مجله البيان (صفحة 5901)

الترسانة النووية الصهيونية

بين سياسة الردع بالشك والغموض النووي

. د. لواء. زكريا حسين

عكست تصريحات رئيس الوزراء الصهيوني (إيهود أولمرت) ، التي أعلنها خلال مقابلة مع شبكة تلفزيونية ألمانية أثناء جولته الأوروبية التي تمت في الأسبوع الثاني من ديسمبر 2006م، بشأن امتلاك الدولة العبرية للترسانة النووية ـ عكست ردود فعل واسعة إقليمياً وعالمياً؛ حيث انتهجت كلها سبيلاً واحداً وهو تخلّي الدولة الصهيونية عن سياسة الغموض النووي بشأن ترسانتها النووية. كما عُقدت الندوات في المراكز البحثية المتخصصة لتقييم هذا الإعلان وأهدافه؛ بل أصبحت هذه التصريحات مثار اهتمام أجهزة الإعلام العربية والعالمية. في الوقت الذي حاول فيه المسؤولون الصهاينة احتواء الضرر الذي ألحقته هذه التصريحات بالسياسة النووية الصهيونية.

فماذا عن حقيقة هذا الإعلان من جانب رئيس الوزراء الصهيوني؟ وهل يعتبر هذا الإعلان البداية الحقيقية لكشف سياسة الغموض النووي الصهيوني؛ كما زعمت كل التحليلات التي انطلقت من هنا أو هناك؟ أم أنَّ هناك ضعفاً في الذاكرة العربية؛ بشأن تأكيد كبار المسؤولين الصهاينة لحقيقة امتلاكهم للقنبلة النووية باعتبارها رادعاً استراتيجياً؛ والتي سبق أن تأكد أن الدولة الصهيونية تمتلكها منذ أكثر من ثلاثة عقود ماضية؟ حيث كشف (شمعون بيريز) أنه قد عبّر شخصياً (ولأول مرة) خلال تولّيه وزارة الدفاع عام 1963م عن سياسة الغموض النووي الصهيوني خلال لقاء مع الرئيس الأمريكي الأسبق (جون كيندي) .

وتهدف هذه الدراسة إلى إلقاء الضوء على حقيقة امتلاك الدولة الصهيونية لترسانتها النووية؛ من خلال التعرف على كيفية بناء هذه الترسانة، وسياستها من الردع بالشك والغموض النووي، وقراراتها بتخلّيها عنها.

أولاً: بناء الترسانة النووية الصهيونية:

لقد أدرك الصهاينة منذ قيام الدولة الصهيونية في 15 مايو 1948م أهمية امتلاك السلاح النووي. ومن هنا وبعد ثلاثة أشهر فقط من قيام الدولة أصبحت مؤسسة الطاقة النووية حقيقة واقعة؛ ففي أغسطس 1948م (?) بدأ نشاطها تحت إشراف وزارة الدفاع الصهيونية، وفي أواخر الخمسينيات تمكنت الدولة الصهيونية من ابتكار طريقة لاستخراج اليورانيوم من خامات الفوسفات، كما أقامت وحدة لإنتاج الماء الثقيل. ومثّلت هاتان الخطوتان نواة مؤسسة الطاقة النووية الصهيونية (?) . وفي 16 يونيو 1960م وافقت الولايات المتحدة على بناء مفاعل ذري صهيوني قُدرته خمسة ميجاوات في منطقة (ناحال سورك) ؛ حيث قدّر الباحثون أن الدولة الصهيونية أمكنها تصنيع من 3 ـ 4 رؤوس نووية عيار 20 كيلو طناً من هذا المفاعل. وخلال الفترة من عام 1960م إلى عام 1966م وافقت الولايات المتحدة على تزويد الدولة الصهيونية بـ 50 كيلو جراماً من اليورانيوم بدرجة نقاء 90% لتغذية مفاعل (سورك) بما يمكنها من صنع عدة قنابل ذرية (?) ، رغم قيود الاتفاقية الأمريكية التي تمنع استخدام المفاعل للأغراض العسكرية. وخلال الفترة من عام 1953م إلى 1967م، وعلى امتداد أربعة عشر عاماً، تعاونت فرنسا مع الصهاينة؛ حيث أثمر هذا التعاون عن تصميم وبناء (مفاعل ديمونة) النووي بقوة 26 ميجاوات.

