طلعت رميح
حملت الفترة الأخيرة دروساً هامة ومتعددة الاتجاهات على صعيد التعامل مع «شعارات الديموقراطية» والإصلاح السياسي من خلال الانتخابات التي تجري بضغط من الخارج، لعل أهمها ما جرى ويجري تحت الاحتلال المباشر في فلسطين والعراق؛ حيث كانت قوى المقاومة والجهاد في الأمة فى مواجهة مباشرة مع هذه الشعارات. كما قدمت هذه التجارب زوايا جديدة من المعرفة لأهداف الضغوط الغربية (الأمريكية والأوروبية والصهيونية) من أجل إنفاذ هذه الشعارات، أو هي كشفت بشكل أعمق طبيعة المستهدف من وراء الضغوط لتطبيق هذه الشعارات، حتى باتت كل الأفكار المطروحة بهذا الشأن من قِبَل القوى المحتلة والضاغطة على المجتمعات العربية والإسلامية، وكذا كل أشكال المواجهة لهذه الأفكار في الممارسة الحية، واقعاً عملياً تستخلص منه الدروس والعبر لا مجرد حالة نظرية.
على صعيد قوى المقاومة والجهاد، وضمن إطار ما شهدته المجتمعات العربية من عمليات انتخابية متعددة ـ كان أبرزها ما جرى في لبنان ثم مصر ـ فقد جرت وتجري انتخابات في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 وفي العراق المحتل، كلاهما وُضعت حركات المقاومة والجهاد في موقع الاختيار والاختبار في كيفية التعامل مع واقع فرضه الاحتلال وصار يطبق شعاراته الخاصة بالديموقراطية، ضمن إطار وحالة وضع فيها كل من المجتمع العراقي والفلسطيني في ذلك الموقف.
في الحالة العراقية: رفضت التيارات الجهادية والمقاومة الدخول في انتخابات ما سمي بالمجلس الوطني العراقي التي جرت منتصف شهر ديسمبر من العام الماضي؛ ضمن إطار العملية (اللعبة) السياسية التي حددت قوانينها وقواعدها وشروطها قوات الاحتلال وأشرفت عليها، متخذة بذلك الموقف نفسه الذي سبق أن اتخذته من قبل خلال الانتخابات التي جرت في مطلع العام نفسه لانتخابات المجلس «المؤقت» ذاته وخلال ما تبعها من استفتاء على دستور احتلال العراق. غير أن الانتخابات الأخيرة قد شهدت تغيراً هاماً طالما سعت إلى تحقيقه قوات الاحتلال خلال العمليات الانتخابية السابقة؛ إذ شاركت في هذه الانتخابات بعض التيارات السياسية التي رفع بعضها شعارات إسلامية، وبعضها الآخر أعلن أنه يمثل السنة العرب ـ متخلين عن موقفهم الرافض سابقاً للمشاركة ـ لتحدث تفاعلاً وصراعاً من داخل العملية السياسية، تحت مبررات وشعارات مثل «خطأ عدم المشاركة» في المرات السابقة و «عدم ترك الساحة» خالية للآخرين ... إلخ، فكان ذلك هو التطور الأبرز الذي أثار التساؤلات حول صحة موقف التيارات والقوى الجهادية والمقاومة التي رفضت المشاركة وأدانت من شاركوا فيها، كما وضعها ذلك في مواجهة تيارات أخرى إضافة إلى قوات الاحتلال وأعوانها.
وفي الحالة الفلسطينية: كان التطور الأبرز هو أن التيارات الجهادية والمقاومة التي رفضت المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية السابقة وما تلاها من انتخابات لرئاسة السلطة الفلسطينية، عاد أهمها ليغير موقفه ـ حركة المقاومة الإسلامية «حماس» ـ من مقاطعة الانتخابات التشريعية إلى المشاركة فيها وبقوة جماهيرية واسعة. كانت حماس قصرت مشاركتها في العملية السياسية الجارية وفق أسس وقواعد اتفاق أوسلو، على المشاركة في الانتخابات البلدية باعتبارها انتخابات ترتبط بالشؤون المعيشية للمواطن الفلسطيني، وبالنظر إلى سريانها منذ ما قبل اتفاق أوسلو، إلا أنها فاجأت الكثيرين بتغيير موقفها تجاه الانتخابات التشريعية الراهنة بالمشاركة فيها وهو ما أربك الخصوم والأعداء، وأحدث حالة سياسية جديدة على الساحة الفلسطينية.
