مجله البيان (صفحة 595)

ماذا وراء انتصار الجبهة الشعبية فى مصوع؟

شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته

ماذا وراء انتصارات الجبهة الشعبية في مصوع

بلال محمد أحمد

ثلاثون عاماً مرت على الصراع الأرتيري الأثيوبي، ورحى الحرب مازالت

دائرة يتعاقب عليها الطرفان دون أن تسحق أحدهما نهائياً، وإن كان الطرف

الأثيوبي ظل يراهن على تصفية المقاومة الأرتيرية عسكرياً، بيد أن الأيام أثبتت

له ولغيره عدم جدوى هذه الفكرة، بل لمس بيده ما نجم عن هذه السياسة من مآسي

عمت أثيوبيا كلها، إذ كان من مضاعفاتها تفجر الثورات في إقليم تجراي، وأرمو،

وتفاقم الأزمات الاقتصادية وتضعضع الأمن، وفقد الاستقرار، وتردي الأوضاع

الاجتماعية، فالتشتت الأسري، ومظاهر التسول والتسكع كل ذلك من السمات

البارزة التي خلفتها المشكلة الأرتيرية على العاصمة الأثيوبية أديس أبابا حيث تجد

شعارات الحرب المعلقة على الأبنية الشاهقة والداعية إلى توجيه كل شيء إلى

ساحة القتال تظلل من تحتها أرصفة مليئة بالجوعى، والمتسولين.

ولم يأبه (منجستو) بكل معاناة شعبه وحصر دائرة تفكيره في الأرتيرية

عسكرياً إلا أن الجبهة الشعبية الأرتيرية التي أريد لها الانفراد بالساحة الأرتيرية

بددت أحلامه وحالت دون تحقيقها، وكانت جبهة «نادو» في الساحل الشمالي من

أرتيريا أبرز المواقع التي تحطم فيها كبرياء العدو الأثيوبي، تلتها انتصارات

مصوع الميناء الأرتيري الذي سقط مؤخراً على يد الجبهة الشعبية بعد مقاومة من

الجيش الأثيوبي لم تدم أكثر من ست ساعات تقريباً، حيث فوجئت القوى البحرية

الأثيوبية بزوارق تغرق سفنها القتالية ولم تمض لحظات إلا وصار الجيش الأثيوبي

بين قتيل وأسير وغريق ومحاصر في جزر دهلك [1] .

لقد بهرت هذه الانتصارات جموعاً كثيرة من الأرتيريين وهي بحق إنجاز

عسكري كبير إلا أن هذا لا يعني أن تمضي هكذا دون وقفة تأمل وتفكر، ورغم أن

العاطفة هي سيدة الموقف غالباً إلا أن النظرة الواقعية تزاحمها أحياناً، وأيا كان

مردود هذا الانتصار على القضية الأرتيرية، فإن عدة عوامل ذاتية وأخرى ...

موضوعية تجمعت لتجعل منه تاجاً يلمع على رؤوس الجبهة الشعبية الأرتيرية.

معاذ الله أن نغمط الناس حقهم وإن كانوا دعاة إلحاد وزندقة، فالتضحيات

المقدمة من قبل الجبهة الشعبية مصانة ومقدرة غير أن حجم ما منيت به من خسائر

يتضائل ويتصاغر لو قورن بأهمية الموقع واستراتيجيته، حيث لم ترق المقاومة

الأثيوبية للهجوم إلى مستوى أهمية الموقع، بل كانت ظاهرة الهروب

والاستسلام تسود الأوساط الأثيوبية المقاتلة، فهل في الأمر شيء ما؟ .

ثمة أمور تجري وراء الكواليس وهي جديرة بالاستنطاق والتقصي فعالمنا

اليوم مليء بالمتناقضات والمؤامرات التي تحيكها قوى الاستكبار العالمية لتحقق

مصالحها وأهدافها، والمرء حين يعود إلى الوراء قليلاً يجد العامل الأمريكي يحتل

موقع الصدارة من بين هذه العوامل، ثم تأتي بعد ذلك عوامل داخلية أخرى من

خلالها تبدو الجبهة الشعبية الفارس الذي لا يقهر.

