نريد أن نجتمع على طريق صحيح مضمون
حاوره في صنعاء: عبد الله بن محمد العسكر
يشدك ببشاته ولين جانبه وتواضعه الجم، ويأسرك بقوة حجته والتزامه المنهجي،
البيان: بدايةً نرحب بكم فضيلة الشيخ بين إخوانكم في مجلة البيان في هذا اللقاء المبارك.
- شكراً لكم ولهذه المجلة التي سدت ثغرة في ميدان الصحف والمجلات الإسلامية، نسأل الله لها النجاح والتوفيق.
البيان: استأذنكم فضيلة الشيخ في طرح ما عندنا من أسئلة.
البيان: الهجمة الغربية على أمتنا تزداد إطباقاً وشراسة؛ فما الدوافع الحقيقية لتلك الهجمة، وكيف يرى فضيلتكم السبل المثلى للمدافعة؟
- الدوافع الحقيقية: ضعف المسلمين، وأطماع الحاقدين. الطامعون يرون ثروات عظيمة: 70% من البترول في العالم في بلاد المسلمين، 60% من الثروات المعدنية في بلاد المسلمين، ثروات أخرى كثيرة في بلاد المسلمين. وشعوب ضعيفة وحكومات ضعيفة، وكيانات سياسية لا يقوى أي كيان فيها على أن يدافع عن نفسه إذا اعتدي عليه، ولا يقوى أي كيان فيها أن يستغني بموارده إذا ما حوصر؛ فهم مطمع، كما قال -صلى الله عليه وسلم -: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها» .
لو كنا أقوياء، وكان لنا كيان سياسي، وكيان عسكري قوي، لم يطمع فينا طامع؛ فضعفنا، هذا هو السبب الأكبر، أما الطامعون؛ ممن لا تحكمهم قيم، ولا مُثُل ودين، ولا يهمهم من حياتهم إلا هذه الحياة الدنيا؛ فهؤلاء من شأنه أن يبحثو عن أكبر مصلحة لهم، وأكبر متعة ولو أخذوها من غيرهم ولو اعتدوا على غيرهم.
وإن من السبل المثلى للمدافعة هي أن نكون أقوياء بمعنى الكلمة:
أولاً: بقوة إيماننا.
ثانياً: بقوة وعينا.
ثالثاً: بقوة وحدتنا.
رابعاً: بقوة عدتنا.
هذه أربعة أمور أساسية تجعلنا أقوياء نستحق معها نصر الله، وحتى نستحق الدفاع الإلهي. يقول ـ جل وعلا ـ: {إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38] .
{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]
البيان: كيف نفعِّل تلك القوى الأربع؟
- لكي نفوز في الدنيا والآخرة لا بد لنا من الإيمان، والعناية به، والاهتمام به، وتقويته.
وأما قوة الوعي فبوجود مراكز بحوث ودراسات، ووجود وسائل إعلام؛ بحيث يتوعى كل القائمين على عملية التعليم والدعوة، والإعلام والتوجيه في البلاد، حتى تُبَصَّر الأمة بحقائق ما يدور حولها، وبالأساليب التي تنفعها للسير نحو أهدافها.
أما قوة الوحدة فأنا أطلب من كل غيور على هذه الأمة أن يطالب الحكومات بالسير نحو اتحاد إسلامي على غرار الاتحاد الأوروبي، والذي يُبقي لكل دولة خصوصيتها، ولكل زعيم شعبه، ولكنه يجمعهم في اتحاد حول القضايا الأساسية التي تغنيهم جميعاً، وهذا الأمر إذا تحقق يصبح لنا كيان يتناسب مع حجم أمتنا، ومع تعاليم ديننا، ومع طبيعة عصرنا الذي نعيشه، ويجب أن يواجه الحكام بأن سياستكم هذه الانفصالية الانطوائية المحدودة الضعيفة لا تنفعكم في الدفاع عن وجودكم، ولا عن أنفسكم ولا عن شعوبكم، ماذا تملك دولة مقوماتها تعجز عن أن تدفع العدو أو تدفع حصار العدو؟ وما قيمة هذا الكيان؟ يجب أن يفهم الناس أننا أمام مصير: أن نكون أو لا نكون، وأن نحفظ أنفسنا أو أن نضيع؛ فلا بد من فكرة وحدوية إسلامية، تدفع في هذا الاتجاه، وتحقق ما يمكن عمله، مع إرضاء كل دولة بخصوصيتها، وكل زعيم بزعامته.
