رضا عبد الودود
مع توالي الردود الشعبية والحزبيّة الباكستانيّة المندّدة والمستهجنة للقاء المفاجئ الذي جمع وزير خارجيّة باكستان خورشيد قصوري، مع وزير خارجيّة الكيان الصهيونيّ سيلفان شالوم، الخميس 1/9/2005م في مدينة إستانبول التركية اشتعلت الأراضي الفلسطينية بالمظاهرات الرافضة لتلك الخطوة التطبيعية، واعتبرت حركات المقاومة
ويأتي اجتماع إستانبول قبيل زيارة الرئيس الباكستاني لنيويورك في سبتمبر الجاري لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعزمه على إلقاء كلمة في اجتماع للتقارب بين الأديان ينظمه المجلس اليهودي العالمي خلال زيارته تلك (?) .
- مغزى وتوقيت قرار التطبيع:
على الجانب الباكستاني يُعد قرار مشرِّف ببدء التطبيع مع الصهاينة آخر ما أثار غضب الشارع الباكستاني الذي أغضبه أيضاً قراره المشاركة في الحرب التي أعلنتها واشنطن على ما يسمى بـ (الإرهاب) في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 التي طالت دولاً إسلامية، والذي تلاه قرار إغلاق أكثر من 2000 معهد ومدرسة دينية تضم طلاب علم من كافة انحاء العالم، تخدم مسلمي مناطق آسيا الذين يجدون صعوبة كبيرة في الانتقال إلى الدول العربية لتلقي المناهج الإسلامية.
وعلى الصعيد الاستراتيجي توافَقَ قرار التطبيع الباكستاني مع الكيان الصهيوني مع التطبيع السياسي الذي يشهده الملف الباكستاني الهندي، والذي يشمل زيارات دبلوماسية مشتركة، وتقديم تعهدات بعدم تنفيذ تجارب نووية إلا بعد إخبار الطرف الهندي، مع تقديم بعض التنازلات في القضية الكشميرية لصالح الجانب الهندي.
وعلى الجانب الصهيوني مثلت خطوة التطبيع مع باكستان خلخلة كبيرة وإنجازاً صهيونياً؛ إذ تمثل باكستان ثقلاً كبيراً في العالم الإسلامي في منطقة آسيا من المحتمل أن يفتح للصهاينة أبواباً كثيرة مغلقة.
وتأتي الخطوة في ضوء الترويج الإعلامي الصهيوني وتجميل صورتها الذي نجحت في تصويره للعالم باقتدار خلال انسحابها الصوري من غزة، بأنها تريد العيش في سلام.
كما تمثل الخطوة التطبيعية نجاحاً دبلوماسياً للصهاينة بعد (مؤتمر هرتزيليا) الأخير الذي قرر فيه الصهاينة توسيع دائرة التطبيع الشعبي والرسمي مع الدول العربية والإسلامية بصورة موسعة، والذي أكدته تصريحات الصهاينة بأن مفاوضات تطبيعية سرية تدور منذ أمد بعيد مع عشر دول عربية، وتلا ذلك الإعلان هذا الاسبوع عن افتتاح ملحقية ثقافية صهيونية بدبي بدولة الإمارات العربية.
وبذلك تنضاف باكستان إلى تركيا وموريتانيا وقطر ومصر والأردن وتونس والمغرب علاوة على عُمان وبعض دول الخليج العربي التي تجمعها والصهاينة علاقات تجارية واسعة - الذين ركبوا قطار التطبيع مع الصهاينة تحت مسميات اقتصادية أو لدفع السلام أو لتلقي المعونات الاقتصادية من واشنطن أو من تل ابيب وغيرها، أو بانتظار موافقة واشنطن على صفقات السلاح لباكستان ولتحقيق توازن للقوى في آسيا في إشارة إلى العلاقات الوطيدة التي تربط الصهاينة بالهند.. والبقية تأتي على حساب الدم الفلسطيني النازف.
ولعل اخطر ما في خطوة الرئيس الباكستاني هذه هو توقيتها، أي أنها تتم قبل بضعة أيام من ذهاب شارون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومخاطبة العالم عبر منصتها، ليظهر بصورة صانع سلام، وشخصية محترمة مقبولة من العالم الإسلامي!!
