مجله البيان (صفحة 627)

لا تغيير فى تونس

شؤون العالم الإسلامي

لا تغيير في تونس

عبد الحميد إبراهيم

أمل الشعب التونسي عند سقوط بو رقيبة أن تتغير أحواله، وينتقل من حالة

الشلل التى أصيب بها أواخر أيام الدكتاتور السابق - إلى حالة يثق فيها بنفسه

وقدراته، ويتمتع بحريته حيث يصبح قادراً على التفكير والإنتاج، وأن الوعود

كانت خصبة في شتى الاتجاهات. ما الذي كان يشكو منه الشعب التونسى، وكان

يكبله عن تحقيق ما يطمح إليه؟ إنه الوضع النفسي والاقتصادي.

أما الوضع النفسي فيتمثل في عبادة الذات التى كانت سمة بارزة في سلوك بورقيبة، وإضفائه على نفسه من الصفات والقدرات والمواهب ما لا يطلق إلا على

الآلهة. وقد حاول الحاكم السابق خلال ثلاثين سنة أن يفرض على الشعب التونسي

هذا الأسلوب من عبادة الشخصية، ويعمل على أن يجعل كل شيء يدور حوله،

وكان يعتقد أنه يعرف مصلحة التونسيين أكثر منهم أنفسهم. وشيئاً فشيئاً أنبتت

حوله حاشية تجسد فيها نفاق وفساد لا يوازيه إلا نقص في الكفاية، وعدم اكتراث

بحاجات الشعب الحقيقية.

وأما الوضع الاقتصادي فكشأن الدول التي تسود فيها نظريات حكم الفرد، أو

نظريات الحزب الواحد، فلابد أن تواجه ضعفاً وركوداً اقتصادياً سببه قتل الطموح

والمبادرة في النفوس، وعدم الأمان والاستقرار الذي هو شرط أساسي للازدهار

الاقتصادي، وحكم بورقيبة كان مزيجاً من تسلط الفرد وتسلط الحزب الواحد بل

إنه جمع أسوأ ما في هذين الأسلوبين، وهكذا عندما بدت بوادر التململ من هذا

الجو الذي وجد الشعب التونسي نفسه فيه لم يكن من علاج لهذه البوادر غير القبضة

الحديدية. ولكن هذه السياسة ليست علاجاً بل هي مسكن. وهكذا كان التغيير الذي

حدث في تونس في لحظة حاسمة، عندما وصل الطاغية إلى أقصى درجة من

الطغيان، فتقدم بن علي وقطف ثمرة الحالة التى أوصل بو رقيبة تونس إليها، ولو

لم يفعل هو لقطفها غيره.

إن الشعب التونسي شعب مسلم عريق في إسلامه، يشكل الإسلام في كيانه

نسيجاً ليس من السهل تجاهله وتجاوزه، وعلى الرغم من التخريب الفكري والثقافي

الذي أحدثه بورقيبة خلال فترة حكمه الطويلة إلا أنه لم يزد على أن جعل الشعب

التونسي يطوي جوانحه على كراهية مستكنة لجرأة هذا الدعي ووقاحته على الإسلام

الذي هو عقيدة الشعب التونسي، لم يفهم بورقيبة كأمثاله من المتسلطين بغير حق

- أنه عندما كان يقف الساعات الطوال أمام مكبرات الصوت والمنابر الإذاعية

المحروسة يحقّر أحكام الإسلام وينتقي ما شاء من تعاليمه وشعائره كالصلاة والصوم، ونظرته إلى المرأة، ويجعل من ذلك مجالاً لسخريته وتهجمه وهرائه الذي يجبر

الشعب على سماعه وحفظه، لم يفهم أنه كان يهين عقيدة الشعب الذي يحكمه،

والذي يهين عقيدة الشعب لن يحوز على ثقته ولا محبته، لقد كان حفنة من

المتملقين المنافقين المنتفعين يحيطون به ويزينون له فعله القبيح هذا ويرضون فيه

حب العظمة والنفوذ الذي اشتهر به، بالإضافة إلى الأقلام التي لا يهمها الإسلام من

قريب أو من بعيد داخل تونس وخارجها التى كانت تكيل له المدح على وقاحته التي

يسمونها شجاعة، وجرأته على الباطل التى يسمونها ألمعية، ولكن البلاد لا تجني

من أهواء الطغاة والمنافقين والمنتفعين الانتهازيين سوى ما جنت تونس من سياسة

ذلك المسمى بو رقيبة.

