أيمن دراوشة
كان الأولاد عادل وباسم وطارق غارقين في اللعب والمرح حول بيتهم القديم، هذا البيت الذي يقف صامداً بأقواسه الشامخة، وقبته المنتفخة. كانوا يحلمون بالثلج الذي غطّى بياضه الناصع كل شيء، ويحلمون أيضاً برؤية قوس قزح ممتداً في السماء، يتراكضون تارةً، ويلعبون لعبة الشرطي واللص تارةً أخرى.
وبينما هم منهمكون في اللعب والمرح، اقترب منهم الرجل الشرير المعروف بعداوته لأهل القرية، والذي يرغم المزارعين على بيع أراضيهم. قال الرجل الشرير للأولاد وهو ينظر إليهم بعينيه البغيضتين: (لقد حذرتكم من اللعب حول هذا البيت القديم ولم تسمعوا كلامي) . ردّ عادل ـ وهو أكبر الأولاد ـ: (ولكنه بيتنا، ولن نتخلّى عنه أبداً) .
قال الشرير بخبث: (أعلم هذا، ولكني أخاف عليكم من ثعبانٍ كبيرٍ مخيف، وقد رأيته بأم عيني، وهو يسكن داخل تلك الشجرة الملتفة حول المنزل) .
تبادل الأولاد النظرات كأنهم تفطَّنوا إلى كذبته التي يقصد منها تخويفهم وإبعادهم عن هذا البيت؛ كي يستولي عليه كما استولى على غيره من بيوت أهل القرية بالمكر والدهاء.
واستمرّ الشرير على بثّ الرعب في قلوب الأولاد بقوله: (لهذا الثعبان سبعة قرون، ولسانه يبلغ سبعة أمتار، وبإمكانه ابتلاع إنسان) ولم يكمل الشرير كذبته حتى انطلق الأولاد حول البيت يتسابقون كأنهم خيولٌ تصهل، واتّجهوا نحو الشجرة التي يزعم الشرير وجود الثعبان في داخلها. قال طارق وهو أصغرهم: (إني أسمع فحيحه) ، وقال باسم: (سأقطع لسانه) . وبينما هم مشغولون بهذا الأمر رآهم الشيخ عبد الصمد؛ حيث كان في طريقه إلى أداء صلاة المغرب، هذا الشيخ الذي جاوز الثمانين عاماً، وما يزال يحتفظ بحيويته ونشاطه، وما زال محطّ تقدير واعتزاز من طرف الصغار والكبار في القرية.
اقترب الشيخ عبد الصمد من الأولاد بينما الشرير فرّ هارباً عندما رأى الشيخ عبد الصمد يصدح بالأذان. نادى الشيخ الأولاد وقال لهم: (ماذا تفعلون يا أحبّائي) ؟
قال طارق: (لقد أخبرنا الرجل الشرير أن ثعباناً كبيراً يسكن داخل هذه الشجرة، وله سبعة قرون، ولسانه يبلغ سبعة أمتار) .
اقترب الشيخ من طارق، وطبع قبلةً على جبينه، وقال: (الكذب عند الأشرار والأعداء سجية، يكذبون على الصغار لينالوا مرادهم، ابتعدوا يا أولادي من هنا!) .
قال طارق: (ولكني أسمع فحيحه) .
ردّ الشيخ عبد الصمد مبتسماً: (إن ما تسمعه يا بني! هو الصوت الناجم عن تخلل الهواء بين فروع هذه الشجرة الملتفة دون فائدة مرجوة منها، ولو ذهبت إلى شجرة الزيتون المباركة وأصغيت إلى صوت أغصانها فإنك لن تسمع صوت هذا الفحيح) .
قال عادل: (ولماذا لا تصدر الأصوات منها) ؟!
قال الشيخ: (لأن أغصان شجرة الزيتون متناسقة؛ ولذلك حاول الشرير خداعكم بتلك الشجرة ذات الأغصان الملتفة، وشجرة الزيتون يا أولادي! من أقدم الأشجار المعروفة في الدنيا.
قال طارق: (لقد أقسم الله ـ تعالى ـ بها في سورة التين) .
ردّ الشيخ باعتزاز: (أحسنتَ يا صغيري! وعليكم أن لا تستمعوا بعد الآن لادعاءات ذلك الشرير الكاذب، هل تعدوني بذلك) ؟
قال الأولاد بصوتٍ واحد:
(نعدك يا شيخنا المبجّل أن نحافظ على بيتنا من الأشرار) .
قال الشيخ عبد الصمد: (إذاً عليكم أن تغرسوا أشجار