عماد عبد العزيز
إن أمر تكريم الإسلام للمرأة، واحترامه لها ولمكانتها لا يحتاج إلى برهان؛ فهذه نصوص الوحيين: الكتاب، والسنة؛ تزخر بالحث على الاهتمام بها سواء كانت أماً أو أختاً أو بنتاً أو زوجة؛ حيث شُرِعَ لها من الحقوق، وأوجب عليها وعلى المجتمع من الواجبات ما يجعلها تعيش عزيزة مكرمة وبما يتناسب مع بنائها الجسمي والنفسي الذي فطرها الله عليه. ولقد كانت المرأة المسلمة هدفاً لمخططات أعداء الإسلام؛ وذلك تحت شعارات عدة رفعها الأعداء أو من يسير في ركابهم ويدعو بدعوتهم ممن يُحسَبون على المسلمين؛ والإسلام وأهله منهم براء، ولعل أشهر تلك الشعارات شعار (تحرير المرأة) هذا الشعار الذي يُراد منه تحرير المرأة من الطهر والفضيلة التي أرادها رب العزة لها.
لقد أدرك الأعداء أن المرأة إذا فسدت أخلاقها كانت سلاحاً فتاكاً ينخر في كيان المجتمع من الداخل، فيميع الأمة ويجعلها تتخلى عن قيمها ومبادئها، ويغرقها في الشهوات ومن ثَم يسهل السيطرة عليها. كما أدرك الأعداء أن العكس صحيح؛ فالمرأة المتمسكة بدينها وقيمها وعفتها تمثل سداً منيعاً أمام مخططاتهم مانعاً لهم من تحقيق أهدافهم.
- طرق الأعداء في استهداف المرأة:
أصبحت المرأة العراقية هدفاً مركزياً من أهداف الاحتلال في العراق؛ فقد استهدفوها بجميع الوسائل وبمختلف الطرق؛ فهي مستهدفة فكرياً واقتصادياً واجتماعياً وشخصياً؛ وسأفصل في بيان معاناة المرأة العراقية في كل ذلك مع بيان ما يُخطط لها ويراد بها من كيد الأعداء:
على الصعيد الفكري: تشير الوثائق الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية منذ بداية الاحتلال إلى المشاريع والبرامج المعدة لمحو شخصية المرأة العراقية، وتغيير منظومة قيمها الإسلامية من أجل تطبيعها وتطويعها لتقبل الفكر الغربي ومنظومة القيم اللا أخلاقية التي تعيش فيها المرأة الغربية وتعاني منها أشد المعاناة، ومن ثَم تتقبل فكرة الشرق الأوسط الجديد الذي يعد المشروع الاستراتيجي للإدارة الأمريكية والمحافظين الجدد الذين يسيطرون عليها، وأرادوا من احتلال العراق أن يكون بداية تحقيق مشروعهم. جاء في بيان حقائق صادر عن وزارة الخارجية في شباط/فبراير 2005م وتحت عنوان: (الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بدعم المرأة العراقية في المجالات المختلفة) أنه تم تدريب عدد من النساء العراقيات في برنامج مدته أربعة أشهر كجزء من مبادرة الشراكة الأمريكية ـ الشرق أوسطية.
وأشار التقرير إلى المبالغ المصروفة والمخصصة لمشاريع ومبادرات الدعم للمرأة في العراق والتي تدل على ضخامة المخططات المعدة للمرأة العراقية؛ فقد خُصص مبلغ نصف مليار دولار من المبالغ المخصصة من الحكومة الأمريكية لإعادة إعمار العراق في العامين السابقين لمشاريع تساعد المرأة العراقية بشكل خاص في عمليتي التنظيم الديمقراطي والمناداة بالأفكار الغربية ومناصرتها وحشد التأييد لها.
كما أن هناك مبالغ تصرف من منظمات غير حكومية من أجل تحقيق الأهداف نفسها منها (مبادرة ديمقراطية المرأة) ، كما أسست وزارة الخارجية العراقية الشبكة النسائية الأمريكية ـ العراقية.
وفي أوائل عام 2005م هيأت (الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية) الدعم لمنظمة غير حكومية في جنوب العراق تضم أربعمائة عضوة لإقامة ندوات حول مشاركة المرأة في الانتخابات وتقديم لمحة عن العمليات الديمقراطية في الخارج، وتهدف إلى زيادة مشاركة المرأة في النشاطات السياسية والاقتصادية والثقافية وفق المنظور الغربي.
