مجله البيان (صفحة 5741)

حزب الله ... على أي أساس يقاتل

عبد المنعم شفيق

في الحرب العراقية الإيرانية وقف أحد العلماء الإيرانيين على جبهة القتال يُذكّر المقاتلين باستقبال الحور العين للشهيد حين يسقط على الأرض مضرجاً بدمه، فصرخ فيه أحد الجنود قائلاً: دع الحور العين لك أنت وحدك، أما أنا فحدثني: كيف وأين أرى الإمام الحسين؟!

يعلق أحد منظري حزب الله على هذه القصة فيقول: وهذا ـ أي رؤية الحسين ـ هو ما يردد الرغبة فيه كل شهداء المقاومة الإسلامية، وما يأملون في الحصول عليه، ويقاتلون في سبيله، ويرونه ثمناً لبذل دمهم وحياتهم!!

[وضاح شرارة ... دولة حزب الله (لبنان مجتمعاً إسلامياً) 282]

هذه إشارة أولى نلتقطها في البداية.

الإشارة الثانية نلتقطها من حديث ما بعد الحرب الأخيرة على لبنان، ومن أحد كبار مساعدي مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، ورئيس تحرير صحيفة كيهان، وهي الصحيفة اليومية الرسمية في إيران، وهو حسين شريعتمداري في افتتاحية له في مطلع شهر أغسطس 2006م تحمل عنوان (هذه حربنا) حيث يقول: إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء، ولا من أجل مزارع شبعا، أو حتى القضايا العربية أياً كانت في أي وقت؛ وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي!!

ثالثة الإشارات أو ثالثة الأثافي جاءت عقب وقف إطلاق (النار) وبعد (صمت أفواه المدافع) مباشرة، نلتقطها من (الخطاب الساخن) للرئيس السوري بشار الأسد حين قال: إن المعركة الحقيقية ابتدأت الآن، وعلينا أن نحول النصر العسكري إلى نصر سياسي، وقال: إن المقاومة ليست نقيضاً للسلام؛ بل هي والسلام جزء واحد!!

الإشارات الثلاث السابقة ترسم لنا ثلاثة خطوط متوازية تسير في اتجاه واحد ... إلى هدف واحد، وتكشف في الوقت نفسه وبوضوحٍ شديدٍ معالم الأيدولوجيات والاستراتيجيات والتحالفات المستدامة، أو ما يمكن أن نسميه (عقيدة التثليث الجديدة) وأهدافها في المنطقة.

ü حزب الله ... التوسع بالذبح:

في هذا الحاضر الذي تمخض عنه تحولات ضخمة تؤثر في الحاضر والمستقبل معاً، لا ينبغي لنا أن نستدعي (كل) التاريخ؛ لأن ذلك سيغرقنا فيه، وسينسينا ما ألمّ بنا وما هو في قابل أيامنا، بيد أن التذكير بجزء من (التاريخ القريب) هام لتنشيط الذاكرة التي لم تعد تحتمل مزيداً من المآسي المتلاحقة والمستفحلة، والتي لا ينبغي لها أن تُنسى رغم مرارة الآلام.

ففي 14/5/1986م نقلت (صحيفة النهار) اللبنانية عن محمد حسين فضل الله، وهو الأب الروحي لحزب الله، وهو يخاطب جمهور المصلين في مسجد بلدة النبي عثمان قائلاً: وعلينا أن نخطط (للحاضر) و (المستقبل) لنكون (مجتمع حرب) . إنّ الحرب هذه مفروضة؛ شأن كل الحروب التي يحل خوضها للإماميين! ولا يحل لهم خوض غيرها. ا. هـ.

فالعقيدة الشيعية قائمة كلها على المصائب واستدعائها، وتكرار المآسي، والنواح على المصائب، والاحتفال غير المنتهي بها، ويرون ألا نهاية لمصائبهم إلا بخروج مهديِّهم الذي ينتقم لها ولهم (?) .

