د. يوسف إبراهيم
i المشروع الصهيوني وطمس هوية الغير:
أراد المحتل الصهيوني طمس التراث الحضاري والتاريخي والجغرافي الفلسطيني من خلال العمل على تغيير أسماء الأماكن الجغرافية الفلسطينية.
وانطلاقاً من حرصنا على إظهار العمق الحضاري والتاريخي الفلسطيني كان لا بد لنا أن نبحث عن أصول المسميات التي أقيمت عليها هذه (المغتصبات) (?) ؛ حتى نقوم بمسح آثار العدوان والاغتصاب، ولكي نقوم برسم معالم خريطة جديدة لمسميات الواقع الجغرافي الفلسطيني في غزة ذات العمق والجذور التاريخية، ومن الممكن أن نتعاون لإصدار خريطة جديدة للواقع الجغرافي الفلسطيني في قطاع غزة.
لقد قام المشروع الصهيوني في فلسطين على ادِّعاء «يهودية البلاد وعودة اليهود إلى وطنهم» ، وعلى أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، ومن ثم نشطت الممارسات الصهيونية لطمس الصورة الفلسطينية للمواقع والمسميات الفلسطينية وإظهار يهودية المكان، فكانت عملية تهويد أسماء ومعالم فلسطين من الأسس التي بني عليها المشروع الصهيوني، وذلك محاولة منهم لطمس الحقيقة وإخفاء جرمهم بالتعدي على أراضي الغير، وإخفاء عملية الإحلال التي اتبعها قيادات الفكر الصهيوني، فكانت الممارسات الصهيونية لفرض أسماء توراتية أو أسماء لشخصيات قيادية من العمل الصهيوني على معالم أرض فلسطين سواء كانت الطبيعية منها أو الدينية أو السياسية، وتركزت محاولاتهم لطمس معالم الأرض؛ لأنها هي مرتكز إثبات الذات وإنكار الغير، وهذا ما حصل من مسميات المغتصبات التي كانت قائمة على أرض قطاع غزة قبل 12/9/2005م، فأسماء المغتصبات الصهيونية نُسبت إلى أسماء توراتية، أو لقيادات صهيونية مارست الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني، أو نسبة لمواقع جغرافية لها أثر في التاريخ الصهيوني، ومنها:
i مسميات المغتصبات والبدائل الوطنية:
لم تكن هذه المسميات التي أطلقها العدو على مغتصباته إلا ذات دلالات مرتبطة بالأرض والاقتصاد والجني والثمار؛ حتى يرسخ ارتباطه بالأرض. وإن هذه المغتصبات أقيمت في أماكن ذات جذور فلسطينية يجب أن تعود إلى أصل مسمياتها، حيث أقيمت معظم هذه المغتصبات على طول الساحل الفلسطيني الذي يرتكز على التلال الرملية الصفراء والتي تكونت في الزمن الجيولوجي الأول قبل ملايين السنين. وإن إقامة (المغتصبات) على طول الساحل وعلى التلال الفلسطينية إنما كان يهدف تحقيق عدد من الأهداف، والتي أولها النواحي الأمنية؛ على اعتبار أن هذه التلال مناطق مرتفعة تطل على منطقة المواصي على طول خط الساحل، بالإضافة إلى أن هذه المنطقة تعتبر جيولوجيا منطقة خزان جوفي تقف فيها حدود المياه الحلوة مع المالحة من مياه البحر، كما أن هذه المنطقة تطل على الساحل الفلسطيني وعلى الحدود الفلسطينية المصرية، وهو الأمر الذي يضمن سيطرة على البحر والحدود في آن واحد، ومنطقة المواصي في (خان يونس) تنقسم إلى ثلاث مناطق: الأولى: ويطلق عليها اسم مواصي البلد، وتقع غرب مدينة خان يونس، الثانية: ويطلق عليها اسم مواصي السطر (السطر الغربي) ، وتقع شمال مواصي البلد، والثالثة: ويطلق عليها اسم مواصي القرارة، وهي شمال مواصي السطر وجنوبي مواصي دير البلح. يفصل تلك المواصي ثلاث تلال، هي: تل قطيفة مواصي القرارة، تل ريدان مواصي السطر، وتل الجنان مواصي خان يونس البلد، وكلها تقع ضمن مواصي منطقة (خان يونس) . ومن ثم يجب علينا أن نعيد أسماء هذه المغتصبات إلى أصلها ذات الجذور الفلسطينية التي أقيمت على هذه التلال (?) المنتشرة على طول الساحل الجنوبي لفلسطين، وهي كما يلي:
1 - تل الخرائب: يقع في أقصى جنوب الساحل الفلسطيني عند رفح عند خط عرض (20 31) وخط طول (13 34) ، وعنده تبدأ الحدود (الفلسطينية - المصرية) .
