شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته
إعداد: محمد أحمد عبد الله
شهدت باكستان أحداثاً دامية خلال شهر ربيع الثانى من هذا العام،
وذلك عندما قامت قوات الأمن بتفتيش منطقة (سوهراب جوت) في مدينة كراتشي (كبرى المدن الباكستانية، والتي يزيد عدد سكانها على سبعة ملايين نسمة) وقد شاركت قوات الجيش في حملة التفتيش التي أسفرت عن ضبط 300 كيلو غرام هيروين، و6 أطنان من الماريجوانا، وكميات أخرى كبيرة من الحشيش والأفيون، قُدرت قيمتها بنصف مليار دولار - كما ذكرت وكالات
الأنباء - وهذا الرقم لا يساوي شيئاً أمام الأرقام التي يملكها تجار المخدرات
من البضائع والأموال.
وتعد منطقة (سوهراب جوت) من أكبر مراكز تهريب المخدرات في العالم، ...
ومنها يجري تصدير المخدرات إلى آسيا، ودول أوربا الغربية، والولايات المتحدة
الأميركية، ودول أميركا اللاتينية.
وعندما عجز تجار المخدرات عن مقاومة السلطة - كما كانوا يفعلون كل
مرة - صبوا جام غضبهم على (المهاجرين) ، (والمهاجرون هم الذين قدِموا من
الهند عند تقسيمها عام 1974 يتكلمون لغة (الأردو) ؛ لأنهم يتهمون المهاجرين ... بأنهم وراء تحريش السلطة ضدهم، وأخذت المعركة شكلاً آخر. لقد كانت بين السلطة وطائفة (الباشتون) (وطائفة الباشتون قدموا كراتشي من الإقليم الشمالى ... الغربي للبلاد ومن أفغانستان، وأصلهم واحد، ويتكلمون لغة تسمى (بالبوشتو)) . فأصبحت المعركة بين الباشتون والمهاجرين، وتدخلت السلطة، وفرضت ...
حظر التجول على بعض أحياء المدينة، ورغم ذلك فقد أسفرت هذه المعارك عن قتل حوالي 180 شخصاً، وجرح ما يزيد على 700 آخرين، واعتقال ما يقارب ضِعف هذا العدد.
ووقفت وكالات الأنباء العالمية والصحف الشرقية والغربية من الأحداث موقفاً عدائياً ليس فيه عدل ولا موضوعية. لقد صورت الأحداث وكأنها ثورة شعبية
سياسية تتزعمها (بي نظير بوتو) ابنة (علي بوتو) ، وحاولت (بي نظير)
استغلال الأحداث وراحت تصْدر التصريحات والبيانات، وتراهن على قطاع
الطرق وتجار المخدرات ...
وأخيراً تمكنت السلطة بعد عدة أيام من وقف نزيف الدم، وتم ترحيل 25 ألفاً
من اللاجئين الأفغان عن كراتشي إلى مخيم قريب منها؛ لأن قوات الأمن اتهمتهم
بتزويد المقاتلين بالأسلحة، وخذل الشعب المسلم في باكستان (بي نظير) فيما دعت
إليه من مظاهرات، وعلم الغرب والشرق أن باكستان ليست كالفلبين، وليست (بي
نظير) مثل (أكينو) ، ولو كانت بي نظير مخلصة لوطنها لوقفت مع السلطة ضد
تجار المخدرات وقطاع الطرق، ولكنها مثل أبيها و (الولد سر أبيه) - كما
يقولون -، ولقد كان أبوها أحد الأسباب المهمة في انفصال (بنغلاديش) عن باكستان.
ومع هذا فقد تمكنت السلطة من السيطرة على الموقف خلال بضعة أيام، وها
قد مضى شهر على الأحداث.. ومع ذلك فإننا نعتقد بأن المؤامرات التي يدبرها
أعداء الإسلام ضد باكستان المسلمة - لم تنتهِ.
ومن منطلق المحبة والخوف على مستقبل إخواننا المسلمين في باكستان أحببنا أن نضع النقاط على حروفها، ونميط اللثام عن المتآمرين في الداخل ... والخارج، ونحذر إخواننا العلماء والدعاة من نقاط الضعف التي يتسلل من خلالها العدو إلى صفوفنا، ومما لا شك فيه أن فهم المشكلة جزء مهم من حلها، وعدم فهمها كارثة وخيمة العواقب.
