مفاهيم إدارية
سامي سلمان
هذا رجل منظم في حياته ... هذه مؤسسة تتسم بجوانب تنظيمية جيدة ... إن
انسياب الأوامر الإدارية يسير في نظام محكم ... إن تحقيق الأهداف المتمثل في
هذا المستوى الرفيع ليدل دلالة واضحة على عمق التنظيم الذي يؤدي دوره في هذه
المؤسسة.
كثيراً ما تتردد مثل هذه الكلمات على الألسن وفي صفحات الكتب، وهي
تشير إلى معنى التنظيم بمدلوله اللغوي والاصطلاحي، والذي كان منه نظم اللؤلؤ
في السلك الواحد عقداً جميلاً، ونظم الشعر ليكون قصائد متكاملة، وهو نفس
المعنى الاصطلاحي الذي نرمي إليه في تعريفنا للتنظيم في مفهومه الإداري عندما
نقول: إن التنظيم داخل المؤسسة هو تنظيم الجهود، وتنسيق الطاقات لمجموعة
أشخاص، بحيث يمكنهم تحقيق أهداف المؤسسة التي ينتمون إليها.
وهذا النوع من التنظيم قديم منذ بدأ الإنسان يكافح في سبيل عيشه وأمنه
وإثبات إنسانيته، فكان التنظيم في العهود البدائية أمراً بديهياً ولا شعورياً وطبعاً
غير مكتوب أو مرسوم، وكان المنظم هو العامل نفسه الذي يسعى وحده أو
بالاشتراك مع أفراد أسرته إلى تأمين ضرورات العيش والأمن. وكان متعلقاً
بالشخص نفسه فقط، أي ينظم أوقات عمله وراحته ونومه، وعندما أصبحت
الأسرة وحدة الإنتاج ووحدة الاستهلاك في الوقت نفسه بدأ التخصص وتوزيع العمل
بين أفراد الأسرة بشكل بديهي أيضاً حسب القدرة أو الطاقة لكل فرد، ثم خاض
الإنسان مضمار التخصص ليرتقي ويحسن في مستواه المعيشى: فأنشأ مؤسسات
تحتوي هذه التخصصات وتنظم جهودها في المجالات الزراعية والصناعية
والخيرية وغيرها.
وبهذا يتضح أن التنظيم ضرورة وحاجة عندما ينمو حجم المؤسسات، وتزداد
التخصصات في المؤسسة الواحدة وتتعقد العلاقات.
والحديث عن التنظيم لا يقلل من شأن التخطيط، ولكن الغالب على
المؤسسات وخاصة في العالم العربي والإسلامي أنها تعاني من سوء التنظيم أكثر
مما تعاني من سوء التخطيط.
وكما يتضح من الرسم المرفق لدورة الإدارة فإن التنظيم عملية متكاملة تتبع
تحديد الأهداف والاستراتيجيات التفصيلية، والتي لابد من وجود من يدفع بها إلى
مرحلة التنفيذ، ولهذا فإن التنظيم الجيد لابد أن يتوفر فيه المواصفات التالية:
1 - التغطية الشاملة: أي أن لا تترك مهمة بدون مسؤول، وأن لا يكون أكثر من مسؤول مباشر لمهمة ما في وقت واحد ومكان واحد.
2 - الوضوح: بأن يعرف كل شخص واجباته والصلاحيات المسندة إليه
للقيام بمسؤولياته، وكذلك وضوح علاقاته بالأشخاص الآخرين.
3 - التوازن بين الصلاحيات المعطاة للشخص للقيام بعمله والمسؤوليات الملقاة على عاتقه.
من خلال هذه المقدمة التي تبين أهمية هذا الموضوع فإننا نلحظ افتقار كثير
من المؤسسات إلى العناصر السابقة.
ومن الظواهر السلبية التي تعيشها هذه المؤسسات:
1 - المسؤوليات في قطاع معين أو عند أشخاص معينين دون مبررات مقنعة، وهذا يعني المركزية في اتخاذ القرار، ويوفر طاقات جيدة غير عاملة، ويشل
كثيراً من الطاقات ولا يسند إليها أي دور.
2 - عدم وضوح المسؤولية لكل فرد فلا يعرف المسؤولون حدود مسؤولياتهم
ومن يرجع إليهم من موظفيهم، مع وجود ازدواجية في المسؤولية أحياناً، كالرجوع
إلى مسؤولَيْن في مشكلة، أو يتدخل عدة مسؤولين من قطاعات شتى في مشكلة
تحتاج إلى رأي واحد.
3 - كثرة الشكاوي من عدم وضوح الأهداف العامة والأهداف المرحلية لعدم
كفاءة السلطة الإدارية أو الهرم التنظيمي الذي يمكن المسؤولين على اختلاف
مستوى مسؤولياتهم وتخصصاتهم من مسايرة الإدارة العليا لكثير مما تطمح إليه.
4-يكتنف كثيراً من هذه المؤسسات غموض التخصصات وتداخلها، مما يقتل
الإبداع في المجال التخصصي، وبمعنى أوضح: فإن عدم إتاحة الفرصة لأصحاب
التخصصات بإبراز ما تميزوا به التنظيم عن طريق مشاركة غير مؤهلين
للمتخصصين يسيىء إليهم، ولا يجعلهم يبرزون في تخصصاتهم.
5 - يشيع في مثل هذه المؤسسات عدم التناسب بين السلطة والمسؤولين
والصلاحيات، فنجد المعادلات الصعبة في وجود أصحاب مسؤولية بدون
صلاحيات، وأصحاب صلاحيات بدون مسؤوليات، وسلطات موزعة بمقاييس لا
تمت إلى الإدارة الحديثة بصلة.
