مجله البيان (صفحة 5547)

حماس الماضي والمستقبل - رؤية متابع

د. سامي محمد صالح الدلال

لقد أحدث فوز حماس بأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في إطار الحكم الذاتي ضجّة محلية وإقليمية وعالمية كبرى.

وفي هذه الدراسة المقتضبة سأرصد أهم الوقفات في هذا الحدث الكبير.

\ ولادة في ظروف مضادة:

لقد سيطر التيار الناصري على الشارع العربي منذ عام 1952 بشعاراته القومية، وتأجيج الروح العربية، والدعوة لإلقاء (العدو) في البحر؛ لتتحرر الأراضي الفلسطينية، وتُستخلص من براثن الأيدي اليهودية، وليعود اللاجئون إلى ديارهم، فيجففوا جراحاتهم ويخططوا لبناء مستقبلهم. وطبيعي في ظل مثل تلك الشعارات البراقة أن يكون الشارع الفلسطيني أول المتأثرين بها والسائرين تحت لوائها. وكان آنذاك «أحمد الشقيري» من أبرز النافخين في كيرها ومؤججي أُوارها. ولأجل السيطرة على مسارات القوى القومية والبعثية والشيوعية التي استحوذت على توظيف تلك المشاعر لصالحها، ورصت تلك الجماهير الفلسطينية خلف مبادئها وأهدافها، قرّر المؤتمر العربي الذي انعقد في عام 1963 تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة «الشقيري» . غير أن منظمة «فتح» عندما افتتحت أعمالها العسكرية ضد الدولة اليهودية في 1/1/1965 استحوذت على توجيه الأنظار إليها، لافتة النظر إلى زعيمها «ياسر عرفات» الذي سوّق اسمه بالعمل العسكري أولاً، ثم استثمره في العمل السياسي لاحقاً. رفعت «فتح» شعار العلمانية في أول يوم من أيامها؛ وذلك بحجة أن ترتص في صفوفها جميع القوى المناوئة للدولة اليهودية مهما كانت انتماءاتها الدينية. فالشعار هو تحرير فلسطين، وعلى الجميع المشاركة في هذه المهمة المقدسة، ومن ثَم لا محل لرفع الشعارات الدينية، وخاصة الإسلامية؛ لأنها ستفرق الصفوف وتبعثر القوى. صدَّقت الجماهير الفلسطينية تلك الأكذوبة النتنة. وكان الجو العام الذي ولَّده «عبد الناصر» في مجمل الجماهير العربية ـ والفلسطينية جزء منها ـ هو معاداة الفكر الإسلامي والتيارات الإسلامية، وتوّج ذلك كله بإعدام الداعية «سيد قطب» رحمه الله تعالى.

وكان من نتيجة ذلك أن تلاشى التأثير الإسلامي في الجماهير الفلسطينية، وباتت الطبقة الفلسطينية المثقفة كلها ـ إلا من رحم الله ـ علمانية التوجه قومية الشعارات، تحمل في أدبياتها المنشورة والمسموعة معاداة الإسلام وأنه أفيون الشعوب.