وأما قوة العدة فهي نتيجة حتمية، عندما تكون أمة لها اتحاد قوي، فسوف يبحث هذا الاتحاد عن وسائل الدفاع عن نفسه أمام العدوان، وأن تكون الإمكانات هائلة والقدرات قوية واسعة؛ فنحن لدينا دولة إسلامية لديها السلاح الذري، وربما نسمع عن دول أخرى تملك السلاح الذري، ونحن شعوب كبيرة وجيوش كثيرة، ودول تصنع كافة أنواع الأسلحة، وهذا يحتاج إلى توجه جماعي قوي، وعندئذ سيحترمنا الناس والأعداء، والناس عموماً يحترمون القوي.
فالخلاصة: الطريق الأمثل قوة في دين، وقوة في وحدة، وقوة في أسباب الدنيا.
البيان: تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تطويع الأنظمة العربية لتقوم بعملية التطبيع مع دولة الاحتلال الصهيوني؛ فما دور الشعوب المسلمة في مواجهة ذلك؟
- العمل والاستنكار والرفض بالوسائل السلمية التي بين أيديهم.
البيان: هناك جهد دؤوب يمارسه الغرب، وطلائعه في بلادنا لتحريف الشريعة الإسلامية، وتغيير المفاهيم الإسلامية من خلال سبل شتى من أبرزها استهداف مؤسسات التعليم الإسلامي ومناهجه؛ فكيف ينظر فضيلتكم إلى ذلك من خلال تجربتكم الثرية في الدفاع عن جامعة الإيمان؟
- هذا الأمر منطقي، قوتنا في ديننا، وتعليم ديننا، وضمان واستمرار معناه الضمان، واستمرار القوة في كياننا.
وأمريكا اليوم تريد أن تفرض هيمنتها علينا وعلى العالم، ولن يتحقق لها الهيمنة على العالم إلا بإضعاف العالم، وبإضعاف من تريد أن تخضعهم لنفوذها، لذلك كان لا بد من إضعاف مصادر القوة عند المسلمين وعند غيرهم ممن تريد أن تطوعهم لهيمنتها وسيطرتها، وهي بالنسبة لنا ـ نحن المسلمين ـ تبنت إضعافنا؛ فالاستيلاء على منابع النفط لإضعاف اقتصادنا، ونشر قواعدها العسكرية لإضعاف قوتنا العسكرية، ومحاولة تجفيف منابع العلم في الشرع، وتغيير مناهج العلم لإضعاف عقيدتنا وإيماننا وقوتنا المعنوية، وتفريق صفوفنا، والحيلولة دون اجتماعنا لمنع قوتنا السياسية، وارتباطنا السياسي مع بعضنا، وهذا منطقي؛ فمن يريد أن يفرض سيطرته على فئة من الناس يجب أن يمزقهم بسياسة (فرق تسد) ، وأن يضعفهم حتى يستسلموا له؛ مما يوجب علينا أن نأخذ بأسباب القوة، حتى نكون أقوياء أمام هؤلاء، طبعاً (فلكل مقام مقال) فيجب في خطابنا الدعوي أن نوضح لهم أنهم يعتدون على خصوصياتنا، كما قالوا إن قرآنكم غلط، وسنأتيكم بقرآن جديد، فهم ينكرون قرآننا ويجحدونه، ويصفون لنا كتاباً آخر هو ما سموه بـ (الفرقان) المزعوم، يقولون: هو كتاب الله. أيُّ استخفاف بنا أكبر من هذا؟ فهم يفرضونه علينا، ويريدون أن يروجوا بيننا مبتدعات مثل أن يؤمنا في الصلاة امرأة، وهذه مخالفة في شرعنا وديننا، بينما لا نراهم يتكلمون عن البابا، ولا يشترطون أن يكون هناك ماما لهم، لكن المسلمين ينبغي أن تكون لهم امرأة تؤم الناس، ولا يتكلمون عن القسيسين ولا عن الحاخامات، ولا ويفرضون عليهم أن يكنَّ نساء، ولكن يفرضون مثل ذلك على الأمة الإسلامية؛ فهم يسخرون من عقيدتنا، ويسخرون من شريعتنا؛ فهم يستنكرون الختان اليوم بينما الطلب عليه على قدم وساق بأنه لا بد من الختان لمن أراد الصحة، والذين لا يختتنون أكثر عرضة للأمراض الخطيرة مثل السرطان عند الرجال، لكنهم يسخرون منا. يجب أن نقول لهم: نحن أمة لها كرامتها، ولا نقبل منكم أن تسخروا من ديننا، ولا تسخروا من قيمنا، ولا من مُثُلنا، ويجب أن يعلموا أن من أول حقوق الإنسان، حقه في أن يختار دينه، من حقه أن يعلِّم دينه لأبنائه، وله حقه في أن يحترم دينه، وهم يحترمون كل شيء من دينهم، والإسلام ممتهن مستباح. إن علينا أن نصحح أخطاءنا، وأن نقوِّم اعوجاجنا، وأن نتواصى بيننا بالحق وبالصبر.
البيان: لفضيلتكم تجربة رائعة في العمل الدعوي ختمتموها بتجربة إعداد علماء شريعة من خلال جامعتكم المعروفة (جامعة الإيمان) ؛ فما العقبات التي ترونها تعترض تحقيق طموحاتكم؟
- أولاً: الحرب الصليبية التي يفرضها الرئيس الأمريكي الذي قال في أول يوم من إعلانه للحرب على أفغانستان: إنها حرب صليبية، ولما انتُقد قال: إنها زلة لسان. إن زلة اللسان لا تكون في إعلان استراتيجيات. الذي يجري اليوم دليل على أنها حرب صليبية يقودها بوش والبيت الأبيض، والفريق الذي يحكم البيت الأبيض الآن هو اليمين المتطرف أو النصارى، اليمين النصراني الذي يحارب العالم الإسلامي، ويريدونها حرباً صليبية اليوم؛ لأنهم يضغطون على الحكومات بالمطالبة بتغيير مناهج التعليم، ويضغطون على الجمعيات الخيرية مطالبين هذه الجمعيات بأن لا تمد الأيدي لمن يريد أن يتعلم الدين، ويضغطون على القائمين على العمل الخيري، ويصفونهم بأوصاف ويتهمونهم بتهم، حتى يكاد من يدعو للإسلام أن يكون تحت طائلة هذه الاتهامات الشرسة، لكن الله أكبر من أمريكا، الله أكبر من طغيانهم، الله أكبر من جبروتهم، نحن على ثقة بديننا، يجب أن نتمسك به. يوم كان الرسول -صلى الله عليه وسلم - هو والصحابة مستضعفين من قِبَل الكفار في مكة، وليس لهم أي قوة، ما كانوا يتنازلون عن دينهم، وكانوا يقولون لهم كما قال الله: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 1 - 6] . يجب ألا نداهن في ديننا، ولا نتنازل عن عقيدتنا، يجب أن يفهموا أن لهم دينهم ولنا ديننا، وأنه لن نتخلى عن ديننا، ولن نتنازل عنه، مهما كانت الضغوط، وهذه أكبر العقبات.