ثانياً: سياسة الردع بالشك والغموض النووي:

يرتبط تأكيد تبنّي سياسة الردع بالشك والغموض النووي الصهيوني بعدة حقائق، أهمها:

الحقيقة الأولى:

أنه قد أكد مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (ريتشارد هيلز) أمام لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي في 10 يوليو 1970م بأن الدولة العبرية تمتلك مقومات إنتاج القنبلة النووية، معلناً بذلك انتهاء سياسة الردع بالشك التي كانت تتمسك بها الحكومات الصهيونية المتعاقبة.

الحقيقة الثانية:

أن الدولة العبرية كانت لديها ثلاث عشرة قنبلة نووية عام 1973م (?) . وطبقاً لتقرير نُشر في مجلة (تايم) الأمريكية أنه في المراحل الأولى لعمليات أكتوبر 1973م، ومع تدمير الدفاعات الصهيونية الحصينة، سواءً على الجبهة المصرية المتمثله في خط بارليف، أو تحصينات هضبة الجولان على الجبهة السورية ـ أعطت (جولدا مائير) رئيسة الحكومة الصهيونية في ذلك الوقت الإذنَ إلى (موشي ديان) وزير الدفاع الصهيوني بتجهيز (أسلحة يوم القيامة) ، وهو الاسم الرمزي للأسلحة النووية. وبدأت فعلاً الخطوات التنفيذية لذلك، وقبل أن تتم آخر خطوة تحوّل التوازنُ العسكري لصالح الدولة الصهيونية بفضل الجسر الجوي الأمريكي؛ حيث كان قرار الرئيس (نيكسون) بإمداد الدولة الصهيونية بكل احتياجاتها؛ حتى لو كان ذلك يعني استنفاد احتياطي الحرب في الولايات المتحدة!

وقد وصل إجمالي الإمدادات الأمريكية إلى الصهاينة (?) 22.400 طن معدات قتال نقلت بطائرات نقل أمريكية، 5.500 طن نقلت بطائرات صهيونية، وذلك خلال الفترة من 9 إلى 24 أكتوبر 1973م.

الحقيقة الثالثة:

أن النصف الأول من القرن العشرين قد شهد استمراراً للتعاون الاستراتيجي في المجال النووي بين كل من الولايات المتحدة والدولة الصهيونية من جهة وألمانيا من جهة أخرى؛ فقد وقع وزير الطاقة الأمريكي (بيل ريتشاردسون) على (رسالة نوايا) مع رئيس الوكالة الصهيونية للطاقة الذرية في 22 فبراير 2000م؛ تتعلق بتوسيع نطاق التعاون الثنائي بين الدولتين في مجال حظر الانتشار النووي ومراقبة التسلح، ينص على:

ـ تعزيز التعاون في مجال تقنية (تكنولوجيا) الرصد والمراقبة لتطوير التحقق في مجال معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.

ـ توسيع نطاق التعاون الثنائي في مجال الطاقة والعلوم التقنية بما فيها الطاقة الشمسية المتطورة، وتبادل نتائج الأبحاث وتطوير المنتجات. كما يسمح للعلماء الصهاينة بالاطّلاع على بعض أنماط التقنية النووية الأمريكية.

ـ السماح للعلماء الأمريكيين بتفقّد المنشآت النووية الصهيونية، وإجراء تفتيش لمفاعل (ديمونة) التي تحتفظ فيه الدولة الصهيونية بترسانتها النووية.

ـ زيادة مجال التعاون في أشكال الطاقة الأخرى، مثل: الغاز الطبيعي، والفحم، وإنتاج الكهرباء.

