موزة بنت محمد
الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - واجب على كل مسلم ومسلمة كلٌّ حسب
طاقته وقدرته، وظروفه، قال - تعالى -: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ] [يوسف: 108] .
والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الجاهل ووعظ
الغافل ومجادلة الفاسق والكافر - هي سبب خيرية هذه الأمة، وقد هيأ الله (سبحانه)
- برحمة منه وفضل- لهذه الأمة علماء فضلاء، كان لهم دور كبير في هذه
الصحوة المباركة، فأثمرت دعوتهم هذه الجموع من الشباب المستقيم على دين الله
في حماسة وقوة واندفاع والذين أصبح الكثير منهم اليوم دعاة إلى الله ورسوله -
صلى الله عليه وسلم- وصراطه المستقيم كأنهم النجوم الزاهرة تهدي بإذن الله من
يشاء ... فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
ولكن هناك بعض الأخطاء لابد من ذكرها، فقد تجد الشاب يستمع لبعض
الدروس أو يقرأ في كتاب أو يجالس مجموعة فيتأثر بها ثم يصبح بين عشية
وضحاها داعية متأثراً بشكر هذا الشخص أو ذاك أو هذه المجموعة أو تلك وباندفاع
الشباب وحماسته يصبح داعية لهذه الجماعة مهاجماً لغيرها مبتعداً عن منهج الله في
الدعوة إليه، ولا يخفى ما لهذه الفرقة بين جماعة المسلمين من أضرار جسام على
الدعوة وعلى الأمة بوجه عام، وما فيها من مخالفة للصراط المستقيم وأوامر الله -
سبحانه - حيث يقول: [وأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] [الأنفال: 46] .
ومن باب حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ودينه وأمته، ...
والنصيحة لهم كان لابد من التواصي بالحق بين المؤمنين. وأحببت التواصي مع
أمل كل مؤمن وكل غيور على هذه الأمة.. مع الدعاة.
المنهج في الدعوة إلى الله:
يقول الله - سبحانه -: [ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحاً
وقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] [فصلت: 33] ، فهذه الآية العظيمة من كتاب الله العظيم
تبين أن ركائز وأساسيات الدعوة إلى الله ثلاث وهي:
أ - الدعوة إلى الله وحده.
ب - العمل الصالح.
ج - الولاء للإسلام.
أ - الدعوة إلى الله وحده: لا شريك له، فيكون هدف الداعية هو مرضاة الله - سبحانه - ونيل الأجر والمثوبة منه وحده وليس للأغراض الدنيوية مكان في نفسه فهو لا يدعو من أجل ربح مادي ولا سمعة ولا رياء، ولا من أجل جماعة أو دولة أو غير ذلك، وعليه فلابد من اتباع ما أمر الله به، وعلى من يريد ارتياد
طريق الدعوة أن يتزود بأمور:
أولها: الإيمان بالله وحده لا شريك له، الإيمان الصادق الحي وما يتضمن من
رقة القلب وتقوى الله ورجاءً في ثوابه، وخوفاً من عقابه، يقول الله - سبحانه -:
[وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى] [البقرة: 197] . ورقة القلب والتقوى نعمة من
الله وهي لا تأتي بسهولة بل بمجاهدة للنفس، ومن أحسن ما يعين عليها - بعد عون
الله (تعالى) - قراءة القرآن بتمعن وتدبر والتفكير في سنن الله وملكوته والإكثار من
النوافل، والتقرب إلى الله بالطاعات وبالبعد عن المعاصي، والدعاء في كل وقت،
وخاصة في جوف الليل بأن ييسرها الله - سبحانه - ويعين عليها.
وطريق الدعوة شاق وصعب ويحتاج الداعية فيه لقوة كبيرة على التحمل
والمتابعة، وهذه القوة مستمدة من الإيمان والارتباط بالله - سبحانه - واتخاذه وكيلاً
وعدم الغفلة عن ذكره، وقد أوصى الله - سبحانه - نبيه محمداً -صلى الله عليه
وسلم- إمام الدعاة وقدوتهم الحسنة بذلك في خواتيم سورة الأعراف، فبعد أن بيَّن
جوانب من طريق الدعوة قال: [وإذَا قُرِئَ القُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ * واذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وخِيفَةً ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالْغُدُوِّ
والآصَالِ ولا تَكُن مِّنَ الغَافِلِينَ] [الأعراف: 204-205] .
ومن نتائج الإيمان الصادق تطهير النفس من كل رذيلة - كما يقول الإمام ابن
قدامة المقدسي (رحمه الله) في كتابه (مختصر منهاج القاصدين) : (وإياك أن
تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك، واشتغل بإصلاح باطنك، وتطهيره من
الصفات الذميمة كالحرص والحسد والرياء والعجب قبل إصلاح ظاهرك ... فإن
مُهلك نفسه في طلب صلاح غيره سفيه، ومثله مثل من دخلت العقارب تحت ثيابه
وهو يذب الذباب عن غيره) .
ثانيها: العلم النافع المستمد من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -: يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين - في رسالة (زاد الداعية إلى الله (عز
وجل)) -: (وأول ما يتزود به الداعية إلى الله - عز وجل - أن يكون على علم
مستمد من كتاب الله ومن سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة المقبولة،
وأما الدعوة بدون علم فإنها دعوة على جهل والدعوة على جهل ضررها أكبر من
نفعها؛ لأن هذا الداعية قد نصب نفسه موجهاً ومرشداً فإذا كان جاهلاً فإنه بذلك
يكون ضالاً مضلاً والعياذ بالله) .