6 - من ذلك أيضاً غموض العلاقة بين الاستشاريين والتنفيذيين، فتجد
التداخل في هذا المفهوم يعم أرجاء المؤسسة، مما يؤثر بشكل واضح على كيفية
اتخاذ القرارات على كل مستوى.
وأضف إلى ما ذكرت سابقاً سوء تحديد العدد المناسب من المرؤوسين تحت
رئاسة المدير، وعدم تفويض السلطة بالشكل المناسب، وإغفال العوامل الفنية
والإنسانية التي تؤثر في اختيار درجة المركزية واللامركزية.
وبعد هذا العرض للظواهر السلبية لكثير من المؤسسات التي لا يتوفر فيها
مفهوم التنظيم الإداري ذي الكفاية نعرض مزايا التنظيم بشكل مختصر:
1 - انتظام العمل وانسيابه بسهولة ويسر، حيث يتم تحديد الأعمال والمراحل
التي تمر بها، والأشخاص الذين يؤدونها.
2 - تحديد الاختصاصات والصلاحيات والمسؤوليات، بحيث يعرف كل فرد
واجباته الأساسية والفرعية والإضافية، وعلاقة وظيفته بالوظائف الأخرى، ويبين
لكل قسم وإدارة حدود صلاحياتها وعلاقاتها بالأقسام والإدارات الأخرى. فلا يحدث
تنازع في الاختصاصات أو تضارب في السلطات.
3 - الاستغلال الكفء للإمكانات المتاحة (خبرات وجهود العاملين) والحصول
على أقصى طاقة إنتاجية منها، وتحقيق التنسيق والتكامل بين تخصصات العاملين
وخبراتهم ومهاراتهم، وبين الإدارات والأقسام، فيزيد احتمال الوصول إلى
الأهداف المحددة بقدر كبير من الفعالية.
وبناء على ذلك يتحقق التعاون والانسجام بين الأفراد والجماعات فتسير
العلاقات الوظيفية، والاجتماعية بأقل قدر ممكن من التنافر والاحتكاك.
وقد استطاعت نظريات علم التنظيم الحديثة الوصول إلى تحديد ما يسمى
بالأسس العلمية للتنظيم السليم، والتي يفترض أن تكون مترابطة ترابطاً وثيقاً فيؤثر
بعضها في بعض، ويزداد عمق الحاجة إليها جميعها أو بعضها، حسب حاجة كل
تنظيم إداري لأي مؤسسة. وسنذكر بعض ما اتفق عليه.
1 - وحدة الهدف:
لكل عمل هدف رئيسي تكونت من أجله المؤسسة ابتداءً، وهذا الهدف كي
يتحقق لابد من تعريفه بصورة واضحة، ثم تقسيم الأهداف إلى أهداف جزئية
وفرعية ومرحلية، يكون بينها وحدة واتساق توصل بمجموعها إلى تحقيق الهدف
الرئيسي.
2 - التخصص وتقسيم العمل:
إن اختيار العناصر المتخصصة التي تتقن العمل جزء لا يتجزأ من عملية
التنظيم، مما يتيح للعاملين التطور في مجالات تخصصهم وزيادة مسؤولياتهم،
وذلك بمساعدة رؤسائهم.
3 -تسلسل خطط السلطة:
ويقصد بها تدرج حجم ومستوى السلطة المعطاة، ومستويات التنظيم الإداري، والتي تتوزع بشكل مناسب في الهياكل التنظيمية مع مستويات التنظيم الرئيسية
الثلاثة: الإدارة العليا، الإدارة الوسطى، والإدارة التنفيذية: فلا تتركز السلطات
في إحدى الحلقات دون الأخرى.
4 - وحدة الأمر:
وهو نتيجة طبيعية للأسس السابقة، ونعني به توحيد جهة التلقي للتعليمات
من قبل رئيس أو مدير واحد، وذلك حرصاً على تحديد المسؤوليات وضمان
التنسيق وتوحيد الجهود وعدم بعثرتها، وفي المقابل فإن عدم مراعاة هذا المفهوم
يسبب ارتباكاً سيئ الأثر في العمل وفي نفوس المرؤوسين، نتيجة لتعدد مصادر
التوجيه والتلقي.
5 -تناسب السلطة والمسؤولية:
وهي إحدى المعادلات الصعبة، ونعني بالسلطة: الصلاحيات المخولة لشاغل
وظيفة معينة، وتتضمن حق إعطاء الأوامر والحصول على الأداء والمردود من
المرؤوسين، وحق اتخاذ القرارات. ويقرن بالسلطة عادة مفهوم آخر وهو القوة،
والتي تعزز السلطة، وتعني: القدرة على توجيه سلوك الآخرين والتحكم فيه،
وهي حصيلة مركبات معينة يمكن اختصارها بـ:
1 - الثواب.
2 - العقاب.
3 - قوة الشخصية.
4 - القدرة والخبرة والمعلومات.
5 - القدرة المستمدة من المنصب.
أما الطرف الآخر من المعادلة، وهي المسؤولية، فتعني الالتزام من جانب
المسؤول بما تتطلبه وظيفته من أعباء ومهام لتحقيق أهداف تلك الوظيفة، فيسأل
عن نتائج عمله، وكل رئيس يسأل عن النتائج المترتبة على أدائه وأداء مرؤوسيه.
أما المقصود بالمعادلة فهو التوازن بين السلطة والمسؤولين، حتى يستطيع
القيام بواجباته الفعلية المطلوبة منه. فمن الخطر أن تكون هناك سلطات واسعة
ومسؤوليات قليلة، ومن الإجحاف أن تكون هناك مسؤوليات كبيرة وصلاحيات
قليلة. ...