يقول صاحب (دولة حزب الله) : وإذا غدا استمرارُ الثورة ـ يقصد الثورة الإيرانية ـ ودوامها من بعد حدوثها إنجازَ الثورة الأعظم، وجبَ تجديد الإنجاز كل يوم، والقيام بالثورة من غير انقطاع ولا تلكؤ، ولا يرتب تجديد الإنجاز حين تتصل الثورة الإسلامية الخمينية بين كربلاء وبين ظهور المهدي إلا إظهار الدلائل على قيام الثورة، وحفظ معناها، والحؤول بين هذا المعنى وبين الاضمحلال والضعف، ولا يتم ذلك إلا (بالإقامة على الحرب وفي الحرب) وينبغي لهذه الحرب أن تكون الحرب الأخيرة ولو طالت قروناً؛ لأنها تؤذن بتجديد العالم كله، وطيّ صفحة الزمان! ص (276) .

إذن نحن لا نستطيع بأي حال، ببراءة كانت أو بسذاجة أو بعاطفة أو تناسٍ، أن نقتلع ما يقوم به حزب الله أو حزب الدعوة أو حزب الفضيلة، أو منظمة بدر، أو غيرهم من الأحزاب والمنظمات الشيعية من هذا السياق العقدي القائم على (التوسع بالذبح) ، ولذلك لم يكن مستغرباً أبداً ألا يستنكر أو يندد (سيد المقاومة) حسن نصر الله بما يقوم به إخوانه في العراق من (ذبح) مئة ألف سني، و (تعذيب) المعتقلين، و (حرق) المساجد، و (تخريب) البيوت، و (تشتيت) الناس خارج قراهم ومدنهم، كل هذه (المصائب) التي جرّها إخوة نصر الله على العراقيين لم تحرك له ساكناً، بل اصطفّ وراءهم، ووصف المقاومين العراقيين بأن نصفهم صداميون والنصف الآخر تكفيريون (?) . أليسوا مقاومين لأمريكا وعملاء أمريكا وأذناب أمريكا، كما تقاوم أنت أمريكا وعملاء أمريكا وأذناب أمريكا؟!

ولا يعقل أن المطالبة بتحرير عميد الأسرى سمير القنطار أهم من حفظ الدم السني المسال في العراق! ولا يعقل كذلك أن من يدافع عن القضية الفلسطينية ويدعم القضية الفلسطينية ويدندن حول القضية الفلسطينية، يترك أهل المخيمات الفلسطينية في العراق يذبحون ويُهجَّرون على أيدي إخوان الطائفة والمرجعية الواحدة!!

وكيف يفسر حسن نصر الله قَصْرَ مطالبته بتحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الصهيونية، وينسى أن يطالب سوريا، وهي الجارة والحليفة، بأن تفرج عن المعتقلين السياسيين من الإسلاميين والشرفاء؟

كما ينسى أن يطالب إيران ولو بالكف عن سوء معاملة أهل السنة، والسماح لهم ببناء مسجد واحد على الأقل في طهران.

كل هذا وغيره يجعلنا نشكك وبقوة في نوايا حزب الله اللبناني وقيادته، ومشروعه، وارتباطاته وتحالفاته.

ü أبعد من الأسرى ... وأهم من شبعا:

يرتبط حسن نصر الله وأحمدي نجاد بعلاقة صداقة قديمة، فقد تدربا سوية ـ حسب مصادر أوروبية ـ في بلد آسيوي على أعمال استخباراتية، ثم عندما أصبح نصر الله أميناً عاماً لحزب الله جاء نجاد إلى لبنان مشرفاً على (مؤسسة الشهداء الإيرانية) ، وعندما تم تنصيب نجاد رئيساً لإيران العام الماضي حضر نصر الله مراسم الاحتفال، ثم قفل عائداً إلى لبنان سريعاً، بعد ثمانية أيام كاملة في إيران!! ويبدو أن يوماً واحداً لم يكن كافياً للتبريك وتبادل القبلات والأشواق.

ونبقى مع نصر الله أيضاً، ففي يوم الجمعة 25/22/2005م، وفي (حفل) أقيم في ضاحية بيروت الجنوبية بمناسبة (تسلم جثث) ثلاثة مقاتلين من حزب الله، قال حسن نصر الله: «حقنا الطبيعي أن نأسر جنوداً (إسرائيليين) ، ومن واجبنا أن نفعل ذلك لمبادلتهم بلبنانيين لا يزالون معتقلين في (السجون الإسرائيلية) » ، وقال: «إن إسرائيل اعتقدت أن لبنان تغير، وسوريا خرجت منه، وخروج هذه القوات بحسب فهمها أضعف المقاومة وإرادتها» . وأكد على أنه: «يجب أن يفهم كل العالم أن المقاومة الإسلامية ستواصل الطريق حتى تحقق الأهداف، وحماية الوطن مهما كانت التضحيات» .