وإذا كانت مشاركة حركة حماس مع عدم مشاركة حركة الجهاد، لم تثر لغطاً في الساحة الإسلامية في فلسطين، إلا أن مشاركة حماس طرحت تساؤلات حول برنامجها السياسي في الفترة المقبلة، بالنظر لقبولها المشاركة في مؤسسات سلطة جرى تأسيسها ضمن أطر وقواعد وحدود اتفاقات أوسلو التي قاومتها حركة حماس ذاتها.
والأهم هنا أننا بجمع الحالتين في فلسطين والعراق إحداهما تجاه الأخرى نجد أنفسنا أمام موقفين من قوى جهادية ومقاومة في مواجهة الاحتلال: أحدهما: وافق على الدخول في اللعبة التمثيلية والسياسية قبل الجلاء الكامل للاحتلال. والآخر: رفض. وإننا أصبحنا أمام قضية عامة تتعلق بكيفية التعامل مع واقع فرضه الاحتلال، وأمام إجابتين تبدوان في الظاهر مختلفتين على سؤال عام واحد.
وعلى صعيد قوى الاحتلال، فقد جرت الانتخابات في كل من العراق وفلسطين تحت ضغط من شعارات أمريكية وغربية وصهيونية حول الديموقراطية كآلية لتغيير وإصلاح المجتمعات العربية والإسلامية، ولمواجهة المقاومة الموجهة ضدها، فكانتا تطبيقاً عملىاً لتلك الشعارات.
في العراق، كان شعار إحلال الديموقراطية ضمن الشعارات التي جرى على أساسها التعبئة الجماهيرية وتقديم المبررات لغزو العراق واحتلاله. لكن هذا الشعار وقت إجراء الانتخابات أصبح هو الشعار الوحيد الباقي قيد التعامل السياسي والإعلامي من قِبَل قوات الاحتلال والسلطات في الولايات المتحدة؛ إذ إن مختلف الشعارات الأخرى قد تبخرت أو هزمت بعد انكشاف كذبة الغزو لإزالة أسلحة الدمار الشامل التي انتهت بعدم العثور على تلك الأسلحة، أو الغزو لتحقيق حقوق الإنسان التي انتهت بفضيحة سجن أبو غريب، وهو ما جعل شعار إحلال الديموقراطية أمام امتحان عسير في تلك الانتخابات.
وفي فلسطين كان أساس الحملة التي جرت لحصار رئيس السلطة الفلسطينية السابق عرفات وأدّت في نهاية المطاف إلى قتله، هو شعار إجراء انتخابات فلسطينية تنتج ممثلين يمكن التفاوض معهم كممثلين للشعب الفلسطيني.. إلخ. وبعد انتخابات رئاسة السلطة ونجاح محمود عباس، وبالنظر إلى نهاية المدة المحددة لدورة المجلس التشريعي، كان من المحتم على مختلف الأطراف التوجه نحو الانتخابات التشريعية (تهتم الولايات المتحدة والصهاينة بالشرعية الشكلية لمؤسسات السلطة لضمان صحة توقيعها على الاتفاقات) . غير أن عجلة إجراء الانتخابات ما إن دارت ودخلت فيها حركة حماس حتى انقلب موقف الولايات المتحدة وأوروبا والكيان الصهيوني إلى المطالبة بعدم مشاركة حماس، وهو الأمر الذي أدخل الشعارات الغربية والصهيونية في امتحان عسير، وبالقدر نفسه الذي قدم تجربة مهمة على صعيد حركة المقاومة الإسلامية حماس.
كانت الانتخابات إذن حالة امتحان لشعارات الديموقراطية ولإمكانيات هذا الفعل في ظل الاحتلال، فأي الدروس قدمت مشاركة حماس؟ وأي الدروس قدمها عدم مشاركة القوى الجهادية والمقاومة في العراق؟
- الانتخابات وصياغة المجتمعات العربية:
قبل البحث في نتائج الانتخابات في كل من العراق وفلسطين وتوضيح المواقف واستخلاص الدروس، يجب أن نحدد أولاً ماذا تستهدف القوى الغربية من خططها وشعاراتها لإجراء الانتخابات في المجتمعات العربية، بالنظر إلى أهمية هاتين التجربتين كحالتين نموذجيتين للفعل المباشر وللتطبيق العملي لشعارات الديموقراطية بضغط الاحتلال أو تحت الاحتلال، ومن ثم تجسدان الإطار العام لممارستها في المجتمعات الأخرى ـ حسب درجة نضج وقوة الحركات المقاومة للنفوذ والضغط الغربي والصهيوني ـ كما يجب أن نفتش في ظروف وأوضاع هذه المجتمعات الضاغطة في توقيت إجراء الانتخابات.
