د. يوسف بن صالح الصغير
لقد اكتملت في أوزبكستان الشروط اللازمة لإطلاق يد النظام في تطبيق مبادئ العدالة المطلقة وفق المعايير الجديدة التي تسمح بل تشجع ممارسة القتل والتعذيب واستعباد الشعوب إذا وجدت الأسباب، وانتفت الموانع.
إن النظام في أوزبكستان يقوم على الأشخاص أنفسهم الذين كانوا يحكمون ايام النظام الشيوعي؛ فلقد سقط الاتحاد السوفييتي وبقي الحزب الشيوعي يتحكم بصورة مطلقة وبدون مرجعية في الشؤون الداخلية مما ضاعف من مستوى القمع والفساد حتى إن عامة الناس يحنون لأيام (بريجنيف) و (جورباتشوف) فقد بلغ الإرهاب السياسي للمعارضين حداً جعل السفير البريطاني السابق (كرايج ميوري) ينتقد سياسة الحكومة الأوزبكية؛ حيث أرجع السبب في الأحداث الجارية إلى الدعم الأمريكي والبريطاني المستمر للرئيس (إسلام كريموف) ، وكان السفير قد أوقف عن العمل العام الماضي واستدعته الحكومة البريطانية للتشاور معه بسبب تصريحاته المنتقدة للإدارة الأمريكية بسبب تأييدها للنظام الاستبدادي من أجل الحفاظ على مصالحها بالمنطقة.
لقد تمادى النظام في سياسة القمع حتى بلغ حد اعتقال رجال أعمال متدينين لمجرد أنهم يقدمون خدمات اجتماعية للفقراء والمعوزين في منطقة وادي فرغانه المهمل مما حدا بالناس للتظاهر في مدينة (إنديجان) ثم تطورت الأحداث الى اقتحام السجن وإطلاق حوالي ألفي سجين. نعم ألفا سجين أُطلقوا من سجن واحد، وكان الرد سريعاً؛ فقد وصل الرئيس إلى المدينة، وأشرف على تهدئة الأوضاع. ولنترك الفرصة لإحدى الفارات من المدينة لتصف ما حدث:
تقول «سوفاهوان» التي فرت من المدينة بأطفالها الأربعة: «إنهم نشروا قناصين في كل مكان.. ولم يراعوا مَنِ الذي يطلقون عليه النار. رأيت المئات من الأشخاص سقطوا قتلى في الشوارع. رأيتهم يطلقون النار على الصبية والنساء والأطفال» . وأضافت: «إن القوات الحكومية كانت تطلق النار على الحشود المحتجة. إنهم كانوا يطلقون النار علينا من طائرات الهليكوبتر. الناس أصبحوا حيارى يجرون في كل مكان، يحاولون الاختباء في المباني أو خلف السيارات» .
إن حصيلة الأحداث التي اندلعت في عدد من البلدات والقرى يتراوح بين 500 قتيل وفق الحكومة إلى أكثر من ألفين وفق المعارضة؛ مع غياب مصادر مستقلة؛ لأن الحكومة قد قامت بطرد جميع المراسلين من المنطقة أثناء الأحداث. إن اللافت للنظر هو التأييد الذي يتمتع به النظام في كل من الولايات المتحدة وروسيا؛ حيث نجح في تطبيق الشروط المطلوبة التي تتلخص في:
1 - التنازل عن السيادة ورهن البلد للمصالح الأجنبية (الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل) بدءاً من القواعد العسكرية إلى السيطرة الاقتصادية والثقافية.
2 - قمع المعارضة إذا كانت إسلامية. ولذا يحرص النظام على وصف أي معارضة أنها تتبع حزب التحرير، بل زايد وزير الخارجية الروسي الذي وصف المتظاهرين بالإرهاب وأنهم أتباع طالبان. أما (ريتشارد باوتشر) المتحدث باسم الخارجية الأمريكية فقد عبر عن قلق الولايات المتحدة بسبب الهجوم المسلح على السجن وإطلاق سراح متهمين بالتطرف.
إن على النظام أن يستمر في تقديم القرابين للأسياد قبل أن تقوم مظاهرات تطبق في حقها مبادئ حقوق الإنسان بحرية الاحتجاج وإسقاط النظام الفاسد كما حصل في قرغيزستان المجاورة. إنها معادلة واضحة المعالم: (قم بما يجب عليك) أو (ارحل غير مأسوف عليك) ولا تنس (صدام) و (عرفات) !