د. أحمد العمراني
1 - موقع خطبة الجمعة ومكانة الخطيب في الأمة:
تعد خطبة الجمعة واحدة من وسائل الدعوة إلى الله التي وضع أسسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، شرعت مرة كل أسبوع لتذكير الناس بأمور دينهم وحسن توجيههم وتوعيتهم وتثقيفهم.
وعلى هذا فالخطيب داعية إلى الله، ومهمة كل داع إلى الله النيابة عمن بعثهم الله لعباده؛ إذ الدعوة في أصلها رسالة الرسل والأنبياء، وبعد غيابهم ورثها عنهم العلماء لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ - وَرَّثُوا الْعِلْمَ - مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (?) .
والعالِم هو ناقل علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمته، بتوضيح الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة؛ وهو قائم في الأمة مقام الأنبياء، وسراج الأمة وضياؤها بلا مراء، يبين لهم الأحكام ويفرق لهم الحلال من الحرام، ويخرجهم من الآثام ويوضح لهم شرائع الإسلام.
وهو كالعين العذبة نفعها دائم، وكالغيث حيث وقع نفع، وكل عالم مصباح زمانه يستضيء به أهل زمانه وعصره، وكالسراج من مر به اقتبس.
وكل من يعتلي منبر الخطابة فهو يعتلي منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وخصوصاً في جانبه الدعوي التوجيهي، لهذا وجب على الخطيب أن يسد ثغرة خطيرة، ويتخصص في جانب مهم من أمور الدين يمنع به ما قد يؤذي المسلمين.
وربنا يقول: {فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] . ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» (?) .
إضافة إلى كل ما ذكر فمخاطبة الناس زيادة على ما تستلزمه من شروط ينبغي توفرها في الخطيب، تتطلب موهبة خاصة يهبها الله ـ سبحانه ـ لمن اعتلى منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهناك من يُفتح له في هذا المنبر وهو بذلك يستحق اعتلاءه، وهناك من لا يُفتح له فيه فيجب بالضرورة أن لا يعتليه.
فقد روي عن الإمام مالك ـ رضي الله عنه ـ أنه قال مجيباً العمري العابد لما كتب له يحضه على الانفراد والعمل، ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم؛ حيث قال له: «إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرُبَّ رجل فُتِِح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصيام؛ ونشرُ العلم وتعليمه من أفضل البر، وقد رضيت بما فتح الله لي فيه من ذلك، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كِلانا على خير، ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قُسم له والسلام» (?) .
فالحديث في أمور الدين ليس من السهولة بمكان كما قد يفهم الكثيرون، لهذا يجب أن يتولاها أهلها المستحقون لها، وقد حذر النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- من عكس هذا فقال: «لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله» (?) .
كما يجب أن يكون خطاب الخطيب للناس خطاباً يسير وفق الأصل النبوي، خطاباً مبنياً على حسن البيان، والاختصار والإفهام؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي وَائِلٍ قال: «خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ؛ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ! لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ، فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّ طُولَ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلاَةَ وَأقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وإن مِنَ الْبَيَانِ سِحْراً» (?) .
كما أن الخطاب يجب أن يكون هادياً ومحبباً الناس بالإسلام، وهو ما أشار إليه الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ في قوله: «إن الفقيه حق الفقيه من لم يقنِّط الناس من رحمة الله، ولم يرخِّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله، ولم يَدَع القرآن رغبة إلى غيره» (?) .
فرواد الجمعة هم كل المجتمع، فيهم الأمي والمثقف، والجاهل والعالم، والصغير والكبير، والرجل والمرأة، والمتحزب وغيره، ويمكن تصنيفهم إلى أربع فئات - من حيث فهمهم وما يلزمهم - اجتهد في وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي ـ رحمه الله ـ حيث قال: «الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه، ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك مسترشد فارشدوه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه» (?) .
وكلهم يحضرون بقصد الاستفادة من توجيه الخطيب، والتعلم من العلم النافع الذي يخدم مسيرة كل واحد منهم في حياته؛ فمنهم من يأتي للاستفادة، ومنهم من يحتاج إلى من يوقظه من غفلاته وسهواته، ومنهم من يرغب في الإرشاد، ومنهم من يستحق التنبيه والتحذير.
