قانون الأسرة المعدل في الجزائر
آخر معقل يراد دكه.. فهل هي الضربة القاضية؟!
يوسف شلي
الحديث عن الأسرة هو حديث عن شبكة معقدة من العلاقات والمفاهيم والتجارب تشكل النواة الأساسية للمجتمعات، كما تشكل المنظومة القيمية، والحاضنَ التربوي للفرد مهما كان دينه وعقيدته وانتماؤه. وعقد المقارنة بين سياقين حضاريين: النموذج الحضاري الإسلامي والنموذج الحضاري الغربي، لمصطلح «الأسرة» وتَشكله وما يتصل به، من شأنه أن يثير عدداً من التساؤلات حول المفارقات الكبيرة بين النموذجين «الغربي والإسلامي» ، ويلقي بثقله على الكثير من الحقول المعرفية المختلفة وخاصة منها الفلسفية والتربوية والاجتماعية والدينية، علماً بأن حجم المفارقة بين النموذجين أو المفهومين تصل إلى حالة من التناقض والتضاد.
ü الأسرة في المفهوم الإسلامي:
يعتبر «الزواج الشرعي» بين ذكر وأنثى هو الأساس الوحيد الذي تقوم عليه الأسرة، ومن هنا فإن الأسرة في المفهوم الإسلامي ليست تلك العلاقة المحدودة بالزوجين والأبناء فقط، بل تمتد بامتداد العلاقات الناشئة عن رباط المصاهرة والنسب والرَّضاع، والذي يترتب عليه مزيد من الحقوق والواجبات الشرعية والقانونية، مادية كانت كالميراث، أم معنوية كالبر والصلة والصدقات (?) .
ولعل المتتبعين في العالم الإسلامي للجدل الكبير الدائر منذ شهور حول مشروع تعديل قانون الأسرة الجزائري (?) ، أو بالتحديد تلك التعديلات التي اقترفتها أقلية مستغربة تمكنت من اللجنة الوزارية المكلفة بإدخال مراجعات أساسية لقانون الأسرة الصادر سنة 1984م، وهي الأصوات التي رفعت سقف المزايدات على تماسك وانسجام الأسرة الجزائرية المحافظة، إلى حد الدعوة جهاراً إلى إلغاء قانون الأسرة جملة وتفصيلاً، والتحرر من قيود الشريعة الإسلامية والمرجعية الدستورية التي تؤكد بأن دين الدولة هو الإسلام.
وكانت المطالبة بإلغاء أو تعديل قانون الأسرة في الجزائر جرت منذ سنوات طويلة من قِبَل المنظمات النسائية والأحزاب العلمانية؛ فقد طالبوا بضرورة التعديل الجذري، ووضعت صيغ ومشاريع عديدة لدراستها والأخذ بها؛ حتى أصدر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مطلع ولايته الجديدة قراراً بتشكيل لجان عمل تدرس تغيير قانون الأسرة على أساس التغييرات الحاصلة داخل المجتمع الجزائري بالاستناد إلى الشريعة الإسلامية كمرجع للتشريع، والاعتماد على المذاهب الإسلامية «كلها» (?) للبحث عن أفضل الحلول.
وما تزال دائرة النقاش والجدل الحاد تتمحور بشأن مشروع التعديل الذي ينظم الأحوال الشخصية في الجزائر حول ثلاث نقاط أساسية تتعلق بتعدد الأزواج ومسكن الزوجية والولي للمرأة عند الزواج (?) .
ولا يستبعد المتتبعون للملف أن تطول الحرب حوله بين دعاة تعديل القانون ممن ينعتون بـ «الأصوليين العلمانيين» الذين يضغطون على الحكومة لتعديل القانون الذي يزعمون أن فيه إجحافاً بالمرأة وخرقاً لمبادئ حقوق الإنسان وتقزيماً لكيانها، وبين دعاة الإبقاء عليه؛ لأنه مستمد من الشريعة الإسلامية ممن يُحسبون على التيار الإسلامي الذين ينظرون إلى القانون على أنه مكسب للأسرة الجزائرية ـ رغم ما فيه من نقائص ـ كما لا يستبعدون أن يشكل الملف محور التنافس المستقبلي بين مختلف الأطراف السياسية والحزبية على مرمى حجر من جملة مواعيد مقبلة واستحقاقات مهمة تنتظر الجزائر، كالاستفتاء على العفو الشامل وتطبيق المصالحة الوطنية لإسكات لغة الرصاص نهائياً، وتغيير الدستور وإقرار تغييرات كبرى سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية حاسمة.
وكان عدد من أحزاب التيار الإسلامي وفي مقدمتها حركتا مجتمع السلم والإصلاح الوطني قد شرعتا في حملة تعبوية وإعلامية واسعة ضد المقترحات المخالفة للشريعة وفي مقدمتها التصريحات التي كان أدلى بها وزير العدل بشأن إمكانية تزويج المرأة لنفسها دونما الحاجة إلى وليّ (?) ، وهو ما اعتبره الإسلاميون خطوة نحو إلغاء شرط الولي (?) من عقد الزواج وبداية لإحداث تغييرات بعيدة على عقيدة وانتماء المجتمع الجزائري وثوابته ومحاولة لهدم مقومات الأسرة الجزائرية المستمدة من الشريعة الإسلامية السمحاء.
