خواطر في الدعوة
بين الشيوخ والشباب
محمد العبدة
لا أعتقد أن التشدد أو التساهل كلمتان مناسبتان لوصف داعية إسلامي أو اتجاه
إسلامي، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- غضب غضباً شديداً عندما رأى معاذاً
رضي الله عنه يطيل في القراءة في الصلاة وهو إمام وقال له: أفتان أنت يا معاذ؟
فالمتشدد، يوحي للناس بشكل غير مباشر أن هذا هو الإسلام، وقد يصرف بعض
الناس عن الخير، والمتشدد كأنه يتمنى في داخله لو أن الإسلام أمر بهذا أو شدد في
هذا، وهو في هذه الحال يضيق على نفسه وعلى المسلمين، ويحاول أن يفهم
النصوص فهماً خاصاً، وقل مثل ذلك في المترخص أو أكثر فهو يحاول التهرب
من النصوص أو الالتفاف عليها، ويتقرب من الناس ويشعرهم أن الإسلام ليس
بالذي يتصورونه، ويضغط عليه أقوام يريدون (فتاوى) جاهزة تناسبهم، فإذا
استجاب يطلبون منه أكثر، ودين الله بين الغالي والجافي، وأظن أن المسلم يعرف
هذا من نفسه إذا راقبها، وبحث في داخلها، هل يميل إلى التشدد لشهوة في نفسه أم
لا؟ وكلا الطرفين فيه شهوة خفية.
التقيت بشباب يميلون إلى التشدد، لا نتهمهم في إخلاصهم وحبهم لهذا الدين،
وحبهم لنشره بين الناس وتطبيقه منهجاً وسلوكاً، ولكنهم أتوا من قبل قراءاتهم
للكتب وقلة العلماء الربانيين الذين يوجهونهم ويوضحون لهم كل مسألة، صغرت أم
كبرت، فظهر لهم بعد طول القراءة، أن هذا من السنة، وهذا من السنة ولا
يفرقون بين السنة التي نؤمر بها على وجه المتابعة والتعبد والمشروعية، وبين
السنة التي فعلها الرسول -صلى الله عليه وسلم- على وجه العادة في قومه وكونه
بشراً، وإلى هؤلاء نقول: ارفقوا بأنفسكم وبالمسلمين؛ نحن لا ندعوكم إلى
التساهل أو ترك شيء من الإسلام، ولكن تأكدوا قبل أن تلتزموا بشيء أو تلزموا
الناس، تأكدوا من مشروعيته، ثم كيفية عرضه على الناس، وإلا جاءت النتائج
بعكس ما تؤملون، إنكم تريدون الخير للمسلمين، وتجدون الإعراض عنكم.
وفي الأسبوع الذي التقيت فيه بهؤلاء الشباب قرأت مقابلة في إحدى الصحف
لأحد الشيوخ الدعاة، تكلم فيها عن المرأة وصب جام غضبه على الإسلاميين الذين
يخنقون أنفاسها، ولا يبرزونها لتكون قائدة من قواد العمل الإسلامي، ويقول:
(ورغم أن المرأة ذهبت للجامعة وخرجت للعمل والسوق، ولكنها لا تزال محرومة
من الصلاة في المساجد (يقصد الصلوات الخمس)) . نحن لا نقلل من أهمية فهم
المرأة للإسلام ودورها في ذلك، ولكن لماذا يستدرج الدعاة دائماً للكلام عن المرأة
وكأنها هي المشكلة الرئيسية، فإذا حلت هذه المشكلة حلت كل المشاكل، وهذا ديدن
الصحفيين، يريدون (الفتاوى) التي تعجبهم لينشروها بين الناس، وفي تلك المقابلة
قال الشيخ: (إن الديمقراطية المعاصرة هي الشورى الإسلامية) هكذا وبكل بساطة
وسهولة. مع أن الخلاف بينهما كبير (وليس هذا مجال تفصيله) ولكنه لو قال: إن
الإسلام يكره الاستبداد؛ والديمقراطية - على ما فيها من خلل كبير وهذا يعترف به
الغربيون - هي أفضل من النظم الدكتاتورية لكان كلامه صحيحاً. أما أن تكون
الديمقراطية التي تمارس الآن هي الشورى الإسلامية أو صنواً لها فهذا تساهل،
والفتوى أمانة برقاب العلماء، والصراط المستقيم الأعدل هو المطلوب.