2 - خصائص الخطاب الدعوي لخطيب الجمعة:
إن المتفحص في نصوص شريعتنا، يستخلص خصائص مهمة للخطاب الديني الذي يجب على خطيب الجمعة الالتزام بها، والحرص على تنفيذها للإسهام في توجيه مسار الأمة نحو الخير والوسطية التي جاء بها ديننا الحنيف - باعتبار أن الخطيب هو واحد من دعاة الأمة الذين يوجهون للناس خطابهم الأسبوعي دون مناقشة أو استفسار، وينصتون إليه بكل شغف وشوق، ويعطونه آذانهم دون كلل أو لغو، ويحرصون على الاستفادة من خطابه لحسن معاشهم ومعادهم - وخصوصاً أن نص الحديث يحيط بهم بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ» (?) .
لهذا على الخطيب أن يراعي في خطابه جملة من الخصائص تتمثل في الآتي:
1 - أن يكون خطابه شرعياً ربانياً؛ حيث يحرص في خطابه على دعوة الناس إلى توحيد الله وعبادته وحده وعدم الإشراك به؛ فالأصل في بعثة الأنبياء والرسل الدعوة إلى عبادة الله وحده، وتصحيح عقيدة الناس التي انحرفت؛ وخير مثال على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعث مُعَاذاً ـ رضى الله عنه ـ عَلَى الْيَمَنِ قَالَ: «إنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ. . .» (?) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَارِزًا يَوْماً لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: مَا الإيمَانُ؟ قَالَ: الإيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ. قَالَ: مَا الإسْلاَمُ؟ قَالَ: الإسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شيئاً. .» (?) .
فالله ـ سبحانه ـ أخبر بأن المغفرة تشمل كل الخطايا والذنوب باستثناء الشرك فقال: {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48] . كما حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- منه بقوله فيما رواه عن ربه: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» (?) .
لهذا يبقى خطاب الدعوة العقدي أصل الخطاب الذي ينبغي أن لا يغيب، ولا بأس بتكراره، وتجديد الحديث فيه بطرق ووسائل تبليغية تواكب مستجدات الشرك ومستحدثاته، كما تبدع في وسائل الخطاب الذي يحاربه، وبلغة سهلة ميسرة تصل إلى القلوب قبل الأسماع.
2 - أن يكون الخطيب هادياً لا جابياً:
أي يحرص في خطابه على هدي الناس إلى البر، مع تجنب الجباية أو طلبها بخطابه؛ فالهادي ضد الجابي، والله في عون كل من رغب في هداية الناس إلى الخير ويوفقه ويجازيه خير الجزاء، ويكفي في بيان أجر ذلك حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب ومن خلاله لكل الأمة: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» (?) . فأحب العباد إلى الله الذين يحببون الله إلى الناس، وهو ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه: «إن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى الناس» (?) .
والخطيب إن تمثل الحكمة في خطابه كان من أفضل المحببين الله لعباده؛ وهذا بالتركيز على أن الهداية بيد الله، وأن مهمة الخطيب لا تتجاوز التذكير؛ لأن من هو أسمى من كل خطيب قد وُجه إليه هذا الخطاب في قوله ـ تعالى: {إنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} [القصص: 56] .
3 - أن يكون خطابه اجتهادياً:
أي ليس توقيفياً؛ فالمطلوب من الخطيب الاجتهاد في خطابه، والإعداد الجيد لمواضيعه، والإبداع المستمر لما يقدمه للناس، مع تجاوز المكرر من الخطاب حتى لا يمل الناس فيملوه.
فالخطبة موعظة، والموعظة كلها توفيقية؛ فليس هناك نمط واحد لا يتغير في الأسلوب الذي يمكن مخاطبة الناس به، بل لا بد من التجديد والابتكار دون الخروج عن الأصول والثوابت؛ فألوان الخطاب كلها وسائل يستعان بها لحسن التبليغ، لكن الوسيلة في شرعنا غير مبررة بالغاية، بل لا بد من إخضاعهما معاً لشرع الله.
4 - أن يكون خطابه متدرجاً:
وهذا أمر بدأ به أمر الدين وخُتم؛ فكل ما حُرِّم على الأمة حرم تدريجياً وعلى مراحل، وما أمر الخمر والربا والإرث وغير ذلك في تنزيلات القرآن بخافٍ على المسلم.