في عام 1967 جاءت الهزيمة المنكرة لجيوش الأنظمة التي رفعت تلك الشعارات الخلابة، فانكشفت سوآتها، وكان من نتيجة ذلك احتلال سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان، وفي بداية السبعينيات من القرن الماضي، وبعد أن تولى «ياسر عرفات» رئاسة منظمة التحرير، كانت الفصائل الفلسطينية قد بلغت ثلاثة عشر فصيلاً، ليس من بينها أي فصيل إسلامي، ومعظم الفصائل أو كلها كانت تابعة لأنظمة عربية، كمصر وسوريا وليبيا وغيرها. قادت تلك الفصائل الشعب الفلسطيني إلى كوارث جديدة ومحن عديدة من أبرزها (أيلول الأسود) في الأردن عام 1971، ثم جعل الشعب الفلسطيني في لبنان وقوداً للحرب الأهلية هناك، فارتكبت في حقه المجازر الوحشية والتصفيات الهمجية، واجتمعت عليه كتائب النصارى وأجناد «شارون» وبعض الجيوش العربية، فساموه سوء العذاب وأذاقوه مرارة تجدد التشريد. وبدأ الشعب الفلسطيني يكتشف شيئاً فشيئاً أنه قد وقع ضحية شعارات قومية زائفة وقيادات وطنية منافقة. وفي منتصف السبعينيات تلك بدأت في العالم الإسلامي بوادر صحوة إسلامية، ما لبثت أن امتدت مساحاتها وقويت شوكتها، فتصدت لها قوى الشر في العالم ممثلة في أنظمة قمعية وإعلام كذوب ومن ورائها الدول النصرانية والدولة اليهودية. ولما كانت فلسطين جزءاً من هذا العالم الإسلامي فإن رياح الصحوة الإسلامية هبت عليها كما هبت على غيرها. وبدأت كوكبة قليلة من الشباب الفلسطيني المثقف تلتقي على مفاهيم الإسلام، وأنه هو المخلِّص الوحيد مما آلت إليه الأوضاع. ما لبثت هذه الكوكبة أن امتد تأثيرها وتنامت أعدادها وكثرت أنشطتها، رغم العراقيل الشديدة والمثبطات الهائلة التي وضعتها أمامها السلطة الفلسطينية ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية. في تلك الأوقات، وتحديداً في الثمانينات، وبترتيب مع الأنظمة العربية والقوى الدولية النصرانية واليهودية اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بالعدو المحتل، فانحصرت خطط النضال في تحرير الضفة الغربية وغزة فقط. كان ذلك عاملاً مهماً من عوامل التفاف مزيد من المثقفين الفلسطينيين الإسلاميين بعضهم حول بعض. كانت مظلة الإسلاميين هي المظلة المطروحة في الساحة، فانخرطت تلك المجموعات في مضامين تلك المظلة. ومع الاهتمام الذي وجهته تلك المجموعات إلى الشباب اتسعت دائرة تأثيرها، مما أتاح لها بعد ذلك أن تتمدد في مختلف شرايين المرافق الفلسطينية وخاصة القوى العاملة.

انتبهت السلطة الفلسطينية إلى هذا الخطر الذي بدأ يدبُّ شيئاً فشيئاً ليُحدِق بها وبأنصارها. في عام 1987 اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فشاركت فيها تلك المجموعات الإسلامية التي انتظمت في إطار تنظيمي باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ، وبدا أن الوضع قد اتجه إلى خارج إمكانية السيطرة عليه. ثم جاء احتلال العراق للكويت، مما أدى إلى رجوع مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الأردن والضفة الغربية وغزة، وكان كثير من هؤلاء قد انخرطوا تنظيمياً في إطار حماس، فازداد تأثير حماس في داخل الشارع الفلسطيني، فأرادت السلطة الفلسطينية، بالتنسيق الكامل مع دولة اليهود وأمريكا والدول الغربية، أن تستبق الأحداث وتسحب البساط من تحت أرجل حماس، فسارعت إلى مؤتمر «مدريد» ثم توقيع اتفاقيات «أوسلو» عام 1993.

استمرت معارضة حماس ومن ورائها معظم الشعب الفلسطيني لتلك الاتفاقيات، حتى جاء تدنيس «شارون» للمسجد الأقصى في أواخر التسعينيات فاشتعلت الانتفاضة الثانية، وكان لحماس فيها حصة الأسد. عندما رأت «فتح» أن الشارع الفلسطيني سيفلت من يديها ابتكرت مجموعات كتائب الأقصى، مقابلة لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، غير أن سيطرة حماس على مساحات واسعة من الشعب الفلسطيني جعلت السلطة الفلسطينية تيأس من إمكان القضاء عليها عن طريق الاعتقالات والتصفيات الجسدية لقادتها سواء عن طريق عملاء اليهود أو من المنافقين والمنتفعين، مما فرض على السلطة الفلسطينية أن لا تتجاهل هذه الحركة في مجمل أنشطتها السياسية، واستطاعت حماس أن تفرز قيادات سياسية ناضجة كـ «الرنتيسي وهنية والزهار ومشعل» وغيرهم، وكان الجميع يستظلون بمرجعية إسلامية ممثلة في الشيخ «أحمد ياسين» رحمه الله.