وقد وفّى نصر الله بوعده، كما عهدته جماهير الأمة العربية، وضحّى بأكثر من 1300 لبناني، وبضعة وستين مقاتلاً من حزبه البالغ عدده 8000 مقاتل!!

أما إيران فإنها حسب قول علي لاريجاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: (وضعت سيناريو للرد) على محاولات إجبارها على التخلي عن تخصيب اليورانيوم، وخططت لـ (جر المنطقة إلى حرب) حسب تعبيره حينذاك. و «هذا تماماً ما تداولته الأوساط الدولية من سيناريو حرب إقليمية لإشعال المنطقة تستدرجها طهران وتستفزها سورية» بما «يقتضي تفجير العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية، الطائفية منها والحزبية، واختلاق مشاكل على الصعيد اللبناني الداخلي» .

لو أضفنا كلام علي لاريجاني، إلى ما صدّرتُه في المقدمة من كلام حسين شريعتمداري حين وضح لماذا يقاتل حزب الله، ثم راجعنا كلام حسن نصر الله في بداية الحرب حين قال: إن (قواعد اللعبة) قد تغيرت، وهي ما يعني وجود (قواعد متفق عليها) ، ووجود (اتفاق على اللعب بالمنطقة) ، لأدركنا بوضوح وجلاء أن ما كان تاريخاً أصبح واقعاً، وأن الواقع صنع في التاريخ، وأن المنطقة الآن توشك أن يكتمل فيها الهلال الشيعي من البحرين حتى لبنان.

وينبغي لنا هنا أن نتساءل: لماذا مقاومة حزب الله غير دائمة طالما أن هناك عدو ينبغي أن يزول، كما هو الحال في فلسطين والعراق؟ الأهم من ذلك، أنها لا تأتي إلا متزامنة مع ظروف سياسية، ومع الحاجة إلى أوراق جديدة لفك أزمة أو تحريك جمود في المواقف، ولماذا توقفت (الحرب المفتوحة) التي أعلنها نصر الله فجأة؟ رغم أن جيش العدو الصهيوني مازال موجوداً في الجنوب، وحصاره البحري والجوي ما زال قائما ًحتى هذا اليوم (13/8/1427هـ ـ 5/9/2006م) ، وأصبح أقصى ما يريده حزب الله هو قرار دولي لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، أين ما قاله نصر الله: «حرب مفتوحة ... أردتموها حرباً مفتوحة؟ نحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة ومستعدون لها ... إلى حيفا وإلى ما بعد حيفا» ؟! ولماذا لم تُضرب المنشآت الكيماوية في حيفا؟ ولماذا لم تُقصف تل أبيب طالما أنها في مرمى صواريخ حزب الله؟ ثم لماذا يقاتل حزب الله دفاعاً عن مزارع شبعاً وهي أرض سورية؟ ولماذا يذبح اللبنانيون من أجل مزرعة جارهم الصغيرة، ويسكت الجار عن كامل الجولان المحتل؟!

والقواعد التي ذكرها نصر الله يقصد بها اتفاق التفاهم الذي تم قبل الانسحاب الصهيوني من الجنوب، والذي كان أبرز بنوده ما تم نشره بعد تسريبه في صحيفة (شبيجل) الألمانية يوم 13/6/2004م، وكما جاء في نص الوثيقة التي وصلتني نسخة مترجمة لها كانت بنود الاتفاق كما يلي:

المرحلة الأولى من الاتفاق: تشكيل لجنة أمنية من ميليشيات حزب الله وجيش دفاع العدو لوضع خطة ميدانية لترتيب عملية انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي، بإشراك بعض الضباط الأمنيين في الجيش اللبناني الذين يختارهم الحزب.

المرحلة الثانية: بند (أ) : يقوم الجيش الإسرائيلي بسحب قواته كافة من كامل الأراضي اللبنانية والحزام الأمني إلى الحدود الدولية، في مدة لا تتعدى ثلاثة أشهر، تحت إشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وفقاً للقرارات الدولية المتعلقة بجنوب لبنان، وإنهاء حالة الحرب هناك. كما يقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بحل وتفكيك ميليشيات جيش لبنان الجنوبي، ولا يشمل الانسحاب مزارع شبعا على أساس أنها أرض سورية، مرتبطة أمنياً بهضبة الجولان، وأمن دولة العدو.