وهناك جهات كثيرة تتآمر على باكستان أهمها وأخطرها:
1 - الاتحاد السوفياتي:
الذي احتلت جيوشه أفغانستان المسلمة منذ سبعة أعوام، وظن أن احتلال أفغانستان سوف يكون كاحتلال بُخارى وطشقند وغيرهما من بلاد المسلمين،
وفوجئ الشيوعيون الحمر بمقاومة لم يكونوا يتصورونها، ولقد تحولت سهول
أفغانستان وهضابها ووديانها إلى مقبرة للشيوعيين الروس، وحرك جهاد المسلمين
همم إخوانهم المسلمين في المناطق الواقعة جنوب الاتحاد السوفياتي فانطلقوا
يقاومون ومنهم من سارع إلى الانضمام إلى قوات المسلمين المجاهدين الأفغان،
ومنهم من يعمل ويدعو إلى الله بصورة سرية، ومنهم من أخذ يشارك في مظاهرات
ضد السلطة ... ويخشى السوفييت أن يعم الجهاد الإسلامي فيشمل أفغانستان
والبلدان الإسلامية التي ترزح تحت الاحتلال الشيوعى، وإذا عمت الثورة ووقف
المسلمون في مختلف بلدان العالم إلى جانبها، فلسوف تسقط أسطورة الدولة
الشيوعية العظمى، وتقوم دولة إسلامية عظمى تشمل باكستان وأفغانستان والبلدان
الإسلامية الواقعة جنوب الاتحاد السوفييتى، كما تشمل بنغلاديش والهند.
ومن جهة أخرى يعلم الاتحاد السوفييتى أن باكستان سبب مهم من أسباب
استمرار الجهاد الإسلامي الأفغاني؛ لأنها استقبلت اللاجئين الأفغان، وسمحت
للمجاهدين منهم أن ينطلقوا من أرضها ... ولهذا فهي تحاول إقناع باكستان بالتخلي
عن دعم المجاهدين الأفغان، وتسعى - عن طريق الامم المتحدة - إلى الوصول
إلى حل مع باكستان حول المشكلة الأفغانية، ولن يكون هذا الحل في مصلحة
المجاهدين، ومن شاء مزيداً من التفاصيل فليراجع (رسالة مفتوحة إلى المجاهدين
الأفغان) في العدد الأول من مجلتنا (البيان) .
ومن جهة ثالثة يعمل قادة موسكو من أجل تفجير معارك داخلية في باكستان
مستغلين التناقضات الإقليمية، والمشكلات الاقتصادية، والأحزاب العلمانية
الجاهلية، ولهذا الغرض فهم يوزعون الأموال والسلاح على عملائهم داخل
باكستان، وعلى حدودها الشمالية والشمالية الغربية، ومن المؤسف أن الاتحاد ... السوفياتي ضم بعض أجزاء أفغانستان إليه وأصبح من الدول المجاورة لباكستان
في حدودها القريبة من الصين.
2 - الهند:
منذ عام 1947 والهند تتآمر على باكستان، وتحاول تمزيق وحدتها،
وإضعاف كيانها، والسيطرة على أجزاء من أرضها بالقوة.
ومن الأمثلة على ذلك: كشمير التي تسيطر الهند على معظمها في حين يتبع جزء منها باكستان، والمثال الثاني المؤامرة التي انتهت بفصل بنغلاديش عن
باكستان، ولقد خاض الجيش الهندي معركة طاحنة ضد الجيش الباكستانى من أجل
تنفيذ هذه المؤامرة.
وفي كل مرة تعتدي فيها الهند على باكستان تتذرع بأعذار واهية، ومن ذلك
قولها: إن باكستان تدعم طائفة السيخ، وتدربهم على السلاح.. وقولها: إن
المفاعل النووي الباكستانى يشكل خطراً على الهند.
والحقيقة أن باكستان لا تتآمر على الهند، وليست المشكلة في المفاعل الذري
الباكستاني ولا في تدريب السيخ وغيرهم وإنما المشكلة أن الهند تخشى من أن
تصبح باكستان دولة كبرى، كما تخشى من مجىء حكم إسلامي صحيح، ينجح في
جمع شتات المسلمين في جنوب الهند ومشرقها، ويعجز عُبَّاد البقر عن مواجهة
الرجال الذين يعبدون الواحد القهار.. ومن أجل هذا يضطهد عباد البقر إخواننا
المسلمين في الهند، ويحرصون على استمرار سيطرتهم على كشمير.. ومن أجل
هذا أيضاً خاضت الهند حرباً ضروساً مع باكستان من أجل سلخ (بنغلاديش)
عنها.. ومن أجل هذا تتعاون الهند مع الاتحاد السوفياتي وغيره، ويجري جيشها مناورات على حدود باكستان.