والثاني: الوعي بين المسلمين؛ فهم لا يعلمون مقدار الأخطار التي تحيط بهم، فيجب أن يعوا، ويجب أن يعلموا أنها سلسلة مترابطة وبرامج وشبكة متصلة أجزاؤها، وغاياتها في النهاية السيطرة على الأمة الإسلامية في اقتصادها، وفي أرضها، وفي كرامتها، وفي مستقبلها، وفي قيمها، ولن ينجو أحد من المسلمين من هذه الجهود ومن هذا التسلط ومن هذا الطغيان؛ فالوعي بين المسلمين يجعلهم أكثر تمسكاً بدينهم، وحرصاً على مؤسساتهم العلمية التي تعلِّم دين الله؛ لأن الدين تعاليم فإذا مُنِعَتْ تعاليمه انطفأت أنواره ولن يضيع دين الله، ولن يطفئوا دين الله بأفواههم؛ لأن الله تولى حفظه. لا بد من المساندة لمن ينشرون العلم، وينشرون التعليم، ويجتهدون في هذا الباب، ويقومون عليه، ويجب أن تؤهل الأمة أبناءها، ليحفظ الله لهذه الأمة دينها، ويرد على شبهات عدوها، وهذا أمر متعين على الأمة أن تقوم به: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]
الأمة مكلفة لتجهيز جيشاً للدفاع عن أرضها، ومكلفة لتعد علماء للدفاع عن دينها والحفاظ على كرامتها؛ هذا واجب، ويوم أن يضيع من يحفظون حتى الدين وقتها تضيع الأمة في الدنيا والآخرة؛ لذلك لا بد أن يكون هناك وعي، وأن يرصدوا له الأموال، وأن ينبري له العلماء، وأن يتصدى له السياسيون، وأن تقف من ورائهم الأمة، وتقف أمام الأعداء قائلة لهم: لن نسمح لكم أن تمنعوا ديننا، ولا نسمح لكم أن تبدلوا ديننا وتأتوا بقرآن جديد وتفرضوه علينا، ولا نقبل منكم أبداً أن تدمروا هذا الدين، وتمنعوا تعليمه؛ هذا مساس بكرامتنا. كيف سيكون الحال لو قلنا لأمريكا: إن الأمة اجتمعت، وقررت أن تغيِّروا كتاباً في (التربية الوطنية) أو في التاريخ عندكم أيقبلون ذلك؟ لكنهم يريدون منا أن نغير ديننا، وأن نلغي تعاليم ربنا وخالقنا؛ وهذا مرفوض من كل مسلم.
البيان: استهداف (القوى الأصولية والمتصهينة) لعلماء الإسلام ودعاته قضية معلومة، وقد كان فضيلتكم أحد من امتُحِن بذلك؛ فما هي استراتيجيتكم للتعامل مع تلك المشكلة؟
- يكون ذلك بكشفها وبيانها، ودعوة الناس لفهمها. وكشف عوارها مطلوب مع أهمية مناشدة الحكومات بأن تقوم بالدفاع عن مواطنيها، وهو هدف استراتيجي.
البيان: هل هدأت هذه الموجة ضد علماء الإسلام؟
- هي لا تهدأ إلا إذا علموا أنهم يخسرون أكثر مما يكسبون إزاء ما يقومون به من أعمال ضد دعاة الإسلام وعلمائه، وسيعرفون أنهم سيخسرون إذا استنكرت الشعوب ذلك، وأعلنوا رفضهم لذلك، واستهجانهم لهذا المنهج الظالم.
البيان: لعلهم ينتهجون هذا المنهج مع علماء الإسلام لمعرفتهم بتأثيرهم في الشعوب؛ أليس كذلك؟
- هم يريدون تشويه العلماء وتكبيلهم، ولكنهم لا يزيدونهم في نظري بين عامة المسلمين إلا رفعة وتعاطفاً إن شاء الله.