2 - تل ردان: يقع في أقصى جنوب الشاطئ الفلسطيني، إلى الجنوب الغربي من دير البلح.
3 - تل العجول: ويقع على بعد (7) كلم الى الجنوب الغربي من (غزة) ، وكانت تقوم عليه البلدة الكنعانية (بيت إجليم) ، ويرجح أن موقع غزة (ما قبل التاريخ) كان عليه.
4 - تل القطيفة: ويقع على شاطئ البحر المتوسط في أقصى جنوب السواحل الفلسطينية إلى الجنوب الغربي من دير البلح عند خط عرض (24 31) وخط طول (18 34) .
وانطلاقاً من حرصنا من الناحية الجغرافية على إظهار التراث الفلسطيني وحضارته الممتدة في عمق التاريخ سوف يقوم الباحث بتقدير مواقع التلال السابقة ووضع المستوطنات في أماكنها على هذه التلال كما هو في الجدول التالي:
وقد تعمّدت السلطات الصهيونية طمس الأسماء الحقيقية للأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات في قطاع غزة، وخلال مراجعة الهيئة العامة للاستعلامات (?) لسلطة الأراضي في غزة ومن خلال مراجعتها لسجلات «الطابو» فقد وجدت أن غالبية تلك المستعمرات ـ البالغ عددها (21) ـ هي حكومية، من ضمنها (3) مستعمرات هي في الأساس تعود إلى عائلات فلسطينية في جزء منها، وفي الجزء الآخر للحكومة الفلسطينية. وذكرت سجلات سلطة الأراضي أن (5) مستعمرات كانت واقعة في شمال القطاع هي أراض حكومية خالصة، بينما تقع مستعمرة بيت حانون «إيرز» على أراضي بيت لاهيا، وموقعها غفر التين وبقية غياضة، والعصافير.
أما مستعمرة نسيانيت فإنها تقع على أراضي بيت لاهيا، وموقعها في منطقة غفر التين وبقية غياضة، والعصافير، أما بالنسبة لمستعمرة إيلي سيناي؛ فقد كانت قائمة على أراضي بيت لاهيا، وبالتحديد في موقع اللهاونة، كما تقع مستعمرة دوغيت في بيت لاهيا، وموقعها في العمية الشرقية.
وإن الجدول التالي ـ الذي أصدرته هيئة الاستعلامات ـ يوضح البيانات الأساسية حول المستوطنات الإسرائيلية التي تم إخلاؤها في قطاع غزة وأسماؤها الأصلية حسب سجلات سلطة الأراضي الفلسطينية:
أما مستعمرة نيتساريم فتتكون من (6) قطع، وتقع أراضيها بين غزة الدرج وأراضي أبو مدين. وأما مستعمرة كفار داروم الواقعة وسط قطاع غزة، فتتكون من 3 قطع، وتقع كلها في أراضي دير البلح، كما أن مستعمرة تل قطيف تقع أراضيها في دير البلح وتحديداً في موقع البركة الغربية، وهي أراض حكومية.
i مسميات الأراضي التي كانت تقام عليها المستوطنات:
من خلال مراجعة القائمة التي نشرتها هيئة الاستعلامات الفلسطينية يتضح أن جميع مواقع المستوطنات أقيمت على أراض تنسب إلى عائلات كـ (اللهاونة، الملالحة، الزعاربة، الأغوات، الدراغمة، اللحام، النجار، الجبور، أبو شلوف، أبو مدين) ، أو أن المواقع نسبت إلى طيور وحيوانات؛ وذلك تجسيداً لهذه الأماكن على أنها كانت أحراشاً ومحميات طبيعية تعيش فيها العصافير والطيور والحيوانات (العصافير، الخنازير، الطير، العجول) ، أو أن أسماء المواقع التي أقيمت عليها المستوطنات كانت تعود لأسماء شجر وثمار، مثل: (التين، العوسج) أو تعود لأسماء تلال مثل: (تل الرمل، تل الجنان) .
وفي النهاية ندعو المسؤولين وصنّاع القرار إلى اعتماد الأسماء الأصلية التي كانت تُعرف بها الأراضي التي أقيمت عليها ما يعرف سابقاً بالمغتصبات الصهيونية، وندعو أيضاً الإعلاميين والصحافة إلى عدم تكرار أسماء المغتصبات وتسليط الأضواء على