3 - الولايات المتحدة الأميركية:
من الخطوط العريضة لسياسة الولايات المتحدة الأميركية في دول العالم
الإسلامي أن لا يجتمع المسلمون في دولة كبرى، حتى ولو كانت هذه الدولة لا
تُحكِّم شرع الله.. ومن أجل هذا تحرص الولايات المتحدة على تحجيم دور
باكستان، وعندما وقف الاتحاد السوفياتي إلى جانب الهند في حربها مع باكستان
التي انتهت بانفصال بنغلاديش عنها - لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً، رغم أن
هذه الحرب تجري داخل مناطق لها سيطرة عليها.. لكنها كانت تعلم أن نتائج هذه
الحرب تخدم سياسة الدول الكبرى كلها.
ومن أجل تحجيم دور باكستان كانت الولايات المتحدة تفرض على هذا البلد
أنظمة عسكرية همها البطش بالجماعات الإسلامية، والتنكيل بها، ومن الأمثلة
على ذلك حكم أيوب خان، ويحيى خان.. وإن نسينا فلا ننسى أن السفير الأميركي (جيفرسون كافري) - الذي لعب دوراً مهماً في مصر ضد الإسلاميين - نقلته الولايات المتحدة إلى باكستان بعد انتهاء دوره في مصر (التي تحتل أهمية كبرى في البلدان العربية، ويشكل الإسلاميون فيها قوة لا ينكرها أحد) ، وبعد وصوله إلى باكستان بزمن يسير قام أيوب خان باعتقال الإسلاميين في باكستان (وباكستان تمثل - كما قلنا قبل قليل - دوراً مهماً في أواسط آسيا وجنوبها الشرقي) .
وقد يقول القائل ولكن الولايات المتحدة تساعد باكستان وتمدها بالمال والسلاح، وجوابنا على ذلك: إن للولايات المتحدة الأميركية مصالح من استمرار القتال في
أفغانستان، ولن تقبل - إن استطاعت - بحال من الأحوال أن يكون الحكم في
باكستان وأفغانستان للإسلاميين، وها هي تتآمر من خلال مفاوضات جنيف على
الجماعات الأفغانية الطيبة التي تنادي باستمرار الجهاد.. وبعد رضوخ الاتحاد
السوفياتي لمطالبها، سوف تعمل على إنهاء القتال، وتقطع المساعدات التي تقدمها
لأتباعها، وقد تغير موقفها من النظام القائم في باكستان، فقبل احتلال السوفييت
لأفغانستان كانت العلاقات متوترة بين الرئيس الباكستاني، والولايات المتحدة
الأميركية، وكان الرئيس الأمريكي السابق كارتر يتهم الرئيس الباكستانى بانتهاك
حقوق الإنسان مع أنه إذا كان الأخير ينتهك حقوق الإنسان في باكستان فزعماء
البيت الأبيض يضطهدون الأفراد والأمم في العالم كله.. وعلى كل حال فقد قلنا ما
فيه الكفاية عن الولايات المتحدة في رسالتنا (رسالة مفتوحة إلى المجاهدين الأفغان) .
4- (إسرائيل) :
رغم تعدد الانقلابات العسكرية وتباين سياسة الحكومات، فقد كان للحكومات
الباكستانية المتعاقبة موقف ثابت من العدو الصهيونى في فلسطين المحتلة، وهذا
الموقف نابع من مشاعر المسلمين في باكستان، وكانت أية حكومة لا تجرؤ على
الاصطدام مع مشاعر المسلمين الذين لا يقبلون إقامة علاقات دبلوماسية مع نظام
العدو الصهيونى.. ومن المؤسف أن بعض الأنظمة العربية كانت تقف إلى جانب
الهند في نزاعها مع باكستان، أو مع الاتحاد السوفياتي في احتلاله لأفغانستان..
ولهذا كانت (إسرائيل) تدعم كل عدو لباكستان، وقد تحدث وزير خارجية العدو
الصهيوني السابق (موشي دايان) في مذكراته عن التعاون السري بين الهند
و (إسرائيل) كما تحدث غيره.. وتحاول (إسرائيل) ضرب المفاعل النووي في باكستان.
أيها الإخوة المسلمون في باكستان - من علماء ودعاة، وشيب وشباب -:
إننا نتوجه إليكم بهذا النداء - لأنكم أملنا بعد الله سبحانه وتعالى - فصمودكم
نصر مبين، ووعيكم صخرة تتحطم عليها المؤامرات والمتآمرين.