ويركّز هذا الاتفاق على إقامة نظامٍ تفتيشيٍّ خاصٍّ بعيداً عن هيئة الطاقة الذرية، والتي تعتبر جهة الاختصاص حسب معاهدة حظر الانتشار النووي، ليكون للدولة الصهيونية وحدها نظام تفتيشي تكون فيه المفتشَ والحَكَمَ على قدرتها النووية، وبذلك تحصل الدولة الصهيونية على ميزة غير متاحة لباقي دول العالم.

هذا وقد تسلمت الدولة الصهيونية (?) ثلاث غواصات نووية من ألمانيا من طراز (دولفين) نهاية عام 1999م، وتُستخدم هذه الغواصات من مواقع أمامية في منطقة القرن الأفريقي؛ وأهمها (جزر دهلك) المواجِهة لميناء أريتيريا الأول مصوع، وجزر حنيش اليمنية، وهي محملة بصواريخ (كروز) بما يسمح للعدو توجيه ضربة ثانية من خلال إطلاق صواريخ (كروز) المحملة برؤوس نووية من البحر.

الحقيقة الرابعة:

أن الحجم الحالي للترسانة النووية الصهيونية، والذي استند إلى تقرير نُشِر في 8 أكتوبر 1999م (?) أعدّه المجلس الدفاعي للموارد الطبيعية، استناداً إلى وثائق سرية من وزارة الطاقة الأمريكية ـ يؤكد أن الدولة الصهيونية تحتل المرتبة السادسة بين القوى النووية من حيث مخزونها من (البلوتونيوم) الصالح للاستخدام العسكري، ولديها ما بين (ثمانيمئة إلى خمسمئة كيلوجرام) منه، متقدمة بذلك على الهند التي لديها ما بين (مئة وخمسين إلى مئتين وخمسين كيلوجرام) .

كما أوضح التقرير أن (مئتين وستين طناً) من مادة (البلوتونيوم) المشار إلىها قادرةٌ على إنتاج (خمسة وثمانين ألفاً) من الرؤوس النووية، مما يؤكد انتهاء سياسة الغموض النووي الصهيوني، وخاصة أن الإدارة الصهيونية لم تنفِ هذا التأكيد من جانب حليفتها الاستراتيجية!

الحقيقة الخامسة:

يتوقع أن تستمر الدولة الصهيونية في تطوير ترسانتها النووية في العقد القادم؛ حيث تسعى إلى بناء ما بين مفاعل إلى مفاعلين من طراز (ISعز وجلU) لا تخضع لتفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما ينتظر أن تعمل على زيادة قدرتها في مجال امتلاك الأسلحة النووية الاستراتيجية؛ استناداً إلى دعوى قادتها بأهمية وحيوية هذه الأسلحة لتحقيق أمن الدولة الصهيونية.

أضِف إلى هذا أن الدولة الصهيونية تواصل سعيها لدخول مجال إنتاج القنابل الهيدروجينية، والقنابل النيوترونية؛ حيث عملت على اكتساب الخبرة في هذا المجال منذ عام 1983م (?) . وقد تعددت تصريحات الخبراء والكتاب الصهاينة بأنه يجب على دولتهم عدم الاكتفاء بامتلاك قوة ردع نووية تعتمد على السلاح النووي الاستراتيجي (أي القنابل الذرية والهيدروجينية) فحسب؛ بل يجب أن تعتمد على السلاح النووي التكتيكي، (أي قنابل النيوترون) (?) . وتستند الدعوة لدى الصهاينة لإنتاج قنابل (النيوترون) إلى أن وجود مثل هذا السلاح يغطي الثغرات في السلاح النووي الاستراتيجي، إضافة إلى إنها تقتل الأفراد دون تأثيرات تدميرية كبيرة بفعل موجة الضغط أو موجة الحرارة الشديدة، إلى جانب أنها لا تخلّف تلوثاً إشعاعياً مستمراً، كما يمكن التركيز بهذا السلاح على قتل العسكريين دون قتل المدنيين، خصوصاً في المعارك التي تدور بالقرب من المدن والمناطق الآهلة بالسكان.