إن الرئيس التونسي الجديد أعلم الناس بالذي أوصل الحالة في تونس لما

وصلت إليه من تأزم، وهو عليم أيضاً أن الباحثين عن الشرعية في الشعوب التي

عقيدتها الإسلام - لابد لهم من احترام هذه العقيدة، لذلك فقد قدر الشعب التونسي

كل التقدير الخطوات التي بدت مخالفة للمنهج السابق، فبينما كانت دعاية النظام في

العهد البائد لا تألو جهداً أن تحقر كل مظاهر التمسك الجماعي بالإسلام، وارتباط

تونس بعمقها العربي الإسلامي، وتربطها ربطاً متعسفاً بأوربا وبالفكر الغربي،

باسم التطور والمدنية، وتنعت أصحاب الاتجاه الإسلامي بأقبح النعوت أثراً عند

الجمهور من مثل: الظلاميين، المتطرفين، الذين يريدون إعادة تونس إلى ظلامية

القرون الوسطى ... بينما كان ذلك وأكثر منه هو أسلوب الدعاية.. فرح الشعب

التونسي من عودة كلمات تقدير الإسلام والهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي،

والنية للنظر في تحسين المناهج التربوية بما يعيد الاعتبار للعروبة والإسلام في

المجتمع التونسي.

ورافق هذا التقدير الكلامي خطوات فعلية، فقد توقفت ملاحقة الإسلاميين

واعتقالهم، وأفرج على مراحل عن الأعداد الكبيرة ممن اعتقل منهم على عهد

الحاكم السابق، وقد نظر الشعب التونسي بأجمعه إلى هذه الخطوات نظرة التقدير،

واعتبرها تغييراً ذا بال في مجال الحقوق الطبيعية التى كانت مهانة، حتى الناس

الذين ظلمهم النظام السابق وألصق بهم شتى الافتراءات لم يبخلوا بإعطاء هذه

الخطوات ما تستحقه من اعتبار، وأحاطوها بالآمال العريضة التى بدت في بعض

الأحيان ومنذ وقت مبكر مغرِقة في التفاؤل. إلى هنا أصبح في تونس نظام جديد

وشعب ذو أمل جديد، نظام يتخذ من التغيير الذي حمل قمة الإنجاز، ويثمّن هذه

الخطوات تثميناً مسرفاً ويطالب بالثناء والاعتراف بالجميل، ولكن الشعب اعترف

بهذا الجميل وقام بواجب الشكر، وهو ينتظر ممن قاموا بتلك المبادرة فتحركت

الرمم في أجداثها، وانتعشت الآمال التى كادت تموت - أن يزيلوا القيود الفعلية

التي تبعث الخوف والرهبة، وتجعل الشعب دائماً خائفاً يترقب! ولكن إلى الآن لم

يحدث شيء.

بل إن الشعب التونسي أصبح يحس أن ما حصل عندهم يشبه ما حصل في

ألمانيا الشرقية على إثر سقوط (إريك هونيكر) حيث تسلل جهاز المخابرات السيئ

الذكر (ستازي) ليخلفه، ولكن مع فرق بسيط وهو أن النظام الجديد في تونس نجح

في التسلل حيث فشل (ستازي) وبدأ التونسيون يكتشفون أن الخدمات الشفوية

للإسلام لها هدف آخر، وأن ما حصل من إفراجات هو أقصى ما يمكن تقديمه من

أمور فعلية.

ويبدو غريباً جداً لمن هم في داخل تونس ومن هم خارجها تصرف الحكومة

تجاه بعض الحالات، فبينما تعترف هذه الحكومة للشيوعيين وباقى اليساريين

والعلمانيين بشرعية العمل السياسي، وتعطي هؤلاء من الاهتمام أكبر من حجمهم

في صحافتها وإعلامها ذي البعد الواحد، تراها تضن بأي اعتراف قانوني لكل ذي

توجه يشم منه اسم الإسلام ولو مجرد شم!