فمند أن تآمر الأمريكان على القضية الأرتيرية في فترة تقرير المصير ظل

اهتمامهم بالمنطقة ينمو مع نمو الثورة الأرتيرية وتطورها، ولم يغب عن بالهم أن

يوماً ما سيحل تكون فيه مصالحهم على خطر وقد حدث بعد سقوط حليفهم

هيلاسلاسي عام 74 م أن تسلل الروس إلى أثيوبيا غير أن هذا التسلل وإن كان لم

يربك الأمريكان بشكل مفجع إلا أنه لم يجعلهم يغضون الطرف عن البحث عن

حليف لهم يؤمن مصالحهم ويقيهم شر نمو حركات إسلامية جهادية في منطقة تشهد

تمدداً إسلامياً، لذا شهدت الخرطوم عاصمة السودان حضور رجال الاستخبارات

الأمريكية يشاركون في عملية تهريب الفلاشا إلى إسرائيل، وفي ذات الوقت

يراقبون عن قرب وكثب حركة التحرر الأرتيرية بفصائلها المتعددة ويجمعون حولها

دراسات وتقارير، وعبر عملية معقدة ودقيقة للغاية استطاع الأمريكان أن يتخلصوا

من أعتى تنظيم يمثل توجهاً ماركسياً خطيراً ويحمل في ذات الوقت بين أحشائه

توجهاً إسلامياً، وآخر قومياً عربياً يمكن أن يكون لهما شأن إذا ما تركا ينموان

ويتكاثران ذلكم هو تنظيم جبهة التحرير الأرتيرية المجلس الثوري الذي لفظ أنفاسه

الأخيرة عام 1981م بعد أن ألقى عتاده العسكري أمام الجيش السوداني نتيجة

تعرضه لهجوم شكلي من الجبهة الشعبية.

ومنذ ذلك الحين خلت الساحة للجبهة الشعبية وانفردت وحدها بالجيش

الأثيوبي، تطارده من مكان إلى آخر، وتفرغت لتقوية بنائها الداخلي اقتصادياً

وعسكرياً، وشرعت في إبرام تحالفات مع قوى المعارضة الأثيوبية، لاسيما تلك

التي اتخذت من الولايات المتحدة موقعها الرسمي، وتولت أجهزة الاستخبارات

الأمريكية مهمة استمالة كبار ضباط الجيش الأثيوبي وقياداته العسكرية للسير وفق

الخطة الموضوعة لإسقاط منجستو، ومن هنا كانت العمليات العسكرية التي تشنها

الجبهة الشعبية على مواقع العدو الأثيوبي لا تلقى دفعاً قوياً، بل على العكس من

ذلك كان يرتب لها مسبقاً من القيادات العسكرية الأثيوبية المتآمرة، كما حصل في

موقعة «أفعبت» التي أسر فيها خبراء روسيون، وغنمت منها معدات عسكرية

هائلة.

وأشركت الجبهة الشعبية في محاولة الانقلاب التي نظمتها الاستخبارات

الأمريكية عام 1989 م على منجستو حيث أعلنت وقف إطلاق النار من جانبها،

وتفاعلت معها بحماس.

وسبق هذه الأنشطة العسكرية تحولات جذرية أتت على التنظيم من قواعده،

وجعلت منه يميناً متطرفاً بعد أن كان يساراً، حيث قرر في مؤتمره الأخير الذي

عقد عام 87 م إدانة السياسة السوفياتية العالمية بإصرار من الأمين العام (إسياس

أفورقي) الذي وصف السوفيات بالوقوف أمام نضالات الشعوب على المستوى

العالمي وخاصة القرن الأفريقي، ولم يبد المؤتمر اعتراضاً على السياسة الأمريكية

المعادية لتحرر الشعوب الأفريقية والأسيوية، في حين أن تصريحات ما قبل هذا

المؤتمر ظلت تؤكد قدرة الجبهة الشعبية على الإفلات من قبضة الإمبريالية

الأمريكية، حيث صرح عام 1981م لجريدة الوطن الكويتية قائلاً: نحن ضد

الإمبريالية بشكل استراتيجي لا يتغير مهما كانت التغيرات التي تحدث في المنطقة

أو في أرتيريا.. نحن لن نقف إلى جانب الإمبريالية الأمريكية لمواجهة ما يسمونه

بالخطر السوفياتي في هذه المنطقة، نحن لن نكون أداة لتغيير استراتيجيات

إمبريالية في المنطقة، كما لن نكون أيضاً أداة لتنفيذ الاستراتيجية السوفياتية رغم

أننا مازلنا نعتبر الاتحاد السوفياتي في قائمة الأصدقاء.

