د. أكرم عبد الرزاق المشهداني (*)
ثلاثة أعوام على غزو العراق:
ارتفاع في معدلات الجريمة، وازدهار لتجارة وإدمان المخدرات، وتوسع في دائرة الفساد، وانتشار للبطالة والفقر، وتفشي الأمراض الصحية الخطيرة.
25% من سكان العراق دون خط الفقر في بلد يطفو على أكبر بحيرة للبترول في العالم.
ثلاثة أعوام مرت على الغزو والاحتلال الأمريكي، وها نحن نجد أنفسنا أمام صورة لـ (عراق) لم يبق منه غير الاسم، وخارطة لها حدود واضحة مع الدول المجاورة؛ لكنها في الداخل ليست كذلك. فالكل في الداخل يتناحر، وكل جهة من القوى المستأثرة بالمشهد تريد قضم المزيد من الوطن الممزق لتوسيع مساحتها ومغانمها العرقية والطائفية والحزبية، وبأي ثمن كان؛ والمجتمع العراقي هو الضحية وهو الذي يدفع الثمن.
ربما اعتقد كثيرون وأولهم الرئيس جورج بوش وقادة الأحزاب والقوى العميلة، قبيل الغزو، أن العراقيين سيستقبلون الجنود الأميركيين بالزهور، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك في تصويره لمشاهد الابتهاج التي ستسود نفوس العراقيين، وهم يصافحون بكل حرارة وحفاوة جنود المارينز، الذين سيتجولون بكل استرخاء وهدوء داخل المتاجر والأزقة والأحياء الراقية والشعبية، وسيجلسون في المقاهي، يتسامرون مع العراقيين، ويتبادلون النكات والأحاديث، لكن بعد ثلاثة أعوام من ذلك التاريخ، الذي رسم الكثيرون له صوراً ومشاهد، جاؤوا بها من بوادي الخيال، ومن قناعات حاول الخطاب الأميركي ترسيخها في عقول الكثيرين. فالذي حصل أن الجندي والضابط والمسؤول المدني الأميركي في العراق، يعيش في حالة ذعر وهلع ورعب. قبل ثلاثة أعوام قالوا سوف نحوِّل العراق إلى أنموذج يقلده الجميع، لكن لم يحصل أي شيء من هذا الكلام. قبل ثلاثة أعوام، كان الخوف لدى القلة، التي ترى على مسافات بعيدة وتتمنى أن ينجح الاحتلال، ويصل إلى عقول العراقيين. لكن بعد ثلاثة أعوام انزاحت أثقال المخاوف؛ لأن أهم مراحل الاحتلال قد فشلت، وتبقى المخاوف، ويظل الحذر على أشده من المراحل الأخرى القادمة. لقد كان الاحتلال البغيض وما زال ثقيلاً على نفوس العراقيين، وترك آثاره التدميرية على البناء المجتمعي في شتى نواحيه النفسية والاقتصادية والمعيشية والقيمية والسياسية.
ü كيف تبدو صورة الوضع الاجتماعي في العراق المحتل بعد 3 أعوام من الغزو؟
المراقب للأوضاع الاجتماعية في العراق بعد 3 أعوام من الاحتلال يخرج بانطباع واحد لا يدعوه إلى التفاؤل؛ فمظاهر الحرب ما زالت ماثلة للعيون، بل إن الحرب ذاتها ما تزال قائمة وهي واقعة كل يوم، موقعةً خسائر بشرية ومادية واقتصادية واجتماعية بالمجتمع والمحتلين. فبقايا الحرب والتخريب الذي حصل في الطرق والجسور والمباني الحكومية والأهلية والعسكرية والمدنية ما زالت ماثلة كما هي، كما أن الراصد للآثار المجتمعية للحرب في العراق يجدها ماثلة على وجوه الناس ومشاعرهم ومعاناتهم؛ فأكثر من نصف مليون من السكان فقدوا أحد أبنائهم أو أقاربهم من الدرجة الأولى، كما أن مئات الآلاف من السكان يعانون من توقيف أبنائهم في السجون والمعتقلات الأميركية؛ ناهيك عن أن الأجواء العامة للحرب بكل تفاصيلها وبالصوت والصورة لا تزال تخيم على الناس في المدن والقرى؛ فأصوات الانفجارات وأزيز الرصاص والقنابل الصوتية ومشاهد الطائرات الحربية الأمريكية تملأ أجواء المدن، وتملأ قلوب الأطفال بالخوف وتمنعهم من النوم لساعات طويلة، فضلاً عن هواجس الخوف من المداهمات الليلية لقوات الاحتلال والحكومة، أو القصف العشوائي للمدن والأحياء أحياناً.