- تطبيع باكستاني صهيوني في تركيا بأوامر أمريكية:
بالتدقيق في تفاصيل العلاقات المتشابكة بين باكستان وواشنطن وتل أبيب، والصراع الممتد بين الهند وباكستان، تتجلى لنا عدة حقائق تدحض حجج باكستان التي تسوّق لها من وراء خطوتها التطبيعية التي تمثل استجابة مهينة للضغوط الأمريكية المتلاحقة عليها، والتي بدأت مسلسل الاستسلام بمضايقات التعليم الديني ومحاربته، والهجمات العسكرية المتلاحقة على منطقة بلوشستان، وطرد نحو 2000 طالب علم شرعي وافد كانوا يدرسون في معاهد باكستان الدينية والمطالبة بتغيير المناهج الإسلامية.. وفي هذا الإطار لا بد من النظر إلى المقابل الذي ترجوه باكستان من تلك الخطوة التطبيعية والذي يتمثل في مجموعة وعود بتخفيف ضغوط اللوبي الصهيوني إزاء صفقات السلاح الذي تسعى لها إسلام أباد من واشنطن ومن الدول الاوربية، وتحقيق توازن استراتيجي مع جارتها الهند. ولكن المنافع المتوقعة تصبح متهافتة إزاء حجم التعاون الاستراتيجي الأمريكي الهندي الذي لن يسمح بامتلاك باكستان بصورة كبيرة ما يهدد جارتها الهند، كما أن العلاقات الصهيونية الهندية الاستراتيجية تعلو على كل الآمال الباكستانية من الصهاينة.
- العلاقات الأمريكية الهندية:
بدأ التفاهم والتعاون الاستراتيجي الأمريكي مع الهند منذ عهد الرئيس الأسبق «بيل كلينتون» الذي زار الهند وأمضى بها أسبوعاً مقابل أقل من يوم واحد أمضاه في باكستان؛ ذرّاً للرماد في العيون. وترى السياسة الأمريكية أن الهند أكثر أهمية للولايات المتحدة، خصوصاً في مواجهة الصين العدو التقليدي المتعاظم للسياسة الأمريكية في آسيا، وتعتقد واشنطن أن الصين هي التي ساعدت باكستان في تطوير مشروعها النووي الذي يمثل تهديدًا لحليفتها (الدولة العبرية) ، كما ترى أن الهند هي الدولة الوحيدة القادرة على مواجهة الصين ومناوشتها بحكم القوة العسكرية والبشرية المتقاربة والتنافس التقليدي على النفوذ بين البلدين.
- العلاقات الصهيونية الهندية:
وفي مواجهة التعاون العسكري الصيني الباكستاني شجعت الولايات المتحدة حليفتها تلك على تطوير تعاونها العسكري مع الهند، الذي شمل صفقات صواريخ متقدمة وطائرات تجسس تعمل بدون طيارين، ووجد الصهاينة في الأزمة المستمرة بين الهند وباكستان فرصة جديدة لدعم هذا التعاون الذي تطور إلى تحالف استراتيجي؛ حيث سارعت الحكومة الصهيونية إلى إعلان دعمها الكامل للتحركات الهندية لضرب ما وصفته بقواعد الإرهاب، الذي زعمت أنها تعاني منه منذ سنوات مثل الهند؛ في مقارنة واضحة بين حركات المقاومة الفلسطينية والكشميرية واتهامها جميعاً بالعنف.
وشكلت نيودلهي وتل أبيب مجموعة عمل مشتركة لمقاومة ما يسمونه الإرهاب؛ بحيث تستعين الهند بالخبرات الصهيونية في مواجهة المقاومة الكشميرية، كما استعانت الدولة الصهيونية بالمعلومات الاستخبارية والخبرة العملية والتقنية الهندية في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وما زالت أمريكا تسعى إلى إقناع الهند بإعلان دعمها الكامل للدولة الصهيونية في مواجهة الدول العربية والإسلامية، والعدول عن الموقف الهندي التقليدي الداعم لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وهو الموقف الذي بناه حزب «المؤتمر الهندي» طوال فترة توليه السلطة، وكان بمثابة سياسة هندية ثابتة تجاه الصراع العربي الصهيوني.
