مشاهدات في أوربا
الجدار الذي تحطم
محمد سليمان
عندما تعبر الحدود من ألمانيا الغربية وتضع قدمك في ألمانيا الشرقية تنتقل
إلى عالم آخر، عالم مختلف تماماً، فجأة ترى الوجوه العابسة البائسة، وجوه
الجنود الموظفين الذين يخاف بعضهم بعضاً (فالتجسس من أهم مواصفات المجتمع
الشيوعي) ومع ما حصل من التغيرات ولكن أثر التربية الشيوعية والإرهاب
والتجويع لا يزول بسهولة.
وإذا تقدمت خطوة أخرى واجتزت الحدود، وبعد ساعات من المسير تطلب
مكاناً ترتاح فيه قليلا من وعثاء السفر، ولكن هيهات، فتستمر في السير حتى
تصل برلين الغربية، وهي جزيرة من الغرب في وسط ما سمي بالديمقراطيات
الشرقية، قال لي أحد الأصدقاء في برلين الغربية وهو بائع للفواكه والخضار:
عندما دخل أهل برلين الشرقية لأول مرة، ورأى الأطفال منظر البرتقال والعنب
والموز لم يصدقوا، كانوا يصيحون بأعلى أصواتهم: ماما هذا برتقال، هذا عنب. مساكين كانوا يرونه في الصور فقط، يقول هذا الصديق: كان منظراً محزناً،
فالأب والأم لا يستطيعان شراء هذه الفواكه لأنها مرتفعة الثمن بالنسبة لعملتهم،
فقلت له: هذه ألمانيا الشرقية فكيف بباقي دول أوربا الشرقية التي هي أقل منزلة
والحالة فيها أسوأ.
وعندما تصل برلين الغربية لا بد أن تذهب لترى الجدار الذي تحطم، الجدار
الذي فصل بين أهل المدينة الواحدة بين الأقارب والجيران لأكثر من سبعة وعشرين
سنة، وكان الحراس يقتلون كل من تسول له نفسه بالهرب، ولكنه الآن بلا حراس
والناس يكسرون منه قطعاً للذكريات وفي بعض المناطق فتحوا ثغرة فيه، لا شك
إنها لحظات تاريخية ومنظر مؤثر في النفس، لقد جرى التغيير بسرعة هائلة، من
كان يصدق أن هؤلاء الجنود الذين يقفون عند بوابة (بردنبرغ) يرون الناس
يحطمون الجدار ولا يكلمونهم، بل إنك تنظر في وجوه الجنود وعيونهم تجد فيها
نوعاً من الذل.
سبحان الله، متى تتحطم الجدر عندنا، هذه الحدود الوهمية التي رسمت لنا،
أو على الأقل متى تلغى التأشيرات والعوائق بين البلاد العربية والإسلامية؟ .