بلا شك فإن هناك علاقة جدلية بين الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في أي مجتمع؛ إذ لا يمكن الفصل بين هذه الأوضاع. وإذا كان الوضع السياسي معروفاً للقاصي والداني، فإن الوضع الاجتماعي هو نتاج الوضع السياسي، والمشاكل الاجتماعية هي وليدة الأوضاع السياسية والاقتصادية في الغالب. ولعل أهم سمات الوضع الاجتماعي بعد ثلاثة أعوام من الاحتلال، هي حالة الإحباط الكبير الذي أصيب بها المجتمع العراقي. فنجد معدلات الجريمة في تصاعد، والهاجس الأمني يزداد خطورة، ودائرة الفقر تتسع، وترتفع نسبة البطالة، ويزداد التغريب والتهميش، وتنتشر مظاهر عدم الانضباط في الشارع، ويغيب القانون، ويحصل التجاوز على أبسط الحقوق من قِبَل قوات الاحتلال والحكومة وأفراد العصابات الإجرامية على حد سواء؛ فلا أحد يحترم القانون أو يمتثل لرجاله وأدواته، بل يساء إلى حُماة القانون، ويساء إلى الأخلاق والآداب العامة علناً، وتنتشر مظاهر الجريمة والانحراف مثل (بيع أسلحة ممنوعة، وبيع المخدرات وحبوب الهلوسة والمشروبات الكحولية على الأرصفة، وغير ذلك) .
ولعل من أكبر التهديدات للبناء المجتمعي العراقي هو التهديد الذي يمثله التقسيم الطائفي والعرقي الذي صارت تتم وفقه معايير الولاءات والدعوات غير الوطنية بل الشعوبية والشوفينية لتقسِّم المجتمع تقسيماً عرقياً، ويعبر ذلك عن نفسه على أرض الواقع ودونما عناء شديد ليرصده المراقبون؛ لأن التعاطي مع الأوضاع الجديدة بمعايير عصرية ووطنية أصبح صعباً جداً مما يهدد النسيج الاجتماعي بالتهتك، وينذر بزيادة احتمالات الاحتراب وتفشي العنف وزيادة الجريمة، وقد يؤول الأمر إلى تقسيم العراق إلى دويلات صغيرة مع سلخها عن محيطها العربي والإسلامي وفق اعتبارات مشروع جديد يطل على المنطقة بأسرها.
إن ما يقلق النخبة الوطنية المخلصة الحريصة على وحدة العراق وهويته الإسلامية والعربية هي سيادة قيم ومعايير واعتبارات تحولت إلى بنود في الدستور قسراً لتكرس أوضاعاً غريبة عن المجتمع العراقي المعروف بأصالته العربية وتماسك القوى الوطنية والنسيج الاجتماعي فيه.
إن الأوضاع المجتمعية في ظل الاحتلال، على وجه الإجمال، لا تطمئن الحريصين على وحدة العراق أرضاً وشعباً ولا على هويته العربية ومستقبله السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أضحى على كف عفريت إن لم تتداركه أيدٍ مخلصة مؤمنة نظيفة وطنية لتوقف تدحرجه نحو الهاوية لا قدر الله.
وقدرت دراسة بريطانية حديثة عدد الضحايا المدنيين في العراق منذ أبريل 2003 وحتى الآن بنحو مائة ألف قتيل أكثر من نصفهم من النساء والأطفال الذين لقوا حتفهم نتيجة للغارات الجوية على مدنهم وقراهم. وقد وصفت وزيرة التنمية الدولية البريطانية السابقة (كلير شورت) التي استقالت من منصبها عقب الحرب على العراق نتائج تلك الدراسة بأنها مفزعة للغاية. أما عن عدد القتلى من الأمريكيين في العراق بعد مرور ثلاثة أعوام على الغزو فقد تجاوز عدد العسكريين الأمريكيين الذين قتلوا في العراق الـ (2400) عسكري وفقاً لبياناتهم، وأن أكثر من خمسة عشر ألف عسكري أمريكي أصيبوا بجروح غالبيتهم أصيبوا بجروح خطيرة او عاهات مستديمة. وتؤكد المعلومات الموثوقة من داخل العراق أن أرقام ضحايا الجيش الأميركي الحقيقية تفوق المعلن بأضعاف.
ü أبرز التغيرات المجتمعية السيئة في العراق المحتل:
تردي الأوضاع الأمنية:
يعد تردي الأوضاع الأمنية في مختلف المدن العراقية، أسوأ نتائج الغزو الأمريكي، ويكفي أن العاصمة (بغداد) صارت وفق تصنيف عالمي نشرته صحيفة (شينخوا ديلي تليجراف) الصينية بناء على تقارير أجهزة مخابرات غربية أن (بغداد) انضمت إلى أكثر من مائتي مدينة على مستوى العالم من حيث سوء العيش وانعدام الأمن. وأوردت إحصائية أشارت إلى أن عدد القتلى العراقيين تجاوز مائة ألف مقابل قرابة ألفي جندي أمريكي. وخلصت الصحيفة إلى القول: إنه إذا كانت هذه هي (الجنة الموعودة) للديمقراطية الأمريكية فإنه من المؤكد أن أياً من دول العالم لا تريدها ولا تنشدها، وربما تفضل جحيم الديكتاتورية عوضاً عنها.