وبمراجعة مشروع الشرق الأوسط الكبير وقبله مبادرة الشراكة من أجل الديموقراطية التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، وكذا المحاضرات المتعددة التي ألقاها المسؤول البارز في وزارة الخارجية الأمريكية ريتشارد هاس، يمكن القول إن الأهداف العامة التي من أجلها تجري الضغوط الغربية بشأن الديموقراطية في مجتمعاتنا هي أهداف كبرى ومتعددة.
فهناك أن تلك الخطة تستهدف إجراء عملية معقدة من أجل تحديث النخب الحاكمة في المجتمعات العربية والإسلامية من خلال إمدادها بكوادر وقيادات جديدة من النخب لتضم النخب التي جرى «تربيتها» من خلال النشاطات الممولة في داخل البلدان العربية والإسلامية من خلال مبادرة الشراكة ومجموعات ومنظمات حقوق الإنسان، ومن خلال الكوادر التي تربت في الغرب. وهناك أن هذه العمليات الانتخابية تستهدف منح النظم الحاكمة قدراً أعلى من المشروعية من خلال آليات الديموقراطية لعدم إمكانية تحقيق المشروعية لها في أعين مواطنيها من خلال الشعارات القديمة (العداء للكيان الصهيوني ـ الوحدة العربية ـ التنمية الداخلية) بحكم تعارضها مع مصالح الدول الغربية الضاغطة.
وتستهدف العمليات الانتخابية هذه، تحديث هياكل النظم السياسية في المنطقة العربية والإسلامية بهدف استيعاب أكبر قدر من القوى السياسية بما فيها بعض القوى الإسلامية، وعزل القوى الإسلامية المقاومة وحصارها وجعلها خارج المشروعية من خلال آلية الانتخابات لا آلية القهر، وحشد قوى أوسع في مواجهتها. كما تستهدف هذه الآليات الديموقراطية وفق المضمون الغربي المضغوط من أجل إنفاذه إتاحة أوسع فرصة فكرية وسياسية لإحداث تغييرات حقيقية في البناء الاجتماعي والمنظومة العقدية والقيمية والمفاهيم والعادات في إطار المضمون الحضاري للفكر العولمي.
وعلى صعيد الظروف التي تعيشها الحكومات الضاغطة من اجل إنفاذ الديموقراطية فإنها هي الأخرى تعيش حالة من الإجراءات الانتخابية في داخلها؛ حيث تجري انتخابات في الكيان الصهيوني بعد نحو شهرين من ظهور نتائج الانتخابات الفلسطينية، كما تجري انتخابات التجديد في الكونجرس الأمريكي قبل نهاية العام مما يجعل الانتخابات العراقية والفلسطينية ذات تأثير مهم على نظائرها في الدول العدوة لحركات المقاومة في كل من فلسطين والعراق.
- الانتخابات في العراق:
جاءت الانتخابات التي جرت في العراق لتحمل متغيرات جديدة رغم استمرار الأهداف القديمة نفسها من إجراء الانتخابات السابقة تحت الاحتلال.
كانت أهداف الانتخابات من قبل هي تحقيق شرعية زائفة «لحكومة باسم العراق» للحصول منها على شرعية لعملية الاحتلال وللتغطية على جرائمه العسكرية والاقتصادية؛ كما استهدفت التسويق لمثل هذه الحكومة عربياً ودولياً، وكذلك استهدفت الانتخابات من قبل إحداث حالة سياسية وجماهيرية للترويج للقوى القادمة مع الاحتلال من الخارج ولتحويلها عن طرق الألاعيب السياسية والإعلامية إلى قيادة شعبية وشرعية. غير أن أهداف الانتخابات الأخيرة شهدت أهدافاً إضافية على رأسها دفع قطاعات سياسية لدخول الانتخابات باسم السنة «العرب» من أجل القيام بخطوة أكبر في عزل التيارات المقاومة بإحداث شرخ في عقول الجمهور الإسلامي المؤيد للمقاومة، وكذلك لاستخدام تلك المجموعات في التغطية على وجود الاحتلال بتقديم صيغة الصراع الداخلي على الصراع مع الاحتلال. كما هي استهدفت تقديم سند للرئيس الأمريكي جورج بوش في صراعه الداخلي، ولتقوية أوضاع الحزب الجمهوري في انتخابات الكونجرس القادمة.
