الافتتاحية
من المسجد كانت الانطلاقة الأولى، ومن المسجد يصنع التاريخ الآن،
وحوله يدور الصراع بين الإسلام والوثنية في الهند، وبين الإسلام واليهودية
الصهيونية في فلسطين.
إن ما حدث في الأقصى يوم الاثنين 20 ربيع الأول 1411 من محاولة اليهود
وضع الحجر الأساسي للهيكل وتصدي المسلمين لهم ووقوع المجزرة الرهيبة، كل
هذا يجب أن لا يلجئنا إلى الصراخ والعويل، والشكوى إلى ما يسمى (مجلس
الأمن) ولا البكاء على الذكريات، ولن نقول: أين أنت يا صلاح الدين؟ ولن
نستجدي ظهور (البطل) ولكننا نقول: إن الصراع بيننا وبين (اليهود) صراع طويل، وما يقوم به شجعان القدس من الدفاع عن الأقصى إن هو إلا جزء من هذا
الصراع، لقد وقفوا وقفة الأبطال أمام عنصرية وحقد من تربوا على أفكار (ابن
غوريون) و (بيغن) و (شامير) .
لقد قلنا ولا نمل من التكرار: إن هؤلاء القادمين من أوربا شرقيها وغربيها لا
يفهمون إلا لغة القوة وهذا الأوربي والأمريكي الذي يمد هؤلاء لا يفهم إلا لغة القوة، وان نفسية الأوربي والأمريكي واستعلاءه تجعله أصم أعمى عن رؤية الحقيقة،
فالشعوب الأخرى في نظر هؤلاء (برابرة) لا تستحق أن يبحث في شأنها، وإذا
كانوا في مجزرة الأقصى لا يرضون بمجرد الإدانة أو بإرسال بعثة للأمم المتحدة،
وهي أشياء لا تسمن ولا تغني من جوع. فكيف يرضون بأكثر من هذا؟
إن العلاقة بينهم وبين اليهود علاقة استراتيجية، والدين ونبؤات التوراة
عنصر من عناصرها، هكذا يصرح ريغان وبوش ومن قبلهما كل رؤساء الولايات
المتحدة، فهل آن الأوان لبعض كتاب الصحف عندنا أن يكفوا أقلامهم وألسنتهم عن
الغمز من المسلمين بالتطرف والأصولية، ويقولون: إن هذا يشجع إسرائيل على
التطرف أيضاً، وكأن إسرائيل تنتظر هذه الفرصة كي تظهر ما عندها، إن
إسرائيل لا تخجل من توجهها العنصري الديني، ونظرياتهم وأحزابهم الدينية
وحكماؤهم وكهانهم كانوا قبل أن تظهر نغمة التطرف الديني في الصحف العربية،
ولكن هؤلاء الكتاب تربوا في أحضان التغريب والعلمانية، ورضعوها منذ نشأتهم،
فهم يرددون ما يقال لهم كالببغاوات، ولا يلاحظون التغيير الذي لا بد أن يقع،
وهو رجوع الأمة إلى دينها وهويتها، ولن يقف في وجه اليهود إلا الشباب المسلم
الذي كان يصيح (الله أكبر) عندما ثأر لمجزرة الأقصى وبدأت حرب (السكاكين) بعد
الحجارة. وإذا كان لا بد من تذكر صلاح الدين، فلماذا لا نتذكر الخطوات التي قام
بها قبل الإجهاز على الصليبيين وتمزيقهم شر ممزق، لقد أنهى الدولة العبيدية
الباطنية في مصر ثم وحد الشام ومصر وإقليم الجزيرة، وقاتل تحت راية لا إله إلا
الله.
هناك فرق كبير بين أن تصنع التاريخ وأن تسجل أحداث التاريخ. يجب أن
نعمل حتى يكتب التاريخ عنا، والبداية دائماً هي الإنسان، الإنسان المسلم الحر
الكريم. فالشعب الذليل لا خير فيه، والكسالى لا يهتم بهم أحد، واستجداء عطف
الشمال على الجنوب، ومطالبته ببعض الخيرات التي يستمتع بها خلق لا يرضى
به المسلم، وهؤلاء المستجدون ينسون أن من يقوم بالواجب قبل أن يطالب بالحق
هو الذي يصنع التاريخ، وأنه عندما يتجه المسلمون وجهة واحدة فسوف يأتون
بالعجائب، وعندما يكون الهدف واضحاً والغاية في سبيل الله فلن يقف أمامهم شيء
بإذن الله، وان قيام المؤسسات بكل أنواعها وأشكالها عنصر مهم من عناصر
التحرر من التبعية للغرب، والتحرر الاقتصادي جزء من تحرر القرار السياسي،
كما أنه جزء من عملية البناء المطلوب، ولن يقوم به من تعود الرفاهية وعاش حياة
الاستهلاك على ما تقذف به مصانع الغرب في كل يوم، بل في كل دقيقة والمسلم
وحده هو الذي يستطيع المصاولة والمقاومة، وحده الذي يستطيع الوقوف أمام هذه
الهيمنة العالمية، وان ما يقوم به أشبال الأقصى لهو شيء عظيم.