لا شك أن هناك علاقة بين استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والوضع الأمني، فيبدو أن سوء الأحوال الاقتصادية وعدم العمل الجاد والسريع ـ سواء من القوات الأميركية أو الحكومة ـ على معالجة ذلك سيقود حتماً لمزيد من الانتكاسات الأمنية. إن تراجع الأمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية سيخلق حالة من عدم الاستقرار النفسي لدى قطاع واسع من العراقيين.
في تقرير للمنظمة الدولية لحقوق الإنسان ورد فيه: (بعد أكثر من عامين على سقوط العراق ما يزال مستوى تعامل قوات التحالف مع الوضع الأمني سيئاً للغاية. وما زال السكان يعيشون في خوف من الجرائم العنيفة، ويظل قلقهم يشتد بشأن عجز قوات التحالف والقوات العراقية عن توفير مستوى أمني أفضل) .
ظهور الجريمة المنظمة وتزايد جرائم القتل في العراق وبغداد بالذات:
لقد تضاعفت جرائم القتل في العراق عموماً وفي بغداد العاصمة خصوصاً إلى أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب؛ فقد صرح مدير الطب العدلي أنه في بغداد وحدها بلغ عدد القتلى الذين مرت جثثهم بالمشرحة المركزية للطب الشرعي خلال عام 2005 فقط بلغ 9066 جثة، بينما بلغ عددهم في عام 2003 وهو عام الهجوم الأميركي على العراق 6012 شخصاً. أما في عام 2002 فكان عدد الجثث التي فحصت في المشرحة 1800 وتشكل نسبة القتل بالرصاص بين هذا العدد من الضحايا 60% وأغلبها تعود لذكور.
ويومياً يتم إحالة جثث مجهولة الهوية لشبان جرى قتلهم بعد تعذيبهم، إلى المشرحة العدلية، سرعان ما يتبين أنهم قد تم اختطافهم من قِبَل عناصر تحمل أزياء السلطات الأمنية، ويتبين أن عناصر ميليشيات معينة تقوم باغتيالهم بعد تعذيبهم ورمي جثثهم في أطراف المدن.
ارتفاع معدلات حوادث الاختطاف في العراق:
كما شهدت فترة الأعوام الثلاثة الاخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات حوادث اختطاف الأطباء المشهورين، وأطفال العوائل الميسورة والتجار من قِبَل عصابات منظمة تهدف من وراء عمليات الاختطاف ابتزاز ذوي المخطوف والحصول على مبالغ مالية كبيرة. وهذا ما أكده ـ في تصريح صحافي ـ مدير مكتب الخطف في مديرية الجرائم الكبرى التابع لوزارة الداخلية من أن (الفترة الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات حوادث الاختطاف في العراق، وأصبح هناك عصابات منظمة ومتخصصة في هذا المجال. وأوضح أن «كثرة الأسلحة في الشوارع، والحبوب المخدرة، وتعلم الناس على القتل نتيجة مشاهد الحروب شجع المجرمين على ارتكاب هذه الجرائم البشعة» .
عمالة الأطفال والتسرب المدرسي:
وإذا كانت هذه الظواهر الاجتماعية السيئة قد نشطت في العراق المحتل في ظل الانفلات الأمني فإن ظواهر أخرى نشأت في ظل الاحتلال لم تكن باختيار ضحاياها الذين كان أغلبهم من الأطفال الذين اضطروا للتوجه إلى كسب لقمة العيش الحلال؛ فمع الظروف القاسية التي خلفتها سطوة الاحتلال الأميركي وفصل عشرات الآلاف من الموظفين سواء بحل وتسريح الجيش العراقي والأجهزة الأمنية والتصنيع العسكري، أم بقرار اجتثاث البعث، اضطر هؤلاء لإجبار أطفالهم على ترك الدراسة والعمل لمعاونتهم في توفير مستلزمات حياتهم بسبب البطالة التي أصابت آثارها كل مفاصل الحياة وبالذات التابعة للقطاع الخاص بعد أن توقفت المصانع الصغيرة التي كانت تضم مئات الآلاف من العاملين. وعن تسرب الأطفال من مدارسهم في ظل الاحتلال أكد وزير حقوق الإنسان العراقي في تصريح صحفي له يوم 6/1/2005 أن هناك حوالي مليون طفل متسرب من المدارس في العراق، ونفس العدد من الأطفال المعاقين والنازحين. وأشار إلى أن 80 % من المدارس في العراق بناياتها غير لائقة تماماً لممارسة العملية التربوية، كما أن 50 % من المدارس تعاني من شح المياه الصالحة للشرب ولا تتوفر فيها الخدمات الأساسية الضرورية كالقاعات الدراسية المناسبة والمرافق الصحية والتشجير. لا شك أن ظاهرة تسرب الأطفال من المدارس هي إحدى إفرازات الاحتلال والانفلات وعدم المتابعة الجدية من قِبَل أجهزة الحكومة؛ حيث كانت قوانين العراق قبل الحرب تلزم رب العائلة باستمرار أبنائه على الدراسة، وتفرض عليه عقوبات تصل إلى السجن إن تسرب أبناؤه ولم ينتظموا على الدراسة، أما الآن فلا توجد أية متابعة من الحكومة التي لا همَّ لها سوى الانتخابات وتقاسم المناصب الحكومية، وتثبيت نفسها في السلطة بكل الطرق بعيداً عن مشاكل المجتمع.
ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المجتمع العراقي:
من البديهيات الاقتصادية أن زيادة نسبة البطالة تعني زيادة نسبة الفقر خاصة في ظل غياب نظام للرعاية والضمان الاجتماعي أو شبكات الأمان الاجتماعي أو إعانات البطالة. وقد تضاعف عدد الأسر الفقيرة والمتعففة إلى عدة أضعاف عما كان عليه قبل الغزو. وقد صرح وزير العمل والشؤون الاجتماعية في العراق مؤخراً بأن نسبة من يعيشون دون خط الفقر في العراق اليوم تجاوزت الـ 25% في بلد يطفو فوق أكبر بحيرة للنفط في العالم. ولا يبدو في الأفق أي حل صريح وواضح من جانب الحكومة لمعالجة هذه الآفة المستشرية التي تتولد عنها مشكلات اجتماعية أكثر خطورة في الدفع نحو الجريمة أو الانحراف. ربما تكون ظاهرة البطالة هي الأقسى بين الظواهر (الاجتماعية ـ الاقتصادية) في العراق المحتل، وكانت وما زالت هي سبباً أكبر للمظاهرات التي شهدتها المدن العراقية والتي كانت ترفع خطاب المطالبة بالوظائف لكسب الرزق. بدأت هذه المظاهرات بخروج أفراد الجيش العراقي بعد حله والمطالبة بإعادتهم وصرف رواتبهم، ثم اتسعت لتشمل قطاعات شعبية أخرى حيث سقط في شهر واحد أكثر من 20 قتيلاً في مظاهرات جرت في العمارة والكوت والحلة. ولكن هذه المظاهرات اتسعت بشكل أكبر لتطالب بإقصاء المحافظين أو رجال الشرطة أو المسؤولين في المدن بعد أن فشلوا في حل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية ولم يوفروا فرص العمل للعراقيين.
ويعتبر ملف العاطلين عن العمل من أخطر الملفات في العراق، وفي كل يوم تطلع فيه الشمس على العراق يزداد هذا الملف اتساعاً مع استمرار انهيار الأوضاع الأمنية وتراجع عمليات الإعمار والبناء. وأفادت أحدث دراسة أعدتها كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بغداد أن نسبة العاطلين عن العمل بين القوى العاملة في العراق قد وصلت إلى 70 في المائة وهي أعلى نسبة بطالة تسجل في تاريخ الدولة العراقية الحديثة. إن تسريح أعداد هائلة من العاملين وحل الدولة ووزارات الدفاع والداخلية والثقافة وغيرها أدى إلى إلقاء أولئك العاملين سابقاً في براثن البطالة والفقر، كما أن فصل بعض العاملين لأسباب سياسية زاد من أعداد العاطلين عن العمل ونسبتهم إلى مجموع السكان.
