مجله البيان (صفحة 5473)

المرأة قضية انتخابية

وفاء بنت عبد الله العمر

موقع نووي هناك رغبة جارفة لاختراقه والجدل بكل ما يحيطه، وكلٌّ يرغب في سبقه الصحفي ليعرّف بنفسه.

قضية ساخنة على الدوام.

قضية دائماً في الفرن.

والغريب أن من له شأن ومن ليس له شأن وهم كثر، يتصدى لهذه القضية، والأغرب أنهم يتحدثون فيما لا يفهمون بعيدين عن اللب، يناقشون هموم المرأة، ويتحدثون عن هويتها المفقودة، يختلفون ويعلو الصياح والنقاش، وتتصدر العناوين مقالات كتَّاب كرام، وقُرّاء كِرام، يناقشون قضايا لأغراض انتخابية كما يُقال، لذا يتم اختيار ما يرونه القضية الأبرز رغم كونها قضية فرعية ليس لسبب سوى أنها القضية التي تشهر صاحبها، وتجعل من عملية الاستفزاز في كثير من الأحيان كشافاً يسلَّط على صاحب القلم وليس صاحب القضية.

وأنا امرأة وصاحبة شأن وأجدهم ليس لهم شأن، ويتناقشون في أمر ليس ذي شأن، ناقشوا قيادة المرأة للسيارة في مجالس خاصة ثم عامة ثم في مجلس الشورى، ناقشوا دخول المرأة للمطاعم دون محرم.

ومنذ الأجداد وهم يناقشون ويتحدثون عن واجباتها، وتخفت الأصوات كثيراً عند الحديث عن حقوقها، هذا داخل البلاد.

أما خارجها فكلهم ليس لهم شأن، تبرعوا بالحديث عن تحرير المرأة.

تحريرها ممن؟ لا أعلم.

لو حلّت قضيتهم الأساسية وقادت المرأة في بلادنا السيارة وسمح لها أن تجوب الأماكن العامة ودخول الأماكن المغلقة بلا ضوابط تحقيقاً للهوية كانت الضائعة فهل ستتحرر المرأة حقاً؟

وما هو تحريرها؟ هل هو مشابه لتحرير المرأة في (ميدان التحرير) على يد هدى شعراوي (?) وثلّة أرادت أن تناهض الاستعمار الإنجليزي بحرق الحجاب بعد وضعه تحت الأقدام؟ وبعدها تجاوباً لمناهضة الاستعمار قام الإنجليز أثناء وجودهم في مصر بترجمة كتاب (تحرير المرأة) لقاسم أمين إلى الإنجليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية. أم هو بقاء المرأة زوجة كادحة لا تأتي بيتها إلا كآلة مرهقة لتشارك الرجل في دفع أقساط السيارة، وشراء الخضار من أسواقها، وإيصال الأبناء إلى المدارس، و.... و.... و.... إثباتاً للهوية المفقودة؟

أم المطلوب أن تشارك الرجل مساواة له في أماكن العمل حتى تصبح نموذجاً لحرية المرأة، فتصبح هدفاً لهذا وأداة لذاك؛ متعرضة للتحرش في موقع تجاور فيه الرجل في عمل يناسب التحرير؟

لا أعلم: هل الرؤيا ضعيفة، أم للأمر غاية ضبابية؟

هل يرى الآخرون ما لا يراه المتصدرون لقضاياهم وليست قضايانا؟

هل ترى تلك القاضية السويدية (بريجيد أولف هامر) التي أعدت دراسة عن مشكلات المرأة العربية، أعدتها بتكليف من الأمم المتحدة، والتي أكدت فيها بتعجب أن المرأة الشرقية في قطاعات كثيرة وبارزة في البلاد العربية أكثر حرية من المرأة السويدية، وذكرت جملة رائعة: «المرأة العربية تمارس وضعاً ينتمي إلى القداسة لا إلى العبودية» .

ثم تتابع هذه القاضية ما استخلصته من خلال دراستها فتقول: «أما المرأة السويدية فقد ذاقت الأمرّين لكي تنال حريتها ومساواتها بالرجل، ولم يتحقق لها ما تريد إلا بعد أن جرّدتها قوانين بلادها من صفاتها الطبيعية وحريتها الأنثوية لتجعل منها كائناً أقرب إلى رجل» (?) .

هل قيادة المرأة للسيارة ودخولها المطاعم بدون محرم؟ وقضية الحجاب: هل الإسلام سنَّه أسود أم أخضر؟ (كأنهم يجهلون أنه ستر وعبادة) و.... و.... و.... و.....

هل هذا ما سيحرر المرأة؟

إنهم يختلفون ويناقشون وينظِّرون، وحتماً شاركت ثلّة من النساء، هي من وجهة نظرهم أساسية ورئيسية، وهي تمثل فئة، محدودة.

