يحيى أبو زكريا
استطاع الإسلام بما يملكه من حيوية ذاتيّة أن يفرض نفسه على الخارطة الغربية، وأن يصبح سؤالاً ملحّاً على الغربيين بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والفكريّة.
وقد خططت الاستراتجية الإعلامية الصهيونية في الغرب أن يكون الإسلام العدو ذا الرقم واحد للحضارة الغربية والغربيين والديانة النصرانية، لكنّ هذا التخطيط نجح في وسائل الإعلام الغربية إلى حدّ ما؛ غير أنّه أنتج حالة فضول لدى الإنسان الغربي بضرورة التحرك فكريّاً لإجراء مراجعة فكرية وثقافية للإسلام من خلال البحث عن الكتب التي تتحدث عن الإسلام والإقبال على شراء معظم الكتب المعرفيّة التي تشرح الظاهرة الإسلامية في أبعادها العقائديّة والتشريعية والثقافيّة، إلى درجة أنّ صحيفة سويدية مشهورة سألت مطربة سويدية مشهورة أيضاً عن الكتاب المفضّل الذي تقرؤه هذه الأيّام فأجابت بأنّه (القرآن) . وللعلم فإن القرآن الكريم ترجمت معانيه مؤخراً للغة السويدية.
وفي هذا السياق يشار إلى أنّ الكتب التي تتحدّث عن الإسلام باتت تحقق أعلى المبيعات في معارض الكتب في الغرب، كما أنّ دور النشر الغربية اتصلّت بالعديد من المتخصصين في الدراسات الإسلامية والحضارة الإسلامية والعربية للكتابة في مواضيع بعينها على صلة بالإسلام، كما أنّ المعاهد الجامعية الغربية باتت تحضّ الباحثين الراغبين في إنجاز أطروحات دكتوراه للكتابة عن الحركات الإسلامية أو المذاهب الإسلامية وغيرها من المواضيع ذات العلاقة بالإسلام.
أمّا البرامج التلفزيونيّة التي تصوّر حياة المسلمين في أكثر من قطر إسلامي فقد أصبحت من الكثرة بحيث يندهش المشاهد للقنوات الغربية لهذا السيل الإعلامي الذي يتناول ظواهر الإسلام والمسلمين في خطّ طنجة ـ جاكرتا.
ورغم جدارات برلين الاجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية والاستراتيجية المتعددة التي أقامها الغرب بينه وبين الإسلام منذ طرد المسلمين من الأندلس، ومروراً بالحركات الاستعمارية، ووصولاً بالغارة الكبرى على عالمنا الإسلامي، إلاّ أنّ الإسلام استطاع أن يصل إلى جغرافيا الغرب، تماماً كما تمكن الغرب من الوصول إلى مواقعنا على متن البواخر الشراعية فالبواخر الحربية والطائرات. والمفارقة الأساسية بين قدوم الغرب إلى مواقعنا الجغرافية وذهاب الإسلام إلى مواقع الغرب الجغرافية تكمن في أنّ المعسكر الغربي قدم إلى مواقعنا بقوّة السلاح بينما ولج الإسلام الخارطة الغربية بقوته الذاتية منذ فتح الأندلس وإلى يومنا هذا. بالإضافة إلى ذلك فإنّ حركة انتقال المسلمين من الإسلام إلى النصرانية ضئيلة للغاية إذا ما قورنت بحركة الأسلمة وسط الشباب والشابات والأكاديميين الغربيين التي باتت ظاهرة في حدّ ذاتها.
وهذه الحركية التي يتمتّع بها الإسلام في الغرب لم تكن وليدة تخطيط معمّق واستراتيجية دقيقة من قِبَل مسلمي الغرب الذين لجأ ثلثاهم إلى الغرب بداعي تحسين الوضع الاقتصادي أو الفرار من الوضع الاجتماعي أو السياسي القائم في واقعنا العربي والإسلامي، بل إنّ جزءاً كبيراً من جاليتنا العربية والإسلامية أساءت إلى حضارتها وحدّت من حركية الإسلام في الغرب ولو بشكل محدود، بل إن الإسلام يملك عوامل القوة الحضارية الذاتيّة.