إن دخول قوات الاحتلال الأمريكي الى العراق أحدث شرخاً في العلاقات الاجتماعية فيه؛ فقد أدى الى زيادة أعداد العاطلين عن العمل إضافة إلى حل الجيش العراقي مما أدى إلى حرمان آلاف العائلات من مصدر معيشتها؛ هذه الظروف أدت إلى أن يعيش جزء كبير من الشعب العراقي في ضائقة مالية؛ مما ولَّد الانحراف لدى من لا يجدون عملاً يعتاشون منه؛ لأن الفقر والحاجة هما داء يؤثر في سلوك الإنسان وانحرافه. ومن الطبيعي أن يلجأ بعض العاطلين من هؤلاء للانخراط في تنظيمات مسلحة على شكل عصابات تنشر الرعب والذعر في المجتمع. من هنا نؤكد بأن توفير فرص العيش الشريف في مؤسسات الدولة هو السبيل للخلاص من هذه الأوضاع التي أفرزها الاحتلال، لكن مع الاسف لم نرَ أي اهتمام بهذه المشكلة التي سببت دماراً للاقتصاد العراقي الذي ظل يعتمد على صادرات النفط فقط وأهمل تفعيل باقي القطاعات الاقتصادية، بل إننا لم نرَ من عائدات النفط أي شيء سوى الكلام، بل نحن كعراقيين نتساءل: أين واردات النفط؟ لأنه عندما نذهب إلى أي مؤسسة ونطالبها بتفعيل دورها وإفساح المجال أمام العاطلين فإن الجواب يكون: «لا توجد مخصصات مالية» مع أن واردات العراق خلال العامين الماضيين رغم تذبذبها تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات كما يفترض.. فأين هي؟ إن نظرة فاحصة لثلاثة أعوام من الاحتلال نجد أن الاقتصاد العراقي تحوَّل إلى الأسوأ بعد أن كان سيئاً، ولم نجد خلال هذه الفترة من يقوم بنفض الغبار عن البلد وخدمته بكل نزاهة.
انتشار آفة المخدرات في المجتمع العراقي:
يشكل تعاطي المخدرات والإدمان عليها مشكلة تربوية اجتماعية؛ لأن آثارها تمتد إلى تهديد كيان المجتمع وتخريب وإفساد العقول. وقد تعرض العراق إلى هجمة شرسة خلال أعوام الاحتلال استهدفت تعطيل إمكاناته وتخريب اقتصاده بتفشي ظاهرة المخدرات بين بعض فئات المجتمع المهنية والعمرية وخاصة الطلبة والشباب والعمال. إن مشكلة المخدرات لم تعد مشكلة سلوكية فقط، وإنما امتدت آثارها إلى المستوى الصحي والسياسي والاقتصادي، ومن الواضح أن تعاطي المخدرات حالة نفسية، وفي الغالب يدمَن عليها في غياب الرقابة الطبية والاجتماعية، فضلاً عن أن هناك مواد تؤدي إلى التعلق بالمخدرات يصعب معها عدم الوقوع في فخ الإدمان عليها، ولا توجد في الوقت الحاضر أية وسيلة للتصدي لإدمان المخدرات والمشاكل المصاحبة لغياب الأمن والرقابة وانفلات الحدود وتفشي الفساد الإداري.
المنظمة الدولية لمراقبة تهريب المخدرات التابعة للأمم المتحدة في تقريرها السنوي الأخير كشفت أن العراق قد تحول إلى محطة مرور (ترانزيت) لنقل الهيروين المصنَّع من أفغانستان وإيران إلى أوروبا، وقال رئيس المنظمة حامد قدسي: «إن الهيروين والمخدرات المستخرجة من الأفيون المزروع في أفغانستان وإيران تنقل عبر العراق إلى الأردن ودول الخليج؛ حيث ترسل إلى الأسواق في أوروبا» وأضاف: «لقد أصبح هذا الوضع ممكناً بفعل الوضع الأمني الداخلي في العراق؛ حيث تنعدم المراقبة على الحدود، مما يمكن المهربين من الدخول إليه بزي زوار عتبات مقدسة» . وقال قدسي: «إن كميات كبيرة من القنب الحشيش صودرت على الحدود الأردنية العراقية خلال السنة الماضية» مؤكداً: «أنه من الضرورة القصوى أن تأخذ الحكومة العراقية والأسرة الدولية الإجراءات الوقائية التي يجب أن تفرض قبل استفحال الأمر» . وحث قدسي المجتمع الدولي والحكومة العراقية على العمل معاً قبل أن يترسخ طريق دولي لتهريب المخدرات عبر البلاد، مؤكداً أن مشكلة المخدرات يجب أن تحتل أولوية قصوى حيث قال: «إن ما يحدث في العراق (تهريب المخدرات) هو نموذج معتاد لما يحدث في أعقاب الصراعات المسلحة، حيث تتحول البلاد بسبب ضعف الرقابة على الحدود وتراخي الإجراءات الأمنية إلى معبر «لوجيستي» ملائم للمسلحين وتجار المخدرات على السواء» .
