مجله البيان (صفحة 5823)

ما من نبي إلارعى الغنم

محمد بن عبد الله الدويش

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من نبي إلا وقد رعى الغنم، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: «نعم! كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة» (?) .

وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نجني الكباث وإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «عليكم بالأسود منه؛ فإنه أطيبه» . قالوا: أكنت ترعى الغنم؟ قال: «وهل من نبي إلا وقد رعاها؟» (?) .

إنه أمر اختاره الله ـ تبارك وتعالى ـ لأنبيائه، صلوات الله وسلامه عليهم، والأغلب أنه كان قبل النبوة كما في سيرة محمد -صلى الله عليه وسلم- وموسى.

ولنا مع ذلك وقفات عدة:

\ تقديرُ الله ـ عز وجل ـ هذا الأمرَ للأنبياء جميعهم دليلٌ على أنه أمر مقصود؛ فرعيُه أو رعي موسى للغنم، أو غيرهما من الأنبياء؛ كل ذلك لم يحصل اتفاقاً إنما هو أمر قدَّره الله عز وجل.

\ في هذا دليل على حاجة النفوس للبناء والإعداد؛ فإذا هيأ الله ـ عز وجل ـ لصفوة خلقه - الذين اختارهم واصطفاهم من بين الناس - ما يكون له أثره على بنائهم وشخصياتهم فغيرهم من الناس من باب أوْلى؛ فحري بالدعاة والمصلحين والمربين ألاَّ يشعروا أنهم قد استغنوا عن التربية والإعداد.

\ رعي الغنم ليس فيه تعليم أمور ذات صلة مباشرة بالتدين، بل هو لاكتساب مهارات يحتاج إليها الأنبياء، ذكر شراح الحديث منها الصبر والحلم وقيادة الناس ... إلخ، وهذا يؤكد سعة مفهوم التربية وحاجتنا للأخذ بالمفهوم الأوسع في بناء النفوس. ولعل تأمل الواقع الدعوي يكشف لنا أن كثيراً من جوانب القصور في البناء التربوي تنتمي لجوانب تتصل ببناء الشخصية، وهذه الجوانب ليست محل اعتناء كثير من المربين، والإخفاق الحاصل من تخلُّفها كثيراً ما يعالَج من خلال الجانب المعرفي، أو من خلال انتقاد مظاهر القصور.

\ كان رعي الغنم في مراحل أولى من حياة الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ مما يؤكد على أهمية المراحل العمرية - كالطفولة وما يليها - في التربية، وأهمية رسم الصورة المتكاملة لما نريد تحقيقه في نفوس أولادنا.

\ إذا كان الأنبياء وهم يمثلون قمة الصفات البشرية يتأثرون بالغنم ومصاحبتهم لها؛ فهو دليل على أثر البيئة في تشكيل شخصية الإنسان، سواء كانت بيئة مادية أم معنوية، مما يتطلب وعي المربين به، وسعيهم لعلاج جوانب القصور المتصلة بذلك.

\ تأثير الأتباع على قائدهم ومربيهم؛ فالأنبياء يتعلمون ويكتسبون سلوكاً ومهاراتٍ من رعيهم للغنم؛ فكيف بمن دونهم، مع البشر الذين يتواصلون ويتفاعلون معهم؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015