مجله البيان (صفحة 5852)

الصومال لا بواكي له!

عمرو توفيق

يتعرَّض الشعب الصومالي المسلم لحرب إقليمية ودولية شعواء تهدف للقضاء على بذور اليقظة الإسلامية التي أعادت الأمن والاستقرار، وعلى الرغم من ذلك لا نكاد نسمع للدول الإسلامية والعربية همساً ولا ركزاً، وكأن مَنْ في الصومال ليسوا مسلمين عن بكرة أبيهم، أو كأن الصومال لا يمثل امتداداً

استراتيجياً وثغراً متقدماً من ثغور هذه الأمة.

فوسط غفلة أو تغافل العالم العربي والإسلامي، اجتاحت القوات الصليبية الإثيوبية ـ بتحريض ودعم أمريكي وبمساندة مجرمي الحرب الصوماليين ـ الأراضيَ الصومالية، واحتلّت المدن الإستراتيجية الواحدة تلو الأخرى؛ بهدف القضاء على قوات المحاكم الإسلامية التي بدأت في إعادة الأمن والاستقرار إلى الصومال الجريح، ومن ثَم إعادة الفوضى وتنصيب حكومة عميلة لتحقيق المصالح والأهداف الأمريكية.

- أرض الصومال.. تحترق:

عندما سقط نظام (سياد بري) عام 1991م، وانتظر فرقاء الانقلاب أن يُتّوج كل منهم زعيماً.. اندلعت شرارة الحرب الأهلية، وظهر أمراء الحرب وتجّار السلاح الذين تحولوا إلى مجرمي حرب، وفي ظل نيران العصبية والقبلية والدعوات الجاهلية ـ التي أهلكت الحرث والنسل ـ وفي ظل رغبة خارجية في فوضى مسلمي الصومال وتناحرهم، وفي ظل رغبة إثيوبية في صومال ضعيف لا يطالب بحقه، ظل الجرح الصومالي ينزف دونما التئام، ودونما بواكي ترثي صومالاً إسلامياً عربياً. لكن رحمة الله تداركت هذا الشعب المسلم، فقيَّض لهم ـ سبحانه وتعالى ـ من عباده المخلصين ممن يحملون همَّ أمتهم ومجتمعهم دونما مصالح وأهواء، لينتشلوا هذا البلد الجريح من الفوضى والخراب والدمار والدعوات القبلية المنتنة، ومن مستنقع الجهل والفقر والمرض، ليخرجوه إلى نور شرائع الإسلام.. هؤلاء هم الثّلة الوضيئة المتوضئة رجالاتُ اتحاد المحاكم الإسلامية.

- المحاكم الإسلامية.. على طريق الأوائل:

لقد نشأ اتحاد المحاكم الإسلامية من رحم المعاناة الصومالية، وهو ما يعبِّر عنه رئيس الاتحاد (الشيخ شريف أحمد) بقوله: «لقد برزت فكرة تأسيس المحاكم الشرعية عندما كثرت الاغتيالات، وعمليات الاختطاف، وأعمال النهب والسلب بصورة واسعة النطاق في العاصمة على أيدي العصابات المجرمة، حيث اجتمع أهل كل حي لدراسة الموقف واتخاذ الإجراءات اللازمة حيال مواجهة عصابات المافيا، ووضع حدّ لممارساتهم التي تزعزع أمن المواطنين وترعبهم. وعلى هذا الأساس أُنشئت المحاكم الشرعية في معظم أحياء العاصمة الصومالية مقديشو؛ استجابة لرغبة الشعب في استتاب الأمن والاستقرار» .

وتتلخص فكرة تأسيس «المحاكم الإسلامية» في أن تتولى كل قبيلة مهام إرساء الأمن في منطقتها، عبر إنشاء محكمة على رأسها أحد العلماء، تساعده مجموعة من القوات العسكرية غير النظامية. وتضم المحاكم تشكيلة متنوعة من علماء الدين وقادة إسلاميين، ورجال الأعمال الذين يموّلون نشاطها، والسكان الرافضين للخضوع للمليشيات والعصابات.

ويرى المحللون أن شعبية المحاكم الإسلامية كانت لقدرتها على تجاوز العداوات العشائرية التي وقعت الصومال في خضمِّها منذ الإطاحة بنظام سياد بري، وذلك من خلال توحيد القبائل والعشائر تحت راية الإسلام القادر وحده على انتشال الصومال من مستنقع الاحتراب والاقتتال الداخلي.