ويعتبر الجانب العسكري في العلاقات بين الدور الصهاينة والهند من أهم جوانب التعاون وخاصة ارتباطه مباشرة بالصراع في كشمير ومواجهة باكستان؛ ويظهر هذا التعاون من خلال أمور:
ـ عُقِدَ بين الطرفين عددٌ من الاتفاقات العسكرية للتعاون وتبادل المعلومات وأساليب قمع المقاومة الفلسطينية والمقاومة الكشميرية؛ وقد قدم عدد من قادة المقاومة عام 1998 دليلاً ملموساً حينما قتلوا أحد الجنود الصهاينة ضمن أفراد الموساد الذين يعملون إلى جانب الهنود لمساعدتهم في قمع المقاومة الكشميرية وحصول الهند على طائرات مراقبة بدون طيار من الصهاينة، إضافة للتعاون بين البلدين لإنشاء نظام «فالكون» للإنذار الجوي المبكر؛ وكانت الولايات المتحدة قد منعت الدولة العبرية من التعاون مع الصين لإمدادها بهذا النظام، وفضلت التعاون مع الهند في هذا المجال.
ـ تحديث المقاتلات الهندية من نوع (ميغ 12) ، وتطوير الدبابات الهندية من (آرغون) والطائرات الخفيفة. علاوة على استخدام الصهاينة الأراضي الهندية لإجراء التجارب النووية عليها وخاصة في أعقاب انهيار النظام العنصري في جنوب أفريقيا الذي كانوا يتعاونون معه لإجراء هذه التجارب، وتدريب الجنود الهنود على إجراء عمليات الملاحقة لأفراد الحركات المقاومة في كشمير ومشاركتهم في التدريب الميداني على ذلك.
ـ كما تقوم الدولة الصهيونية بإمداد الهند بنظام رادارات حديثة للمراقبة، وتزويدهم بصورة رئيسة بالصور الحديثة للقمر التجسسي الصهيوني (أفق-5) ؛ وبعض الخبراء الهنود يدرسون إمكانية استئجار هذا القمر الصناعي لمراقبة الجيش الباكستاني.
ـ وملاحقة الأفراد من الجماعات الإسلامية في كشمير، ومراقبة الصواريخ والصناعات الباكستانية.
ـ تعهد الصهاينة الدائم بالوقوف إلى جانب الهند في حال اندلاع أي أزمة؛ وبخاصة حول كشمير ضد باكستان.
ولعل أهم وأبرز العوامل المتحكمة في التوازن الاستراتيجي في شبه القارة الهندية هو عامل الدعم الأمريكي لكلٍ من الهند والصهاينة لتفعيل التعاون بينهما باستمرار؛ حيث تسعى الولايات المتحدة لإقامة محور يضم واشنطن وتل أبيب ونيودلهي لمواجهة أي تجمع بين دول الصين وإيران وباكستان مستقبلاً.
كما تمثل القنبلة الباكستانية أرَقاً مستمراً لكل من واشنطن وتل أبيب ونيودلهي، فيتعاون الجميع في وضع خطط استراتيجية بمساعدة أمريكية لتدمير المفاعلات النووية الباكستانية، في حال وصول أي حزب من الأحزاب الإسلامية القوية إلى السلطة، أو أي حزب يرفض التعاون مع الولايات المتحدة.
وإزاء هذا التعاون الاستراتيجي الحيوي بين البلدين ماذا تنتظر باكستان من الصهاينة من دعم؟ هل ستضحي الدولة العبرية بالهند من أجل باكستان؟
والإجابة عن هذا التساؤل: بلا شك من غير المعقول والمقبول سياسياً أن يضحوا بالهند من أجل باكستان الدولة الإسلامية التي تؤكد أجهزة المخابرات الصهيونية أنها تهديد حيوي ضد المشروع النووي الصهيوني.
وفي النهاية لا بد من التأكيد على أن المحصلة النهائية المنتظرة من التطبيع الباكستاني الصهيوني ربما تجعل الرئيس مشرف يفوز بالإطراء الرسمي الأمريكي، ويسهل حصوله على بعض المساعدات المالية المحدودة، ولكنه قطعاً سيضيف متاعب داخلية جديدة له ولحكمه قد تقصر من فترة بقائه في السلطة، وبخاصة أن الأوضاع في أفغانستان بدأت تتطور في غير صالح الإدارة الأمريكية وحلفائها، وعلى رأسهم الرئيس مشرف.