نجحت دولة اليهود في اغتيال كثير من قيادات حماس في غزة وفي مختلف مدن الضفة الغربية، وعلى رأسهم قائد حماس «الشيخ أحمد ياسين» ثم «الرنتيسي» ـ رحمهما الله تعالى ـ وتقبلهما في الشهداء والصالحين. إن الشعارات التي رفعتها حماس ونظافة قياداتها من مثل ما يُتهم به رجالات السلطة، ونزول تلك القيادات إلى الشوارع لقيادة الجماهير ميدانياً هي التي جعلت الجماهير الفلسطينية تلتف حولها وتسير تحت راياتها الخضراء.

ومن أهم تلك الشعارات:

1 - الإسلام هو طريق تحرير فلسطين.

2 - فلسطين دولة واحدة من النهر إلى البحر، لا تتجزأ.

3 - أرض فلسطين وَقْفٌ لا يجوز لأحد أن يتصرف فيه كائناً من كان.

4 - عدم الاعتراف بدولة اليهود؛ لأنها مغتصبة، وأن ذلك الاعتراف لا يجوز شرعاً بأي حال من الأحوال.

5 - الإسلام هو دين الدولة الفلسطينية المحررة، والشريعة الإسلامية هي المحكِّمة فيها.

6 - لا مفاوضات مع الكيان اليهودي ولا اعتراف باتفاقيات أوسلو.

7 ـ تحرير فلسطين واجب عل كل المسلمين.

8 - يجب إزالة المستوطنات والجدار.

9 - عودة كافة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم من غير شروط.

10 - لا بديل عن المقاومة.

بدأت رقعة حماس الشعبية تتوسع شيئاً فشيئاً، وبدأت الرقعة الشعبية لـ «فتح» ومن معها تتقلص شيئاً فشيئاً، غير أن حماس بدأت تتفوق تقنياً على «فتح» في وسائل المقاومة، فابتكرت صواريخ القسام، وراح استشهاديوها يقوّضون نظرية الأمن في الكيان اليهودي عن طريق العمليات الاستشهادية. حاولت «فتح» عن طريق كتائب الأقصى أن تلحق بحماس، ولكن بات البون بينهما شاسعاً. في انتخابات المجالس البلدية كانت المفاجأة مدوية عندما استحوذت حماس على عدد كبير من كراسي تلك المجالس، مما شجعها على أن تقتحم انتخابات المجلس التشريعي لسلطة الحكم الذاتي، لعل أن يكون صوتها في المجلس ذا تأثير على مجريات الأمور للحد من استشراء الفساد في تلك السلطة. غير أن النتائج كانت أكبر من التوقعات؛ إذ تمخضت عن فوز حماس بالأغلبية في المجلس التشريعي بما يخولها تشكيل حكومة الحكم الذاتي ويضعها أمام تحديات على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي. ربما لم تكن حماس قد درست هذا الموضوع جيداً؛ إذ ربما لم تكن تتوقع أن تقفز فجأة إلى الواجهة، بل كانت متوقعة مجرد الإطلالة على تلك الواجهة من خلال بضع كراسٍ في المجلس التشريعي.