واعتبر التيار الإسلامي في الجزائر أنه كان أوْلى للحكومة الجزائرية الاهتمام بالمشاكل العاجلة ذات البعد الوطني مثل أزمة العروش (القبائل) والزحف التنصيري المتزايد، ومشكلة البطالة التي تهدد 14 مليون مواطن، وغلاء المعيشة والانتحار الذي باتت أرقامه تفزع المختصين، وسلسلة الإضرابات التي أصبحت سمة الحياة الاجتماعية في الجزائر، والإجرام المتفاقم، متسائلين عن الجهة الحقيقية التي حركت الملف من جديد بعد شهر من قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة خلال اجتماع لمجلس الوزراء تأجيل طرح ملف القانون لحساسيته (?) .
ü ماذا يريدون من الأسرة الجزائرية؟
المسلسل العلماني في تغريب الأسرة الجزائرية ومسخ هويتها الفكرية والأخلاقية مستمر لم ينقطع؛ فبعد استيلائهم على مقاليد الحكم في الجزائر بعد الاستقلال، اختتمت المؤامرة أخيراً من خلال التعديلات على قانون الأسرة الحالي الصادر في عهد الحزب الواحد سنة 1984م.
فإدماج الأسرة عموماً والنساء خصوصاً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تعتبر من أهم التطورات التي ستشهدها الجزائر مستقبلاً، ولكن هذه الثورة «الأسرية» لم تكتمل بعد؛ فالمساواة النوعية ما تزال هدفاً لم يتحقق، كما أن ما يواجه التيار العلماني المستغرب من تحد ومسؤولية بوصفه رأس الحربة في محاربة الأصالة والفضيلة في المجتمع الجزائري يفرض عليه أن يضمن أن القرن الحادي والعشرين سيوفر للنساء كعنصر أساسي في الأسرة الفرصة للمشاركة الكاملة في (صنع) التاريخ الجزائري بعد إقصائها لعقود.
ولكن ألا يحق لنا أن نسأل: ماذا يريدون من الأسرة الجزائرية؟
إنهم يريدونها أن تتخلى عن دينها وتماسكها، وتصبح ألعوبة لشهواتهم الدنيئة ودمية لأهوائهم المريضة.
يريدونها أن تتمرد على تقاليد المجتمع المحافظة، وتنتكس في حمأة الجاهلية ومستنقعاتها الآسنة.
يريدون إلغاء دور الأسرة، ومسخ الهوية الاجتماعية للأمة، وإشاعة روح الانحلال والفساد.
يريدون استنساخ الأسرة الغربية في بلادنا لتنتشر ثقافة الإيدز والعري والشذوذ الجنسي.
والحق أن هناك مقاصد متعددة من وضع هذه التعديلات المقترحة نجملها فيما يلي:
- مصادمة الشرع الإسلامي بتقرير نصوص وتعديلات قانونية مخالفة للشريعة.
- التبجح بإقرار حقيقة مساواة المرأة بالرجل دستورياً، وهو أعلى قانون في البلاد وهو ما يوهم بوقوع حيف من الإسلام عليها.
- الطعن في صلاحية الشرع الإسلامي للحكم بما يسوِّغ استبعاده والتخلص منه ـ على الأقل على المدى البعيد ـ.
- إخضاع الأسرة الجزائرية تدريجياً للقانون الوضعي لئلا يبقى للشريعة نفوذ في المجتمع لا على الأفراد ولا على الجماعة.
- إعادة صوغ الأسرة الجزائرية ومن ثم المجتمع على النمط الغربي المتهاوي.
- ضرب الهوية الإسلامية للمجتمع والأسرة الجزائرية كونها اللبنة الأولى في الصرح.
- إظهار سماحة الإسلام بمظهر الظالم للأسرة وللمرأة وللأطفال.
ويجرنا الحديث عن الأسرة الجزائرية إلى نقطة مهمة وهي حرص أصحاب المشروع التغريبي على الاستقواء بأصحاب السلطة والنفوذ لفرض توجهاتهم بالإرهاب المعنوي عبر تمرير مشاريع لقوانين وقرارات حكومية بطريقة مريبة، كما حدث في الجزائر، وهذا التكتيك (فرض التوجهات بقوة القانون) كان قاسَماً مشتركاً في تحركات التيار العلماني، وقد رأينا بوضوح هذا (التكتيك) ممارساً على أرض الواقع عند تمرير التعديلات الخاصة بقانون الأسرة (الأحوال الشخصية) الجديد في الجزائر مصاحباً بحملة إعلامية علمانية تؤكد ضرورة التغيير والارتفاع بالمرأة من صفة الضحية «القاصر» إلى صفة المتحكمة في «مصيرها» جسداً وروحاً.
ü الرئيس بوتفليقة مع تعديل قانون الأسرة:
وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قد أعلن أن مراجعة قانون الأسرة الذي تم تبنيه في 1984م في عهد الحزب الواحد جبهة التحرير الوطني «باتت أمراً حتمياً» .
وقال بوتفليقة في الكلمة التي ألقاها بمناسبة افتتاح السنة القضائية 2004 ـ 2005م أن مراجعة قانون الأسرة: «باتت أمراً حتمياً إذا ما أردنا ضمان استقرار وانسجام المجتمع، وضمان احترام الشريعة الإسلامية؛ بحيث تظل صالحة لكل زمان ومكان اقتداء بسنة المجتهدين الأوائل بعيداً عن أية نية للزيغ عن الشريعة الإسلامية الغراء، وبالاتفاق مع المبادئ» .
وأوضح: «لا تناقض بين إرادة السهر على حماية القيم الثقافية والروحية للمجتمع وتحقيق الهدف المتمثل في وضع حد لاختلال موقع المرأة وهشاشته بالنظر للقانون المدني، وكذلك ضمان حماية الطفل بموجب المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعتها الجزائر» . وتبنت الحكومة الجزائرية اقتراح وزير العدل (الطيب بلعيز) بإدخال تغييرات جوهرية على (قانون الأسرة) بإلغاء شرط الولي في زواج المرأة، وتقييد تعدد الزوجات برخصة من القاضي، كما أعلنت عن تدابير أخرى ستنشر تباعاً في وسائل الإعلام.