ويلمس المرء اليوم فارقاً كبيراً بين حاضر التنظيم وماضيه، ويبدو أن الراية

الماركسية التي رفرفت على أرضية التنظيم إنما كانت تكتيكاً اقتضته طبيعة الخطة

المرسومة، فعلى صعيد قيادة التنظيم تحولت من قيادة جماعية إلى قيادة فردية،

حيث قرر المؤتمر تنصيب (أسياس أفورقي) أميناً عاماً للتنظيم، ليس بجانبه مساعد

ولا لجنة قيادية جماعية، وهمش رمضان محمد نور الذي شغل فيما مضى منصب

الأمين العام.

وقد سبق هذا الاجراء القيادي التخلص من عناصر ماركسية يخشى بأسها،

حيث تمت تصفية القائد العسكري إبراهيم عافه، المنافس الرئيسي لأسياس أفورقي

تحت ظروف غامضة..

عقب هذه التحولات الجذرية في المواقف الفكرية والسياسية تحركت أمريكا

بمبادرة كارتر للسلام، ومن قبل كان الاتحاد السوفياتي قد طلب من فرنسا عام

1988 م أن تلعب دورها في إخماد فتيل الصراع المشتعل في القرن الأفريقي، إلا

أن شروع كارتر في مبادرته قطع على فرنسا طريقها.

ومن جانب اخر ضغط الروس على منجستو وأنذروه بقطع المعونات

العسكرية التي بلغ حجمها أكبر من ستة آلاف مليون دولار سنوياً إن لم يسارع في

حل مشاكله بالطرق السلمية، وأوضح الكرملين لنظام منجستو أنه لن يجدد معاهدة

التسلح مع أديس أبابا 1991م، كل ذلك أرغم منجستو ودون رغبة منه أن يجلس

مع الجبهة الشعبية في مائدة التفاوض في أتلانتا، ثم نيروبي، ولعل منجستو رأى

فيها مظلة استراحة يلتقط فيها أنفاسه ريثما يبحث عن حليف آخر، إلا أن ضربات

الثوار في تجراي جعلت منه كلباً مسعوراً ينبح دون توقف، فقد وصلت قواتهم إلى

مشارق العاصمة أديس أبابا، وأخذت الجبهة الشعبية الأرتيرية تعمل على ترتيب

قواها العسكرية للإجهاز على نظام منجستو المهترئ، وعلى حين غفلة منه شنت

غاراتها براً وبحراً على مدينة مصوع، وتم الاستيلاء عليها، وبالطبع لم يكن هذا

الهجوم مفاجئاً للاستخبارات الأمريكية التي كانت بالتأكيد على علم بترتيباته.

ويمكن أن نلمس هذا من خلال الندوة التي أقامها الأمريكان إثر سقوط مصوع، فقد نشرت جريدة الحياة تاريخ الجمعة 9/3/1990 الموافق 12/8/1410 أن

الأمريكان عقدوا عقب سقوط مصوع ندوة شارك فيها هيرمان كوهين مساعد

سكرتير الدولة لشؤون القارة الأفريقية، وأندريو ناتوسيوز مدير الإغاثة الأفريقية

في وزارة الخارجية الأمريكية، وبول هنز الكاتب الخبير في شؤون القرن الأفريقي، والباحث أدموند كيلر، والأستاذ الجامعي جان هاوك، ومسؤول جمعية الإغاثة

الكاثوليكية، وتوصلوا إلى نقاط أبرزها:

1 - الشعب الأرتيري ربط بأثيوبيا فدرالياً ضد رغبته وذلك قبل أن تضم

أرتيريا نهائياً عام 1962، ومنذ هذا التاريخ فإن الشعب الأرتيري يحارب في

سبيل حقوقه الشرعية وحقه في تقرير المصير.

