جُبِلَتْ مجتمعاتنا الإسلامية على احترام من يدعوها إلى ربها، ويبصِّرها بأمر دينها، حتى صار المتطاول بباطل على أحد منهم منبوذاً مردوداً عليه من عامة أفراد المجتمع؛ فكيف بخاصته؟
وفي زماننا هذا ـ الذي كثر فيه حزب الشيطان، وعظم تواصي أبناء هذا الحزب على إزهاق الحق وتشويه حَمَلَته ـ تنامت ظاهرة تجريح علماء الإسلام والتحامل الجريء على أطروحات دعاته بصورة قد يوصلها في المنظور القريب إلى حد المشكلة إن لم تتنامَ إلى مرحلة الأزمة.
ومن كثرة الطَّرْق وشدته عبر وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال المتعددة صار يمارس ذلك النقد المتحامل فئات من أبناء المجتمع ـ الذين لا يشك في صدق تدينهم بل وحتى في صحة الباعث لديهم ـ تضخيماً منهم لأخطاء واقعة في صفوف الدعاة من جهة، ولتأثرهم بشبهات حزب الشيطان وأصواتهم العالية من جهة ثانية.
والمهم ليس ما يفعله أعداء الإسلام وطلائعهم من أبناء جلدتنا؛ إذ إن طبيعة الصراع وغياب البعد الأخلاقي لدى عامتهم تجعل ذلك هو المتوقع منهم، بل المهم هو: مدى قدرتنا على تجاوز ذلك التجريح والنقد المتحامل والتفريق بينه وبين النقد الموضوعي، ومدى قدرتنا على إدارة ذواتنا، والتركيز على التوجه نحو أهدافنا بعزيمة وإصرار دائبين دون الشعور بإحباطٍ أو انشغال بردّات فعلٍ تُفرح (الآخر) وتجعله يستعر في حملته.
إن طبيعة المرحلة التي نمر بها تحتم على أهل العلم والدعوة التواصي بالصبر، والتنازل عن كثير من حقوق النفس في ذات الله ـ عز وجل ـ والتدرب على امتلاك مهارات الحوار، وتحمُّل النقد الجائر والتجريح المتعمد بصورة تحول دون تحقيق مآرب (الآخر) ، وتمكن في الوقت ذاته من تفهُّمه وتقبُّل ما لديه من حق؛ إذ إن الحكمة ضالة المؤمن وحيثما وجدها أخذها؛ فهو أحق بها.
ولنا في إعراض الرسول الخاتم -صلى الله عليه وسلم - عن سفاهات قومه وسبابهم المقذع، واشتغاله بتبليغ ما أنزل إليه من ربه عظيم الأسوة.
وهذا بكل تأكيد لا يتنافى مع الحاجة إلى الاحتساب على بعض رموز تلك الحملة المغرضة من قِبَل بعض الغيورين القادرين على ذلك، لكن بشرط أن يتم ذلك بصورة لا إغراق فيها ولا تضخيم.
اللهم ألهمنا رشدنا، واحفظ علينا ديننا، ووفقنا إلى ما يرضيك عنا، إنك الرحمن الهادي إلى سواء السبيل.