هذا مع أن قادة الاتجاه الإسلامي لم يتهاونوا في اتخاذ كل ما يمكن أن تطلبه

حكومة منصفة من مواقف، فلم يقصروا في المدح والثناء على مواقفها، ولا أعلنوا

برنامجاً يسيء إلى أحد، حتى الشيوعيين والعلمانيين الذين لا يوفرون من ألفاظ

الهجوم على الإسلام شيئاً، وهم خارج السلطة، ولا يوفرون من مواقف الإثارة

والكبت والعسف والأذى للمسلمين موقفاً وهم داخل السلطة.. حتى هؤلاء اعترف

لهم قادة الاتجاه الإسلامي في تونس بحرية العمل وأعطوهم أكثر ما يؤملون.

وأعطوا من المواثيق على الإيمان بالتعددية، والديمقراطية، والخصوصية

التونسية، ما لم يعط غيرهم.

والخلاصة أن قادة الاتجاه الإسلامي يتمتعون بكل الشروط التى يستحقون

عليها التكرم بالاعتراف بهم، فهم تونسيون، وهم ذوو وزن معتبر، وهم يفضلون

العلنية، وهم متطورون، وهم غير ناكرين للجميل، وهم راضون بالاستقسام

(بأزلام) التعددية، ويسبحون بحمد الديمقراطية!

ما علتهم إذن؟ !

يتحدثون بالإسلام؟ ! هل الحديث عن الإسلام أصبح عاراً؟ ! كيف تعطَى

الشرعية لمن يجعل أسس برنامجه تقوم على هدم الإسلام بل هدم الأديان كلها

(كالشيوعيين) وتعطى لمن يقول: لا مكان لظلامية العصور الوسطى في حياتنا

المعاصرة (يقصدون أحكام الإسلام والفكر الإسلامى) يحاربون الفكر الإسلامى

(كالعلمانيين واللادينيين وعبيد فرنسا) ؟ وتحجب هذه الشرعية عمن ليس له ذنب

إلا أن يقول: أنا مسلم؟ ! إذا كانت الدولة لا تريد أن يزج باسم الإسلام في مجال

العمل السياسي، ولذلك لا تحب أن يشار إلى الإسلام في التسميات، لا مانع، ها

نحن نتقدم بحزب يفي اسمه بهذا الشرط اسمه (النهضة) وهذا برنامجه، ونطلب من

الدولة التى نعترف بها سلفاً (حيث نطلب منها لامن غيرها) الترخيص.

بعد خمسة أشهر من تقديم طلب الترخيص مع برنامج الحزب المفصل يعاد

الطلب مرفوضاً دون ذكر الأسباب، سوى أن الوقت غير مناسب! وطلب منهم أن

يتقدموا ثانية فيما بعد. وحينما استأنفوا الطلب مرة أخرى في 13/12/1989

رفضت وزارة الداخلية تسلم الطلب من حيث المبدأ: ألا يتناقض هذا مع الميثاق

الوطني الذي وضعه النظام، وأقرته جميع الاتجاهات السياسية في البلاد وأهم بنود

هذا الميثاق:

- احترام حرية التعبير.

-احترام حرية الاختلاف في وجهات النظر.

- إدانة الإرهاب والعنف.

-العمل على رفع المستوى (الروحي) واللغوي للشعب.

-الحفاظ على الهوية التاريخية للشعب التونسى.

هل جماعة النهضة لا يقرون بهذه المبادئ واكثر منها مما تريده الدولة؟ ما

المشكلة إذن؟ يصعب على المرء أن يفصل في هذه القضية، ولكن يبدو أن الشعب

التونسي بدأ يكتشف أن مشكلة النظام مع جماعة الاتجاه الإسلامي هي أنه لا يريد

أن يخضع نفسه للولاء للإسلام عقيدة الأمة، ولكنه يصعب عليه أن يعترف بهذه

الحقيقة، ويدور حولها بأسلوب المداورة، وخلط الموضوع الحقيقي بموضوعات

أخرى جانبية، وهو أسلوب الجدل العلماني المستورد من الفكر الأوربي والذي لم

يعد يقنع أحداً، وكنموذج على هذه المداورة الممجوجة نقدم ما أوردته جريدة (القبس الدولي) 5/6/1990 - نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية:

