مشاهدات من أمريكا
الرأسمالية البشعة
محمد سليمان
أول ما تفاجأ به وأنت تدلف إلى مطار إحدى المدن الأمريكية - ذلك الاتجاه
المادي الرأسمالي الواضح، كل شيء يدل على هذا الاتجاه، في كل خطوة تخطوها
يجب أن تدفع، ثم تتأكد هذه الملاحظة عندما تكتشف أكثر فأكثر هذه الرأسمالية
(العارية) .
إن أوربا الغربية رأسمالية أيضاً ولكنها طبعة مخففة عن أمريكا، ففي الأخيرة
تحس بوحش الرأسمالية الذي يطل من خلال التكتلات الكبيرة، المصانع الكبيرة،
المنظمات التي تخطط لاستمرار هذا الوضع لصالح الفرد الجشع.
لا يوجد مكان للصغار، فلابد أن تحمي نفسك داخل منظمة أو تكتل، اليهود
هم الذين عرفوا طبيعة هذه البلاد الجديدة، فكان عملهم كله من وراء منظمات قوية، ومعترف بها رسمياً.
لم تتغير طبيعة الأمريكي الوافد من أوربا والذي يجري لاهثاً وراء الذهب
والأرض، وكان الحق مع من غلب، ليس هناك قانون إلا قانون القوة، وهذه
تتمثل الآن في الشركات والضغوط الاقتصادية، وتلحظ بعض هذه المظاهر في
مدينة شيكاغو، فعندما صعدنا إلى الدور (103) من أعلى عمارة فيها، ورأينا
منظر المدينة حولنا، والتي تكثر فيها العمارات الشاهقة؛ أصابتنا كآبة لهذا الجو
المادي الكالح، أَلِهَذا الحد يصاب الإنسان بجنون السباق المحموم في التكالب على
الدنيا؟ ، تذكرتُ في هذا السياق كلاماً لابن تيمية يذكر فيه أن المبالغة في إتقان
الدنيا غير مطلوب، لابد من إتقان بعض أمور الدنيا حتى تكون وسيلة للآخرة،
وحتى يعيش المسلم معززاً مكرماً، وليس كما يفعل الغرب في هذا العصر.
ومع اتساع هذا القارة يزداد الضغط على المسلم الذي يعيش في إحدى ولاياتها، ولايتمكن من رؤية إخوة له إلا في فترات متباعدة جداً، وفي داخل الولاية فإن
المساجد والمراكز الإسلامية هي التي تقي المسلم شرور هذا المجتمع الرأسمالي،
وإلا فإنه سيضيع في خضم هذا الاتساع وهذا التكالب على الدنيا، ومن جهة أخرى: فإنه يبدو أن لهذا الاتساع أثر إيجابي على الطلبة المسلمين هناك، فقد رأيتهم
أرحب صدراً لقبول الآراء المخالفة ومناقشتها، إذا ما قورنوا بغيرهم في مناطق
أخرى.
إن حجم الدارسين والجالية الإسلامية كبير جداً في تلك البلاد، وما تقوم به
الجمعيات والمراكز الإسلامية والمؤتمرات التي تعقد هناك عمل يشكرون عليه
ويحمدون، ولكن في قارة مثل هذه لابد من جمع الشتات، ولابد من إثبات الوجود
أمام التكتلات الكبيرة والمنظمات العريقة.