وذكر بيان للحكومة تناقلته وسائل الإعلام الوطنية والدولية، أن حضور الولي في زواج المرأة ملغى بالنسبة للبالغة 19 عاماً «ويمكن للمرأة الراشدة أن تفوِّض هذا الحق طوعاً لوليها» . وفي الشق المتعلق بتعدد الزوجات، قال البيان: إن هذا الحق مشروط بترخيص من القاضي بأن «يتأكد من موافقة الزوجة السابقة والمرأة التي يرغب في الزواج بها» . وعلى الرجل الذي يريد أن يضيف زوجة أخرى، أن يثبت قدرته على توفير العدل والشروط الضرورية للحياة الزوجية. وأوضح بيان الحكومة، أن «عدم احترام هذه الشروط يؤدي إلى فسخ عقد الزواج قبل الدخول. وفي حالة الغش يجوز لكل زوجة رفع دعوى قضائية ضد الزوج للمطالبة بالطلاق» ... وأوضح بيان الحكومة أن التعديلات التي تبنتها «تستجيب لتوجيهات رئيس الجمهورية، وتتماشى مع الدستور ومبادئ الشريعة الإسلامية، مع اللجوء إلى الاجتهاد» .
وتعد التدابير المعلن عنها من طرف الحكومة نتاجَ ضغطٍ كبير من تنظيمات المجتمع المدني والجمعيات النسوية والأحزاب (العلمانية) ، التي ترى أن قانون الأحوال الشخصية جعل من المرأة قاصراً على مدى الحياة.
ü نظرة في قانون الأسرة الجزائري:
دخل قانون الأسرة الجزائري حيّز التنفيذ يوم 9/6/1984م، بعد أن صادق عليه مجلس النواب الذي كان يسيطر عليه نواب من الحزب الواحد «جبهة التحرير الوطني» أي قبل عشرين سنة من الآن. وإلى حدود سنة 1984م فإن قانوناً مؤقتاً من بقايا العهد الاستعماري الفرنسي هو الذي ظل ساري المفعول في الجزائر، وقد كانت تلك التشريعات الانتقالية في العديد من أوجهها في صالح «تحرر» المرأة.
وكانت النقاط الجوهرية لهذا القانون الجديد محل انتقاد العديد من الجزائريات من التيارات المستغربة اللاتي رأين فيه إهانة واحتقاراً:
- عندما تريد امرأة الزواج فلا بدّ لها من الحصول على توكيل وصائي من رجل.
- الطلاق من صلاحيات الرجل وحده، ولا يمكن للمرأة أن تحصل على الطلاق إلاّ بمقابل مالي تسدده إلى الرجل (الخُلع) .
- عندما يطلق رجل زوجته فإنها تظل ملزمة بتربية الأطفال، ومع ذلك يجب عليها أن تغادر مسكن الزوجية.
- التعدد من حق الرجل فقط ودون قيد.
في واقع الأمر، لا يختلف القانون الجزائري في مجمله عن القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية المعمول بها في أكثر البلاد العربية والإسلامية؛ غير أنه يزيد عليها باجتهادات مثيرة للجدل تتعلّق مثلاً بموضوع المطلّقة ذات الأولاد؛ ففي الوقت التي يضمن لها الدين الإسلامي ولأبنائها بيتاً ونفقة محترمة، ينص القانون الجزائري على طردها وأولادها إلى الشارع، ولا يلزم والدهم بأي شيء.
ويعتبر قانون الأسرة الجزائري في صيغته الحالية مكسباً ناقصاً بنظر الإسلاميين والوطنيين بشكل عام، وكارثة ومأساة برأي العلمانيين والمعادين للإسلاميين بشكل خاص. والحقيقة أن الإسلاميين الجزائريين الذين يدافعون عن قانون الأسرة الحالي لم يكن لهم دخل في سنه وإقراره، لا من قريب ولا من بعيد؛ لأن أغلبهم كانوا في السجن أو الإقامة الجبرية خلال الثمانينيات، بمن فيهم أغلب القيادات الحالية المشهورة، أمثال الشيوخ أحمد سحنون وعبد اللطيف سلطاني وعمر العرباوي ـ رحمهم الله ـ وعباسي مدني وعبد الله جاب الله، وعلي بلحاج وغيرهم.
ü المخرج من الورطة.. فقه الإمام أبي حنيفة:
بمجرد فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبنسبة كبيرة تقارب 85% من أصوات الناخبين، شكّل بوتفليقة لجان عمل تدرس تغيير قانون الأسرة على أساس التغيّرات التي حصلت داخل المجتمع الجزائري في الفترة الماضية المليئة بالأحداث والوقائع، وفي ظل وجوب الاستناد على الشريعة الإسلامية كمرجع للتشريع والاعتماد على المذاهب الإسلامية.
اعتمد العلمانيون داخل اللجان على فقه الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان لسنّ القانون الجديد، وفوجئ الإسلاميون بطريقة الاعتماد الذكية على فقه أبي حنيفة لإسقاط شرط الولي في الزواج، فاقترح المشرّعون العلمانيون إعطاء حق اختيار الزوج للزوجة دون حضور وليّها أو اختياره ابتداء من سن التاسعة عشرة.
