عبد الستار فتحي عبد الحميد
نهض أحمد من فراشه، كفراشةٍ استهواها الطيران ... توضأ، كبَّر رافعاً يديه لخالقه، أتم صلاته خاشعاً كما علمه أبوه، هوى إلى الطابق الأرضي، دخل حديقة المنزل ليملأ رئتيه بالنسيم الذي يعشقه.
وجد أباه يغرس بعض الأشجار في جانب مقفر من الحديقة، بدا القفر روضة، ورق الأشجار الجديدة يتلألأ باسماً.
قال الأب كاسراً حجاب الصمت: هذه مجموعة متنوعة من الأشجار: برتقال، يوسفي، تفاح ... وأما هذه فهي شجرة ليمون ... قال أحمد في نفسه: إنّ الأشجار الجديدة تتمايل مع النسيم كأنها تُسَر ببعض الحديث.
الأب يسقي أشجاره كل أسبوع بالماء، الماء يطفئ صدى الشجر. أحمد وجد شجرة الليمون منكمشة كطفل أخطأ ويخشى العقاب.. قرر أن يقف جوارها ... يخفف من فزعها ... يتلطف بها ... أغدق بالماء عليها بكرة وعشياً ... لا بد أن تتميز عن غيرها ... إنها ضعيفة تحتاج لغذاء ...
أهلَّ الربيع بموكبه.. استقبلته الدنيا ببهجة غامرة.. كعروس أقبل موعد عرسها ...
أورقت الأشجار ونمت ... نورها ملأ الحديقة وفاض.. أحمد يستعجل شجرته ... يغمرها بالماء ... يرقبها نهاراً، ومن الشرفة ليلاً ... يقارن بينها وبين أخواتها ...
ماذا يجري؟ أي مكيدة تعرضتِ لها يا حبيبتي؟
الأوراق اصفرت ... ذوت ... ذبُلت ... كطفل ذوى عوده رويداً رويداً بين صرخات الأهل ...
تألم لحالها ... اغرورقت عيناه دامعة ... تساقطت الدموع كزخات من المطر ... توشح قلبه بالسواد عليها ...
أدرك الأب حاله: يا بني! إن حبك الزائد لها قد قتلها ... إن الشجرة يا بني! كالبشر تحتاج إلى فترة تصوم فيها لتصحّ ...
لعلك تدرك حكمة الصوم ... صوموا تصحوا ...
بلع أحمد ريقه ... نظر دامعاً لأطلال الشجرة.