الصحف العراقية نقلت عدة تصريحات لمسؤولين محليين أنه قد تم ضبط ومصادرة مئات الكيلو غرامات من المخدرات في مدن العراق، كانت قد أدخلت إليها عبر إيران. وأقر المصدر بأن كميات كبيرة من المخدرات دخلت إلى البلاد من إيران، وتحدث عن تزايد استهلاك المخدرات في صفوف الشباب؛ موضحاً أن أطرافاً خارجية ضالعة في تهريب المخدرات؛ لأن لها ـ كما قال ـ مصلحة في الإبقاء على حالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني في العراق. كذلك أكد مصدر رسمي بوزارة الصحة العراقية تزايد إدمان المخدرات؛ فقد أعلن قائلاً: «إن إحصائية الصحة الأخيرة أظهرت أن من بين كل عشرة شباب ممن تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 30 سنة ثلاثة منهم مدمنون على المخدرات «الإيرانية» التي دخلت من إيران، والتي تعتبر من أخطر الأنواع حيث تعمل على إتلاف الجهاز العصبي بشكل كامل خلال أشهر» . وأكد: «لقد سجلنا حالات وفاة عديدة من تأثير تلك المخدرات التي دخلت إلى العراق ولا تزال تدخل يومياً من إيران تحت مسمع وعلم القوات الأمريكية والعراقية على حد سواء» . وقد أبدت الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات في العراق قلقها من تزايد أنشطة عصابات تهريب المخدرات داخل العراق؛ خاصة بعد إعلان الحكومة العراقية موافقتهاً على استئناف دخول الزوار الإيرانيين للأراضي العراقية وبأعداد هائلة، مؤكدة أن «آفة المخدرات والمواد ذات التأثير النفسي أصبحت عاملاً آخر يضاف إلى طرق الموت العديدة التي تستهدف شريحة الشباب العراقي كل يوم، وتنذر بتخلي البلد عن موقعه ضمن قائمة الدول الفتية، وتضيف له دماراً آخر يزيد من أعباء الحكومة الجديدة» . وقد أعلنت وزارة الصحة العراقية على لسان مدير برنامج مكافحة المخدرات الدكتور (سيروان كامل) : «إن ما خلفته الحرب من فوضى وانفلات أمني مريع هيأ فرصة ذهبية لتجارة المخدرات الداخلية والخارجية مستفيدة من كثرة العصابات والجماعات المسلحة لتنشط حركة مافيا المخدرات وتجعل العراق محطة «ترانزيت» نحو دول الخليج ودول إقليمية أخرى؛ إضافة إلى تكوين سوق حرة داخلية نجم عنها تحويل مشكلة الإدمان من المسكرات والعقاقير المهدئة إلى المخدرات، وهناك دلائل تم الحصول عليها عن طريق استجواب عدد من المتاجرين بالمخدرات بعد إلقاء القبض عليهم في مناطق متفرقة من العراق، وهم من جنسيات مختلفة» .
وقال رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة المخدرات الدكتور صلاح عبد الرزاق: «إن مسحاً حديثاً أجرته الهيئة أظهر وجود 588 مدمناً في جزء واحد من العاصمة بغداد، وإن أقل من نصفهم (258) زاروا مستشفى ابن رشد التخصصي للعلاج» . وتقول الهيئة: إن استهلاك المخدرات التي كان نادراً ما يسمع بها في المجتمع العراقي قد أصبح ظاهرة عامة خاصة الكوكايين والهيروين والحشيش. وتعتبر الهيئة الافتقار للأمن والبطالة سبباً رئيساً لاستهلاك هذه المادة السامة، بينما ساعدت الفوضى على جعل العراق معبراً لتهريب المخدرات القادمة من إيران وأفغانستان بشكل خاص إلى الدول المجاورة.
تفشي ظاهرة الفساد الإداري:
ازدادت مظاهر الفساد الإداري في الجهاز الحكومي ودوائر الدولة بعد الاحتلال، وقد أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها السنوي عن الفساد في العالم، تبين من خلاله أن (العراق) يحتل مرتبة متقدمة بين الدول الأكثر فساداً في العالم. فعلى سبيل المثال: تشكو المؤسسات الصحية العراقية من تردي الواقع الصحي وانتشار الأمراض والفساد المالي وسرقة الأدوية، وأعلن رئيس هيئة النزاهة العراقية القاضي (راضي الراضي) أن نسبة الفساد المالي والإداري في الوزارات العراقية وصل إلى 70 % مع ضعف المعالجات لانتشار هذه الظاهرة.