وعلى هذا الأساس، يمكن للفتاة أن تتوجه مع من تحب وتختار إلى دار البلدية، وتطلب من الضابط الشرعي تقييدها في سجلات المتزوجين بالبلدية، وما على الأولياء في هذه الحالة، آباء وإخواناً وأعماماً، إلا القبول بما قامت به الفتاة التي يجب أن تُعتبر راشدة بحكم أهليتها في القانون المدني الجزائري، وهنا يكمن الخلاف والخطر المحدق على العلاقات الأسرية (?) .
لقد شارك الإسلاميون في لجان إعادة صياغة القانون وخاصة حركتي مجتمع السلم والإصلاح الوطني؛ غير أن أمراً دُبّر بليل، جعلهم يفاجئون عند العودة من العطلة الصيفية الماضية بأن غيرهم (?) كتب خلافاً لما قيل، ويحاول إجبار الجزائريين على اتباعه.
واعتبر المراقبون أن قانون الأسرة المزمع إصداره وتمريره عبر البرلمان سيشكل لا محالة الضربة القاضية للإسلاميين والوطنيين والمحافظين بشكل عام بعد أن تراجعوا في معركتهم للدفاع عن اللغة العربية أمام اللغة الفرنسية بعد انضمام الجزائر إلى المنظمة الفرنكوفونية، ووقف محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني، لذلك كان رد فعلهم عنيفاً وغير متوقع وقد يتسبّب ـ إذا ما لم يتم نزع فتيل الأزمة ـ في مشاكل لا يستهان بها للرئيس بوتفليقة، المقبل على مواعيد سياسية كبيرة تتطلب إجماعاً وطنياً من التيارين السائدين في البلاد «الإسلامي والوطني» .
ü الأسرة الجزائرية في مهب الريح:
الأكيد أن الحديث عن التداعيات التي ستؤول إليها التغييرات المقبلة في قانون الأسرة الجزائري والتداخلات التي ستنشأ عنها لو تم تمرير التعديلات المقترحة ستفتح مجالاً واسعاً للمراجعة وللتفكير الاستراتيجي في مستقبل الجزائر السياسي والثقافي والاجتماعي وحتى الحضاري؛ وذلك بناء على بعض الطروحات التي عمل على إيجادها جهات خارجية عدائية ونساء الصالونات بما تمليه أفكارهم وإيديولوجيتهم المنحرفة.
إن طرح مسائل عدم حضور الولي في الزواج بالنسبة للفتاة، وتقييد تعدد الزوجات بموافقة القاضي، والمساواة في الميراث بين الذكر والأنثى بكل تأكيد ليست في مقدمة أولويات وانشغالات المجتمع الجزائري الذي عانى من أزمات متعددة وأكثر إلحاحاً ابتداء من العشرية الدموية التي أهلكت الأخضر واليابس، وتفاقم الوضع الاجتماعي من خلال صعوبة تأمين لقمة العيش والمأوى وأماكن الدراسة للأبناء وزحف الأمراض والأوبئة في الجانب المادي إلى غاية مراجعة ثوابت المجتمع الكبرى ووعائه الثقافي المجمع عليه منذ قرون.
ولذلك فإن قفز هذا المشروع «المشكوك فيه» إلى الواجهة يكون في أغلب الظن ذي خلفيات خفية ودواع مستبطنة لدى أصحاب المشروع لا تسير بالضرورة مع تطلعات المجتمع وهمومه، للاحتمالات التالية:
الاحتمال الأول: أول ما يتبادر إلى الذهن حول دوافع طرح ملف قانون الأسرة على المجتمع الجزائري أولاً، وعلى المشرّع ثانياً هو كون المشروع نفسه وثبة علمانية في شكل بالون تجريبي لمعرفة رياح المواجهة الشعبية واتجاهها، أو مدى تجاوب المجتمع الجزائري بكل فئاته من عقدة المطالب الإسلامية السياسية الذي جسّدته الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة في بداية التسعينيات (?) .
الاحتمال الثاني: استثمار الاتجاه التغريبي لبعض الأحزاب الجزائرية للرياح العالمية الحالية بعد أحداث سبتمبر/ أيلول 2001م، من خلال استعمال القانون كوسيلة ضغط وإكراه لتوسيع دائرة التواجد السياسي في نواحيه الثقافية والاجتماعية والفكرية الذي تضاءل كثيراً بسبب الهزائم المتتالية التي مني بها على المستوى القاعدي والشعبي المزكي للتيار الإسلامي في أكثر من وقفة وواقعة انتخابية.
الاحتمال الثالث: يكون بطرح مسألة حساسة في نظر المجتمع مثل إلغاء الولي في الزواج لتلهية النخبة السياسية والثقافية والمجتمع لتمرير مشاريع أخرى لم يكن مسموحاً به في الحالات العادية، كعلمنة المنظومة التربوية (?) ، وتأطير الساحة السياسية لتكون على هوى السلطات الحاكمة، وتنظيم المساجد لحصارها، والتنازل عن الخدمات العامة الأساسية لإفقار الشعب، وتخصيص المؤسسات الاقتصادية وبيعها، وهيكلة الديون خدمة لجيوب الأغنياء.
الاحتمال الرابع: استنزاف العاطفة الإسلامية الجياشة في صراع مصطنع تلهية لها عن الصراعات الحقيقية المقبلة أو الموجودة في جهة أخرى.
الاحتمال الخامس: الحريصون على إلغاء أو تعديل قانون الأسرة بما يتماشى وسياسة التمدين والعصرنة، لا يضيرهم هذا التعديل، بل العكس سيجدون فيه حلاً للكثير من القضايا المستجدة، المترتبة عن المخالفات الشرعية في العلاقات بين الذكر والأنثى، مثل الأبناء غير الشرعيين، والأمهات العازبات. والسلطات أيضاً يخدمها هذا التعديل؛ حيث ستتخلص من مراكز الطفولة المسعفة، ومراكز رعاية الأمومة، وربما تحولت علاقات الزنا التي ترتب عنها حمل أو إنجاب إلى زواج شرعي بأركانه، يعالج كما يعالج الزواج الفاسد أو الباطل الذي افتقر إلى ركن من أركانه.