ويظهر أثر هذا الإيمان وهذا العلم على المؤمن بالسكينة والوقار والخشوع
والتواضع وحب الناس وتمنى الخير لهم والعطف عليهم، والنصح لهم في غير
فظاظة ولا تجريح ولا تشهير، ويظهر البشاشة في وجهه ويحفظ لسانه، ويراعي
الله - سبحانه - ويتقيه في كل قول وفعل، فهو يتمثل صفات عباد الرحمن كما
وصفهم ربهم.
ب - العمل الصالح: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - في كتاب (الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر) -:
(العمل الصالح الذي أمر الله به ورسوله هو الطاعة، فكل طاعة عمل صالح، وهو العمل المشروع المسنون، لأنه هو المأمور به أمر إيجاب أو استحباب، فهو العمل الصالح وهو الحسن وهو البر وهو الخير وضده المعصية والعمل الفاسد والسيئة، والفجور، والظلم والبغي) .
كما يجب أن يكون عمل الداعية مطابقاً لقوله ويكون هو بتصرفاته وأخلاقه،
وأعماله - قدوة لمن يدعوهم لما يدعوهم إليه من اتباع للصراط المستقيم فهو بكل ما
يقوم به من قول أو فعل مثال للمؤمن الصالح المتبع لدينه وهدْي نبيه - عليه
الصلاة والسلام - فلا يدعو لصلاة الجماعة ويتخلف عنها، ولا يدعو لإصلاح
السريرة وقلبه ملىء بالحقد والحسد، ولا يدعو الناس لترك الغيبة والنميمة ثم يأتيها
هو وكذا باقي الأعمال.
والعمل الصالح والإيمان مترابطان تمام الارتباط؛ فكلاهما مؤثر ومتأثر
بالآخر. ومن العمل الصالح المطلوب من الداعية هو الدعوة على بصيرة يقول الله
- سبحانه -: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي وسُبْحَانَ
اللَّهِ ومَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ] [يوسف: 108] .
ويذكر فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين: أن البصيرة في ثلاثة أمور:
هي بصيرة فيما يدعو إليه وهي العلم بالكتاب والسنة، وبصيرة في حال
المدعو، وبصيرة في كيفية الدعوة.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه
.. فلابد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولابد من العلم بحال المأمور
وحال المنهي) .
ولابد في ذلك من الرفق، يقول الله - سبحانه وتعالى -[فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ
لِنتَ لَهُمْ ولَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ
وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ] [آل عمران: 159] ، ويقول الرسول -صلى الله عليه
وسلم-: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه»
رواه مسلم.
ومما لا شك فيه أن الدعوة إلى الله من أشرف المهام التى يقوم بها الناس
وأصعبها ولابد أن يواجه الداعية من الأذى والآلام الشيء الكثير؛ لذا وجب عليه
التحلي بالحِلم والصبر، يقول ابن تيمية - رحمه الله -: (ولابد أيضاً أن يكون
حليماً، صبوراً على الأذى؛ فإنه لابد أن يحصل له أذى، فإن لم يحلم ويصبر
يفسد أكثر مما يصلح، كما قال لقمان لابنه: [وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وانْهَ عَنِ المُنكَرِ
واصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ] [لقمان: 17] ) .
ويقول - سبحانه -: [ومَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحاً
وقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ * ولا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا
الَذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ * ومَا يُلَقَّاهَا إلاَّ الَذِينَ صَبَرُوا ومَا يُلَقَّاهَا إلاَّ
ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ]
[فصلت: 33-36] .
ومما جاء في تفسير هذه الآيات [1] : أن الله - سبحانه - يثني على الداعية
ويخبر عنه أنه هو في نفسه مهتدٍ بما يقوله، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعدٍ وليس
من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه بل يأتمر
بالخير، ويترك الشر، يدعو الخلق إلى الخالق - تبارك وتعالى - كما تبين في
أسلوب الدعوة والحث على الحلم والصبر، فيقول إن هناك فرقاً كبيراً بين الحسنة
والسيئة؛ ولذا ادفع من أساء إليك بالإحسان إليه؛ فإنك إن أحسنت إلى من أساء
إليك قادته تلك الحسنة إلى مصافاتك حتى يصير كأنه ولي حميم، وبالطبع ليس هذا
بالأمر الهين الميسَّر لكثير من الناس ولكن ما يلقاها إلا ذو نصيب وافر من السعادة؛ لأنه صبر على الأذى في سبيل الله فهو سعيد في الدنيا والآخرة.
ولأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ولأنه توعد بأن يضل كل من
يستطيع إضلاله من بني آدم وخاصة من يسير منهم على الصراط المستقيم - فقد
يحس الإنسان بنزغ ووسوسة من الشيطان وعندها يبين الله - سبحانه - العلاج ألا
وهو الاستعانة بالله إنه هو السميع العليم. وجدير بالذكر أن هذا النزغ والوسوسة
تأخذ صوراً شتى منها الكبر وغَمْط الناس ومنها العُجب ومنها الحسد ومنها حب
الظهور والسمعة ومنها الغلو والبدع وغيرها كثير لمن تفكر ...
ج - الولاء للإسلام: [وقَالَ إنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] ؛ فانتماؤه للإسلام ودعوته للإسلام واعتزازه بالإسلام، فقال إننى من المسلمين ولم يقل إنني من هذه الجماعة أو تلك، وليس في قلبه ولاء لغير الله ورسوله ودينه الذين ارتضى بل يؤكد قولاً وفعلاً أنه من المسلمين.
وبعد..
فإذا اجتمع في الداعية إيمان صادق وإخلاص لله وعلم نافع وعمل صالح
وولاء لله وحده فلابد أن يكون قوله هو أحسن الأقوال وحاله أحسن الأحوال، وذلك
فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.