2 - على الحكومة الأثيوبية أن تقول بصراحة ما إذا كانت حقاً راغبة في

تحقيق السلام؛ لأنها أولاً ماطلت في القضايا الشكلية لبدء المفاوضات الحقيقية قبل

أن تقف عقبة كأداء في وجه مشاركة الأمم المتحدة كطرف محايد ومراقب في

مجرى سير المفاوضات وعليه فإنها تتحمل ما يترتب على ذلك.

3 - الجبهة الشعبية لتحرير أرتيريا تقاتل الجيش الأثيوبي بأسلحته التي

استولت عليها إبان المعارك وأن الأرتيريين الموجودين في المهجر يقدمون لهم دعماً

مادياً.

4 - إن تنظيم الجبهة الشعبية بات وطنياً أكثر مما كان ماركسياً على صعيد

القيادة والقاعدة، ولم يعد لدينا أي شك في ذلك.

5 - إن الجبهة الشعبية في تقديرنا لن تعلن استقلال أرتيريا بعد استيلائها

على مدينة مصوع؛ لأنها قبل ذلك ستعمل لخلق أرضية إيجابية على الصعيد الدولي

عموماً وعلى صعيد الدولتين العظميين خصوصاً، وفي نهاية الندوة صرح بول

هونز بقوله: لابد من إزاحة منجستو هيلي ماريام حتى يتحقق السلام بين أرتيريا

وأثيوبيا.

وقال مشاركون في الندوة أن الدعم الإسرائيلي لأثيوبيا في خضم هذه

التطورات التي يشهدها القرن الأفريقي عموماً، والصراع الأرتيري الأثيوبي

خصوصاً خطأ كبير.

وهذا الموقف الأمريكي في هذا الظرف بالذات يبعث على التساؤل، ذلك أن

ارتباط أرتيريا بأثيوبيا إنما تم بإصرار من أمريكا التي دعمت نظام هيلاسيلاسي

سياسياً وعسكرياً، تأميناً لمصالحها الاستراتيجية، وصرح وزير خارجيتها جون

فستر دالاس 1950 قائلاً: (إن المصلحة الاستراتيجية في البحر الأحمر

وضرورات الأمن والسلام في العالم يقتضيان ضم أرتيريا إلى أثيوبيا الصديقة) ،

وكلما أرادت أمريكا تأمين مصالحها في منطقة ما ركبت ظهر السلام وعزفت على

قيثارته، فقد دعمت موقف هيلاسيلاسي تذرعاً بالأمن والسلام، وهاهي الآن تتذرع

أيضاً بالأمن والسلام وتحمل منجستو مغبة عرقلته لمساعيها، ألم تكن أمريكا هي

التي عكرت صفو الأمن والسلام في هذه المنطقة وحكمت على شعوبها بالموت

والتشرد، ويكفي أن أسياس أفورقي قال في تصريح له عام 1987م: يجب أن لا

ننسى بأن الولايات المتحدة هي أصل البلاء الذي يعم أرتيريا منذ ثلاثة عقود أو

أكثر.

فما الذي بشرت به حتى تقلب ظهر المجن، وتسجل هذا الموقف الجديد من

القضية الأرتيرية؟ أم لم تعد أرتيريا ذات أهيمة للمصالح الأمريكية؟ أم أعطيت

عهوداً ومواثيق تضمن لها بقاء مصالحها الاستراتيجية؟ وما هي يا ترى النتائج

التي يتحملها منجستو بإعاقته لمفاوضات السلام؟ ألا يمكن أن تكون هذه العبارة-

حبلى بالجنين الأمريكي - أعني الاستقلال الكلي أو الجزئي؟ .