\ توصيات في آفاق المستقبل:

ابتداءً، كنت أود لو أن «حماس» أجَّلت دخولها الانتخابات التشريعية إلى ما بعد أربع سنوات، موعد الانتخابات القادمة، أو ما بعد ثماني سنوات، موعد الانتخابات التي تليها؛ لأنها خلال هذه المدة ستصنع واقعاً على الأرض غير قابل للمنافسة، ولعلها لن تكون محتاجة أصلاً إلى دخول الانتخابات، ولو خاضتها (ولا أرى ذلك صائباً) فإنها سوف تفوز بأغلبية لا تقل عن 80 %؛ ذلك إذا أحسنت إدارة الصراع على الأرض واستمرت في مواجهتها لليهود، وأججت بواعث المقاومة، وواصلت زلزلتها للنظرية الأمنية اليهودية من خلال تصعيد العمليات الاستشهادية. أعتقد أنه بعد تلك السنوات (أي: الأربع أو الثماني) سيكون الكيان اليهودي قد أصبح في وضع أضعف على كافة المستويات وخاصة الأمنية والنفسية والاقتصادية، وستبلغ الخلافات السياسية بين أحزابه مداها مما يفتت بنية قراراته التفاوضية ويخلخل صورته أمام داعميه من الأمريكان والأوروبيين.

أي أن حماس، لو لم تدخل الانتخابات، لكان بإمكانها أن تحقق إصابة هدفين بسهم واحد: هدف باتجاه السلطة، وهدف باتجاه الكيان اليهودي. وستعلم حماس أن الخيار الاستراتيجي لمنظمة الجهاد الإسلامي بمقاطعة الانتخابات كان أبعد نظراً في التحليل لمعطيات الواقع. أقول ذلك بقصد لفت نظر حماس إلى أن بإمكانها أن تعيد النظر بشكل موضوعي فيما يخص الانتخابات القادمة بعد أربع سنوات وتجدد دراسة حساباتها.

\ ما هي التحديات التي تواجه حماس الآن؟

1 - يجب عدم التنازل عن أي شعار رفعته حماس في الفترة السابقة، وهي الشعارات العشرة التي ذكرتها. إن التنازل عن أي منها سيفقد حماس مصداقيتها وسينفضُّ عنها كثير من مؤيديها، وسيخرج من عضويتها كثير من منتسبيها، وستلتف تلك الجماهير حول «فتح» أو منظمات أخرى. وهذا بدوره سيضعف قوتها السياسية.

2 - لا بد من استمرار المقاومة المسلحة للكيان اليهودي، بما فيها العمليات الاستشهادية. إن ردة فعل ذلك الكيان ستكون نفسها فيما لو لم تكن حماس في السلطة. وإن الشعب الفلسطيني قد اعتاد على كيفية امتصاص ردات الفعل اليهودية، وإنه قد أثبت قدرته على الصبر والتحمل بشكل مثير للدهشة، حتى على المستوى التاريخي.

3 - لا يجوز لحماس ولا لأي قوة أخرى الاعتراف بالكيان اليهودي، وإن الاعتراف الذي حصل من قِبَل منظمة التحرير ينبغي سحبه من خلال أغلبية حماس الحالية في المجلس التشريعي. إن الاعتراف المذكور غير مشروع ولا يحق لأحد كائناً من كان أن يفرط في ذرة تراب من أرض فلسطين.

4 - ستتعرض حماس لضغوط مالية بسبب وقف المعونات المباشرة التي كانت السلطة تتلقاها من الكيان اليهودي ومن أمريكا ودول أخرى. نقول لحماس: تدبري أمورك المالية بشكل لا يخضع للتنازل عن أي شعار من الشعارات المرفوعة من قبلك.