وعن السياسة النووية الصهيونية فإنه في ضوء ما سبق، وحقيقة امتلاك الصهاينة للقنبلة الذرية، ومن خلال ما أعلنته الحكومة الصهيونية فإن سياسة الدولة العبرية النووية (?) لها أربعة أبعاد رئيسية: أولها: أن الدولة العبرية سوف تستخدم القنبلة الذرية كسلاح للردع، وليس كأداة لتوجيه الضربة الأولى المستقبلية. وثانيها: أن الدولة العبرية سوف تستخدمها للانتقام متى رأت ذلك ضرورياً. وثالثها: أن الدولة العبرية تنكر رسمياً قيامها بتصنيع أسلحة ذرية. ولكنها ألمحت إلى وجودها عن طريق القنوات الرسمية وغير الرسمية. ورابعها: أنها ستعمل على منع الدول العربية من امتلاك أسلحة نووية؛ حتى لو تطلّب ذلك أن تقوم بعملية عسكرية؛ كما حدث حين دمرت المفاعل النووي العراقي في 12 يونيو 1981م.

أما عن المزايا الاستراتيجية التي يوفرها امتلاك السلاح النووي للعدو الصهيوني؛ فإن مفهوم الأمن الصهيوني يرتكز على ضمان توفير القدرة الشاملة لما تراه ضرورياً لتأمين كيان الدولة وحماية مصالحها الحيوية، وبصفة خاصة من خلال القدرات العسكرية المتطورة والمعتمدة على أوجه التقدم التقني المعاصر. ويمثل هذا المفهوم من وجهة نظر العدو خياراً رئيسياً لدعم كيانها وبقائها وعناصر استقرارها في مواجهة أية مخاطر وتهديدات في أي شكل، وفي أي اتجاه، وفي أي وقت. وعلى ذلك يحقق امتلاكها للرادع الاستراتيجي مجموعة من المزايا الاستراتيجية نذكر منها أربعاً. أولها: الإخلال بالتوازن الاستراتيجي مع دول المنطقة على المدى البعيد لصالحها، بما يتيح لها فرصة فرض بعض مفاهيمها ووجهات نظرها في مواجهة الجانب العربي. وثانيها: دعم مواقفها السياسية والتفاوضية باستغلال ما يمثّله رصيد قوتها العسكرية من تقدم تقني. وثالثها: استخدام الخيار التقني كأحد الأدوات الفعّالة في مجال استراتيجية الردع على المستوى العسكري. ورابعها: دفع الجانب العربي لإعادة حساباته إزاء حجم الضرر الذي قد يتحقق من جرّاء التقدم العسكري الصهيوني في حالة وجود نوايا هجومية.

وتتزايد هذه المزايا الاستراتيجية التي تعود على العدو من خلال استثمارها لعلاقة التعاون الاستراتيجي الأمريكي/الصهيوني؛ والذي أُعيد تقنينه، خاصة في المجالات الحيوية، من خلال التوقيع على اتفاقية 23 أبريل 1988م (?) ، التي تسمح للدولة الصهيونية بالمشاركة في برنامج حرب الكواكب، والدخول في مجال الفضاء، والحصول على التقنية الأحدث في هذا المجال. كما قامت الولايات المتحدة بإمداد الدولة العبرية بالقنابل العنقودية، وطائرات القتال التي يمكنها حمل قنبلة نووية زِنة 750 ـ 1000 كيلوجرام، إضافة إلى نوعيات متقدمه من صواريخ (لانس وبيرشنج) ، والمدفعية بعيدة المدى القادرة على إطلاق قذائف نووية.

وعن الشروط التي تضعها الدولة الصهيونية لإزالة سلاحها النووي؛ فالعدو يضع ثلاثة شروط لقبول ترتيبات إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. أولها: التفاوض المباشر الذي لا يخضع لأي شروط مسبقة بينها وبين الدول العربية. وثانيها: اتخاذ ما يلزم من ترتيبات ضرورية لدعم الثقة المتبادلة بينها وبين دول المنطقة. وثالثها: أن يتم التصديق على الاتفاقية المنشئة للمنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل من قبل جميع الدول المعنيّة.