البيان: فضيلة الشيخ! تجربتكم ثرية في مجال الإعجاز العلمي للقرآن الكريم؛ فهل هناك من منهج لتربية العقل المسلم على التعامل الإيجابي مع هذه العلوم التجريبية؟
- أقول لطلابي: هناك 500 آية بينة الأحكام وتسمى (آيات الأحكام) استنبط منها العقل المسلم هذه المكتبة من الفقه الإسلامي، و 900 آية متعلقة بالكون وخلق الله؛ فماذا قدمنا في هذا المجال؟ وهذا الكلام كلام الله، يجب علينا أن نعتني بهذا كيف لا؟! والله قد جعل الكون والمخلوقات أدلة على الإيمان به، فقال: {إنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية: 3] ؛ فهذه الآيات طريق للإيمان بالله ـ جل وعلا ـ فكيف لا نعتني به وهو الطريق إلى أساس الدين وإلى أساس الإيمان، وهو الإيمان بالله سبحانه؟ ثم فتح الله في عصرنا ... وجعل طريق الإيمان بالرسل أيضاً يمر عبر هذه العلوم الكونية، فقال ـ تعالى ـ: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53] . فالإيمان بالرسول أيضاً وعد الله أن بابه سيكون عن طريق هذه. إننا سندرس العلوم التجريبية، وعندئذ سننطلق إليها ليس بدافع المصلحة كغيرنا من الأمم وما تجلبه لنا من نفع مادي، بل سننطلق إليها أولاً بحافز إيماني، وبدافع ديني يختصر لنا المجالات، ويجعلنا من المبدعين. عندما يكون الحافز هو ما ذكرناه عندها سنعرِّف العالم بإعجاز القرآن، وسيعرفون حقيقته التي يجهلونها.
البيان: شيخنا الفاضل! بدأتم مشواركم الجامعي بالصيدلة، ثم عدتم إليها مرة أخرى من خلال الإعلان على اكتشاف بعض الأدوية لبعض الأمراض المزمنة كالإيدز، والسكري، وفيروس الكبد الوبائي؛ فإلى أي مدى وصلتم في هذه المسائل؟ ولماذا لم يقم فضيلتكم بعرض هذا الاكتشاف على جهات علمية معتبرة ليستفيد الناس منها عموماً؟
- لم أعد للصيدلة بتخطيط مني، ولكن الأبحاث في الإعجاز ساقتني لذلك وأعادتني مرة ثانية؛ فنحن عندما كنا نبحث في الإعجاز الطبي في الحديث النبوي، وجدنا أنفسنا أمام ثروة هائلة بما يعرف عند علماء المسلمين بـ (الطب النبوي) ، وكان لا بد من تحقيق هذه الأحاديث والنظر فيما أسفر عنه البحث العلمي في عصرنا في مجالات هذه الأحاديث؛ فبدأنا ذلك عندما كنت في هيئة الإعجاز العلمي، وشكلنا فريقاً لهذا الغرض، وبدأنا ببعض الأحاديث وببعض التجارب العلمية؛ فالحمد لله، وهذا هو المفترض والمتوقع أن نجد الإعجاز مرة ثانية في هذا المجال التطبيقي العلمي، وهو مجال في غاية الأهمية، وأظن أنه سيكون أقوى أنواع الإعجاز إقناعاً للعالم؛ لأنه يقدم الدواء المحسوس الذي يجده المتلقي بين يديه، والذي تطالب به الهيئات الطبية والعلمية والجامعات الإسلامية أن تعتني بهذا العلم، وعلينا أن نرصد له ما يحتاج من المال، ومن الباحثين ومن الدارسين، وسيقومون ـ بإذن الله ـ بتحقيق إنجازات واسعة وطيبة جداً.
