محمد بن عبد الله الدويش
ارتبطت التربية بالعمل الدعوي ارتباطاً وثيقاً، واحتلت مساحة واسعة في أدبيات الصحوة الإسلامية المعاصرة؛ مما جعل الملف التربوي أحد الملفات الساخنة فكرياً؛ وبالأخص حين تناقش مناهج التغيير والإصلاح.
وكان السؤال (إلى متى نربي) ؟ يثار بين وقت لآخر لفظاً أو معنى، وستبقى هذه الأسئلة مثار جدل تتسع دائرته أو تضيق، ومن الوهم أن نفترض أننا سنقضي على هذه التساؤلات من خلال إجابات قاطعة؛ فعوامل إثارتها لا تزال وستبقى قائمة.
وأحسب أن ما يمكن تقديمه حول هذه التساؤلات هو: مزيد من التحليل والنقاش لظروفها وعوامل إثارتها.
ارتبط هذا التساؤل من خلال نظرة نمطية للتربية في العمل الدعوي، وهي تلك التي تفترض أن العمل التربوي في المجال الدعوي هو: ذلك النموذج المحدود الذي يرعى فئة من المستجيبين للدعوة وفق برامج وآليات محددة، ومن ثم فالتغيير في المجتمع سيتم من خلال اتساع هذه الأعداد إلى أن تستوعب الواقع وتحدياته.
ولئن حقق هذا النموذج التربوي قدراً من النجاح في تربية فئات من الشباب على التدين، وفي إعداد عناصر دعوية؛ فليس بالضرورة هو الجهد التربوي الوحيد، فلِلتربية معنى أوسع من اختزالها في هذا المجال وحده.
كما ارتبط هذا التساؤل من خلال افتراض العمل التربوي بنموذجه السابق بديلاً للخيارات الإصلاحية الأخرى، والمراهنة على نجاحه وحده في إحداث التغيير.
ومن هنا تبدو النجاحات في سائر المجالات مرجحة لكفة من يثير هذا التساؤل.
كما ارتبط هذا التساؤل بقراءة نتائج العمل الدعوي في الواقع، ومقارنتها بما يفعله التيار المضاد من جهد في التغريب، ولا شك أن هذه القراءة ستقود البعض على الأقل إلى الاقتناع بهذا التساؤل.
لكن:
| حين نفهم الإصلاح التربوي الدعوي بمفهوم أوسع لا يمثل النموذج الذي يثار حوله الجدل إلا أحد مفرداته وممارساته.
| وحين يبقى الخيار التربوي أحد الخيارات التي ينبغي أن تسير جنباً إلى جنب مع المسارات الأخرى في الإصلاح والتغيير.
| وحين تتحول الاختلافات والرؤى حول برامج الإصلاح إلى اختلاف تنوع لا تضاد وصراع.
حين يتحقق ذلك يمكن أن نستوعب إجابة أرحب عن هذا التساؤل.
إن التطرف في إثارة هذا السؤال، أو التطرف في الجانب الآخر يقود إلى نتائج متطرفة.
فالنموذج الأول من التطرف يقود إلى: تهميش مشروعات البناء الحيوية، وإلى التقليل من شأن الأعمال بعيدة المدى، والمراهنة على النتائج السريعة وحدها، وليس العنف غير المشروع إلا أحد هذه الخيارات.
والنموذج الثاني من التطرف يقود إلى: جمود، وعقلية انكفاء على الذات، وإغراق في رسم صورة مثالية لخيار التغيير.