وقد نشرت إحدى الصحف الكويتية بتاريخ 14 محرم 1427 هـ الموافق 13 فبراير 2006 أن حواراً قد دار بين «رايس» و «أبو مازن» خلال لقائهما الأخير تذمّر فيه الرئيس الفلسطيني قائلاً: «يا دكتورة رايس! نحن لا نملك بترولاً أو صناعة، وشعبنا لا يرى على الأرض أي نتائج فعلية لعملية السلام. السبب الأكبر هو قلة الدعم المالي من دول الخليج. ردّت رايس قائلة - بالحرف الواحد -: «قد يكون السبب الأكبر هو احتكار بعض مسؤولي السلطة لكمية كبيرة من أموال المساعدات الخليجية والدولية، وعليه فقد رأينا أن نشكل لجنة تحقيق لمساعدتكم لكشف غموض اختفاء المساعدات» وبناء عليه تشكلت لجنة أمريكية أطلق عليها اسم «أمريكا تاسك فورس - باليستاين» . وتم رفع نتيجة عملها إلى الإدارة الأمريكية والرئيس الفلسطيني، وخلاصتها أسماء (51) مسؤولاً بالسلطة سرقوا 715 مليون دولار خلال فترة أربع سنوات ونصف. النائب العام الفلسطيني أعلن قبل أيام أن (25) مسؤولاً فلسطينياً من «الحرامية» فروا خارج البلاد، وأن ثلاثة عشر حرامياً آخر قيد الإقامة الجبرية في الأراضي الفلسطينية «انتهى خبر الصحيفة الكويتية» .

نقول لحماس: إن من واجبها استرداد الأموال المسروقة، وهي مئات الملايين وتوظيفها في سد احتياجات الشعب الفلسطيني.

كما أن استخدام الجانب السياسي، بعيد النظر، في العلاقات مع الدول الداعمة، كدول الخليج، سيكون له أثر إيجابي في هذا الجانب الاقتصادي. وإن استطاعت حماس، بالاعتماد على التبرعات الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية، وكذا بتقليص المصروفات، أن تصل إلى نوع من الاكتفاء الذاتي؛ فهذا سيساعد كثيراً في استقلالية قرارها السياسي. إن حماس لديها عناصر اقتصادية تستطيع أن تفعِّل آلية توظيف الأموال في أوجه استثمارية ناجحة تعود بالدخل الكبير على حكومة حماس.

5 - على حماس أن تولي عناية كبيرة وبالغة بالإصلاح الداخلي على كافة المستويات، وخاصة بما له علاقة بتحسين الأوضاع المعيشية والخدمات الصحية والتعليمية للفلسطينيين، وأن تولي اهتماماً رعوياً بأرامل وأيتام الشهداء وتوفر لهم سبل العيش الكريم، وكذا الذين تضرروا من الهجمات اليهودية، وبالذات الذين هُدمت بيوتهم وشُردت عائلاتهم؛ إذ لا بد من إعادة تسكينهم في بيوت تُمنح لهم من السلطة على سبيل التملك، أو إعادة تشييد منازلهم المدمرة، ومثل ذلك يقال بشأن الذين تضرروا جرَّاء تجريف أراضيهم الزراعية أو إتلاف بساتينهم وبياراتهم.

6 - على حماس أن تضع خططاً عملية وواقعية لتجييش الشعب الفلسطيني وعسكرته، وذلك من خلال تدريب الجميع، الرجال والنساء، والصبيان على حمل السلاح وممارسة فنون القتال، وكذا الاهتمام بالجانب المعنوي والعقدي؛ بحيث يكون الشعار الإسلامي هو الدثار في معارك تحرير فلسطين.

إن ذلك سيعيد لمفهوم تحرير فلسطين المعنى الإسلامي (وليس القومي والوطني) ، مما سيعيد التفاف كافة الشعوب العربية والإسلامية حول هذه القضية ودعمها بالنفس والمال. وكذلك لا بد من إنشاء جيش فلسطيني محترف ومتخصص ومتفرغ يستقي مبادئه وتربيته العسكرية من معين الإسلام.

7 - إن الجهاز الأمني الفلسطيني الحالي، هو جهاز فاسد، سيطر على دفّته المنافقون والمنتفعون وأعداء التيار الإسلامي. وأقصد بالجهاز الأمني شقّيه: أمن الدولة (المخابرات) والشرطة.