ولقد أوضح الجنرال (مردخاي جور) ، نائب وزير الدفاع الصهيوني، ثلاثة شروط للدخول في إطار متبادل من الأمن وضبط التسليح، برزت خلال مناقشات لجنة ضبط التسليح والأمن الإقليمي المنبثقة عن المحادثات المتعددة الأطراف الجارية في إطار صيغة مدريد للسلام (?) ؛ والتي نشرتها جريدة الأهرام القاهرية في نوفمبر 1994م: أولها: مرور عدة سنوات يترسخ فيها التعايش بين الدولة العبرية وجيرانها من العرب. وثانيها: قيام الدول العربية، وخاصة سورية، بتخفيض مستويات قواتها المسلحة وإنفاقها العسكري. وثالثها: تأكُّد الدولة العبرية من أن دولاً، مثل: العراق (قبل الغزو) وإيران، لن تتمكن من تطوير قدرات نووية خاصة بها، ولم تعد تشكل تهديداً إقليمياً على جيرانها. واستطرد قائلاً: «عند ذلك يصبح في إمكان أي حكومة (عبرية) التفكير جدياً في تخفيض قواتنا المسلحة وإنفاقنا العسكري بشكل ملموس، والتوجّه في استراتيجيتنا بعيداً عن توازن الردع القائم حالياً نحو توازن قائم على الأمن والمصالح المتبادلة بينها وبين جيرانها العرب» .

وهكذا يتضح أن دولة العدو قد أكدت امتلاكها للأسلحة النووية. وفي هذا الإطار يقول (زائيف تشيف) (?) كبير المحللين الصهاينة في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، في تصريحات له في جريدة (هارتس) الصهيونية في 15 نوفمبر 1994م؛ حيث أعلن: «إننا نحتفظ دائماً بالتفوق التقني والنوعي؛ حيث علينا أن نتذكر دائماً أن هزيمة واحدة تلحق بالدولة العبرية ستكون كافيةً للقضاء عليها، بينما الأمر ليس كذلك إطلاقاً بالنسبة للعرب؛ فالدولة العبرية لا تستطيع تهديد وجود سورية أو مصر أو السعودية أو أي دولة عربية أخرى؛ بينما قد يكون صحيحاً بالنسبة للدولة العبرية إذا ما أراد أي طرف عربي ذلك. ومن هنا علينا الاحتفاظ بسلاحنا النووي الذي يمثل رادعنا الاستراتيجي المستقل. وأقول صراحة: إن من يعتقد أن الدولة العبرية ستتخلى عن رادعها الاستراتيجي مجاناً ودون مقابل هو من الحالمين. أما إذا تم إحلال السلام الدائم والشامل في المنطقة فإن جميع الأبواب تصبح مفتوحة، وجميع الاحتمالات تصبح واردة» .

وعلى ذلك يمكن القول: إن حقيقة امتلاك العدو للسلاح النووي تكتمل بالنظر إلى ما تملكه من وسائل حمل متنوعة، ومن ذلك على سبيل المثال: صواريخ (أريحا ـ 1) عابرة القارات؛ والتي يصل مداها إلى 1450 كيلومتراً، وصواريخ (لانس) التي يبلغ مداها 130 كيلومتراً، والصواريخ قصيرة المدى حتى 30 كيلومتراً، إضافة إلى المقاتلات القاذفة (F - 16) ، (F - 4) القادرة على التزويد بالوقود في الجو، أو حمل قنابل نووية وكيماوية، وغير ذلك من القاذفات وطائرات النقل والهيلوكوبترات بأنواعها.

هذا وتسعى الدولة الصهيونية في مجال تطوير وتنمية قدراتها المسلحة خلال نصف القرن الحادي والعشرين لتطوير منظوماتها الدفاعية ضد الصواريخ البلاستيكية متوسطة المدى، وزيادة تحسين طاقة الإنذار المبكر، والتعاون الأمريكي في مجال المخابرات، ومشاركة القوة الأمريكية في أي ترتيبات أمنية يتفق عليها في معاهدات سلام مع العرب، مع المحافظة على حجم المساعدات الأمريكية؛ خاصة العسكرية منها للدولة الصهيونية.