وهل صحيح أن الجبهة الشعبية لا تتلقى دعماً خارجياً وتكتفي بما تغنمه من

أسلحة وبما تحصل عليه من إسهامات الأرتيريين في المهجر؟ إذن من أين أتت

الزوارق البحرية؟ حتى ولو قبلنا مقولة اقتنائها من الأسواق الحرة، فكيف نصدق

خلو هذه الأسواق من إشراف المخابرات؟ أم أن هذا تمهيد وتوطئة للعون الأمريكي

المنتظر؟

ثم ما هي العوامل التي جعلت الأمريكان يؤكدون وبدون شك وتردد وطنية

تنظيم الجبهة الشعبية على مستوى القيادة والقاعدة ألأن القيادة أصبحت في قبضة

أسياسي أفورقي وزمرته بعد أن أقصي عنها قطعان الجويم من أبناء المسلمين الذين

عبدوا ماركس ولينين وظلوا عليهما عاكفين؟ وماذا وراء هذا التأكيد بالوطنية

لتنظيم الجبهة الشعبية؟ ألا ترى معي أن الأمريكان يعبدون له الطريق المؤدي إلى

أرتيريا وإعلان كيانها؟

إن الأيام مثقلة والأحداث تشير إلى أن فصول المسرحية قد اكتملت أو كادت

وفيما يأتي من أيامنا سنشهد تحركاً واسعاً على المستوى الدولي تمهيداً لإعلان

أرتيريا المستقلة على يد الجبهة الشعبية، وسيسعى الأمريكان جهد طاقتهم في إيجاد

أرضية صالحة تسير عليها قدما أسياسي أفورقي بأمن وسلام، وتذهب في ذات

الوقت بمنجستو إلى حيث لا رجعة، فكما صرح بول هونز في نهاية الندوة: (لابد من إزاحة منجستو هيلي ماريام حتى يتحقق السلام..، طبعاً السلام الذي

يخدم مصالح أمريكا ليس إلا) .

وسوف لن يغفل هذا التحرك عن تطمين إسرائيل التي طالما أبدت تخوفها من

استقلال أرتيريا وتحول البحر الأحمر إلى بحيرة عربية إسلامية، ولكن إذا ما كان

هذا ممكناً ومتوقعاً، فهل يمكن أن تترك أثيوبيا حبيسة بلا منفذ بحري أم ستطرح

حلول أخرى؟ مهما كان فإن الغرب ينظر إلى أثيوبيا نظرة إشفاق وعطف؛ لكونها

جزيرة مسيحية في محيط إسلامي، من هنا يستبعد جداً أن تسحب أرتيريا بكامل

مساحتها من الخارطة الأثيوبية دون أن يقتطع منها ميناء عصب الواقع جنوب البلاد

على المدخل الشمالي لمضيق باب المندب، ويستشف هذا من بعض المعلومات التي

تسربت إلى دوائر دبلوماسية أجنبية في أديس أبابا، حيث أفادت هذه الدوائر بأن

آخر المعلومات التي سربتها شخصيات أثيوبية مقربة من الحزب الحاكم تفيد بأن

استقلال أرتيريا إذا كان شراً لابد منه للخروج بالبلاد من متاهة أطول حرب عرفتها

القارة السوداء، وللحيلولة دون تمزق أثيوبيا إلى أشلاء قومية، وعرقية، وربما

قبلية، وتسخير كل الطاقات لبناء أثيوبيا الحديثة يفترض الشروع في إرساء أسس

سياسية جديدة تحفظ ماء وجه أثيوبيا [2] .

صحيح أن من الفصائل الأرتيرية من لا يقبل التنازل عن شبر من أرضه،

ولكن يبدو أن المطبخ الأمريكي قد فرغ من إعداد الوجبة بجميع مشهياتها،

والضيوف المدعوين علم كل منهم مأكله ومشربه، وبهذا تكون أمريكا أسدلت

الستارة لتبدأ مرحلة جديدة تحمل على عاتقها حماية المولود الجديد من الحركات

الإسلامية الجهادية، وتزويده بكل ما يسهل له عملية قمعها وإزالتها من الوجود،

وكفى بك أن تعلم أن الجبهة الشعبية نشرت في مجلتها (ساقم) . العدد الثامن عشر

الصادر في يناير 1989م ما يضعك على يقين مما قلتُ، حيث قالت: «إن صيغة

ما يعرف بالبديل الإسلامي هي صيغة غير مقبولة في أرتيريا ولا تتماشى مع الواقع

الأرتيري، وأصحاب هذا التوجه تنتفي عنهم صفة الوطنية» .

ولا يخفى ما تنطوي عليه عبارة (تنتفي عنهم صفة الوطنية) فإنها مشحونة بما

هو معروف وغير معروف من أساليب الإرهاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015