أيها الإخوة! نحن لا نثق بزعماء الانقلابات العسكرية، ولا نعلق عليهم آمالاً
مهما زعموا ووعدوا، فحكمهم ابتداءً يقوم على الغدر، ولا يعرف الاستقرار وإن
طال أمده وكثر أنصاره.. ونحن - يا إخوة! - الذين نكتوي بنار المؤامرات، أما
زعماء الانقلابات فيهربون ويهرِّبون معهم الأموال.
اسمعوها منا - أيها الإخوة! - صريحة واضحة: إن الزلازل والبراكين
تكثر في الأرض التي تكثر فيها الشقوق، والشقوق في أرضكم كثيرة ومن أهمها ما
يلي:
1- أليس من المخجل أن تكون باكستان من أكثر بلدان العالم اهتماما بتجارة
المخدرات، وماذا نقول عن نظام زعم أن مهمته تحكيم شرع الله، وها قد مضى
على استلامه السلطة بضع سنين، وهو يعرف حجم تجارة المخدرات، ومن الذين
يعملون بهذه التجارة، كما يعرف الأوكار التي يجري تخزين المخدرات فيها، فلماذا
لم يضع حداً لهذه المأساة؟ !
هذا عن المخدرات، أما السرقة والتزوير والنصب فلا تقل أهمية المخدرات.
2 - مَن المسؤول عن تغلغل الشيوعية وعملائها في بلدكم؟ !
لقد أهمل العلماء والدعاة منطقة (بلوشستان) التي تحدها أفغانستان من
الشمال، وإيران من الغرب، وعاصمتها (كويتا) ، واهتم الشيوعيون بهذه المنطقة، فاستقبلت موسكو أعداداً كبيرة من الطلبة من أبناء (بلوشستان)
يدرسون مجاناً في معاهد وجامعات الاتحاد السوفييتي، ولهذا صار مَن يمشي
في مدينة (جمن) يشاهد بضع مئات من أعلام الحزب الشيوعى في حين ... يشاهد بضعة أعلام للدولة، وبضعة أعلام لجماعات العلماء المسلمين.. كما يسمع من يسير في هذه المنطقة الأطفال وهم ينشدون أناشيد تشيد بدولة (بشتونستان) المزعومة وهذا يعني أنه حتى الأطفال في هذه المنطقة يعلمون ويتطلعون ويتغنون بذلك اليوم الذي تنفصل فيه (بلوشستان) عن ... ...
باكستان، وفضلاً عن ذلك، فالمنطقة تزخر بالجواسيس الذين يتجسسون
للاتحاد السوفياتي ضد المجاهدين الأفغان.. فماذا صنعت السلطة في باكستان
ضد هذه المؤامرة؟ !
هنالك (بنغلاديش) ثانية فماذا فعلتم يا إخواننا في باكستان؟! ...
وليس ما ذكرناه عن (بلوشستان) كل ما عند الشيوعيين السوفييت من
نشاط، فهناك نشاط للشيوعيين في جميع أنحاء باكستان، ويمدهم السوفييت
بكل دعم مادياً كان أو معنوياً، وهناك أحزاب علمانية تتعامل مع الاتحاد ... السوفييتي أمثال الحزب الوطنى الديموقراطي الذي يتزعمه خان عبد الولي خان، ويدعو هذا الحزب إلى إقامة وطن خاص يشمل الذين يتكلمون لغة
(البشتو) . والحزب الوطني الاشتراكى، ويتزعمه (غوث بخش بزنجو) ويدعو ... كذلك إلى إقامة وطن خاص بالذين يتكلمون لغة (البشتو) ، وله صلات قديمة مع الاتحاد السوفييتي، غير أن الذي يميزه عن الشيوعيين إيمانه بالقومية البلوشية، ولكن من منطلق اشتراكى علمانى.
وهناك أحزاب علمانية مستعدة للتحالف مع أي عدو خارجي يساعدهم في
الوصول إلى السلطة، لا فرق في ذلك عندهم بين الاتحاد السوفييتي أو الولايات
المتحدة الأميركية أو غيرهما، ومن أبرز هذه الأحزاب، حزب الشعب الذي
تتزعمه (بي نظير بوتو) .
وهذه الأحزاب تشن دعاية سيئة ضد المجاهدين الأفغان، وتضغط على
السلطة من أجل إخراجهم من باكستان.. وتستغل النزعات الإقليمية ضد إخواننا
الأفغان الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم في سبيل الله - تعالى -، ولا يجوز
أن نستهين بخطر هذه الأحزاب وآثارها.. ولا ندري لماذا تتركهم السلطة ... يسرحون ويمرحون، وبشكل أخص في مثل هذه الأجواء الخطيرة؟ !