ظاهرة اغتيال واختطاف العلماء والأكاديميين:
لقد انتشرت بعد الاحتلال وبشكل واسع ظاهرة اختطاف واغتيال العلماء والأكاديميين والأطباء العراقيين بهدف تفريغ العراق منهم، وإجبار الآخرين على الهجرة؛ وتتحدث الأخبار عن اغتيال مئات من العناصر العلمية العراقية (تجاوز الألف عملية لحد الآن) وقيدت تلك الجرائم ضد مجهولين، ويشير العراقيون إلى دور لمخابرات أجنبية (الصهيونية والإيرانية تحديداً) في تنفيذ تلك الاغتيالات. ويشكل مسلسل الاغتيالات الذي يستهدف شخصيات سياسية وأكاديمية ومهنية في العراق رعباً قائماً للعراقيين الذين يعتقدون بوجود تنظيمات ذات خبرة واحتراف وراء تلك العمليات. ونشرت جريدة الزمان العراقية يوم (22/3/2005) نقلاً عن مصادر عراقية على صلة بأجهزة وزارة الداخلية أن ألف عراقي لقوا مصرعهم في عمليات اغتيال من العناصر العلمية والثقافية والفنية وأغلبهم من الأطباء وأساتذة الجامعات والمهندسين في قطاع التصنيع العسكري السابق خلال الأشهر التي أعقبت سقوط النظام السابق، ولم يرد في الإحصائية شيء من اغتيالات الموظفين الصغار في دوائر الدولة بالمحافظات، ويشير العديد من المحللين السياسيين بأصابع الاتهام إلى «الموساد» الإسرائيلي الذي يتولى ملف هؤلاء العلماء، ويقود حملة لاجتثاثهم أو تهجيرهم أو اغتيالهم خشية أن يهاجروا إلى دول عربية أو إسلامية، مؤكدين أن ذلك المخطط الإجرامي أصبح أمراً معروفاً ومكشوفاً، وقد أشارت إليه الكثير من وسائل الإعلام الغربية.
ونتيجة لتصاعد عمليات القتل تملَّك الخوف والرعب بعض الأساتذة بالرغم من أنه لم يتم إثبات أي علاقة بين هذه الاغتيالات ووظائفهم. وبحسب مصادر إعلامية فإن العشرات من العلماء والكفاءات العلمية العراقية بدؤوا بالفعل بمغادرة بلادهم للنفاذ بجلدهم من التصفيات الجسدية التي تنفذ أحياناً لأسباب تتعلق بوجهات النظر والآراء السياسية، فضلاً عن أسباب أخرى تتعلق بتدني أجورهم التي يقولون: إنها لا تتناسب مع شهاداتهم العلمية ولا مع الظروف المعيشية. وقد أجملت سلطات التحالف عدد الذين تمت تصفيتهم في العراق عن طريق الاغتيالات منذ مطلع أيار 2005م بـ 1000 مواطن عراقي غالبيتهم من النخبة، بينما قال مسؤول عراقي آخر رفض الكشف عن هويته: «إن سياسة فصل العلماء العراقيين من وظائفهم وُضعت في تل أبيب بهدف الاقتصاص من منفذي برامج العراق العلمية» . وأكدت أوساط عراقية مطلعة في بغداد أن الموساد الإسرائيلي طلب من المخابرات الأمريكية ترك ملف العلماء العراقيين برمته إلى عملاء الموساد في العراق، مشيرين إلى أن الموساد يريد تهجير هؤلاء العلماء أو اغتيالهم إذا رفضوا التعامل معه.
انتشار الأمراض والسرطان ازداد بنسبة 300%:
لن تجد مكاناً آخر غير العراق في ظل الغزو والاحتلال، أفضل للاستشهاد بالمثل العربي الشهير (تعددت الأسباب والموت واحد) فمن لم يمت تحت وقع القصف الأميركي وحوادث الانفجارات وأعمال التصفيات والاغتيالات المنظمة، وأفعال الخطف والقتل التي باتت سمة يومية للحياة البائسة في عراق افتقد أغلى نعمتين: الصحة والأمان، من لم يمت بتلك مات تحت وقع الأمراض الخبيثة بأنواعها، ونهشه السرطان من كل جهة. ومقابر العراق اتسعت ولم يعد في المقابر الحالية متسع، ومشرحة الطب الشرعي في الباب المعظم تشكو من اكتظاظ الجثث، والمستشفيات تعاني من قلة الإمكانات وشحة الدواء ونقص الأطباء المتخصصين الذين باتت أيادي خفية وبجهد استخباري منظم، تستهدفهم بالقتل والخطف والاغتيالات، ومن نجا منهم هرب وترك العراق التماساً للأمن والحياة؛ والسرطان بعد أن كان مرضاً يسمع عنه العراقيون، باتوا يعانون منه ومن تصاعد معدلاته التي زادها الغزو ونقصان الأمن وشحة الدواء وهزالة إمكانات المستشفيات ألماً وقسوة ومعاناة. وقد أكد خبير في شؤون البيئة أن الزيادة المضطردة في نسبة أمراض السرطان في العراق سببها «التلوث البيئي الكبير» الناتج عن الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية والمشعة في البلد. وقال رئيس قسم البيئة والصحة المهنية في (جامعة ستوني بروك) الأميركية (الدكتور وجدي الحلو) : «إن البيئة في العراق ملوثة لدرجة كبيرة مما أدى إلى ظهور العديد من أمراض السرطان والجلد والتنفس» . وأوضح (الحلو) أن: «البيئة في العراق عانت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين من استخدام الأشعة والكيماويات في الحروب والصناعة والاستعمال اليومي من دون اعتبار للبيئة» .