(أكد المنجي بو سنينة وزير الدولة للتربية في تونس أنه: لن يتأسس حزب

ديني في مجتمع يَدين بالإسلام وانتقد الوزير التونسي بشدة (! !) في اجتماع

حزبي لأعضاء التجمع الدستوري (!) الديمقراطي (!) الحاكم في مدينة الوردية

بالضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية - مَن وصفهم (بقوى الظلام ودعاة الفتنة)

وقال: إن ظاهرة التطرف الديني تقوم على المغالطة والتضليل وابتزاز المشاعر

الدينية والتحريض على الفتنة لتحقيق مآرب سياسية معروفة (!) تحت غطاء

الدين.

وتقوم قيادات التجمع الديمقراطي الحاكم بنشاط مكثف وعقد ندوات ومؤتمرات

شعبية في مختلف أنحاء تونس لمواجهة التيار الإسلامي) [1] .

هناك أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح تعليقاً على مثل هذا النموذج المتكرر من

النشاطات المكثفة والندوات والمؤتمرات الشعبية في مختلف أنحاء البلاد:

* لماذا يسمح بتأسيس أحزاب ذات نظريات كفرية في مجتمع يدين بالإسلام

ولا يسمح بتأسيس حزب ديني؟ ! .

* ثم هل أصحاب الاتجاه الإسلامي يدعون إلى إقامة كنيسة وتنصيب بابا، أم

يتقدمون ببرامج اجتماعية أساسها الإسلام الذي ليس هو مسجد يفتح للصلاة فقط

ويغلق بعد انتهائها؟ !

* ماذا تعني هذا العبارة: (قوى الظلام ودعاة الفتنة) غير وصم الناس

وتشويههم دون دليل صحيح؟

* مادمت تقول بحرية الرأي في مجتمع متحضر؛ لماذا تتهم من يخالفك

الرأي بهذه التهم وتسب هذا السب المر؟ هل هذا سلوك قوم متحضرين؟ !

* لماذا استيراد الحجة الواهية من البلاد التي قد يكون فيها أقليات غير مسلمة، والتي تقول: لا نسمح بإقامة حزب ديني (أي إسلامي) حرصاً على مشاعر

مواطنينا الآخرين؟ في حين أن هذه الحجة - إن صدقت في تلك البلاد - لا تصدق

في بلد كتونس أغلبيته الساحقة مسلمون؟ .

* ألا تقدم للناس الذين تخاطبهم معنى محدداً للتطرف الديني، حتى يلمسوا

(المغالطة والتضليل وابتزاز المشاعر الدينية والتحريض ... ) وسائر هذه التهم التى تكال جزافاً! والتي لو نوقشت بإنصاف من قبل قوم يحترمون العقل والمنطق والتحضر، وأخيراً: الإسلام؛ لانهارت واحدة بعد أخرى؟ ، صحيح:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه ... وصدَّق ما يعتاده من تَوَهمِ

وعادى محبيه بقول عداتِه ... وأصبح في ليل من الشكِّ مظلمِ

إن السلطة التونسية تتهم قطاعاً عريضاً من الشعب التونسي لهم حقهم

المشروع أن يعبروا عن عقيدة لم يستوردوها استيراداً من أوربا، ولا أمريكا؛ بل

هي نابتة نباتاً طبيعياً في ترابهم، وسُقيت من دمائهم ودماء آبائهم وأجدادهم، ولا

تفتأ تتهمهم باحتكار الإسلام، مع أنهم لم يدَّعوا ذلك، ولا يمكنهم لو ادعوه، في

الوقت الذي تتلبس هذه السلطة - كالكثير من السلطات - باحتكار كل شىء:

السلطة والنطق باسم الأحياء والأموات، وادعاء الشرعية والقانونية، والوصاية

على الأرض والسماء! .