وشهد عام 2000م نهاية للمحاكم إثر موافقتها على اتفاق السلام بين الفصائل المتناحرة بمدينة «عرته» الجيبوتية، وأسفر عن تشكيل حكومة صومالية، ومن ثم انتفت الأسباب التي دفعت لقيام المحاكم وهي انتشار الفوضى وانعدام الأمن.

لكن الأمور عادت من جديد إلى الفوضى والاقتتال الداخلي في ظل حكومة ضعيفة يقودها أمراء حرب يعملون لمصالحهم بعيداً عن هموم الشعب. إثر ذلك أُسِّسَ «المجلس الأعلى لاتحاد المحاكم الإسلامية» في مقديشو، برئاسة (الشيخ شريف شيخ أحمد) ، فطاردت العصابات الإجرامية في العاصمة، وقامت بتطبيق أحكام الشرعية وتنفيذ الحدود، مما أدّى إلى عودة الأمن والاستقرار إلى مقديشو.

في هذه الأثناء شكّل أمراء الحرب ـ بدعم إثيوبي أمريكي ـ ما يُسمّى بـ «تحالف إعادة السلام ومكافحة الإرهاب» بهدف التصدّي لقوات المحاكم الإسلامية، حيث تقاطعت مصالحهم في القضاء على بذور اليقظة الإسلامية. إلا أن قوات المحاكم بتوفيق من الله ـ سبحانه وتعالى ـ ثم بدعم الشعب الصومالي؛ استطاعت دحر أمراء الحرب عن مقديشو، ثم واصلت تطهير المدن من فلول مجرمي الحرب، حتى توقفت عند مدينة «بيدوا» مقر الحكومة المؤقتة ورفضت اقتحامها، لتفتح ذراعيها أمام المصالحة، ووافقت على التفاوض مع الحكومة الضعيفة بشأن مستقبل البلاد.

وبالفعل دخل الطرفان مفاوضات في الخرطوم بوساطة جامعة الدول العربية، واتفقا في 4/9/2006م على وقف إطلاق النار، وتشكيل قوات مشتركة، بالإضافة إلى تجنُّب الاستعانة بقوات أجنبية في إشارة إلى إثيوبية، لكن يبدو أن الحكومة الموالية لإثيوبية كانت تدخل المفاوضات بهدف إضاعة الوقت حتى يتسنّى لإثيوبية الاستعداد الجيد للغزو.

- إثيوبية.. الصليب والأوجادين والسواحل:

لم يكن الغزو الإثيوبي مفاجئاً لمتابعي الشأن الصومالي، فهو ثمرة لميراث من الحقد الصليبي والصراع الحدودي والطمع في السواحل الصومالية.

بدأ الصراع العقدي مبكراً بين البلدين، حيث كانت التربة الصومالية أكثر تأّثراً بنور الإسلام، خاصة في منطقة الأوجادين، التي أقام بها بنو مخزوم إمارة «شوا» الإسلامية في القرن الثالث الهجري، واستمرت حتى القرن السابع الهجري، وبعد سقوطها قامت نحو سبع إمارات إسلامية شنّت الحبشة عليها حروباً واسعة، وكان النصر للمسلمين خاصة في عهد الإمام (أحمد بن إباهيم) ، لكن كما هي العادة دائماً، فقد استنجدت الحبشة بنصارى الغرب، مما دفع بالقوات البرتغالية لدخول المعركة وهزيمة المسلمين عام 950 هـ، إلا أن الخلافة العثمانية تدخلت وقلبت موازين المعركة لصالح المسلمين. وبنفس السيناريو تدخلت مصر لنجدة المسلمين وحققت انتصارات كبيرة عام 1292هـ، إلا أن النجدة الصليبية جاءت هذه المرة على يد بريطانيا.

ذكر أحد كبار موظفي مكتب الشؤون الإفريقية في الخارجية الأمريكية أهمية إثيوبية بالنسبة لواشنطن، لأسبابٍ كثيرة وعلى رأسها «ميراثها النصراني الذي يمكن أن يكون عائقاً أمام مدّ الحركات الإسلامية» (?) ، كما ذكر تقرير فرنسي أن الغرب ينظر إلى إثيوبية وإريترية باعتبارهما حصناً منيعاً أمام الزحف الإسلامي في القرن الإفريقي (?) .

- تحقيق الأهداف الأمريكية:

إضافة إلى كل ما سبق وعطفاً على البُعْد العقدي في الصراع، فإن إثيوبية تعتبر الرجل المخلص للغرب ولأمريكا بشكل خاص في المنطقة، فهي لا تستطيع البقاء في المنطقة دون مساعدة غربية قديماً وحديثاً، وباعتبارها تمثِّل الصليب في هذه المنطقة فهي دائماً تحتمي برعاة الصليب، بداية بالبرتغال ثم بريطانيا، ولما تقدمت أمريكا مؤخراً لتحمل راية الصليب أسرعت إثيوبية لتقديم الولاء والخضوع، لذا احتلت الصومال لتحقيق أهداف ومطامع خاصة، بالإضافة إلى مصالح وأهداف غربية أمريكية.

