المظلوم لا يبني ولا ينتج
عبد القادر حامد
قد يعجب بعض الذين لا تسرهم الحال التي تعيشها الأمة الإسلامية وغيرها
من الشعوب الفقيرة.. يعجبون من الكسل والشلل الذي يبدو أنه يلف هذه الشعوب،
كيف أنها لا تفكر في معالي الأمور، وتغرق في المعيشة يوماً يوماً، ولا يظهر
عليها قلق مما يجري حولها من تكتلات اقتصادية، ولا يستثيرها هذا التباري
المسعور الذي يحس ويلمس عند الشعوب المتقدمة.
وينسى هؤلاء الذين تؤلمهم هذه الحال الخاملة؛ وهذه الحياة التى تبدو مجردة
من الأهداف- ماخلا الحاجات الدنيا التي تحفظ النوع والنفوس - ينسون حقيقة
وبدهية بسيطة واضحة للعيان أن الذي يجرد الإنسان فرداً أو جماعة - من الأهداف
العليا هو الظلم.
فالظلم هو الذي يسحق بشرية البشر، ويقصر تفكيرهم على الحد الأدنى من
العيش، ويجعلهم يرضون بالدون من الحياة، ويلفتهم لفتاً عن مجرد التفكير في
التعمير والتثمير، وهو الذي يقنعهم بالقول:
لِدُوا للموت وابنوا للخرابِ!
وهذا الداء الوبيل داء الظلم هو الوباء الذي ضرب المسلمين وأقام بينهم لا
يريم [1] ، ومع أن شعوباً كثيرة استطاعت أن تضع حداً له، وتعيش في منجاة من
نكايته، وتحد من انتشاره؛ لكننا - مع الأسف - نتقلب في ناره، ونعاني ما نعاني
من شدة ثباته في أرضنا واستقراره.
هذه الجموع العريضة تتذوق شتى أنواع الظلم، فهم بين مظلوم في ماله،
ومظلوم في دينه، ومظلوم في حريته، ومظلوم في حقوقه الأدبية والشخصية، كل
منهم جثم عليه من الظلم - نوع أو أكثر - ما يجعله دائم التفكير في ظالمه، زاهداً
في إنجاز أي شيء سوى الانتصاف لنفسه إن استطاع، مشلول التفكير والإرادة إلا
عن التقلب على جمر الغيظ وحب الانتقام.
ولأمر ما عنون ابن خلدون فصلاً مهماً من مقدمته بالقول: (الظلم مؤذِن
بخراب العمران) ولأمر ما اختار كلمة (مؤذن) حتى يجعلك لا تغتر إذا رأيت قصراً
منيفاً يتربع فيه ظالم بين الأضواء والرياش، أو سلطة يتحكم بها متجبر عاتٍ يأمر
فيُطاع، فها هو ذا الظلم ينعق في جنباتها، مؤذناً بدك بنيانها من القواعد.