بحثنا في البداية في دراسة دواء من الأدوية كان يتعلق بالفيروسات؛ فوجدنا أنه في الدراسات الاستطلاعية أثَّر على فيروس الكبد (C) وهذا الفيروس الذي يعتبر مستعصياً على الطب اليوم وما زال مستعصياً على الأطباء، فقمنا بدراسة استطلاعية حول فيروس الكبد فوجدنا في الدراسة الاستطلاعية نتائج مستحسنة وطيبة، فأعلنا ذلك، ثم وجدنا أن لهذا الدواء تأثيراً في مجالات أخرى، لم نكن نبحث فيها، ثم درسنا مرض السكر في ضوء ما فهمنا من الأحاديث النبوية، فوجدنا أن الدراسات الاستطلاعية تجيب إجابات طيبة ونافعة، فقررنا الانتقال إلى الدراسة المعيارية، والمعتمدة وفق منهجية علمية محددة، وضوابط للبحث محددة؛ فبدأنا بها الآن، ويوجد لنا قرابة 110 مرضى في المستشفى الأهلي الحديث نقوم الآن بإجراء الدراسة المعتادة عليهم، بعد أن أثبتت الدراسات الاستطلاعية أن عدداً من المرضى يستجيبون للدواء، وخاصة أصحاب الحبوب، فيبرؤون ـ بإذن الله ـ ويعودون لصحتهم، وإن كانت نسبتهم قليلة ويستغنون عن الحبوب والدواء؛ فهناك مجموعة أخرى تستغني عن الحبوب، لكنها تحتاج إلى الدواء، ولكن ليس كل يوم بل بعضهم كل يوم وبعضهم كل ثلاثة أيام، والفارق بين الحبوب وبين دوائنا هو أن الدواء الذي نقدمه ليس له آثار جانبية، وللحبوب آثار جانبية متعبة للمريض.
وأما الذين يأخذون الأنسولين وهو النوع الثاني من السكر فقد وصلنا معهم إلى تخفيض جرعات الأنسولين من 70 - 90%؛ أي أنه يبقى محتاجاً للأنسولين بنسبة 10%، ثم يأخذ الدواء مع الأعراض المصاحبة له لمن يتناول الأدوية، والأعراض الجانبية الضارة شيء جديد جداً. طبيبة جاءتنا وعلمت أننا نُجري دراسات معيارية، فقالت: أنا عندي مرض السكر، وإنما عندها عندها ارتفاع في السكر ولكن عندها انخفاض فيه، جاءت تتناول الدواء الذي يخفف السكر، والسكر عندها يصل إلى 15، والخطورة تبدأ من أربعين وأصبحت تتناول 200 وحدة في اليوم، يعني رقم كبير من الأنسولين لدرجة أن جسمها أصبح غير متجاوب مع الأنسولين، وإذا جاءتها الغيبوبة فتأتي بدون مقدمات؛ لأن الأصل بالمريض أنه إذا بدأ يدخل الغيبوبة أن يشعر بمقدمات، ولكن دخلت بدون مقدمات فتناولت الدواء فوجدت أن الدواء رفع السكر من 15 إلى 40 وعادت لها حالة الشعور بالغيبوبة وبنقص السكر في جسمها. وهناك نتائج أخرى ـ إن شاء الله ـ نعلنها في حينها.
أما موضوع الإيدز فلا زلنا في الدراسة الاستطلاعية وما دخلنا في الدراسة المعيارية، الدراسة الاستطلاعية عن أن الدواء يخفض عدد الفيروسات، مع استمرار الدواء لفترات طويلة ويبقى كل شيء مع إجراء الفحص. لكن الدراسة الاستطلاعية تحمل مؤشرات؛ فالذي وصلنا إليه من هذه المؤشرات أن الدواء الذي يتناوله المصابون بالإيدز يُنقص عدد الفيروسات مع استمرار العلاج، وفي الوقت نفسه يقضي على أعراض المرض وتنتهي، ولكننا لا نزال نبحث متى نتخلص من الفيروس هذا؟ وهل يعني إقصاء الأعراض أن يأمن المريض خطر الفيروس إذا قضي على الأعراض؟ وهل يعني أن الفيروس سيتوقف، وهل هذا التوقف دائم؟ وهل هذا التوقف سيؤمن المريض من مهاجمة هذا الفيروس؟ نحن لا زلنا نبحث في هذا المجال.
البيان: بعد هذا العلم الدعوي والتجربة الثرية المتنوعة ما أبرز ما توجهونه لأبنائكم من الشباب المسلم؟
- نحن بجهودنا ودراستنا وإمكانياتنا ضعفاء بكل المقاييس، ولكننا بالله أقوى بكل المقاييس؛ فكيف سنحقق هذه القوة التي يؤتيها الله لعباده؟ وكيف نكون مؤهلين لكي يتنزل علينا ما وعد الله عباده المؤمنين في قوله ـ تعالى ـ: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: 257] ؟ نريد أن يتولانا الله؛ فإذا تولانا فلن يضيع من أمرنا شيء، ولن يفسد شيء، ولن يضرنا شيء، ونريد أن يكون الله معنا كما قال ـ تعالى ـ: {وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19] .