- مصائب المسلمين.. أمريكا دائماً:

لا يمكن استيعاب المصلحة الأمريكية في القضاء على المحاكم الإسلامية إلا باستيعاب الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الدول الإسلامية. لقد أدركت الدراسات الاستراتيجية الأمريكية أن الحلم الإمبراطوري لا تزال أمامه عقبة منيعة، تحمل في طيّاتها منافساً حقيقياً ليس قادراً فقط على عرقلة الحلم الإمبراطوري، بل استيعابه وصهره، ولن يكون بوسع أمريكا أو غيرها الوقوف في وجهه، ولم يكن هذا المنافس سوى الإسلام.

لذلك اتجهت أمريكا بكامل طاقتها نحو الإسلام هدماً وتخريباً وتفريغاً من أصالته وخصائصه القادرة على منافسة الحلم الأمريكي. وكما أدركت واشنطن أن خطر الإسلام يكمن في ذاته وسِمَاته، فإنه يكمن ـ أيضاً ـ في من يجعلونه منهجاً ونظاماً للحياة ويحملونه إلى كافة أرجاء العالم، أي: في أبناء الصحوة الإسلامية، لذلك انطلقت حملات التحريض والتشويه على المستوى الفكري والسياسي، فيما كانت القوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة تعمل لوَأْد أي بصيص من النور تحمله طلائع الإيمان في أي بقعة من العالم.

وفي تفاصيل هذه المصالح الأمريكية، يمكن رصد الرغبة في السيطرة على القرن الإفريقي بما يمثله من موقع استراتيجي حيوي جنوب العالم الإسلامي، وهنا تبرز أهمية الصومال بما يملكه من سواحل بالغة الأهمية الاستراتيجية، حيث تطل على بوابة البحر الأحمر والمحيط الهندي، حيث التحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط، كما أنها تُعدّ ممراً مهماً لأيِّ تحرّكات عسكرية قادمة باتجاه منطقة الخليج العربي الغنية ببذور الصحوة الإسلامية كغناها بالنفط.

كما تتمثل المصالح الأمريكية في شدِّ أطراف العالم الإسلامي ومحاصرته داخل نطاقه وعدم تمدّده، بالإضافة إلى احتلال الأطراف الاستراتيجية للعالم الإسلامي استعداداً لأيِّ مواجهة مستقبلية. بالإضافة إلى المزيد من التهديد للسودان، والتحكم في مياه النيل بما يزيد من الضغوط على مصر، ويهدد شريان حياتها إذا وصلت أي قوة إسلامية للحكم هناك.

في الصومال جاء الخوف الأمريكي على المستوى الأول بسبب اليقظة الإسلامية هناك، حيث «لحق تغيير كبير بأخلاقيات المجتمع الصومالي؛ فلقد كان يميل إلى العلمانية بعض الشيء، أما اليوم فأصبحت الملابس التقليدية الإسلامية تحل محل الملابس والعادات الغربية، والسبب أن الصوماليين التفتوا نحو الخليج، وأصبح النفوذ والتأثير لجماعات المتدينين» (?) (*) .

- ملخص القضية الصومالية:

يرى الدكتور (هاني رسلان) رئيس تحرير ملف الأهرام الاستراتيجي والمتخصص في الشأن الإفريقي:

أن ما يحدث في الصومال هو جزء من حالة الغياب والضعف والوهن العربي كما هو ظاهر في العراق وفلسطين، فهو جزء من حالة الضعف العام، حيث لا رؤية استراتيجية موحدة، ولا نظاماً إقليمياً قادراً على تحديد مصالحه بدقّة والوقوف خلفها.

لذلك يطالب الدول العربية والإسلامية بعدم ترك الصومال للهيمنة والاحتلال الإثيوبي، وذلك بدعم استراتيجية تسعى لتوحيد أراضي الصومال لمصلحة الصوماليين، وليس بغرض فرض اتجاه أيديولوجي أو سياسي معين. ويرى أنه كان من الممكن القيام بهذا الدور عن طريق دعم المحاكم الإسلامية التي كانت تستثمر الرؤية الإسلامية لتوحيد القبائل؛ لأن الإسلام هو الوحيد القادر على اجتذاب ولاء أعلى من الولاء القبلي أو المناطقي. فكانت فرصة ضائعة على العالم العربي والإسلامي لإعادة توحيد الصومال وإقامة مؤسسات الحكم والدولة فيه مرة أخرى.