فإذا قيل لنا هكذا يكون الحكم في البلاد الديمقراطية! ! قلنا: ليس للخائن حق في التآمر على بلده، ولا يعطيه القانون حرية الاتصال والتعاون مع
دولة أجنبية عدوة، ولا تسمح أية دولة في العالم بمثل هذه الحرية المزعومة. ...
3 - أما الحديث عن أنشطة الباطنيين المريبة في باكستان فيثير في نفوسنا الأشجان، ويحرك في قلوبنا وجوارحنا الأحزان.
هل من قبيل المصادفة أن يصل إلى أعلى المراتب في باكستان - ومنذ بداية تأسيسها عام 1947م - ثلاثة من الباطنيين؟ !
وهل من قبيل المصادفة أن يتعاقب هؤلاء الثلاثة على الحكم، وأن يتصرفوا في شؤون البلاد كما يشاءون طيلة عهد الاستقلال؟ !
وهل من قبيل المصادفة أن يكون أحدهم رمزاً كبيراً جداً من رموز الاستقلال، وهو الذي رفض تحكيم شرع الله في هذا البلد المسلم الطيب الذي انفصل عن الهند [1] ليتسنى له ممارسة حرية العبادة والاعتقاد والتشريع كما أمر الله - سبحانه وتعالى -، وكما نصت عليه سنة المصطفى-صلى الله عليه
وسلم -؟!
وهل من قبيل المصادفة أن تضطهد هذه الأنظمة الباطنية قادة الجماعات
الإسلامية، الذين يكرهون العنف والإرهاب، ويدعون إلى الله - تعالى - بالحكمة
والموعظة الحسنة؟!
وقد يقول قائل ما لنا والعصور السوالف، وهل عندكم شيء تقدمونه عن
واقعنا المعاصر؟ !
نقول: إن الحاضر يرتبط بالماضي أشد الارتباط وأوثقه، والذين لعبوا دوراً
في العصور السوالف - كما تقولون - لا يزال أبناؤهم وأحفادهم يعملون، وآثارهم
الظاهرة تدل عليهم، ونؤكد أن لهم أهدافاً يسعون بمختلف الوسائل والأساليب من
أجل تحقيقها، ودعونا نسألكم بعض الأسئلة:
من الذين يحركون دفة الاقتصاد في كراتشي وعدد آخر من المدن الباكستانية وهذا التخطيط هل جاء مصادفة أم أن هناك عقولاً باطنية بل ومن غلاة الباطنية
تخطط في باكستان كما خطط الموارنة في لبنان، وكما خطط اليهود في فلسطين
المحتلة؟ !
أنشأ الباطنيون جامعات حديثة في بلدكم، فيها مختلف الاختصاصات العلمية،
ولديها إمكانات مادية كبيرة، وتجذب إليها عدداً غير قليل من أبناء المسلمين من
باكستان وغيرها من دول جنوب شرق آسيا، ودول الشرق الأقصى، ويبثون
سمومهم في هذه الجامعات وكأنهم في عالم آخر لا يمتّ إلى بلدكم بصلة، وتعلمون
أن الذين ينتسبون إلى هذه المعاهد والجامعات مستعدون لتقبل كل ما يقال لهم من
أكاذيب وأباطيل الباطنيين، فهل اطَّلعتم على حقيقة هذه المعاهد والجامعات وأهداف
القائمين عليها؟ !
ومن الذين احتجوا على قانون الأحوال الشخصية الإسلامي عند صدوره؟ !
من الذين قادوا مظاهرات الاحتجاج، وعقدوا ندوات الاستنكار، وقالوا بكل
وقاحة: إن شريعتنا تختلف عن شريعتكم، وكانت الأوامر تصدر إليهم من العاصمة
إياها المتخصصة بخلق الفتن والاضطرابات في مختلف بلدان العالم الإسلامي؟ !
إن للباطنيين - يا إخوة! - على مختلف فرقهم وانتماءاتهم أوكاراً كثيرة
وكثيرة جداً في باكستان، ومن هذه الأوكار:
المكتبات، والنوادي، والمراكز الثقافية، والبعثات الدبلوماسية، ودور النشر، والشركات، والمؤسسات التجارية.. وابحثوا إن شئتم عن كتبهم التي تطبع في لاهور، وما تحويه من شتم مقذع للشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله
عنهما -، ولأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، ولذي النورين الخليفة
الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ولعدد كبير من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أليس في نشر مثل هذه الكتب تحدٍ لمشاعر مائة مليون مسلم؟ ! ولا ندري من
الذي أجاز نشر هذه الكتب، ولو كان الحكم لشريعة الله حقاً لأقيم الحد على هؤلاء
الجناة المجرمين!!