كل هذه الأموال والجهود تبلورت بشكل جمعيات ومنظمات ونقابات مهنية ومراكز تدريبية تقوم بتنفيذ المخطط الأمريكي؛ فهناك (منظمة حرية المرأة) التي تعتبر أحكام الشريعة انتهاكاً لحقوق المرأة، وتدعو جهاراً لتغيير قانون الأحوال الشخصية ذي الصبغة الإسلامية؛ لأنَّ فيه ظلماً للمرأة وانتهاكاً لحقوقها ـ كما تزعم ـ وذلك؛ لأنه يقر مبدأ تعدد الزوجات، ولكون الطلاق بيد الرجل، وكونه يطبق نظام الإرث الإسلامي، بل تطالب المنظمة بأن لا يكون للشريعة الغراء دور في صياغة الدستور الجديد. وهناك (منظمة آفاق العراق الجديد) التي تلتئم أسبوعياً في (مركز بغداد المجتمعي) ؛ حيث تقدم لسلطة الائتلاف معلومات عن فرص العمالة والتدريب للنساء. كما تم افتتاح العديد من المراكز في بغداد والمحافظات؛ ففي بغداد هناك (مركز النخلة الخضراء،) و (مركز المنصور للفرص النسائية) ، و (مؤسسة مركز الحوراء) ، و (مركز الديوانية لحقوق النساء في الديوانية) ، و (مركز فاطمة الزهراء لحقوق النساء في الحلة) ، و (مركز ختوزين في أربيل للعمل الاجتماعي) ؛ كل هذه المراكز والعديد غيرها تمول من قِبَل الاحتلال الأمريكي.
وتسهم هذه المراكز والمؤسسات في نشر الفكر العلماني والإلحادي بين نساء العراق بحجة الديمقراطية والحرية والمساواة مع الرجل، وتدعو إلى الاختلاط بين الجنسين وعدم تجريم الزنا؛ كما تدعو إلى خلع الحجاب وتصمه بالتخلف. كما تشن هذه الجمعيات حملة إعلامية تتهم فيها الإسلاميين بالاعتداء على غير المحجبات وملاحقتهن وإلحاق الضرر بهن، وهي تستغل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيش فيها شعب العراق لاجتذاب المرأة العراقية إليها. وقد فرض الاحتلال على أتباعه ممن كان في مجلس الحكم فيما يسمى قانون إدارة الدولة المؤقت أن لا يقل تمثيل النساء في الجمعية الوطنية المنتخبة عن 25% من المقاعد؛ وذلك لإعطاء الحقوق الكاملة للمرأة.
وهناك وزارة تسمى (وزارة شؤون المرأة) وذلك مما يثير السخرية؛ فكأن المرأة شيء مستقل عن المجتمع. وفي الوقت نفسه يؤكد ما سبق إن قلناه إن هناك مخططاً كبيراً يعد للمرأة العراقية يريدون من خلاله تغريب المجتمع العراقي ونشر الفساد فيه.
- المعاناة الاقتصادية للمرأة العراقية:
يعاني الاقتصاد العراقي من تردٍ كبير في مستوى أدائه؛ فالبطالة ضاربة أطنابها في المجتمع؛ إذ بلغت الحضيض، ومستوى المعيشة للأفراد في أدنى مستواه. فباب التعيين مغلق، ونسبة البطالة 70% إلا في مجال الأجهزة الأمنية والشرطة والجيش؛ مما ولد معاناة كبيرة لدى الأسرة العراقية التي بات الكثير منها لا يستطيع توفير القوت اليومي.