إن أسلمة هذا الجهاز بالتدريج، وتسريح القائمين عليه الآن سيزيل هذا الكابوس الجاثم على صدور الفلسطينيين والذي كتم أنفاسهم لعقود عديدة.

8 - أما في الإطار السياسي فعلى حماس أن تعلن وباستمرار بتمسكها بمبادئها وشعاراتها التي رفعتها خلال مسيرتها الجهادية. وضمن ذلك لا مانع من بناء العلاقات السياسية مع كافة الدول بما لا يتعارض مع تلك المبادئ والشعارات التي إطارها العام هو الإسلام.

9 - وأما بشأن الكيان اليهودي، فإن عرض حماس الهدنة معه يصب في صالحه؛ لأنه خلال عشر سنوات، وهي مدة الهدنة المعروضة، سيعيد بناء قواه النفسية والأمنية والاقتصادية والسياسية التي خلخلتها انتفاضات الشعب الفلسطيني، وكذا سيتمكن من استدراج أعداد هائلة من المهاجرين، في الوقت الذي ستوقف الهجرة المعاكسة الحالية. ومن ثَم فإن قوته بعد عشر سنوات ستكون أضعاف قوته الحالية بما يجعل تطهير أرض فلسطين من رجسه ودنسه في غاية الصعوبة.

وأما بشأن حماس؛ فإن الساحة الداخلية ستستهلكها بالخلافات الداخلية، وربما تنشب حرب أهلية بين الأطراف. «فتح» ومن معها من جهة، وحماس ومن معها من جهة؛ فالجميع مسلحون، ويحملون مبادئ متنافرة ومتضادة، وستأكل النار حطبها. أي: بعد انتهاء الهدنة سيتمكن الكيان اليهودي من إعادة انتشار قواته في غزة والضفة الغربية، هذا فضلاً عن استعادة الكيان اليهودي قواه العسكرية وتنميتها بما يساعده على التوسع في شرق الأردن وجنوب سورية، بل وجنوب لبنان مرة أخرى. لقد استدلت حماس في عرضها الهدنة على الكيان اليهودي على ما ورد بشأن الهدنة المتضمنة في صلح الحديبية؛ وهذا استدلال في غير محله لاختلاف المناط، فالرسول # كان في موقع القوة ويرأس جيشاً عرمرماً يمثل دولة الإسلام، أما حماس فليست الآن في هذا الوارد؛ فهذا الاستدلال ليس في محله، بل هو استدلال خاطئ.

10 - على حماس إن تهتم اهتماماً بالغاً بنشر العلم الشرعي بين الفلسطينيين، وذلك بإنشاء المدارس الشرعية والمعاهد الدعوية، وكليات الشريعة، والمعاهد والكليات التقنية على أن يكون تدريس هذه العلوم مرتبط بالمرحلة الجهادية التي يمر بها الشعب الفلسطيني.

11 - أرى من المناسب القول أن من مهمات حماس التي ينبغي أن تضطلع بها هو تفريغ المنظمات الأخرى كـ «فتح» وغيرها من كوادرها، ابتداء من المؤيدين ثم الأنصار ثم المنتمين ثم الموجهين ثم القياديين المحليين ثم من فوقهم، يجب أن توضع خطط عملياتية قابلة للتنفيذ لتحقيق هذه الغاية، فلو استطاعت حماس الوصول بعد أربع سنوات إلى نتيجة بهذا الخصوص تعادل (50%) فإن ذلك سيكون مفيداً جداً، وأقصد بالتفريغ هو الوصول إلى تلك الشرائح عن طريق الخدمات وطرح الأفكار البناءة وتقديم البدائل المناسبة.

هذا ما وددت ذكره في هذه الرؤية المقتضبة، وأسأل الله تعالى أن ينفع بها.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015