فعلى الخطيب إن قصد بخطابه توجيه النصح أو الرغبة في تغيير ما يستحق التغيير أن يعرف كيف يعالج الأمر، وأن يستلهم منهجه ذلك من منهج رسول الإنسانية والرحمة المهداة للعالمين، ويكفي لبيان ذلك حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لعائشة ـ رضي الله عنها ـ إذ كان يرغب في تغيير معالم الكعبة، بل هدمها وتجديدها؛ حيث قال لها: «لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية (أو قال بكفر) لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحِجْر» . وفي رواية: «لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين: باباً شرقياً وباباً غربياً، وزدت فيها ستة أذرع من الحِجْر؛ فإن قريشاً اقتصرتها حين بنت الكعبة» (?) .
إنه التدرج والتأني، ومراعاة أحوال الناس وقوة إيمانهم أو ضعفه لحسن تقبُّل الأمر الصعب الذي قد لا يوافق رغبتهم وهواهم، أو قد لا يحسنون فهمه.
5 - أن يكون خطابه متفاعلاً مع الواقع:
أي يكون خطاباً يعترف بالواقع ومشكلاته، ويعرف كيف يُخرج الناس من مشاكل الحياة وصعوباتها، ويقدم لهم الحلول المناسبة التي تهدئ النفوس وتطمئن القلوب، وهذا يقتضي من الخطيب حسن التفقه في الدين وحسن التعرف على الواقع، وحسن التفقه في كيفية تنزيل النص الشرعي على الواقع.
كما يقتضي من الخطيب أن لا يتقوقع أو يدعو إلى القوقعة في مواضيعه التوجيهية فيما لا يعود بالنفع على المسلمين، بل لا بد أن يعيش واقع الناس ويوجههم للمشاركة الايجابية في المجتمع، وعلى مخالطة الناس بالتي هي أحسن، ويعلِّمهم أن الأصل والأفضل هو المخالطة وليس الانعزال، لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم» (?) .
6 - أن يكون خطابه جامعاً لا مفرقاً:
فالخطيب للجميع ومعلم لهم، مثل شجرة الزيتون «لا شرقية ولا غربية» ينير ضوؤه طريق كل الناس، بمختلف ألوانهم وأشكالهم، يحترم الجميع ويسعى لهداية وتعليم الجميع دون تحيز أو ميل، يجمع ويوحد، يصلح ولا يفسد، مفتاح للخير، مغلاق للشر كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للشر؛ فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه» (?) .
ويبني عمله وخطابه هذا على قول الله ـ تعالى ـ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 103 - 105] .
وهذا يقتضي استخدام الكلمة المسؤولة استخداماً أميناً، مع جمال التعبير والعرض، والتذرع بأخلاق أهل الإيمان، التي تنفِّر من الحقد والوقيعة وسوء الظن، كما تنفر من الجهر بالسوء، لتصل إلى الحوار المنصف، والخطاب الصحيح السليم، مع تجنب التعيين والوصف والتشنيع؛ لأنه لم يثبت عن سيد الخطباء أن عيّن يوماً في خطابه أو خطبه أحداً باسمه، بل كان خطابه دائماً عاماً، لا يعدو أن يقول فيه: «ما بال أقوام» أو «ما بال أحدكم» . وهلمَّ جراً. ومن أمثلة ذلك:
ـ ما أخرجه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً مِنَ الأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ ـ قَالَ عَمْرٌو وَابْنُ أَبِي عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ - فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِي لِي. قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى الْمِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: «مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي؟ أَفَلاَ قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لاَ ... ؟» (?) .
- وعَنْ مَسْرُوقٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: صَنَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئاً فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَخَطَبَ، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ، قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَيْءِ أَصْنَعُهُ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً» (?) .
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِ فَيَتَنَخَّعَ أَمَامَهُ؛ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعُ فِى وَجْهِهِ؟ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا ... » (?) .
هذه بعض خصائص خطاب الجمعة، ما أحوجنا إلى فقهها واستيعابها، فهل من سبيل لتطبيق ذلك على الوجه الأحسن؟
من خصائص الخطاب الدعوي لخطيب الجمعة ملتقى الخطباء
يقول الله ـ تعالى ـ في محكم التنزيل: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] .
تعيش الأمة الاسلامية اليوم زمناً اختلطت فيه المفاهيم والتبست، وكثرت فيه التوجيهات عبر وسائل الإعلام المختلفة سواء منها المكتوبة أم المرئية أم المسموعة.
ومما وقع فيه الخلط الشديد، وأصبح محط جدال ونقاش خطاب خطيب الجمعة: كيف يجب أن يكون؟ وما هي خصائصه؟
ولعل أول ما يجب أن يوضح في هذا