وحول الدور الإثيوبي الأمريكي في الصومال، يقول الدكتور (رسلان) :

إن إثيوبية لا ترغب في قيام دولة موحدة مرة أخرى في الصومال؛ لأن هذا يمثِّل خطراً عليها من ناحية التماسك الداخلي، فهي تتكون من عدة قوميات وتسيطر أقلية على الحكم مما يثير القوميات الأخرى. من الناحية الأخرى، فهي تسيطر على إقليم الأوجادين الصومالي والذي لم يعترف الصوماليون بتبعيته لإثيوبية منذ استقلال الصومال عام 1960م حتى الآن، ومن ثم فإن قيام دولة موحدة تحت قيادة المحاكم سوف يؤدي إلى إثارة هذه المطالب مرة أخرى، سواء في الأوجادين أو في الأراضي الصومالية التي تحتلها كينيا في الوقت الحالي، بالإضافة إلى أن قيام دولة موحدة صومالية تحت اتجاهات إسلامية، سوف يؤدي إلى إثارة الأقلية المسلمة كبيرة العدد في إثيوبية والتي ترى أنها مهضومة في حقوقها السياسة والاقتصادية في الوقت الحالي، فضلاً عن طمعها في السيطرة على سواحل البحر الأحمر.

ولقد حاولت أمريكا من قبل أن تقضي على المحاكم عبر دعمها لتحالف أمراء الحرب، لكنهم فشلوا في مواجهة المحاكم التي حظيت بشرعية كبيرة واستطاعت فرض السيطرة على مساحة كبيرة من الصومال، لذلك لجأت إلى إعطاء الضوء الأخضر لإثيوبيا للقيام بهذه المهمة، خاصة أن هناك توافقاً في المصالح، حيث لإثيوبية مصالحها الاستراتيجية الخاصة في هذا الإطار. ومن ثم أخذت الحالة الصومالية تراوح في مكانها طوال الأشهر الماضية، حتى أتمت إثيوبية استعداداتها العسكرية، وقامت بهذا الهجوم واسع النطاق.

لكن ما حدث يمثل مصلحة سلبية لأمريكا وليست إيجابية، فما حدث قد منع خطر قيام نظام إسلامي في الصومال، لكنه سيأتي بالحكومة المؤقتة، وهي ليست الحليف القوي الذي يمكن لواشنطن الاعتماد عليه في تحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية بعيدة المدى.

وحول مستقبل القضية الصومالية، يرى الدكتور (رسلان) أن الاحتلال الإثيوبي لن ينهي الأزمة، حيث ستتحول المحاكم الإسلامية لحرب العصابات، ومن ثم سيصعب على الإثيوبيين فرض الاستقرار عبر الحكومة المؤقتة التي سوف تحتاج إلى دعم ثابت ومستمر.

بالإضافة إلى أن الأطراف صاحبة المصلحة في مناوأة الإثيوبيين لن تكفَّ عن إزعاجهم في الفترة المقبلة عبر دعم حرب العصابات في المنطقة، فضلاً عن مشاكل إثيوبية الداخلية والاقتصادية، فإن لم يكن لديها دعم قوي فلن تستطيع الصمود والسيطرة على الأوضاع.

من جهته يقول الأستاذ (طلعت رميح) رئيس تحرير مجلة (استراتيجيات) والخبير في الشؤون الإفريقية:

إن هناك عدة نقاط رئيسة عند الحديث عما يجري في الصومال الآن:

أولاً: إن الفكرة الجوهرية فيما يحدث الآن في الصومال ليس العمل العسكري في حدِّ ذاته، إنما الوضع الإسلامي والعربي الذي سمح لإثيوبية بممارسة الفعل العسكري دون مواجهة حقيقية حتى على المستوى السياسي. وهذا الغياب الإسلامي العربي يمكن فهمه من خلال الحالة العراقية والأفغانية، فهذا يشير إلى أن الموقف على المستوى الرسمي يتعاطى مع مصالح الدولة القطرية الجزئية، التي لا تضع بالأساس مصالح الأمن، وإنما تبحث في أفضل الحالات عن مصالح الدولة نفسها، وفي الأغلب الأعم عن مصالح نظم الحكم في استمرار السيطرة على مقدرات شعوبها. ولقد كانت المصلحة الإسلامية والعربية تقضي استقرار الصومال، فكان من مصلحتها الاستراتيجية والسياسية استقرار المنطقة بوجود دولة مركزية قوية بقيادة إسلامية، لكن الإشكالية من يسمع ومن يعمل من أجل ذلك.