ابحثوا عن دسائس وخطط الباطنيين، واكشفوا أوكارهم، واهتكوا أستارهم،
قبل أن يأتي وقت لا ينفع فيه الندم.
4 - لقد اعتدنا عندما نتعرض لهزيمة أن نقول: تآمر علينا الأعداء،
واجتمعت علينا قوى الكفر شرقية كانت أو غربية.. وقلما ننتبه لأخطائنا التي أدت
إلى هذه الهزيمة.
إننا - والحق يقال - أمة تكره النقد، ولهذا تتكرر الهزائم، ونلدغ من جحر
واحد مرات ومرات. فعندما انفصلت (بنغلاديش) عن باكستان قلنا: جاء هذا
الانفصال نتيجة مؤامرة رسم خيوطها الطابور الخامس في بنغلاديش (مجيب
الرحمن وحزبه) ، والهند، والاتحاد السوفييتي، وغيرهما من الدول الاستعمارية..
ونحن لا ننكر مثل هذه المؤامرة لاسيما وجيش الهند خاض معركة شرسة من أجل
تحقيق هذا الانفصال.. ولكن لماذا لا نبحث عن نقاط الضعف التي تسلل من خلالها
العدو؟!
لم تكن هناك مساواة بين المواطنين في باكستان الغربية، وإخوانهم في
باكستان الشرقية، وكانت صيحات الاستنكار ترتفع وتصم الآذان في كل مدينة
وقرية من قرى باكستان الشرقية، وحزب (عوامي) - الذي كان يتزعمه مجيب
الرحمن - كان ينادي بإقامة دولة خاصة بالبنغاليين، ولم تكن مثل هذه الدعوة سراً
من الأسرار، لقد خاض الانتخابات وحاز على الأغلبية في باكستان الشرقية، وكان
جمهور البنغاليين ينظرون إليه كمنقذ لهم مما يعانون من حرمان وجهل وفقر،
وساعده على تحقيق أهدافه أمور كثيرة، أهمها:
1 - الظلم وعدم المساواة.
2 - فقدان الحكومة الإسلامية التي تحقق العدل، وتحاكم مجيب الرحمن
بتهمة الخيانة العظمى بسبب تعاونه مع النظام الهندوسي في دلهي، والنظام
الشيوعي في موسكو.
3- لم يكن العلماء والجماعات الإسلامية في مستوى حاجة المسلمين في قسمي
باكستان، ولم يكن بينهم حد أدنى من التعاون الذي يمكّنهم من مواجهة المؤامرة
والمتآمرين.
ولهذه الأسباب مجتمعة نجح الخونة المتآمرون، وانفصلت باكستان الشرقية
عن الغربية، ولم تتغير الأحوال بعد الانفصال؛ فالمسلمون في (بنغلاديش) -
وكل الشعب فيها من المسلمين - يعدون من أفقر شعوب العالم، وقتل مجيب
الرحمن - غير مأسوف عليه - ولم ينعم بزمن طويل من الحكم، ولم ينقذ بلده من
الفقر والجهل والتخلف.
وإن ما حدث في باكستان الشرقية قد يتكرر في (بلوشسشان) وغير
بلوثسستان، فالمشكلة لا تزال قائمة وتحتاج إلى حل سريع.
ففي بلوشستان -وكما ذكرنا قبل قليل-: فقر وجهل وتخلف، وفيها أحزاب
علمانية جاهلية تنادي بإقامة دولة خاصة بالذين يتكلمون لغة (البوشتو) .. وليس
في هذه المنطقة قوة إسلامية -تستحق الذكر- تكبح جماح المتآمرين، بل وليس
هناك حد أدنى من التعاون بين العلماء والجماعات الإسلامية، والنظام ليس متهماً
بما يجري، ولعله واثق بقوته لأن الجيش بيده، والتغيير يبدأ من الجيش، وربما
كان هذا هو السبب الذي جعل الأغلبية العظمى من الجيش من (البنجاب) ، وبشكل
أخص كبار الضباط الذين لا تقل نسبتهم عن 80 %.