دراسات عديدة أجريت في العراق وخارجه أكدت تزايد حالات الإصابة بالسرطان وبالأخص بين الأطفال بنسبة 300 بالمائة عما كانت عليه قبل 1990م. وأظهرت دراسة أجريت حول أمراض السرطان في مدينة البصرة الجنوبية أن نسبة أمراض السرطان ارتفعت في السنوات الماضية من 11 حالة لكل 100 ألف شخص عام 1988 إلى 116 حالة عام 1991 و 193 حالة عام 2002م. وأظهرت الدراسة التي نشرتها (وكالة إيرين للأنباء) التابعة للأمم المتحدة أن حالات الإصابة بالأورام وسرطان الدم لدى الأطفال تحت سن 15 عاماً ارتفعت ثلاثة أضعاف منذ عام 1990 وزادت الإصابات في المناطق التي استخدمت فيها أسلحة اليورانيوم المخصب.
أطباء العراق يهربون من الاغتيال والتصفيات:
ومما زاد من الحالة الصحية المأساوية في العراق سوءاً وخطراً أعمال الاغتيالات والتصفيات والخطف التي تعرض لها المئات من الأطباء والكوادر الصحية العراقية المتخصصة؛ إذ يقول مسؤولون عراقيون إن أعداداً متزايدة من أطباء العراق الذين يمثلون جانباً من أهم الموارد البشرية في البلاد يفرون منه بسبب العنف المتواصل طلباً للأمان والأجور الأفضل في الخارج، ويضيفون أن المهنيين المهرة بدؤوا يرحلون من البلاد بشكل مطرد منذ الغزو عام 2003؛ لكن تزايد حوادث الاغتيال والخطف بشدة في العام الأخير أدى إلى ارتفاع أعداد الأطباء العراقيين الذين يغادرون البلاد.
وكانت وزارة التعليم العالي العراقية قد أعلنت أن عدد المهاجرين من أساتذة الجامعات تجاوز ألفي أستاذ مما دفع الوزارة إلى غلق 152 فرعاً تخصصياً في ميدان الدراسات العليا؛ بينما تعج الأردن وسورية بالأطباء العراقيين الذين يبحثون عن عمل إلى درجة أن الحكومة السورية افتتحت مؤخراً مستشفى خاصاً لاستقبال الأطباء العراقيين الذين هاجروا من بلدهم. [أخبار الخليج البحرينية 18/9/2005] .
ü تُرى من يعيد للعراق أمنه واستقراره؟!
سؤال يُطرَح بعد أن امتد الاحتلال الأميركي كل هذه الشهور الطويلة، دون أن يتحقق للعراق الأمن والاستقرار، ودون أن يتحرر العراقيون من الخوف والقلق والتوتر، ودون أن يعود إلى المواطن العراقي العيش الكريم والحياة الطبيعية الهانئة، والاطمئنان، وكل ما فقده لسنوات طويلة من الحرب والعدوان والاحتلال. فالمزاعم التي حملها المحتلون ما تزال «مزاعم» ! والادعاءات بالحرية والاستقرار ما فتئت أوهاماً، والذين ظنوا أن الانتخابات جلبت لهم الحرية يدركون الآن وَهَْم «الأصابع البنفسجية» وزيفَ «الحملة الإعلامية» التي ارتبط بها!
قد لا يهتم المواطن العراقي بالجمعية الوطنية وخلافات أعضائها على مكاسب الحكم وكراسي السلطة ما دام يفتقد إلى العيش الكريم، أو يعيش في ظل مخاطر السيارات المفخخة والانفجارات المتوالية والاغتيالات والخطف وتهديدات بعض العصابات المسلحة التي تعبر عن أحزاب وهمية، أو تنظيمات سياسية طارئة لم تستقر في وجدان الناس، ولم يعرفوا لها وجوداً بينهم من قبل.
والمواطن العراقي نفسه أسير هذه الجهات التي تلعب بمصائر الوطن العراقي، وتخطط لتقسيمه وتمزيقه او تسعى لاقتسامه مناطق نفوذ، وفقاً للميليشيات، أو المرجعيات أو الطائفيات، ولتجعل من تاريخه وعروبته وإسلامه نسياً منسياً أو حقبة عابرة. وقد لا يكون كل هذا وارداً في حسبان الناس أنفسهم، وإنما هي أطماع بعض الأشخاص الذين جلبهم الاحتلال معه من الخارج، وأعطاهم النفوذ والسلطة والسلاح والمال والدعم. ولا يستطيع أحد أن يزايد على معاناة الشعب العراقي الممتدة لسنوات طويلة، ولا أن يقفز عليها بسبب ما واجهه من حروب داخلية وخارجية، غير أن الحلول التي استنبطها المحتلون وحلفاؤهم وأشياعهم لم تؤمِّن للشعب العراقي أية فرصة للتنفس خارج نطاق الخوف والألم والفجيعة.