ثانياً: كان بادياً أن القرار الأمريكي والإثيوبي ومن أطراف أخرى هو جرُّ السلطة الإسلامية الجديدة في الصومال إلى معركة مبكرة قبل أن تتمكن من تثبيت أوضاعها الداخلية.

ثالثاً: كان السبب في التفكير بالمواجهة العسكرية السريعة هو ظهور الوجود الإسلامي على المستوى السياسي وتحوّله إلى حالة سلطة لقيت استجابة كبيرة جداً من الشعب الصومالي، حيث تمكنت المحاكم الإسلامية من إعادة بناء مؤسسات دولة جنينية تحقق حالة من الوحدة المركزية، وكان لذلك تداعيات وما زالت على الإقليم المحيط، وذلك بسبب وجود نشاط إسلامي فاعل في كثير من الدول المحيطة بالصومال، لذلك كان التفكير بالمواجهة.

رابعاً: أعتقد أن الاندفاع الإثيوبي وإن كان وفق نظرية الحرب الاستباقية الأمريكية وبنفس الأسلوب الصهيوني في التعامل مع الحركات الإسلامية وكل التطورات في الوضع العربي، لكن يظل الفارق هنا الذي لم تفهمه إثيوبية جيداً أنها تواجه حركة إسلامية قادرة على أن تحدث حالة من تطوير الوعي والقدرة داخل الصومال، ومن شنِّ مواجهة جهادية واسعة المساحة الزمنية. وفي تقديري عندما تحدثت قيادة المحاكم عن تغيير الاستراتيجية كانت صادقة، ولنا أن نتذكر الدخول الأمريكي في أفغانستان والحالة الراهنة، حيث قامت حركة طالبان بانسحاب استراتيجي واسع لمصلحة التحول لحرب جهادية ضد الوجود العسكري. وهذا هو المأزق الذي ستعيشه إثيوبية في الفترة القادمة؛ لأنها إذا كانت بنَتْ خطتها على الهجوم السريع المباغت، فقد وقعت في محظور آخر، وهو أن طرفها الإسلامي لديه إمكانية التحول السريع إلى الحرب الجهادية.

خامساً: لا يوجد فصل دقيق بين اعتبار ما يحدث في الصومال حرباً أمريكية وبين اعتباره حرباً إثيوبية أو بين اعتباره حرباً ذات مصالح مشتركة؛ وذلك لأن السلطة في إثيوبية هي ليست سلطة متحالفة مع الولايات المتحدة، بل إن وجودها مرتبط بوجود أمريكا، فواشنطن تتبنّى منذ فترة في هذه المنطقة دعم ما يسمى «القادة الجدد» الذين ساهمت في وصولهم إلى السلطة ومنهم رئيس الوزراء الإثيوبي (ميلس زيناوي) .

- في الزمن الأمريكي.. الصومال لا بواكيَ له!

ورغم كل هذا، فإن تطور الأحداث في الصومال يشي باقتراب نهاية المشروع الأمريكي، فمن جهةٍ يتصاعد المدّ الإسلامي في بقاع العالم شتى، ومن ثم تتعقّد المهمة الأمريكية وتصبح مستحيلة.

كما أن استخدام واشنطن لإثيوبية في هذه الحرب يشير إلى مدى الإرهاق والخسائر الأمريكية جرّاء التدخل المباشر في أفغانستان والعراق، وأنها غير قادرة على خوض أكثر من حرب في وقت واحد بشكل مباشر، فضلاً عن المواجهة السياسية والإعلامية والفكرية، خاصة في ظل تصاعد قوى تناهض واشنطن في كافة أنحاء العالم وبشكل خاص في حديقتها الخلفية، حيث يتسارع صعود اليسار في أمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى محاولة روسيا العودة إلى مكانها على الخريطة الدولية، أضفْ إلى ذلك المارد الصيني القادم بقوة.

لذلك فإن الذي يثير الحزن في النفس ليس التكالب الصليبي على ديار الإسلام، فهذا مما يمكن تفهمه، لكن المحزن حقاً ألا نجد من المسلمين من ينهض لنصرة أخيه المظلوم.

ففي الوقت الذي تكالبت الأكلة على قصعتها من إثيوبية إلى أمريكا.. كلٌّ يريد مصالحه وأطماعه، لا نجد حراكاً للدول العربية والإسلامية، حتى من باب المصالح المهددة وليس من باب الواجب الشرعي!

وإذا كان الزمن الأمريكي يمنع هذه النصرة، فهل نعدم ـ أيضاً ـ من يبكي الصومال؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015