وقد كان لميثاق التعاون الاستراتيجي والأمني المتبادل (?) الذي وقعه الجانبان الأمريكي والصهيوني في مارس 1996م، والذي أعطى مظلة وقائية حقيقية لأمن العدو؛ حيث تقدم واشنطن بموجبه كل ما تملك من تقنية حديثة من المعلومات السرية جداً، إلى جانب اتفاقية تحالف حقيقي تصل إلى اعترافٍ أمريكي كامل بالرادع الاستراتيجي الصهيوني (أي الترسانة النووية) ، وإقامة محطة أرضية أمريكية في الدولة الصهيونية للتجسس بالأقمار الصناعية الأمريكية بالقدر الذي علّق عليه الكثيرون في الدولة العبرية بأن كل هذه الاتفاقيات الاستراتيجية تجعل من الدولة العبرية الولاية رقم 51 للولايات المتحدة.

كما تُركّز دولة العدو على مبدأ (الاعتماد على الذات) حتى لا يُفرض عليها قرارات سياسية، أو يكون هناك أي قيود على حرية إرادتها السياسية؛ وذلك بالتوسع في الصناعات الحربية، التي امتدت لتشمل قاعدة صناعية ضخمة تضم ثماني وثلاثين شركة ومصنعاً ومؤسسة للصناعات: الحربية، والجوية، والإلكترونية منها.

في النهاية:

إن الحقيقة المؤكدة تشير إلى أن هناك ضعفاً شديداً في الذاكرة العربية؛ حيث تم تأكيد امتلاك العدو للسلاح النووي منذ أن أعلن مدير وكالة المخابرات المركزية (ريتشارد هيلز) أمام لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي في 7 يوليو 1970م؛ أن الدولة العبرية تمتلك مقومات إنتاج القنبلة النووية.

كما أكد تقرير لمجلة (تايم الأمريكية) أنه في المراحل الأولى لعمليات أكتوبر 1973م، التي قامت بها مصر بالتنسيق مع الجمهورية السورية، أعطت (جولدا مائير) رئيسة الوزراء الصهيوني في ذلك الوقت، الإذنَ إلى (موشي ديان) وزير دفاعهم بتجهيز (أسلحة يوم القيامة) وهو الاسم الرمزي للأسلحة النووية، وبدأت فعلاً الخطوات التنفيذية لذلك، وقبل أن تتم آخر خطوة تَحوّل التوازنُ العسكري لصالح العدو بفضل الجسر الجوي الأمريكي؛ حيث قرر الرئيس الأمريكي (نيكسون) إمداد الدولة الصهيونية بكل احتياجاتها التسليحية، حتى لو كان ذلك يعني استنفاد احتياطي الحرب في الولايات المتحدة!

ومن ثم فإنه من الثابت تاريخياً انتهاء سياسة الردع بالشك منذ حوالي ثلاثة عقود مع بداية السبعينيات.

أما سياسة الغموض النووي فقد تناسى العرب وفقدت الذاكرة العربية المحادثاتِ المتعددة الأطراف (الصهيونية العربية) ، والتي كانت ثمرة مؤتمر مدريد للسلام؛ حيث تمت عدة لقاءات بين الجانب الصهيوني والعربي في اجتماع لجنة ضبط التسليح والأمن الإقليمي، والتي نُشرت نتائجها في جريدة الأهرام القاهرية في نوفمبر 1994م؛ حيث أعلنت الدولة الصهيونية شروطها لإزالة ترسانتها النووية ممّا اعتُبِر إعلاناً صريحاً عن انتهاء سياسة الغموض النووي الصهيوني؛ والتي تأكدت بإعلان (زائيف تشيف) كبير المحللين الصهاينة في الشؤون العسكرية والاستراتيجية في جريدة (هارتس) الصهيونية في 15 نوفمبر 1994م؛ عن تأكيد امتلاك الدولة العبرية للسلاح النووي.

تلك هي حقيقة الزوبعة المفتعلة التي تسود أجهزة الإعلام والأجهزة البحثية إقليمياً وعالمياً عن سياسة الردع بالشك، والغموض النووي لدى القوم، والتي سبق إعلانها منذ أكثر من ثلاثة عقود ماضية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015