الاحتمال السادس: يتعلق بالأبعاد الجيوستراتيجية للمشروع الأمريكي لتحديث الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا في جوانبه الثقافية والاجتماعية كوسيلة لتحجيم الدور المتنامي للإسلام وتغلغله في أعماق المجتمع الجزائري المسلم. وقانون الأسرة مع المنظومة التربوية مدخلان رئيسيان للتوجه الأمريكي في المنطقة حالياً.
وعلى غرار ما يحدث في أغلب البلدان العربية من إملاءات وفق الحالة التي نحن بصدد تناولها مثل تمكين المرأة من المناصب السياسية والوظيفية العليا في بلاد الخليج، وحق الانتخاب والسياقة والسفر، واعتماد قانون الأحوال الشخصية الساري المفعول في مصر الذي أعدته بالأساس وزارة العدل المصرية دون اعتبار للأزهر المؤسسة الإسلامية الأولى وأحد المرجعيات السنِّية العليا في العالم الإسلامي وفي مصر، والذي جاء استجابة لتلبية مطالب اللوبي النسائي المصري المتشبع بالأفكار الغربية الهدامة، ومن قبل في لبنان الذي أثار موضوع الزواج المدني؛ حيث لا تقيم مؤسسة الزواج أي اعتبار للدين أو العقيدة؛ بحيث يمكن للمسلمة أن تتزوج كافراً أو مشركاً، وتصبح العلاقة الأسرية علاقة مدنية بحتة لا سلطان للدين فيها. وفي المغرب صيغت مجلة الأحوال الشخصية بعيداً عن التقاليد العائلية المغربية المحافظة، ومنع قانون عقوبة الزنا في تركيا إذعاناً لمطالب الاتحاد الأوروبي كشرط أساسي للانضمام إلى الوحدة الأوروبية؛ ولذلك فإن الجزائر سوف لن تبقى «تغرد خارج السرب» ومدعوة إلى ضرورة «التحديث» الذي يقتضي رفع مستوى منظومتها القانونية إلى الطروحات العلمانية، تماشياً مع ما يفرضه العالم الغربي ابتداء من خلال منظمات دولية أو حتى إملاءات قوى سياسية مباشرة (أمريكا، وفرنسا) وانتهاء بمطالب مترجلات الجمعيات النسوية في الجزائر إلى تعديل القانون الجزائري المشرب بالقيم الإسلامية ليساير القانون الدولي في معايير «حقوق الإنسان» العالمية (?) ، وليكون إذن منع تعدد الزوجات وعدم اشتراط الولي هو الصورة العاكسة لمطلب المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة كأول اختبار للجزائر في هذا المجال ضمن سلسلة المطالب الأخرى التي أقرتها فعاليات مؤتمر بكين سنة 1995م (?) التي يجب أن يحققها النظام الجزائري تدريجياً إن أراد أن يأمن شر النظام الدولي الجديد، ويكسب رضا القوى الدولية والمؤسسات المالية العظمى.
ü خطباء المساجد يصدعون بكلمة الحق:
وكان خطباء الجمعة عبر كل ولايات الوطن أبرز منتقدي وثيقة التعديلات (?) لقانون الأسرة؛ وخصوصاً ما اتصل منها بموضوع إلغاء شرط وجود ولي الأمر أثناء مباشرة عقود الزواج وتقييد التعدد بموافقة القاضي. وأجمعوا على أن التعديل يستهدف القيم الإسلامية في المجتمع، واتهموا أطرافاً نافذة في السلطة بالوقوف وراء هذا التوجه الذي وصفوه بالخطير في تنظيم الأسرة الجزائرية؛ لأنه «يشجع على تفكيك خلية الأسرة وشيوع الفاحشة وميوعة الأخلاق» .
وقال الأئمة المعارضون في خطبهم إن الزواج دون موافقة ولي الأمر باطل شرعاً، وأن تقييد تعدد الزواج بشروطه المعروفة في كنب الفقه الإسلامي بموافقة القاضي أولاً وأخيراً مسألة مخالفة للشرع الإسلامي وهدي الرسول #، ودعوا النساء والمواطنين إلى التصدي بحزم لرغبة من أسموهم المتغربين والمعادين لقيم الإسلام والمجتمع الجزائري، وعدم السكوت في هذه المرحلة المتسمة بالتكالب العلماني على مقدسات الجزائر الذي ضحى من أجلها أكثر من مليون ونصف مليون شهيد.
ü الصحافة الجزائرية وقانون الأسرة.. كل يدلي بدلوه:
نشرت اليومية الإخبارية «البلاد» (?) نداء وجهته الهيئة الوطنية لحماية الأسرة إلى الجزائريين، تدعوهم إلى «التحرك للدفاع عن أسرهم، والوقوف في وجه محاولات «إلغاء» قانون الأسرة الأصلي، واستبداله بأحكام مستوردة، أو تلفيقات من مذاهب إسلامية بُترت من محيطها» .
ورفعت هذه الهيئة شعار: «نعم للتعديل والإثراء، لا للإلغاء» .. «نعم للاستفادة من التنوع والثراء الفقهي دون انتقائية أو تلفيق..» و «لا للفرض بقرارات فوقية» .. «نعم لاستفتاء شعبي حول موضوع يمس كل الجزائريين» .