فماذا لو كان للمسلمين في الغرب تلك الاستراتيجية التي بموجبها يصلون إلى العقل الغربي عبر تفعيل حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الغربية، وعبر تملّك وسائل إعلام هادفة؟ فلو تحققّت هذه المعادلة أي حيوية الإسلام مضافاً إليها وعي المسلمين في الغرب لأمكن في ظرف وجيز أن يصبح الإسلام ظاهرة حضارية وفكريّة راقيّة، وقد صدَّق ذلك الأستاذ الأوروبي الذي أسلم وقال لأحد علماء الأزهر: «أدرِكوا أوروبا بإسلامكم قبل أن تتهندس أو تتبوّذ» أي تصير هندوسيّة أو بوذيّة.
ومع كل ما جئنا على ذكره فقد أصبح مستقبل الإسلام في الغرب سؤالاً ملحّاً ومكرراً لعشرات الدوائر والمعاهد، وأفرز هذا السؤال مجلدات وكتباً من الأجوبة، وما زال يحرك العديد من الخلايا الدراسية في الدوائر الحسّاسة والمراكز الاستراتيجية السريّة والمعلَنة أحياناً.
وتذهب بعض هذه الدراسات التي وُضِعت من قِبَل منظِّرين غربيين إلى أنّ الإسلام في الغرب أصبح حقيقة قائمة لا مناص منها ولا مفر، فلا يخلو شارع أوروبي من مسجد أو امرأة محجبة أو مدرسة إسلامية أو ملحمة كُتِبَ على بابها: نبيع اللحم المذبوح شرعياً، أو لحومنا مُذَكَّاة على الطريقة الإسلاميّة، وغير ذلك من التمظهرات الإسلاميّة.
كما أنّ بعض هذه الدراسات تؤكّد أنّ ملايين المسلمين أصبحوا أوروبيين بحملهم الجنسيات الأوروبية، وأنّهم متساوون في الحقوق والواجبات مع السكّان الأوروبيين الأصليين، لهم أن يصوتوا، ولهم أن يشكّلوا أحزاباً؛ ولهم أن يفتحوا إذاعات وتلفزيونات وما إلى ذلك. والأخطر ما في هذه الدراسات الإشارة إلى أنّ التكاثر بين المسلمين الغربيين في اضطراد بينما النسمة الغربية آيلة إلى الشيخوخة، وقد أشارت دراسة حديثة إلى أنّ نسبة المتقاعدين من الغربيين بعد عشر سنوات سيكون مذهلاً، والذي سيعوّض مناصب الشغل سيكونون من المهاجرين العرب والمسلمين وبقيّة القادمين من العالم الثالث؛ ومعنى ذلك أنّ المسلمين سيدخلون في قلب المعادلة الاقتصاديّة للغرب، والغرب يعتبر أنّ أمنه الاقتصادي كأمنه السياسي.
- خطط للمستقبل:
يعتبر الغرب شغوفاً إلى أبعد الحدود بالدراسات المستقبلية والاستشرافيّة Futurlogie وقد أوجد لهذا الغرض مئات المراكز الاستشرافية التي ترصد حركة المستقبل؛ في الوقت الذي يخلو فيه العالم العربي والإسلامي من أي مركز من هذا القبيل، وتداركاً للموقف وإنقاذاً للمستقبل الغربي من الأسلمة الزاحفة ذاتيّاً بدأت الدوائر الغربية في وضع خطط تُعنى بالقضاء على شبح الأسلمة الذي قد يهدد مستقبل الغرب. ومن هذا الخطط فصل الجيل المسلم المولود في الغرب عن آبائه عبر بذل جهد مضاعف لجعل هذا النشء الإسلامي ذائباً في الخارطة الغربية منسجماً مع ثقافتها وعقيدتها، وقد حقق في هذا المجال بعض النجاح؛ حيث بات مألوفاً أن يصبح للشابة المسلمة عشيق غربي يعاشرها ساعة تشاء، وقد يحدث أن تجلب عشيقها هذا إلى بيت أبيها كما حدث مع عشرات العوائل المسلمة، وعندما أراد الأب المسلم أن يقوِّم سلوك ابنته، هرولت البنت إلى سمّاعة الهاتف واتصلت بالشرطة ـ والعجيب أنّ الأطفال يُلَقَّنون في المدارس من قِبَل المعلمين أنّه إذا نشبت بينكم وبين والديكم خلافات فعجّلوا بالاتصال برقم هاتف الشرطة، وهو رقم يسير ويحفظ في ثوانٍ في معظم الدول الغربية، وعندها تتدخّل الشرطة لحماية البنت من معتقدات أبيها، وقد تُمنح بيتاً لوحدها لتواصل رحلة العشق ـ نسأل الله العافية.
