شؤون العالم الإسلامي
مَن المستفيد ومَن الخاسر
مِن أزمة الخليج
ما زالت أزمة الخليج تتصدر الأحداث العالمية، وما يزال الناس يتساءلون
ويترقبون ماذا سيحدث، هل الحرب أم السلام؟ كل يوم يمر، والناس بين متفائل
ومتشائم، فالحديث عن الحرب في المساء يعقبه حديث عن الحلول السلمية واستنفاذ
وسائل الحصار الاقتصادي في الصباح، ولكن من المؤكد أنه برز أخيراً تيار يريد
الحل السلمي ولا يربد الحرب لأنها إن وقعت فلا تبقي ولا تذر، من هذه الدول:
روسيا وفرنسا وكثير من الدول العربية. وأما الموقف الأشد تمسكاً بالحرب فهو
موقف بريطانيا، والسبب قد يكون واضحاً -والله أعلم - وهي أنها تريد الرجوع
إلى المنطقة بقوة ولكن على حساب أمريكا وجنود أمريكا، كما هي عادة الإنكليز.
والشيء المؤكد أيضاً أن الحل العسكري سيكون دماراً للمنطقة، وليس في
مصلحة أحد، وإذا كان بوش وصدام وضعا أنفسهما في الزاوية، بإصرارهما على
مواقف صعبة، ثم خضوعهما لهذه المواقف فهذا يجب ألا يمنع العقلاء من الأفراد
والشعوب والدول أن تستمر في الضغط لإيجاد مخرج سلمي من هذه الأزمة، ولم
تكن الدول العربية بحاجة لأن يستنفر هممها غورباتشوف عندما صرح في باريس
بأن على كل الأطراف أن يكونوا واقعيين، ويتجنبوا الخراب الشامل. وأيا كانت
طريقة حساب الأرباح والخسائر الناتجة عن هذه الأزمة فإن مما لا شك فيه أنها أول
اختبار يتعرض له الوفاق الدولي بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، أمام التحالفات
الإقليمية فقد تعرضت لهزة شديدة وعلى رأسها مجلس التعاون العربي! ! وتبدلت
مواقع وحصلت مفارقات، وكان أبرز المستفيدين من هذه الأزمة:
1- إسرائيل
2- تركيا
3- إيران
أولاً: إسرائيل:
التي تعتبر أكثر المستفيدين فقد سارت وفق التوصية الأمريكية بالحرص
على عدم الدخول طرفاً في الأحداث خوفاً من تأثير الشعور الإسلامي المعادي
لإسرائيل، وركزت على الاستفادة في الوقت نفسه في بناء علاقتها مع الاتحاد
السوفييتي، وزيادة المهاجرين من الاتحاد السوفييتي، فقد قام شارون وزير الإسكان
بزيارة إلى موسكو تزامنت مع وصول المهاجر رقم 100000 إلى إسرائيل وتوجت
بعقد كبير لشراء آلاف من المساكن الجاهزة لإيواء المهاجرين الجدد.
(الأسبوع العربي 24سبتمبر1990)
وكذلك الإسراع بصفقات أسلحة متميزة من أمريكا وكذلك دعم خاص من
أمريكا لتسهيل استيطان اليهود السوفييت (400 مليون دولار) صرح بذلك بيكر
وزير خارجية أمريكا. وأيضاً استغلت التركيز الإعلامي العالمي والمحلي على
أحداث الكويت، فشددت قبضتها على الضفة والقطاع، وبدأت في قمع الانتفاضة،
بل بدأت في تلميع صورتها عالمياً ومحلياً موهمة العالم أنها ليست هي عامل تهديد
الاستقرار في المنطقة؛ بل إن هناك أنظمة أكثر تهديداً للاستقرار منها.
ثانياً: تركيا:
تحاول تركيا الاستفادة كغيرها من هذه الأزمة، فمن جهة تهول بخسائرها
التي نجمت عن إغلاقها أنبوب النفط العراقي المار في أرضها، وعن فقدانها
لتصريف إنتاجها في العراق والكويت، وكذلك تستثمر هذه المناسبة من أجل أن
تقنع حلفائها في حلف الأطلسي أن خدماتها لا يمكن الاستغناء عنها عند مواجهة
العراق، ولذلك تجعل من هذه الأزمة سبباً جوهرياً وجيها لإقناع المجموعة الأوربية
لقبولها عضواً في السوق الأوربية المشتركة.
ثالثاً: إيران:
لقد خرجت إيران من الحرب منهكة القوى ومثقلة بالأعباء فقد خاضت الحرب
بقدراتها الذاتية تقريباً، بعكس العراق الذي كانت تقف خلفه اقتصادياً دول الخليج
العربي، كانت تمل معظم مشترياته سواء المدنية أو العسكرية، وكانت إيران شبه
محاصرة سياسياً في المنطقة، وليس لها متنفس في المنطقة سوى سوريا -على ما
بينهما من تنافس على النفوذ في لبنان- وجاءت الأحداث لتقلب الوضع رأساً على
عقب بل وتقدم الحكومة الكويتية اعتذاراً رسمياً لموقفها من إيران خلال الحرب،
وبدأت مرحلة الغزل السياسي بين إيران ودول الخليج بسبب تطورات الأحداث،
وقام العراق في محاولة لتحييد إيران بإعادة الاعتراف بمعاهدة الجزائر 1975
والانسحاب من الأراضي الإيرانية وتبادل الأسرى، وأخيراً قام طارق حنا عزيز
وزير الخارجية العراقية بزيارة إيران وتم الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية
المقطوعة، وهكذا كسبت إيران من طرفي النزاع الحالي، وسيكون لها دور في
ترتيبات أمنية قادمة في المنطقة بصفتها إحدى القوى ذات التأثير الأمني والعسكري
فيها، كما يتوقع لها دور كبير في رسم المستقبل السياسي للعراق مستغلة سيطرتها
على الأحزاب الموافقة لها في العراق، وقد بدأت هذه الأحزاب تحركاتها لإثبات
وجودها أولاً، وطرح نفسها كشريك في أي ترتيب جديد، ويتضح ذلك من عقدها
مؤتمراً مشتركاً مع الأحزاب القومية واليسارية الشيوعية والكردية في دمشق.
(الشرق الأوسط 30/9/1990)
* وهناك دول خارج المنطقة كسبت من هذه الأزمة، فالاتحاد السوفييتي حقق
من جراء ارتفاع أسعار النفط (25 بليون دولار) ، كما حقق لوبي النفط في منطقة
تكساس في الولايات المتحدة مكاسب مماثلة، عدا عن المكاسب السياسية التي
حققتها الولايات المتحدة في مواجهة اليابان وأوربا، واستعادت فرنسا دورها العالمي
مؤكدة على استقلاليتها.
أما الخاسر الأكبر من هذه الأزمة فهي الشعوب التي تأتي النكبات دائماً على
رأسها، فهل تحل هذه الأزمة وتكون بداية لمراجعة الأخطاء الكبيرة التي مارسها
الكل شعوباً وحكومات؟