فقرة (ب) : تقوم ميليشيات حزب الله بتسلم المواقع العسكرية والأمنية من جيش الدفاع الصهيوني، وجيش لبنان الجنوبي فوراً بعد إخلائها، للحيلولة دون وقوعها بأيدي منظمات فلسطينية أو إرهابية معادية للصهاينة.

فقرة (ج) : يتعهد جيش العدو إطلاق سراح أسرى ميليشيات حزب الله ممن استكمل معهم التحقيق، على أن يتم إطلاق الشيخ عبد الكريم عبيد (وهذا أطلق سراحه في مرحلة لاحقة بعد تسوية وضع الطيار الإسرائيلي) وسيقوم الوسطاء الألمان بمعالجة هدا الملف.

فقرة (د) : يتعهد الجيش الإسرائيلي بعدم استهداف أعضاء أو مؤسسات تابعة لهذا الحزب، وأن يسمح للحزب بتحريك أسلحته الثقيلة في المنطقة الحمراء للحفاظ على الأمن والهدوء.

فقرة (هـ) : أن تعمل ميليشيات حزب الله على الانتشار في المنطقة الحمراء كلها (الحزام الأمني) حتى الشريط الحدودي بين لبنان ودولة العدو، وإحلالها مكان ميليشيات جيش لبنان الجنوبي بعد حل الأخرى.

فقرة (و) : أن يعمل الحزب على ضمان الأمن في هذه المناطق التي ستصبح تحت سيطرته، وذلك (بمنع المنظمات الإرهابية من إطلاق الصواريخ على شمالي الأرض المحتلة) ووقف التسلل، واعتقال العناصر التي تهدد أمن حدود إسرائيل الشمالية، وتسليمهم إلى السلطات اللبنانية لمحاكمتهم، كما يتعهد الحزب بمنع الأنشطة العسكرية وغير العسكرية لمنظمات إرهابية فلسطينية أو لبنانية معادية في المنطقة الحمراء، ويتعهد حزب الله بالمساعدة في جمع وتقديم المعلومات عن الطيار الإسرائيلي (كوخاي) الذي اختفى في لبنان أثناء الحرب.

فقرة (ز) : تُنسق الحكومة اللبنانية والسورية مع حزب الله على تنفيذ الاتفاق، كما تتعهد إيران، بكونها المرجع والمؤثر القوي لحزب الله، بضمان الاتفاق والمساهمة الفعالة في تثبيت الأمن في هذه المنطقة، وتتعهد الحكومة اللبنانية والسورية (بعدم ملاحقة أو محاكمة أعضاء جيش لبنان الجنوبي) ، وأن تقدما المساعدة على دمجهم بالمجتمع، وتوفير المساعدة والحماية اللازمتين لمن يرغب منهم العودة إلى بيته. وبناء عليه ستقوم كل من إيران وأمريكا بالسعي لحل مشكلة الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة التي تطالب بها إيران. ا. هـ.

وعندما كان صبحي الطفيلي الأمين العام الأول لحزب الله يردد دائماً مؤخراً أن المقاومة اللبنانية تحولت إلى حامية لحدود الصهاينة الشمالية، كان معظمهم يعد ذلك تصفية لحسابات قديمة بين الرجل والحزب الذي أقيل من رئاسته.

ما قاله الطفيلي شهد به الصهاينة لحزب الله، فقد امتدحت جريدة (هآرتس) في 6/7/2006م، الأمين العام للحزب بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية، وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي، وهو اليوم يتعقل فلا يضرب المنشآت الحيوية للصهانية كما صرح بذلك.

ولقد كان (استدعاء الحرب) من قبل سوريا وإيران، وإحراق لبنان يهدف إلى إيصال عدد من الرسائل الملوثة بالدم والمعطرة برائحة الموت إلى عدد من الأطراف في المنطقة والفاعلة فيها، ومن هذه الرسائل:

أولاً: على الجانب السوري:

الرسالة الأولى: أن دمشق بعد الانسحاب المهين من لبنان بقرار دولي؛ والحديث عن أن سورية أو حلفاءها في لبنان، لم يعد لا لها ولا لهم أي تأثير في الشأن اللبناني؛ أرادت أن تثبت للجميع لبنانياً وعربياً و (إسرائيلياً) ودولياً أنها ما زالت ممسكة بأهم أوراق اللعبة في لبنان، وأن بيدها تحريك أدواتها في لبنان متى شاءت، وأنها تستطيع أن تجر على لبنان ما هو أكثر من سجالات أو فتنة سياسية ومناطحات حزبية بين مُواليها ومعارضيها. وهذه كانت رسالة موجهة إلى الداخل اللبناني في المقام الأول.