ووقّع على هذه الوثيقة مجموعة من الوجوه الوطنية المرموقة والبارزة من أمثال الشيخ عبد الرحمان شيبان، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وموسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية المنضوية تحت المجلس الشعبي الوطني، ومجموعة من البرلمانيين وممثلي هيئات أو جمعيات وطنية.
أما الصحافة ذات التوجهات العلمانية الناطقة باللغة الفرنسية؛ فقد شنت حملات شعواء لا مكان فيها للأخلاق والاحترام ضد التيارين الإسلامي والوطني وبالخصوص من حركتي المجتمع الإسلامي والإصلاح الوطني وجبهة التحرير الوطني مع شخصيات إسلامية من الحزب المُحَلّ وأخرى مستقلة، المنادين بالإبقاء على القانون كما هو حالياً دون تعديل في بنوده الأساسية المستندة إلى الشريعة الإسلامية الغراء. فنقرأ مثلاً في افتتاحية مغرضة لإحدى اليوميات ترحيبها بالتعديلات المطروحة التي «أنصفت المرأة» ـ حسب زعمها ـ بعد أن وضعها «أصحاب اللحى» من الإسلاميين في الحزب الواحد في وضعية «القاصر» مدى الحياة.. لتصل الافتتاحية في الأخير للتبجح بالقول: «فقد عدَّه الإسلاميون الأصوليون والرجعيون ـ قانون الأسرة الحالي ـ ضربة قاضية لهم، وقال قياديون بارزون ـ من التيار الإسلامي ـ: «إنه لا يمكن تعديل قانون الأسرة؛ لأنها خطوط حمراء لا يمكن التفاوض عليها مع الدولة» .
وتبقى حرب العلمانيين ـ إعلاميين وسياسيين ـ مع الإسلاميين والوطنيين كما بينت معركة مشروع قانون الأسرة الأخير حرباً لا هوادة فيها؛ حيث نقرأ أيضاً في مقالة أخرى مغرضة تصريح كاتبها: «ويمكن وصف ما حدث بأنه معجزة؛ لأن اتفاق جمعية العلماء المسلمين السلفية التوجه، والزوايا الصوفية الكارهة لها، لم يحدث أن توحدت إلا خلال الحرب التحريرية ضد فرنسا ما بين عامي 1954 و1962م من القرن الماضي، وهو الأمر الذي يعني مدى خطورة هؤلاء ـ يعني الإسلاميين ـ على إجراء أية تغييرات لمصلحة الشعب الجزائري ومستقبله وتطوره» .
ü الطبقة السياسية والشخصيات الوطنية والإسلامية والعلمانية بين التأييد والمعارضة:
التيار الإسلامي والوطني والتأييد الصريح:
1 - الدكتور عمران الشيخ (رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر ووزير سابق) يصرح: لا نمس نقطة أو حرفاً من الشرع الإسلامي بصريح القرآن العظيم، أو السنة النبوية الصحيحة، أو اجتهاد العلماء الكبار، ما عدا هذا كل الاجتهادات مقبولة. نحن نجتهد في قضية الإسكان، نبدأ بأن تسكن الأم بأولادها، وعلى الزوج الذي يطلّق أن يتولى هذا، هذا نحن موافقون عليه 100% ولا يمس الشريعة في شيء، أما قضية الولي فلا نوافق على إلغاء الولي؛ لأنه في صريح القرآن العظيم في آية كريمة في سورة النساء: (فانكحوهنّ بإذن أهلهن) هذه الآية صريحة، ونحن لا صلاحية لنا، لا صلاحية ولا صلاحيات لنا في اجتهاد مع النص.
2 - الأستاذ أبو جرة سلطاني رئيس (حركة مجتمع السلم «حمس» ) في لقاء 10/11/2003م مع بعض الأحزاب الإسلامية في الجزائر يقول: إن من أسماهم بـ (العلمانيين) يسعون لإلغاء قانون الأسرة، ويريدون القضاء على العائلة المحافظة والثورة على ما تبقى من العمل بالشريعة الإسلامية في البلاد.
وأضاف قوله: «الرافعون شعار التعديل يسعون للانحراف وتفكيك الأسرة، وجعل الرابطة بين الجنسين مسألة شخصية لا دخل للدين والعرف فيها» مشيراً إلى أن السلطة غضت الطرف عن الملفات الساخنة المطروحة التي تستدعي حلاً عاجلاً، لتنصرف إلى تشكيل لجنة لإعادة النظر في قانون الأسرة.
وتساءل أبو جرة سلطاني: «لماذا نتجاوز المشاكل العويصة ونهتم بموضوع إسقاط الولي في الزواج؟ المعركة في تقديرنا خرجت عن إطارها لتصل إلى محاولة التمكين لمشروع مجتمع هجين بعيد عن أصالة الأمة» .
3 - وقال الشيخ عبد الله جاب الله رئيس (حركة الإصلاح الوطني) في ندوة صحفية نظمها بمقر حزبه: إن نص التعديل المعروض يعتبر تعدياً صارخاً على الدين الإسلامي وأحكام الشريعة المنصوص عليها صراحة في القرآن.
وحمَّل الشيخ جاب الله الأحزاب السياسية والجمعيات التي ساندت الرئيس بوتفليقة في الحملة الانتخابية مسؤولية ما يجري في قانون الأسرة الذي: «يراد من خلال التعديل المقترح فصله تماماً عن الشريعة الإسلامية، وإفراغه من محتواه الديني والحضاري للمجتمع الجزائري» .
ودعا الشيخ عبد الله جاب الله المجتمع الجزائري بكل مكوناته إلى معارضة مشروع القانون: «المستمد من مؤتمر بكين لسنة 1995م والخاضع لتعليمات غربية، تريد فصل المجتمع الجزائري عن دينه وهويته بتواطؤ من أطراف في الجزائر، لها مصالح في تحقيق أهداف التعديل» .