ومن أغرب الأمور أن يظل النظام التونسي مشدود الأعصاب مهيأً لتحميل

أصحاب الاتجاه الإسلامي كل ما يحصل في المجتمع التونسي من سلبيات وكوارث، حتى ما لا يقع تحت يد البشر، وكشاهد على ذلك فقد اجتاحت الجنوب التونسي

سيول مدمرة هدمت حوالى 40 ألف بيت، وخربت أكثر من ألف كيلو متر من

الطرق، بالإضافة إلى مزارع ومحاصيل كثيرة، ولم يصل أحد من قبل الحكومة

إلى هذه المنطقة المنكوبة إلا بعد ثلاثة أيام وكأنها تقع في قارة أخرى، بل ولم

يتحرك النظام إلا بعد المظاهرات التي اندلعت تصف الحكومة بالإهمال.. هنا فقط

استيقظت الحكومة من سباتها، ولكن لتصب جام غضبها على المتطرفين: (الذين

يحاولون استغلال الظروف العصيبة!) ، لكن هل فعلت الحكومة شيئاً عملياً للتخفيف عن المنكوبين؟ ! بعد عشرة أسابيع كانت لا تزال أعداد كبيرة تنتظر المساعدة والمأوى!

إن الإنسان في كثير من بقاع العالم الإسلامي يربَّى على أن يستسلم لجميع

أنواع الكوارث؛ ما كان منها من صنع البشر وما ليس كذلك، ويقابلها بخضوع

وتسليم حتى يكون مؤمناً مسلماً، وإلا فهو متطرف متعصب مضلل محرض على

الفتنة، بل قد يتهم بالكفر! ألم يحاول التنكر للإيمان بالقضاء والقدر؟ !

ومع أن النظام في خلاف مع شرائح متعددة من الشعب: مع العمال، والطلبة، والمعلمين، والمهندسين.. لكنه يحاول التنصل من نتائج هذه الخلافات والمشاكل

بإلقاء المسؤولية على أصحاب الاتجاه الإسلامي، معتقداً أنه إذا حصر النار في هذه

الزاوية فإن المشاكل تحل، مع أن تجارب كثيرة مماثلة حدثت في أماكن أخرى من

العالم لكنها لم تحل المشاكل بل زادتها وعقَّدتها.

إن تونس تنزلق مرة ثانية لتجد نفسها على عتبة مرحلة شبيهة بالمرحلة التي

غادرها فيها بو رقيبة، وتبدو هذه السياسة التحريضية التي يشير بها المخططون

للسلطة السياسية الحالية كأنها محاولة لإيجاد المسوغات التي تبطش بسببها بمن

تعتقد أن البطش بهم يخلي لها جو العمل كما تشاء، بعيداً عن الاحتجاج والمساءلة،

وهؤلاء المخططون تغرهم أمثلة حصلت وتحصل هنا وهناك، وتوحي لهم أنه لا

حل إلا بذلك، مع أنه لا أحوال هذه الأمثلة، ولا الحال في تونس يمكن أن تتحسن

بهذه الطريقة غير المتحضرة، التي أثبت التاريخ الحديث عقمها وتخلفها، بل

وخطورتها، أعني طريقة وضع (معارضة معينة) تحت ظروف الكبت والمطاردة، وجعلها مشدودة دائماً، ليقوم شخص غير مسؤول بعمل ما يعطي الأنظمة

مسوغات البطش والتنكيل.

لقد اختار قادة النهضة مختلف الطرق المسماة حضارية في التعامل، على

الرغم من الأجواء المحيطة بهم، وهم يتحملون بصبر وإباء كل ظروف الإثارة

والحرمان من الحقوق الأساسية، وعلى الرغم من عدم السماح لهم بقنوات (قانونية) تسهل لهم ضبط أنفسهم وعناصرهم؛ فإنهم يبدون متمسكين بأعلى درجات

الانضباط في ظروف يصعب فيها ذلك، ولكن تلوح في الأجواء علائم (لفبركة)

حادثة عنف تكون بمثابة الذريعة ليتكرر في تونس ما فعله عبد الناصر من قبل.

ولكن هل سيظل التاريخ يعيد نفسه؟ !

طور بواسطة نورين ميديا © 2015