وكذلك كبار المسؤولين في السلطة فمعظمهم من أهل البنجاب، ومما لا شك
فيه أن الناس يعرفون مثل هذه الأمور، وهي مثار نقد عندهم، ويشعرون أن
غيرهم مقدم عليهم، ويستغل أعداء الإسلام مثل هذا الظلم أسواً استغلال.. ومن
المؤسف أن تقديم وتفضيل أهل منطقة على بقية المناطق ظاهرة لها وجود في كثير
من بلدان العالم الإسلامي، مع أن أبسط المعانى الإسلامية تؤكد وجوب المساواة بين
المسلمين، فلا فضل لأسود على أبيض ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى أو
العمل الصالح.
ومن جهة أخرى فليس الجيش كل شيء، وانفصال (بنغلاديش) دليل على
خطأ حسابات الذين يعتقدون بأن أي تغيير لا يكون إلا عن طريق الجيش.
وقصارى القول فإن الأسباب التي تسلل من خلالها العدو إلى (بنغلاديش) لا
تزال موجودة في معظم مناطق باكستان وتحتاج إلى إعادة نظر من قبل المصلحين.
5 - لا ندري لماذا لا تكون هناك لغة واحدة لجميع المواطنين في باكستان؟ !
فلغة الأوردو لا ينطق بها جميع الناس في باكستان، ومن جهة اخرى
فالحكومات المتعاقبة ليست جادة في فرض هذه اللغة، ودليلنا على ذلك أن اللغة
الإنكليزية أكثر منها أهمية في معظم مؤسسات الدولة ومعاهدها وجامعاتها، ويبدو
أن هذه اللغة - أي الأوردو - ليست البديل المناسب، ولهذا فلكل منطقة لغة خاصة
بها، ومثل هذه اللغات تعمق الانقسامات بين أبناء البلد الواحد.
وإذا كانت اللغة عاملاً مهماً من عوامل وحدة الأمة وتآلفها، فاللغة العربية هي
اللغة الوحيدة التي يجب أن يجتمع عليها المسلمون في باكستان، لأنها لغة القرآن
الكريم، ولأن كل مسلم في باكستان يصلي باللغة العربية، ويؤذن بها، وبها يقراً
القرآن، بل وهناك استعداد جيد عند الناس لتعلمها. وقد أحسنت الحكومة صنعاً
عندما جعلت اللغة العربية مادة إجبارية في جميع المعاهد والثانويات الرسمية،
وحال دون تنفيذ هذا القرار بشكل فعال - عجز الدولة عن التعاقد مع عدد كبير جداً
من المدرسين العرب لأسباب اقتصادية، ووقوف البلدان العربية من هذا القرار
موقفاً سلبياً، إذ لم تمد لباكستان يد المساعدة والعون.. لهذا لجأت الدولة إلى تعيين
مدرسين باكستانيين لتعليم العربية، وهم - أنفسهم - بحاجة إلى من يعلمهم العربية، ومن بدهيات الأمور أن فاقد الشيء لا يعطيه.
إن الولايات المتحدة الأميركية لم تسمح بتعدد اللغات فيها، مع أن المواطنين
فيها وافدون إليها من مختلف البلدان الأوربية وغيرها، ولهم لغاتهم الخاصة بهم،
ومع ذلك نجحت الحكومة في فرض اللغة الإنكليزية، والحال في باكستان يختلف
تماماً؛ لأن تعلم العربية أمر مرغوب فيه عند كل مسلم، وحاجة دينية ملحة،
يضاف إلى هذا وجوب توحيد اللغة، وأن لغة (الأوردو) ضعيفة، وعمرها قصير
ومن اللغات المستحدثة.
وليعلم إخواننا في باكستان أننا لا ننطلق في هذا الاقتراح من نزعة قومية
وإنما من منطلق إسلامي بحت لأننا أمة واحدة، وما يقلق إخواننا يقلقنا ويقض
مضاجعنا.
6- سيذكر المسلمون في كل مكان لإخوانهم في باكستان حسن ضيافتهم
للمجاهدين الأفغان، ووقوفهم إلى جانبهم، ومثل هذا الفضل يجب أن يستمر بعزيمة
وثابة، ووعي يقف كالسد المنيع أمام المتآمرين والخائنين مهما كان عدد هم، واشتد
بأسهم.. وهناك أصوات ترتفع كأنها فحيح الأفاعي تزعم أن إيواء اللاجئين الأفغان
خطر يجب أن تتخلص منه باكستان، ويوماً بعد يوم يكثر عدد الذين يرددون هذه
الأقاويل، وهؤلاء إما أن يكونوا جهلة أو خونة، ولو كانوا يملكون الحد الأدنى من
الوعي والغيرة الإسلامية لما رددوا مثل هذه الأباطيل؛ لأن احتلال الاتحاد
السوفياتي لأفغانستان خطر يهدد كل مسلم في أي مكان كان من المعمورة، وإذا
توقف القتال، ونجح البلاشفة الشيوعيون في السيطرة على أفغانستان فلن يتوقفوا
عند الحدود الأفغانية الباكستانية، وإنما سيحاولون احتلال باكستان، ودليلنا على
ذلك أنهم احتلوا أفغانستان بعد بضعة عقود من احتلالهم لبخارى وطشقند وغيرهما
من البلدان الإسلامية وأصبحت جزءاً من الاتحاد السوفياتي. وإذن فالمجاهدون
الأفغان يقاتلون نيابة عن المسلمين عامة، وبشكل أخص نيابة عن جميع المسلمين
في باكستان.