ألا أُخِذ رأي من في الميدان؟

هل طرحتم بجرأة مشكلات المرأة الاجتماعية؟

هل تمت دراسة مشاكل النساء على مقعد الدراسة وفي الجامعة؟

وهل ناقشتم ماذا يحل بآلاف البنات اللاتي لم يجدن مقعداً في الجامعة؟

هل بحثتم لهن عن فرص لاستثمار طاقاتهن حتى لو كان انطلاقهن من منازلهن، وفُتحت لهن أبواب العمل وهن في بيوتهن؟

هل ناقشتم الظلم الواقع على المطلقة المحرومة من أبنائها ليس بحكم الشرع ولكن بجهل قاضٍ بعيد عن الواقع، وقانون حدوده جدران المحكمة؟

هل يحكم لها بنفقة وتُصرف لها فعلياً بحاجتها الفعلية بدل تحديدها؟

هل درستم حالات كون المرأة أحياناً معلقة قبل الطلاق عشرات السنين يعلقها بعلها ليتزوج هو وينجب أبناء وهي معلقة في منزل أهلها؟ هل نوقش تقاعد المرأة وحقوقها المادية في ديوان الخدمة المدنية وما يضمن لورثتها حياة كريمة بعد أن حسم من راتبها ما حُسم كتقاعد؟

هل فَقِهَ الرجال كيفية الحفاظ على حرية المرأة وهويتها، وأن لها حقوقاً يجب أن تصان؟ كم تلك الخطب التي صيغت بأكملها لتوضيح قول الرسول -صلى الله عليه وسلم -: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» ، «وإن النساء شقائق الرجال» ولتوضيح معنى هذه العبارة بدقة! وهل فَقِهَ الرجال الذين يتبرعون لنقاش قضايا النساء حرمةَ أموالهن وأنه ليس مشاعاً بحيث يؤخذ منها برضا أو بغصب؛ لأنها ولدت حرة ولم تُسترقّ بزواجها ووجودها في بيت زوجها، بل حريتها الحقيقية تبدأ منذ أن تصبح ملكة في أسرتها معززة مكرمة؟

كم مرة نوقشت القوامة على صفحات الصحف أو في البرامج المباشرة وفي خطب الجمعة!

كم مرة وُضِّحَ معنى القوامة أنه ليس الاستعباد وأن القوامة تسقط بعدم إنفاق الزوج على الزوجة!

هل حلّ تحرير المرأة بالمفهوم الغربي مشكلاتها في مجتمعها الذي منحها الهوية؟

ما زالت بعض النساء يعانين ويلجأن للمحاكم من أجل كسب حضانة الابن أو الابنة، وقد تنصفهن المحاكم الوضعية لديهن في نهاية الأمر بعد سنوات واستنزاف مادي.

وما زالت المرأة تلجأ إلى ملاجئ أهلية أسستها النساء في الغرب هروباً من العنف الزوجي والضرب إلى حدِّ العاهة والتشويه.

وما زالت تعاني من تحرش الرجال بها في مقر العمل وامتهان كرامتها.

وما زالت تعاني من أجل لقمة العيش وتمتهن مهناً لا تليق بـ (شقائق الرجال) .

أتعلمون أن المرأة في صدر الإسلام كانت تمارس حرية لا تمارسها الآن ولا تمارسها أي امرأة في أي مجتمع معاصر؟

- فقد بايعت النساء الرسول -صلى الله عليه وسلم - ولم يكتفِ ببيعة الرجال له (?) .

- كانت في مقام يؤخذ لها رأي، ويؤخذ من حكمتها، ولم يتنطع بعضهم في المجالس بنقصان عقلها ودينها دون فهم للبِّ الحديث وأبعاده.

ألم تحلّ أم سلمة بجزالة رأيها معضلةً أرّقت الرسول -صلى الله عليه وسلم - في قصة الحديبية، عندما أشارت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بالخروج والنحر والحلق ليقتدي به الصحابة على الفور؟ وهذا ما حصل.

- هل بُتّ في قضاياها وكأنها طرفٌ غير مكلف؟

بل كان لها الشأن الأعلى والحرية المسؤولة. ألم يقل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ على المنبر: «لا تغلو في صدقات النساء!» يريد بذلك تحديد مهور النساء، فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر! يعطينا الله وتحرمنا؟ أليس الله ـ سبحانه ـ يقول: {وَإنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإثْمًا مُّبِينًا} [النساء: 20] ، فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر (?) ؟

- ألم تكن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أم المؤمنين مرجعاً للصحابة؛ حيث كان أكابرهم ـ رضي الله عنهم ـ يسألونها عن الفرائض؟ فعن عطاء بن رباح قال: «كانت عائشة أفقه النساء وأعلم النساء وأحسن الناس رأياً في العامة» .

لم يقل عن عائشة إنها امرأة ناقصة عقل ودين في هذا الشأن رغم أنها كانت تملك مشاعر امرأة وعواطفها بكل معانيها؛ فقد استقلت بالفتوى زمن أبي بكر وعمر وعثمان إلى أن ماتت رضي الله عنها.

تلك الحريات الحقيقية وتلك الهوية، إن كان هناك من نقاش وإن كان هناك نوايا صادقة نحوها لإثبات الهوية كما يقولون فإننا نريدها هوية الصحابية التي مارست حرية حقيقية، فشاركت في البيعة، وشاركت في الجهاد، وشاركت في نشر العلم، وكان رأيها في قضيتها هو الأوْلى، لا نريد سوى تلك الحرية وتلك الهوية.

فهل يكفّ أدعياء نصرة المرأة عن دعواهم المغرضة؟ وهل تفطن أخواتي النساء إلى حقيقة تلك الدعاوى والمزايدات المكشوفة حتى لا يضللن عن الحقيقة؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015