الرسالة السورية الثانية: كانت موجهة إلى الجانب الصهيوني، والتي جاءت واضحة في شقها الأول بأن سوريا مازال لديها القدرة على إزعاج العدو بشكل يهدد أمنها ومواطنيها ومستوطناتها؛ وذلك بتوجيه الأوامر لحزب الله بافتعال أزمات متكررة تبقي الصداع الصهيوني مستمراً، كما أن السلاح الإيراني سيظل سيتدفق على حزب الله عبر الحدود السورية، وقد فهم العدو هذه الرسالة فلم توقف الحرب حتى دكت أغلب البنى التحتية العسكرية والتعليمية والصحية والمؤسسية لحزب الله، حتى أنها لم تترك بيت حسن نصر الله ومقره العام.

الشق الثاني من الرسالة السورية الموجهة للعدو ومن خلفها الولايات المتحدة، أنه وبرغم أنها قادرة على إزعاجه عبر لبنان إلا أنها لا تريد حرباً حقيقية مع الصهاينة، كما أن العدو لا يريد هذه الحرب، وقد لوحظ أنه لم تُسجَّل في الحرب الأخيرة سوى غارة واحدة على الحدود السورية، وقد سارعت الدولتان السورية و (الإسرائيلية) لنفي حدوث ذلك، وأعاد السوريون نفيهم بوقوع أي غارة من العدو داخل أراضيهم، وكانت الرسالة تتضمن أن سوريا بيدها لجم حزب الله إذا أرادت، وقد مدت سوريا يدها بالسلام عبر (الحرب بالوكالة) ، فينبغي لمفاوضات السلام أن تعود بعد أن انقطعت، ولكن مع تغير في قواعد اللعبة فرضته الحرب الأخيرة، ولذلك فقد كان استخدام سوريا لحزب الله هو لتحسين ظروفها التفاوضية مع الصهاينة، وتحسين ظروف تفاوض حليفتها إيران مع الولايات المتحدة كما سيأتي.

الرسالة السورية الثالثة: كانت موجهة للدول العربية بشكل مباشر وصريح، بأن سوريا قد حسمت تأرجحها بين قوميتها العربية وتحالفاتها الطائفية الإستراتيجية، وأن نصيبها من كعكة السيطرة القادمة على المنطقة مضمون بالانضواء تحت العمائم السوداء، فهُم سادة المنطقة الجدد، وستكون الجسر الذي تكمل به إيران طريقها من البحر الأسود إلى البحر المتوسط.

ثانياً: على الجانب الإيراني:

أرادت إيران في رسالتها الأولى: من هذه الحرب أن تقول للشعوب العربية والإسلامية: أنها مازالت الطرف الوحيد الذي يواجه الاستكبار الصهيوني في المنطقة، رغم أنها حرب خاضها بعض صنائعها على بعد مئات الأميال عن أراضيها.

الرسالة الثانية: كانت موجهة مباشرة إلى العدو، فالصواريخ التي استخدمها حزب الله وأصابت أهدافاً لدى الصهاينة بدقة، قالت إيران من خلال ذلك: أنها غير مضطرة لاستخدام صواريخها بعيدة المدى للهجوم على العدو، وأن الجنوب اللبناني أقرب بكثير لتل أبيب من طهران وهمدان.

ومما وُجِّهَ للعدو والولايات معاً أن إيران يمكنها في ظل التراجع الكبير للدور العربي في القضية الفلسطينية أن تلعب دوراً فاعلاً في (حل نهائي) حال الاتفاق.

