التحرير
للأدب بفنونه المختلفة ـ وخاصة القصة والرواية ـ أثر كبير في نقل الأفكار والأخلاق. واللافت للنظر أن عدداً من الروايات ـ أو سمِّها إن شئت السير الذاتية ـ نُشرت من بعض المؤلفين الخليجيين تحكي قصصاً من المجتمع المحلي.
من الناحية الفنية قد لا تستحق أكثر تلك القصص شيئاً من العناية والاهتمام، لكن تواطؤها في سرد التجارب الشخصية أو حكاية جزء من الواقع القريب من كَتَبَة تلك الروايات هو الذي يستحق الاهتمام من عدة أبعاد:
البعد الأول: ضخمت تلك الروايات الغثاء الأخلاقي، والتحلل الاجتماعي في المجتمع المحلي المحافظ بصورة مبتذلة، وأشعرت القارئ بإيحاءاتها المباشرة وغير المباشرة أن تلك المستنقعات الآسنة تجري في جميع شرائح المجتمع، وأن ذلك هو الواقع الحقيقي وإن اجتهدنا في التستر عليه بقشرة رقيقة خادعة.
ومحصلة ذلك: أنه من العبث الذي لا طائل من ورائه إخفاء تلك الحقيقة سواء أكان ذلك على مستوى الحكاية أم على مستوى الممارسة الفردية والجماعية.
البعد الثاني: أبرزت تلك الروايات القلق الفكري، والاضطراب الذي يسيطر على تلك الشرائح المتأزمة التي يتحدث عنها أولئك القصاص؛ فأبطالهم يتنازعهم تياران: أحدهما: تيار القيم والمبادئ الإسلامية الراسخة في المجتمع، والآخر: هشيم الأفكار والشعارات التي يلمع بريقها من المشرق أو المغرب، وكان لا بد من الصراع بأشكاله المختلفة لتنتصر في آخر المطاف شعارات التحرر والحداثة، وتكون تجاربهم أنموذجاً عملياً لزرع أنماط ثقافية واجتماعية تفرض نفسها بسياسة الأمر الواقع، وليس بسياسة استجداء الإذن من أحد..!
البعد الثالث: محصلة تلك الروايات الدعوة الصارخة إلى الثورة.. الثورة بكل تبعاتها.. الثورة على الجذور التاريخية.. الثورة على الثوابت الفكرية.. الثورة على القيم.. ليس ذلك فحسب، بل الاستعلان بها، ورفع الصوت بكل جرأة واستعلاء، تختلف حدته من رواية لأخرى.. لكنها تتفق جميعها في المبدأ.
إنها حالة من الارتباك الفكري والسعي المتوتر لإنشاء مسخ ثقافي واجتماعي هويته الوحيدة أو الرئيسة الانقلاب على الذات..!!