وحدث مرّة أن نهر أب مسلم ابنه المراهق الذي استقدم فتاة أوروبية إلى بيت أبيه ليمارس الجنس معها، فاتصل الابن بالشرطة التي وصلت إلى بيت والد هذا الشاب في ظرف دقائق معدودات، ووجهت إنذاراً للأب؛ حيث قال الشرطي لوالد الطفل وبصريح العبارة: ابنك حرّ في عورته أو آلته التناسلية وليس لك عليه سلطان، وإذا نهرته مرة أخرى فمآلك السجن. ومثل هذه القوانين شجعت الأبناء المسلمين وكذا البنات على الخروج عن طوع آبائهم والعيش بمسلكية الذين يعتبرون الشرف والقيم من الأساطير المنقرضة.
وهناك استراتيجية أخرى يتمّ تنفيذها في الغرب وهي التسهيل والحث أحياناً على الطلاق بين المرأة والرجل المسلميْن، باعتبار أنّ الأبناء تضمحلّ شخصيتهم وتضعف في ظل أسرة هزيلة ومشتتة، وقد يحتدم العراك بين الرجل وزوجته وعندها تحكم المؤسسات الاجتماعية بعدم أهلية هذه الأسرة لرعاية الأطفال؛ باعتبار أنّ الأطفال يحتاجون إلى دفءٍ عاطفي وحنان واستقرار نفسي؛ وهذا الحكم كفيل بتوزيع الأبناء على العوائل الغربية.
وقد أصدرت بعض الدول الغربية قوانين تنص على حقّ رعاية المجتمع للأطفال الذين ينتمون إلى عوائل متدنية الدخل، وأغلب هذه العوائل عربية وإسلامية، وهذا القانون يجعل الأطفال تحت رعاية عوائل غربية تلجأ إلى تغيير أسمائهم وتعويدهم على التردد على الكنيسة أسبوعياً، وفي أحايين كثيرة لا يوافق الوالدان على ما يجري لأولادهم لكنّ حجّة المؤسسات الاجتماعية الغربية أنّ الطفل يجب أن لا ينشأ في بيئة عنيفة، والمقصود الخصام المتواصل بين الرجل وزوجته.
كما أنّ المدارس الغربية باتت تركّز على تدريس (مادة الجنس) وهي مادة ضرورية؛ وأحياناً ورغم أنّ الصف يكون معظمه من المهاجرين العرب والمسلمين فإنّ المعلمة تسترسل في توصيفات من شأنها أن تفجّر الشهوات المكبوتة لدى الأطفال وخصوصاً في سنّ المراهقة، وهذا ما يجعل نسبة الفساد الخلقي بين الأطفال المراهقين مرتفعة بشكل كبير، وكثيراً ما تدعو البنت الغربية الطفل المسلم إلى أن يطبّق معها ما درسوه أو شاهدوه، وقد بدأ يشاع بين الفتيات الغربيات أنّ العربي أو المسلم وكذا الإفريقي ذو فحولة جنسية، ولذلك تسعى هذه الشقراء أو تلك لاصطياد هذه الأصناف المطلوبة وسط برودة الإنسان الغربي الذي ملّ من هذه الأمور. وقد بدأت بعض الجهات بترشيد هذا المناخ والاستفادة منه لتحقيق المراد المعروف.
وفي نظر هؤلاء الاستراتيجيين فإنّ أبناء المسلمين هم الأقدر على نقل حضارة الإسلام إذا كانوا واعين إلى الأطفال الغربيين؛ لأنّهم يتقنون اللغة كأبناء البلد، ويعرفون عقلية الأولاد الغربيين، بالإضافة إلى أنّ أبناء الغربيين فارغون عقائديّاً ودينياً، ويسهل تعبئتهم وتقديم البديل الإسلامي إليهم؛ ومن هنا كان الحرص على تدميرهم وفصلهم عن هويتهم. وبالإضافة إلى ذلك فقد يصادف أن يصبح أحد أبناء المسلمين من صنّاع القرار في الغرب، ولا إشكال لدى الغربيين إذا كان صانع القرار الغربي يدعى محمداً إذا كانت مسلكيته غربية قحّة، والإشكال فيما لو كان محمد الواصل إلى دوائر القرار يقتدي بمحمّد الذي أوصل الإسلام إلى المعمورة قاطبة.