الرسالة الإيرانية الثالثة: جاءت لا لترد على الآراء الغربية بل لتتوافق معها ... حرفياً، فقد جاء على لسان علي أكبر ولايتي مستشار (المرشد الأعلى) حالياً ووزير الخارجية الإيرانية لمدة 16 عاماً ما نصه: إنه بإطاحة نظام طالبان في كابل ودكتاتورية البعث في بغداد، خلقت الولايات المتحدة فرصة تاريخية لإعادة صياغة الشرق الأوسط. ومع رحيل طالبان وصدام حسين، تشعر إيران بالأمان على حدودها ويمكنها أن تنتقل إلى الهجوم سعياً لتحقيق طموحاتها الإقليمية.

ومفاد هذه الرسالة للولايات المتحدة أولاً: أنّ ما أرادت أمريكا تحقيقه في أفغانستان والعراق ما كان ليحدث لولا التفاهمات والمساعدات الميدانية الإيرانية، وما تزال طهران تمسك بزمام الورقة العراقية، وإن أرادت إزعاج الولايات المتحدة فيكفيها أن يتراجع السيستاني عن فتواه بتحريم قتال الأمريكان!!، كما يمكن استمرار حزب الله في المناوشات على الحدود مع إسرائيل، ولذلك: فعلى الولايات المتحدة أن تتفاهم وتتعامل مع إيران كشريك أساسي في رسم الشرق الأوسط الجديد، على أنها القوة الإقليمية الرئيسية في المنطقة.

وإيران مع ذلك غير مستعجلة للتفاهم السريع مع الغرب، فهو يعني تقديم تنازلات قد تكون كبيرة، والقيادة الإيرانية تراهن فيما تراهن على انتظار مغادرة الرئيس الأمريكي البيت الأبيض، وانسحاب عسكري أمريكي من المنطقة، مما يخولها وحلفاءها الاستفراد بالمنطقة. كما أن إيران تسير بخطى منتظمة نحو امتلاك السلاح النووي، ولو أضيف السلاح النووي إلى السلاح النفطي الذي تملكه لكان الناتج يساوي دولة عظمى.

ü مستقبل حزب الله:

هتفت جماهيرنا العربية الساذجة مشيدة بحياة جمال عبد الناصر بعد (نكسة) 1967م، ولم يرتضوا عنه بديلاً حين تنحّى عن الحكم، وفي لبنان شاهد حسن نصر الله حجم التدمير والحقد الصهيوني في الأيام الأولى للحرب، ورغم ذلك أصر على الاستمرار حتى تأتيه أوامر التوقف، ثم جاء يهزأ من الجميع، وأخيراً يقول: لو كنا نعلم أن خطف الجنديين سيؤدي إلى ما حدث ولو واحد في المائة لما أقدمنا عليه. ورغم (الاعتذار) والقتل والتشريد والتهجير والتخريب، خرجت الأمة تغني للانتصار المجيد!!

وبعد (مراوغة الاعتذار) فُتح ملف مستقبل حزب الله، ومما لا شك فيه أن بقاء حزب الله مرتبط بتنفيذ دوره المناط به من قبل سوريا وإيران. وحتى الآن لم يتحقق لكلا البلدين ما سعيا للوصول إليه بأداة حزب الله، ومما لا شك فيه أن الموقف الإيراني يزداد قوة، وهذه القوة ستلقي بظلالها على حزب الله.

كما أن الحزب يعد أنجح الأذرع الإيرانية في المنطقة، وقدم خدمات جليلة للطائفة الشيعية بأسرها، وكانت تجربته جديرة بالاستنساخ في دول أخرى تسعى إيران لغرس مخالبها فيها، وللحزب حضور إعلامي قوي بين جماهير المسلمين، وهو تأثير بالغ الخطورة حيث تلوثت مفاهيم كثيرة ليس للعوام فحسب، بل للدعاة والمثقفين، وهذا التأثير مطلب شيعي لنشر المذهب.

مما سبق يجعلني أقول: إنه من الصعب التضحية به أو ذبحه، كما يقال، على الأقل في المدى القريب، فأبعاد العلاقة بين حزب الله وإيران، تختلف كلية عن شيعة الأهواز العرب، أو بعض العشائر الشيعية العربية في العراق، أو شيعة أذربيجان الأتراك. لكن سيكون على الجانب الآخر خصوم وأعداء ومناهضو المشروع الإيراني وذراعه اللبناني، الذين يدركون أبعاد المشروع التوسعي ودور حزب الله فيه، ولن يتوقفوا عن محاولات وضع العصي في عجلات هذا المشروع لإيقافه أو تفجيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015