وفي ضوء ما صدر من نتائج لعمليات التصويت من استمرار سيطرة (التحالف الشيعي) على البرلمان والحكومة مع ممثلي الحالة الكردية العرقية ـ وكلاهما متحالف مع قوات الاحتلال ـ وما جرى خلال إجراء الانتخابات العراقية من عمليات تزوير لأصوات من شارك فيها، ومن عدم تحقيق أي من الأطراف التي شاركت من خارج حالة التعاون المباشر السابق مع مشروع قوات الاحتلال لأي نتائج مؤثرة؛ فإنه يمكن القول بأن من شارك في الانتخابات التي جرت في العراق من خارج المجموعات المتعاونة مباشرة مع الاحتلال ومشروعه، إنما جرى توظيفه لتحقيق تلك الأهداف التي أرادها المحتلون، كما يمكن القول بأن رفض التيارات المقاوِمة في العراق الدخول في اللعبة التمثيلية هو ما قلص إمكانيات استفادة قوات الاحتلال من لعبة الديموقراطية؛ حيث حافظ على فكرة المقاومة وممارستها كبديل وضاغط على كل الأطراف المشاركة، مما أحبط كل محاولة لتصوير الشعب العراقي كمؤيد للعبة التمثيلية السياسية من داخل مشروع الاحتلال، ومن ثِم أفسد على الرئيس الأمريكي محاولة الاستفادة من إجراء الانتخابات لتحسين أوضاعه الداخلية.
- انتخابات فلسطين:
في الانتخابات الفلسطينية كان أبرز الملامح الجديدة هو أن حركة حماس أصبحت هي عنوان شرعية إجرائها، وعنوان مشكلة إجرائها في الوقت ذاته. على صعيد القوى المشاركة فإن ثمة 11 قائمة تشارك في الانتخابات تضم مختلف أطياف القوى السياسية الفلسطينية، إلا أن أياً منها لم يثر ما أثارته مشاركة حركة حماس. فمنذ أن بدأ الإعداد للانتخابات والحديث الداخلي في فلسطين، والخارجي في واشنطن والكيان الصهيوني وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي لا يهتم إلا بمشاركة حماس وبرفض هذه المشاركة إلا إذا تخلت حماس عن حمل السلاح والمقاومة، حتى وصل الأمر إلى تهديد السلطة الفلسطينية بقطع المعونات المالية الأمريكية والأوروبية عنها؛ إذ جرى تمرير قرار في الكونجرس الأمريكي بقطع المعونات عن السلطة الفلسطينية، كما أعلن (خافير سولانا) وزير الخارجية الاوروبى وخلال زيارة له لغزة عن موقف مماثل. وبطبيعة الحال لم يدخر الصهاينة وسعاً في ممارسة الضغط لمنع مشاركة حماس. وعلى الصعيد الداخلي الفلسطيني كان مجرد حدوث اختلاف وانشقاق حول لوائح حركة فتح إشارة لبدء الحديث حول أن هذا الانشقاق إنما ياتي لمصلحة حماس، كما كان الموقف من مشاركة فلسطينيي القدس مرتبطاً أيضاً بمشاركة حماس إذ لم توافق سلطات الاحتلال على ممارسة مرشحي حماس لدعايتهم الانتخابية في القدس أو هي لم توافق على مشاركة الفلسطينيين إلا بشرط عدم ممارسة حماس دعايتها في القدس.