ومن جهة ثانية، فهناك مؤامرة بدأت تتكشف خيوطها، وسوف تتضح أبعادها
خلال الأيام القليلة القادمة. نعم بدأت تتكشف خيوط هذه المؤامرة عندما أعلن عدو
الله الذي سماه أبوه نجيب الله أنه أمر بوقف القتال، ودعا المجاهدين الأفغان إلى
العودة إلى بلدهم، وزعم أنه سيشكل حكومة وطنية مشتركة، ولن يكون هناك
حزب واحد بل أحزاب متعددة، ومما لا شك فيه أن عدو الله وسادته في الكرملين
ليسوا صادقين فيما يرددون، وإنما يريدون من وراء ذلك أمرين:
الأول: الوصول إلى حل سياسي مع باكستان يتبعه إخراج المجاهدين من
باكستان.
والثاني: إذا صدق بعض المنسوبين للجهاد دعاوى الشيوعيين، وعادوا إلى
أفغانستان، وتعاونوا مع عدو الله؛ فسوف ينجح الشيوعيون في إحداث فتنة بين
المسلمين الأفغان، وسيبقى الجيش بأيديهم، وسوف يعود السوفييت - إذا خرجوا -
إذا اقتضى الحال وفي هذا كله خسارة كبيرة للمسلمين جميعاً، سواء كانوا من
الأفغان أو من الباكستانيين أو من غيرهم..
ولعلكم - يا إخوة! - تشعرون معنا بالخجل والإحراج عندما نتحدث عن
الباكستانيين والأفغان، فعدونا لا يكيد لنا ويحاربنا لأننا من هذا البلد أو من ذاك..
وإنما يحاربنا لأننا مسلمون، فلماذا لا نتحرر من الولاء للقوم أو القبيلة أو الوطن،
ونكون كما وصفنا - تعالى - في قوله: [إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ] [الحجرات: 10] .
وبعد..
فإن الذي دفعنا إلى تسجيل هذه الخواطر ما يلي:
1- أهمية هذا البلد المسلم الذي يحتل حبه مكاناً مهماً في قلوبنا، فعدد
المسلمين في باكستان يزيد عن مائة مليون مسلم، وهو مرشح لجمع شمل المسلمين
في الهند وبنغلاديش وأفغانستان، وعندئذ سيصبح سكان هذه الدولة أكثر من 400
مليون مسلم، أي ضعف سكان الولايات المتحدة الأمريكية، ولن يسمح الشرق ولا
الغرب - إن استطاعوا - بقيام مثل هذه الدولة.
2- شعورنا بأن باكستان مهددة، وتتآمر عليها دول كبرى من أهمها: الاتحاد
السوفياتي، والهند، والولايات المتحدة الأميركية وغيرها.. ولهذه الدول جيوب
خطيرة داخل باكستان تعمل في وضح النهار، ويتعاون هؤلاء الأعداء فيما بينهم.
3 - نريد من العلماء وقادة الجماعات الإسلامية وسائر الدعاة إلى الله -
سبحانه وتعالى - أن ينتبهوا إلى هذه المخاطر، ويحذروا أشد الحذر من الباطنيين
الذين يفعلون الأفاعيل داخل الصف الإسلامي، ولا يخدعوا أنفسهم بقول بعضهم:
لقد فشل حزب الشعب ولم يعد قادراً على تضليل الجماهير، أو قول بعضهم: ليس
للباطنيين ثقل في باكستان..
نريد من إخواننا أن يعلموا أن الهدم غير البناء، وأهل الشر ينبلون عن قوس
واحدة، ولا يستطيع إخواننا أن يؤدوا دورهم إلا إذا كان بينهم تعاون وتنسيق وثقة.
ونسأل الله أن يجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه.