محمد بن عبد الله الدويش
ينتمي العلم الشرعي للكتاب والسنة، ويستمد من هذا الانتماء قدسية خاصة؛ فمحتواه هو كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهما حق لا يتطرق إليهما الشك أو الريبة، ولا يختلف حولهما. ودائرة الخلاف إنما هي منحصرة في دلالة النص وفهمه؛ وما يتصل بذلك من عموم وخصوص، أو إطلاق وتقييد، أو إحكام ونسخ، أو في ثبوت نص السنة من جهة الرواية.
ولقد كان الخلل في التعامل مع النص الشرعي المتمثل بنصوص الوحي من أهم مداخل انحراف الفرق الضالة؛ ممّا ولّد مساحة واسعة في النقاش والحوار حول منهجية التعامل مع النص الشرعي.
ومن هنا ارتبط الحديث عن التعليم الشرعي لدى فئة من المهتمين به بالحديث عن محتوى العلم الشرعي نفسه، أو عن النص الشرعي، وأثارت القلقَ كثيرٌ من الدعوات المعاصرة التي نادت بتطوير مناهج العلوم الشرعية في التعليم، وتطوير أدوات التعليم الشرعي.
والقلق من الدعوات التطويرية له ما يبرره؛ بالنظر إلى مصادر تلك الدعوات والسياق الذي صدرت فيه، وبالنظر إلى أن كثيراً منها لم يكن موضوعياً، بل إن كثيراً من تلك الدعوات لم تَخلُ من نية سيئة، ولم تَخلُ من كونها تنطلق من أهداف تسعى إلى تقويض العلم الشرعي وتحجيمه.
لكن القلق لا ينبغي أن يمتد إلى عملية التطوير نفسها، ولا ينبغي أن يقود إلى إغلاق باب التفكير والتقويم.
وهذا يقودنا إلى أهمية الفصل بين محتوى العلم الشرعي وبين التعليم الشرعي؛ فمحتوى العلم الشرعي يتعلق بالنصوص الشرعية وما يتصل بها، أما التعليم الشرعي فهو عمل بشري.
ويستمد هذا العمل البشري قيمته من انتمائه للعلم الشرعي واتصاله به، لكن ذلك كله لا يخرجه عن كونه عملاً بشرياً، وهذا يتطلب مراعاة ما يلي:
3 الاعتناء بتقويم عملية التعليم ومراجعتها وقتاً بعد آخر.
3 التعامل مع النقد الموجّه للتعليم الشرعي بعدل وموضوعية؛ فبالرغم من وجود نوايا سيئة حول بعض الأعمال النقدية، ومن وجود بعض التطرف في أخرى، إلا أن هذا لا يعفينا من النظر بموضوعية، ومن الفصل بين النظر إلى النوايا والأهداف وبين الاستفادة مما يثار من انتقادات.
3 مسؤوليتنا عن بذل الجهد في تطوير التعليم الشرعي ومناهجه وأدواته، وألاّ نكتفي بتكرار التجارب والأساليب الموروثة.
3 فتح الآفاق أمام الأفكار والأساليب الجديدة التي تسعى لتطوير التعليم الشرعي، والبعد عن القلق والحساسية المفرطة، أو الشعور بأن انتماء هذا التعليم للعلم الشرعي يلغي حاجته للتطوير والارتقاء.
إن تطورات الواقع وتحدِّياته، وتسارع وتيرة التغيير تتطلب مخرجات قادرة على التعامل مع هذه التغيرات، وعلى تقديم الحلول لمشكلات الأمة، وعلى تقديم برامج إصلاحية، وذلك كله لن يتحقق إلا مع مزيد من المراجعة والتقويم والتطوير لمناهج التعليم الشرعي وأدواته.