وأشار الشيخ إلى أن الصراع على قانون الأسرة ليس وليد الساعة، وإنما يعود إلى السبعينيات؛ حيث طرحت الفكرة أول مرة في الجامعات، وتصدت لها الصحوة الإسلامية بكل قوة، ثم عاد الصراع مع سن القانون الحالي في سنة 1984م، وردت رابطة الدعوة الإسلامية ـ كان يرأسها الشيخ أحمد سحنون رحمه الله ـ على دعاة التغريب بمسيرة نسوية حاشدة شارك فيها مليون جزائرية.
4 - الشيخ شمس الدين بوروبي رئيس (الجمعية الخيرية الإسلامية) المحظورة: «إن الجزائريين يعانون أزمات كثيرة هي أولى بعناية السلطة، مثل الفقر الذي طال 14 مليون جزائري، والعنوسة التي تشمل 10 ملايين امرأة، و100 ألف طفل يشكون سوء التغذية، فضلاً عن ظاهرة الانتحار» (?) .
5 - وانتقد الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) بشدة في عدة مناسبات مشروع التعديل الذي جاء في وثيقة وزارة العدل التي اعتمدتها الحكومة بانتظار أن تعرضها على البرلمان في وقت لاحق.
وقال شيبان: «إن موافقة ولي الأمر شرط من شروط صحة عقد الزواج في كل المذاهب، بما فيها الحنفي الذي يعطيه حق الاعتراض في حالة تزويج المرأة نفسها» . وحذر من عواقب المساس بقيم المجتمع ودينه.
6 - وقال الأستاذ محمد الشيخ مدير (بوزارة الشؤون الدينية) : «نكاح المرأة بدون ولي باطل، باطل، باطل، استناداً للشريعة الإسلامية» .
7 - وقال عبد العزيز بلخادم وزير (الشؤون الخارجية الجزائري) : «إن برنامج الرئيس بوتفليقة تم إعداده في مقر جبهة التحرير» ، في إشارة إلى أن حزب الأغلبية منسجم مع كل مشاريع الرئيس، بما فيها تعديل قانون الأسرة الذي أدرجه بوتفليقة ضمن أولوياته في الفترة الرئاسية الثانية.
في حين قال عبد الحميد سي عفيف (أحد قياديي جبهة التحرير الوطني) المختلفين سياسياً مع عبد العزيز بلخادم: «إن وزير الخارجية فاجأنا في لقاء مغلق بمعارضته الشديدة لتعديل القانون على أساس أنه لا يمت بصلة لدين الجزائريين وتقاليدهم» .
8 - من جهة أخرى دعت السيدة نعيمة صالحي رئيسة (الاتحاد الوطني للإطارات من أجل الجزائر) رئيس الوزراء أحمد أويحيى إلى: «التزام النزاهة في الدفاع عن قانون الأسرة، وعدم استعمال مركزه كرئيس للحكومة للضغط بهدف تمرير مشروع القانون المعدل» .
ü التيار العلماني والمعارضة المستميتة:
9 - وقد طالب عمارة بن يونس الأمين العام (للاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية) (?) في ندوة صحفية بحل الأحزاب الإسلامية؛ لأنها تمثل في نظره خطراً على التوجهات الديمقراطية والحداثية للبلد، بالإضافة إلى دعوتها للجهاد في مقابل المحاولات، التي تقودها قوى حية في البلد، من أجل تغيير قوانين الأسرة.
ويطالب بن يونس بتكتل القوى الوطنية والديمقراطية للتصدي لمعارضي قانون الأسرة الجديد، قائلاً: «مهمتي هي مكافحة المشروع الأصولي وكل الأصوليين» داعياً الشيخ عبد الله جاب الله، زعيم حركة الإصلاح الوطني، وأبو جرة سلطاني زعيم حركة مجتمع السلم إلى مناقشة قانون الأسرة باعتبارهم قادة سياسيين لا بوصفهم رجال دين وأئمة ـ حسب قوله ـ.
10 - ساند هذه الاقتراحات حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه رئيس الحكومة أحمد أويحيى؛ حيث أضاف زميله في الحزب الوزير عبد القادر امساهل (وزير منتدب لدى وزير الخارجية المكلف بالعلاقات الإفريقية) مطالبته بإقرار التعديلات في كل لقاءاته مع الصحافة.
11 - ينادي الهاشمي شريف زعيم (التيار اليساري المتطرف) بإلغاء قانون الأسرة نهائياً واستبداله بالقانون المدني، مع وضع تشريعات ردعية لقمع كل من يخالف القوانين المدنية والدستورية وخاصة في نواحي التعدد والميراث.
12 - سعيدة بن حبيلس رئيسة (جمعية الحركة النسوية للتضامن مع المرأة الريفية) ووزيرة سابقة (?) قالت: «كنا سباقين بتقديم مشروع لتعديل قانون الأسرة، وقد اشتركت بإعداده عدة جمعيات نسائية من مختلف التيارات السياسية، واتفقنا على إعادة النظر في المواد المتناقضة مع الدستور الجزائري الذي منح المرأة كافة الحقوق، كما أن تلك المواد المطلوب تعديلها تتناقض مع أحكام الشريعة الإسلامية» .
13 - أشادت نوارة جعفر (وزيرة شؤون الأسرة - تنتمي لحزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه أحمد أويحيى رئيس الحكومة) بقرار وزارة العدل، وقالت: «إنه جاء في وقته، شريطة الإسراع بالبت في بعض المواد، لتحقيق التوازن داخل الأسرة الجزائرية، خاصة أن بعض هذه المواد لها انعكاسات سلبية على الأسرة» .