وهذه المعاناة الجديدة جاءت بعد معاناة متراكمة من جراء الحصار الذي استمر أكثر من عقد من الزمن. وقد أدى ذلك إلى حدوث تفكك في بناء الأسرة؛ حيث اضطرت الأسر إلى عدم إرسال أبنائهم إلى المدارس ودفعهم بهم إلى العمل في مهن الشوارع التي تكون بيئة صالحة للانحراف. وجل هذه المعاناة وقعت على المرأة العراقية خصوصاً؛ أن المجتمع العراقي مجتمع نسوي؛ إذ تشكل النساء فيه نسبة 52% فوجد الكثير من النساء أنفسهن دون معيل، بل هناك من وجدنَ حسب تعداد 1997م أنفسهنَّ مسؤولات عن إعالة عائلة كبيرة، فدفع ذلك بعضهن إلى العمل في مهن لا تناسبهن، فانخرط قسم منهن في الشرطة والأجهزة الأمنية، وقسم منهن انحرف أخلاقياً بحجة الظرف الصعب مما أدى إلى تعرض العديد من النساء لأنواع متعددة من العنف، وظاهرة التجارة بالبشر انتشرت في المجتمع العراقي.
كما أدى الوضع الاقتصادي المتردي إلى عزوف العديد من الرجال عن الزواج مما أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة بين النساء العراقيات. وكل هذه المعاناة للمرأة العراقية تسير وفق مخطط معد لذلك.
- أصالة المرأة العراقية:
ولكن في المقابل هناك العديد من الصور المشرقة التي تؤكد أصالة المرأة العراقية واعتزازها بقيم دينها وأمتها. لقد سطرت المرأة العراقية من المواقف ما يجعلها مصدر عز وفخر. لقد سدت غيبة زوجها وابنها وأخيها المجاهد، فقامت بالأسرة ولم تجعلها تحس بغياب المعيل الذي يثخن بالعدو ويستشهد وهو يوصي إخوته بزوجته وبناته. وعندما يذهب الناس للتعزية ويعرضون المساعدة تقف المرأة المسلمة وقفتها فترفض المساعدة وتقدمها لإخوته ليستمروا في الدرب، وتقنع هي وعيالها بالعيش الكفاف، وتصبر وتُصابر وتنتظر نصر الله لعباده وهو قريب بإذن الله. ومن هذه النماذج الأخت (أم أحمد) من أهالي الدورة في بغداد؛ فقد كانت هذه الأخت نصرانية تعرفت على أبي أحمد في الجامعة وهداها الله على يده، فأسلمت وتزوجا، ولما دعا داعي الجهاد كان أبو أحمد ممن لبى النداء وأكرمه الله بالشهادة، فعانت الأخت من أسرة زوجها ومن أهلها، فأهل زوجها أهملوها وأهلها يدعونها إلى الرجوع إلى دينهم ويقدمون لها المغريات على ذلك، ولكنها بقيت صابرة محتسبة تعيل سبعة أطفال أكبرهم يبلغ العاشرة تعاني من شظف العيش، ولكنها بقيت على دينها وعهدها للعقيدة التي استشهد من أجلها أبو أحمد.
وقد أنشأت المرأة العراقية العديد من المنظمات والجمعيات النسوية الإسلامية التي أخذت على عاتقها تحصين المرأة العراقية ثقافياً واقتصادياً؛ حيث وفرت هذه الجمعيات النسوية فرص عمل للعديد من النساء؛ كما مدت يد العون والمساعدة لهن كالرابطة الإسلامية لنساء العراق، ورابطة المرأة المسلمة، ومنتدى المرأة المسلمة وجمعية الأخت المسلمة، والفرع النسوي في هيئة علماء المسلمين. ولقد انتشرت المحلات المختصة بملابس المرأة المسلمة والحجاب مما يدل على بداية صحوة جديدة تعيشها المرأة المسلمة في العراق؛ وكما قيل فإن المحنة أحياناً تتحول إلى منحة.
- الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة العراقية من قِبَل قوات الاحتلال كثيرة:
تقول الأخت فارعة رفاعي: «لا أعتقد أن هناك امرأة في العالم تتعرض للانتهاكات كما تتعرض له المرأة العراقية من إهانات وضغط نفسي. إن المرأة العراقية تؤخذ من منزلها حالها حال الرجل مقيدة اليدين من الخلف، وتُحمل على سيارة (الهمر) وتؤخذ إلى المعتقل بملابس البيت، ولا يسمح لها بوضع الحجاب على رأسها» . هذا وصف لبعض ما يجري للمرأة العراقية وما خفي كان أعظم.