إذا حققنا المعية الإلهية فمن يكون علينا ومن يغلبنا؟ ونريد أن نحقق النصر الذي وعد الله عباده المؤمنين {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] .
فإذا كان سينصرنا فمن سيهزمنا؟ قال ـ تعالى ـ: {إن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران: 160] .
ومن سيغلبنا؟ لا غالب. ونريد أن نحقق ما وعد الله عباده المؤمنين: {إنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38] .
إذا كان الله سيدافع عنا فمن ذا سيهزم دينه؟
ونريد أن تكون من المستخلَفين في الأرض، وأن يمكّن لديننا في الأرض، والله وعد بذلك المؤمنين: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55] .
ونريد أن نجتمع على طريق صحيح مضمون بعيد عن الرايات المتفرقة والمتشعبة والمشتتة، والله يضمن لنا ذلك؛ إذ يقول: {وَإنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الحج: 54] .
إذن الإيمان، وتجديده وتقويته، وإحياؤه في أمتنا وفي أنفسنا شرط لا بد منه، وإذا كان كل مسلم يسلم لله حقاً فلا بد من الالتزام بهذه الآية؛ فمعنى ذلك أن الله يقول لنا: عزتكم ونصرتكم وقوتكم وأمانكم ووحدتكم وهدايتكم وكرامتكم كلها مرهونة بالإيمان؛ فلماذا لا نجتهد في تقديم الدراسات، وعقد الندوات والمؤتمرات والمحاورات حول إحياء هذا الإيمان وتقويته، ونشر هذا الإيمان لأبناء هذه الأمة؟ فذلك سر فلاحنا في الدنيا والآخرة؛ فوصيتي الأولى أن نحقق الإيمان في أنفسنا، وكل واحد محتاج لهذا الإيمان؛ فإن أفضل الأعمال كما قال -صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري: قال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ: «سئل الرسول -صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: جهاد في سبيل الله» .
والله يقول: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: 19] .
فأدعو أمة الإسلام، وفي مقدمتهم العلماء والدعاة والجماعات والجمعيات والهيئات، أن تجعل همتها في إحياء الإيمان، وتجديد الإيمان وتقوية الإيمان.
المحور الأول: الاهتمام بالإيمان وهو أول محور في حياة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بل في حياة الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ في دعوتهم.
المحور الثاني: وحدة الصفوف، وإجماع كلمة العاملين في حقل الإسلام؛ لأن الإيمان لا يتحرك إلا بأمة لا التحقق إلا بالمؤمنين؛ فإذا وجد المؤمنون الصادقون الذين يتحقق في قلوبهم الإيمان وفي أقوالهم وفي أفعالهم وفي أعمالهم فيجب أن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، هكذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم -: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» .
والطريق إلى ذلك هو العلم، وأول العلمِ العلمُ بكتاب الله والسنة، العلم بدين الله عز وجل، ثم العلم بمعاني ما جاء في الكتاب والسنة. ويتضمن هذا العلمُ العلمَ بواقعنا وأحوال أمتنا، والتحديات القائمة حول أمتنا ووسائل دفعها، وكل ما من شأنه أن يخدم هذه الأمة، فنخرج من الجهل إلى العلم، ومن الغوغائية ومن الأمور الارتجالية إلى الأمور المدروسة؛ فهذه بعض المعاني التي أريد أن أقولها لإخواننا للتمسك بها والعض عليها بالنواجذ.
البيان: نشكر لكم فضيلة الشيخ، ونسأل الله أن يبارك لكم في عمركم، وينسأ في أجلكم، وينفع بكم الإسلام والمسلمين. ونكرر شكرنا وتقديرنا لإتاحة الفرصة لنا في هذا اللقاء، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
جزاكم الله خيراً.