وأشارت الوزيرة ـ في تصريح للإذاعة الجزائرية ـ إلى موضوعات على قدر من الأهمية في النسيج الاجتماعي، مثل: حقوق الطفل، السكن الزوجي للمطلقة وحضانة أبنائها فيه.
14 - أوريدة شواقي رئيسة (جمعية ثروة فاطمة نسومر) ومنسقة الحملة داخل الجزائر من أجل إلغاء قانون الأسرة تصرح: بأنها شخصيّاً ترى ضرورة الفصل بين الدولة والدين، وإلغاء القانون الإسلامي للأسرة.
15 - اعتبرت عقيلة وارد رئيسة (جمعية الدفاع عن حقوق المرأة) أن: «التعديلات التي اقترحتها اللجنة الوطنية لتعديل قانون الأسرة هي إهانة حقيقية للمرأة، بالرغم من أن المرأة قدمت الكثير للجزائر خاصة في السنوات الأخيرة للإرهاب، ولهذا كنا نتوقع أن تأتي هذه الاقتراحات لترفع الغبن عن المرأة، ولكننا تأكدنا اليوم أن الأمر يتطلب ضرورة إلغاء هذا القانون وبصفة نهائية» .
16 - رحبت بختي عائشة رئيسة (جمعية التضامن مع النساء) بشدة بالاقتراحات التي تقدمت بها اللجنة، ولكنها قللت من شأنها كونها كما قالت: «هذه التعديلات لا تستجيب لطموحاتنا ولا تحقق المطالب التي ننادي بها» . وحسب الناشطة في مجموعة جمعيات 20 سنة بركات (أي كفى) فإن «قانون الأسرة يعتبر أكبر إهانة للمرأة الجزائرية؛ لأنه يحرمها من كل حقوقها، ويعاملها بطريقة تجعلها معرضة للتشرد والضياع» .
17 - أما مريم بلعي رئيسة (مساعدة المرأة) وإن قالت بأنها لم تطَّلع على اقتراحات اللجنة إلا أنها أكدت: «مهما تكن هذه الاقتراحات؛ فنحن نعلم أنه لن تكون في مستوى طموحاتنا، ولن تضمن حقوق المرأة، وقد عبرنا عن مواقفنا من هذا الموضوع من قبل، ولن نقبل إلا بالإلغاء الكلي لهذا القانون؛ لأن ذلك هو الطريقة الوحيدة لرفع الظلم والغبن عن المرأة التي يسلطها قانون الأسرة» .
وبناء على طلب علماء الجزائر صدرت فتوى سورية بعدم جواز زواج البكر دون إذن والدها:
فقد قدم المجمع الفقهي للشيخ أحمد كفتارو (مفتي الجمهورية السابق بسوريا رحمه الله) فتوى بشأن قانون الأسرة الجزائري الجديد أفتى فيها بعدم جواز زواج الفتاة البكر ـ التي لم يسبق لها الزواج ـ بغير إذن وليها. جاءت هذه الفتوى بناء على طلب من الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من المجمع الفقهي للشيخ كفتارو بإصدار فتوى حول إلغاء شرط الولي في عقد الزواج الذي تضمنه قانون الأسرة الجزائري الجديد والذى يثير جدلاً كبيراً فى أوساط الجزائريين.
وأوضحت الفتوى أن جمهور العلماء أكدوا على وجوب موافقة الولي في زواج البكر، وعن رأي «الأحناف» في زواج البنت دون وليها.. أوضحت الفتوى أن المذهب الحنفي ـ الذي اعتمدته لجنة صياغة قانون الأسرة الجزائري ـ يؤكد أن المرأة إذا تولت تزويج نفسها بنفسها، ولم يتم ذلك بناء على إجازة وليها؛ فهي مطالبة بأن يكون الزوج الذي اختارته شريكاً لحياتها كفؤًا لها؛ أي أن يكون في مقامها ومركزها الاجتماعي باعتبارها أحد أفراد الأسرة وأنها بتزويج نفسها ستحمل أسرتها تبعات قرارها.
كما أكدت الفتوى السورية أن الأحناف لم يتوقفوا عند إباحة زواج البكر بغير إذن وليها، بل وضعوا لذلك شروطاً أخرى.. كما جعلوا أن من حق الولي في إلغاء عقد الزواج يبقى قائماً في حال ثبوت عدم توفر الشروط التي حددها الحنفيون (?) .
أخيراً: إن ما يحدث الآن هو التلاعب بأسس ومقومات الأسرة الجزائرية وتقاليدها الضاربة في التاريخ، وطرح قواعد جديدة للأسرة الحديثة التي يرجى تأسيسها على غفلة من الناس، مستلهمة من الرؤية الغربية للعلاقات القائمة بين الأفراد، ذكوراً وإناثاً، إلى حد محاولة فرض أيديولوجية نسوية جديدة لها انتشارها وذيوعها كما كان الحال في السابق بالنسبة للاشتراكية والشيوعية والليبرالية والقومية، وتكون هذه الأيديولوجية عابرة للقارات لا حدود لها؛ بحيث تكون المساواة بين الذكر والأنثى هي محورها وقلبها النابض. إنها الحرب الجديدة، ولا شيء سوى كونها حرباً حقيقية تحتاج إلى وعي وجهاد لمدافعتها ورد خطرها عن مجتمعنا الجزائري المسلم؛ فهو آخر خطوط دفاعنا عن حصوننا المتبقية، وقبل أن يحل الندم والحسرة متأخراً.