وإذا كانت مشاركة حماس قد فتحت مجالاً من الحوار يتعلق ببرنامجها السياسي الذي تخوض على أساسه الانتخابات بحكم أنه جاء دون تشديد على ثوابت حركة حماس، كما هو أثار فكرة أن مشاركة حماس على الدخول في الانتخابات إنما يحمل ضمنياً أنها تشارك في مؤسسات أقيمت على أساس عملية أوسلو.. إلخ. إلا أن مشاركة حماس في واقع الحال مثلت ضربة سياسية كبرى لمشروع الاحتلال، وإذا كان مفهوماً أن البرنامج الانتخابي يختلف عن البرنامج العام للحركة، وأن أوسلو قد انتهت بدماء شهداء حماس وغيرها من القوى الجهادية ـ إلا إذا كانت أوسلو تنص على حق المقاومة المسلحة ـ فإن حماس حققت من خلال مشاركتها العديد من النجاحات حتى قبل إجراء الانتخابات؛ إذ هي جسدت معادلة من أهم المعادلات السياسية؛ حيث حافظت على سلاحها ومقاومتها مع تسخير آلية التمثيلية للحصول على تمثيل الشعب الفلسطيني على أرضية المقاومة لا على أرضية أوسلو. كما نجحت في معركة إجبار كل الأطراف على إرجاء الانتخابات، أما حقيقة موقفها السياسي فهو يُقرَأ من خلال عمليات الاعتقال والقتل التي تجري ضد كوادرها، كما يقرأ من موقف الأعداء منها. كما يمكن القول إنها من الناحية العامة وضعت الجانب الأمريكي والصهيوني أمام حالة اضطراب قد تجعله يعيد كل حساباته حول الشعارات التي يطرحها في عملية اختراق المنطقة.
- مأزق الانتخابات الأمريكية والصهيونية:
من البديهي القول بأن ما جرى في العراق وفلسطين قد كشف زيف الادعاءات الغربية بالديموقراطية، وأبانت أنها بحر من الألاعيب والأكاذيب. غير أن الأخطر أن لنتائج هذه الانتخابات تأثيرات مهمة على نتائج الانتخابات التي ستجري في الكيان الصهيوني وفي الولايات المتحدة.
فالانتخابات الفلسطينية ستحدد نتائجها على نحو كبير الحالة التصويتية داخل الكيان الصهيوني على أكثر من صعيد؛ إذ إن مشاركة المقاومة وفوزها بهذه الدرجة أو تلك في هذه الانتخابات سيؤثر على تصويت الناخب الصهيوني من زاوية زيادة إدراكه من خلال المشاهدة والمعايشة أن المقاومة الفلسطينية انتصرت على الجيش الصهيوني بالسلاح، وأنها باتت تشكل قوة سياسية جماهيرية في الأراضي الفلسطينية، وأنها باتت قاب قوسين أو أدنى من تمثيل الشعب الفلسطيني على المستوى الرسمي بهذه الدرجة أو تلك.. إلخ.
الانتخابات العراقية بدورها لم تحقق لجورج بوش والحزب الجمهوري ما كان يستهدفه منها من تقليص قوة المقاومة ليذهب إلى الانتخابات معلناً أنه فاز أخيراً؛ إذ إن الانتخابات لم تنجح لا في عزل المقاومة ولا في إضعافها؛ حيث تساقُط الطائرات المروحية الأمريكية بات يتزايد معدله وكذلك عدد القتلى الأمريكيين بعد الانتخابات عما كان يعلن عنه ما قبل الانتخابات، وهو ما يجعل النتيجة عكسية لبوش والحزب الجمهوري.
- التقييم العام:
بدراسة كل من تجربتي العراق وفلسطين، يمكن القول بأن الأسباب التي دفعت إلى المشاركة في فلسطين أسباب مختلفة عن الأسباب التي جعلت المقاومة في العراق ترفض، وأن المقاومة في العراق أخذت الموقف ذاته الذي أخذته حركة المقاومة الإسلامية حماس عند بدء تشكيل السلطة الفلسطينية، وأن القوى الغربية الضاغطة لتحقيق أهدافها في المجتعات العربية قد وُضعت في مأزق أشد من المأزق الذي وُضعت فيه المقاومة من خلال شعارات الديموقراطية، وأن نتائج رفض المقاومة الانخراط في اللعبة التمثيلية في العراق وزيادة معدل عملياتها والتطور النوعي الذي دخل على عملياتها، وكذلك دخول حركة حماس على خط المشاركة في الانتخابات دون توقف العمل الجهادي المسلح سيؤثران على الانتخابات داخل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أو سيدفعان الأزمة إلى داخل الدول المصدرة لشعارات الديموقراطية ذاتها.