إن الطريقة التي تداهم بها البيوت من قِبَل قوات الاحتلال أقل ما يقال فيها أنها طريقة وحشية تترك آثاراً نفسية صعبة على الأسرة؛ فضلاً عن الآثار المادية. إنَّ استخدام القنابل والمدرعات في فتح الأبواب، واستخدام القنابل الصوتية لإثارة الفزع لدى أهل الدار، وحشر النساء والأطفال في غرفة، وإهانة الرجال أمامهم بوضع الأحذية فوق رؤوسهم والاعتداء بالشتم؛ كل هذه الأمور المروعة اعتادتها المرأة العراقية.
بل لم تكن المرأة العراقية فقط مشاهدة لذلك؛ فقد حصلت على نصيبها من هذه الانتهاكات؛ فيعتدى عليها بالضرب إذا حاولت الدفاع عن زوجها ومقتنياتها الذهبية مما يبحث عنه المحتلون لسرقته مع الأموال الموجودة في البيت؛ وبكسر أثاث بيتها أمام عينها، ويتركون البيت مقلوباً رأساً على عقب. بل لقد أصبحت المرأة وسيلة من وسائل الضغط على الرجال، فيأخذها المحتل رهينة لإجبار الرجال على تسليم أنفسهم؛ وهذا من الحوادث المتكررة بكثرة.
فسجون الاحتلال تغص بمئات النساء المسلمات التي لا يُعلَم عددهن بالضبط؛ فقوات الاحتلال لا تقدم إحصاءً بالمعتقلين فضلاً عن المُعتقَلات، والمنظمات الدولية مغيَّبة وإن سمح لبعضها بزيارة بعض السجون فهي لا تطلع إلا على النماذج التي تعطي صورة حسنة عن قوات الاحتلال.
إن المرأة العراقية تعاني من قسوة السجون الأمريكية فهي تتعرض للتعذيب والضرب والإهانة وشتى أنواع العذاب منها ما يصل إلى الاغتصاب والقتل. ولا يصل إلى وسائل الإعلام من هذه التفاصيل إلا القليل؛ فمن يخرجن من السجون لا يستطعن الحديث عن كل ما يجري لهن بسبب الوضع الاجتماعي العراقي الذي تغلب عليه العادات العشائرية.
ولكن ما وصل من ذلك تشيب له الرؤوس؛ فكثيراً ما كان النساء يبقين فترة طويلة دون طعام، كما أنهن يحرمن من الذهاب إلى المرافق الصحية إلا في أوقات يحددها السجن، وعندما تذهب إلى المرافق تمنع من وضع ستار يسترها، كما أنه لا تتوفر شروط الرعاية الصحية للسجينات. إنَّ تعرية الرجال وإدخالهم إلى سجون النساء وإبقاءهم مدة من الزمن داخل هذه السجون من الأمور التي تكررت بكثرة، وكانوا يركزون على العلماء والشيوخ وكبار السن في ذلك. وكذلك ممارسة الجنس أمام السجناء سواء المجندات مع السجناء أو الجنود مع المعتقلات أو الكفرة فيما بينهم.
هم يريدون إرسال رسالة للشعب المسلم بأننا نحاربكم بأعز ما تعتزون به وهو شرفكم، ولكن هيهات! لقد تحولت هذه السجون بفضل الله إلى دورات روحية يخرج منها العراقيون أكثر إصراراً وعزيمة على مواصلة الدرب، فكم من أخ وأخت أُخِذَ بطريق الخطأ فخرج من السجن مجاهداً يطلب الشهادة في سبيل الله، والنساء يخرجن عازماتٍ على مواصلة الدرب ولسان حالهن يقول للكفرة: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72] .
لقد ساهمت المرأة العراقية بقوة في مقاومة المحتل بوسائل فريدة ومؤثرة كانت محل الإعجاب والتقدير ثبتها الله وربط على قلبها لمواجهة ما تعانيه من ضر.
هذه بعض من صور معاناة المرأة العراقية. قد تكون محنتها عظيمة، ولكنها جزء من معاناة الشعب المسلم في هذا البلد. إنَّ ما يتعرض له العراقيون وخصوصاً أهل السنة فيه لم يتعرض له شعب على مر التأريخ، ولكن الله معه وناصره لا محالة ما دامت بشائر العودة إلى الدين تنتشر بقوة بين نساء المسلمين ورجالهم؛ هذه العودة هي التي تبعث على التفاؤل بنصر الله رغم المحن {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55] .