزوايا وتتلى القصائد والأشعار في المدح والعشق ثم الرقص
والغناء وما قد يصاحب ذلك من اختلاط الرجال بالنساء.. ثم تناول عشاء المولد
الذي يقدم فيه الدجاج والديك الرومي! ! تماماً كعشاء ميلاد المسيح - عند النصارى - وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (لتتبعن سنن من كان قبلكم
حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود
والنصارى؟! قال: فمن؟ ! أي: فمَن غيرهم؟ (متفق عليه) .
وليس المقام هنا مقام الرد على أهل هذه البدعة، وإنما يكفينا هنا أن نعلم أن
هذه البدعة لم تظهر إلا في القرون المتأخرة.. فلم يحتفل بها جيل الصحابة ولا
القرون المفضلة بعدهم ولسنا بأكثر حباً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم - منهم
ولا شك. ولو كان هؤلاء يحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يزعمون
لوقفوا عند قوله عن أعياد الجاهلية: " قد أبدلكم الله - تعالى - بهما خيراً منهما يوم
الفطروالأضحى " (رواه النسائي وابن حبان بإسناد صحيح) لم يقل عيد مولدي..
ولا عيد الاستقلال.. ولا عيد العمال.. ولا عيد الثورة.. ولا عيد الشجرة.. ولا.. ولا.. الخ.
إنها دعوة لأبناء المسلمين أن يرفضوا كل ما هو دخيل على دينهم وعقيدتهم
الصحيحة.. وأن يعلموا أن للبدع شؤماً تنعكس آثاره على الأفراد والمجتمعات كما
هو واقع في مجتمعات الحضارة المعاصرة.. والسعيد مَن اتعظ بغيره.