د. أحمد القاضي
قد فتح الله ـ تعالى ـ لعباده في الآونة الأخيرة من أبواب رحمته ما لم يكن لهم بالحسبان، وهيأ لهم من أسباب الفرج ما يرفع الحرج، أو يدفعه، أو يخففه؛ فقد أتاحت وسائل الاتصال الحديثة من هاتف، وإنترنت، وبريد أن يصل العديد من الناس إلى مبتغاهم من الفُتيا، والمشورة من أهل الاختصاص، بطرق ميسورة مستورة. وقد كان كثير منهم، لا سيما النساء، وأهل البوادي، والمناطق النائية، والبلاد الخالية من العلماء، يتخبطون في الجهل، ويتهوكون (?) في تصرفات منافية للعقل؛ فصار قصارى جهد أحدهم الآن أن يلتقط الهاتف ليستفتي من شاء من طلبة العلم في مسألة يستحي من ذكرها كفاحاً (?) .
أو يسارِرَ بعض ذوي الرأي والمشورة في مشكلة ألَّمت به، يبتغي بذلك حلاً وإصلاحاً، وقد نتج عن ذلك ـ بحمد الله ـ حل مشاكل كثيرة، ورفع الجهل عن فئام من الناس المغيبين عن صوت العلم والموعظة؛ فلله الحمد أولاً وآخراً. قال ـ تعالى ـ: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] .
وكان من ثمرات هذا الأمر أن تمّت الاستفادة من كثير من طلبة العلم، والمختصين النفسيين والاجتماعيين، وأهل الرأي والعقل، ونظراً لبكارة (?) التجربة، نسبياً وتفاوتها من شخص لآخر، ومن جهة لأخرى كان من المفيد أن يجري الحديث بين الممارسين لهذه الأعمال بصفة شخصية، وبين القائمين على تنظيمها من خلال جهات معلنة، وتبادل الخبرات فيما بينهم.
- تعريف الاستشارة:
لغة: قال الجوهري: (المشورة: الشورى، وكذلك المَشُورَة، بضم الشين، تقول منه: شاورته في الأمر، واستشرته بمعنى) (?) .
قال ابن فارس: (الشين والواو والراء أصلان مطَّردان: الأول منهما: إبداء شيء وإظهاره وعرضه، والآخر: أخذ شيء.. قال بعض أهل اللغة: من هذا الباب: شاورت فلاناً في أمري، قال: وهو مشتق من شور العسل؛ فكأن المستشير يأخذ الرأي من غيره) (?) .
اصطلاحاً: استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور، ويكون ذلك في الأمور الجزئية التي يتردد المرء بين فعلها وتركها (?) .
وأما الاستشارة الهاتفية: فهي طلب المشورة عن طريق الهاتف، وتمتاز على الاستشارة المباشرة بسقوط الكلفة والحرج اللذين يعتريان المستشير، فيمنعانه من البوح بما يستحي منه أحياناً، وتقصر الاستشارة الهاتفية عن المباشرة بعدم تمكن المشير من إدراك القرائن المحتفَّة (?) بحال المستشير من ملامح وعلامات يستدل بها أهل الفراسة.
- فضل الاستشارة:
قال ـ تعالى ـ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] ، وقال: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] ، وقال -صلى الله عليه وسلم- لعائشة في قصة تخيير أزواجه: «إني سأعرض عليكِ أمراً، فلا عليك ألا تعجلي فيه حتى تشاوري أبويك!» (?) .
واستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في مواطن كثيرة، في لقاء المشركين يوم بدر، وفي أسراهم، وفي حادث الإفك.
وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: «الرجال ثلاثة: رجل تَرِدُ عليه الأمور فيسددها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرأي، ورجل حائر بائر لا يأتمر رُشداً ولا يطيع مُرشداً» (?) .
وقال علي ـ رضي الله عنه ـ: «نِعْمَ المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد» (?) .
وقال عمر بن عبد العزيز: (إن المشورة والمناظرة بابا رحمة، ومفتاحا بركة، لا يضل معهما رأي، ولا يفقد معهما حزم) (?) .
وقال الحسن: (والله ما استشار قومٌ قط، إلا هُدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثم تلا: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] ) (?) .
وقال ابن العربي: (الشورى أُلفة للجماعة، ومسبار للعقول، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هُدوا) (?) .
- أركان الاستشارة:
أولاً: المستشار: ينبغي أن يتحلى المستشار بجملة من الصفات الشخصية، وأن يسعى في تكميل ما نقص منها، وهي:
1 - العلم: فالحكم على الشيء فرع عن تصوره وإدراكه. وحقيقة العلم، عند الأصوليين، إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً. فعدم الإدراك بالكلية جهل بسيط، وإدراكه على خلاف ما هو عليه جهل مركب، وإدراكه مع احتمال ضد مرجوح ظن، ومع احتمال ضد راجح وهم، ومع التساوي شك.
والمقصود بالعلم ها هنا علمان:
الأول: العلم بالشرع: فالشريعة الإسلامية مشتملة على جميع المصالح الدنيوية والأخروية قال ـ تعالى ـ: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ، وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] . ولأجل ذلك أحال الله على أهل العلم، فقال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] . وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] . فلا شك أن المتضلع في الشريعة، المستنير بنور الكتاب والسنة، تنشأ عنده أهلية للنظر، وإصابة الحق، بسبب اعتصامه بنصوص الوحيين.
وليس معنى ذلك أن لا يتصدى للمشورة إلا العلماء، أو طلبة العلم المتمكنون، بل المقصود أن يتوفر في المشير حدٌّ أدنى من العلم الشرعي، يمكنه من تبصير المستشير بحقوق الله، ويحجزه عن تعدي حدوده.
ثانياً: العلم بالحال: وهو إدراك الواقعة، محل الاستشارة إدراكاً جيداً، مبنياً على معطيات صحيحة، خالياً من المؤثرات الآنية.
2 - العقل: العقل في اللغة: (الحِجر والنهى) (?) ؛ فالعقل ها هنا وصف زائد على مجرد ما يميز الإنسان عن الحيوان، أو الطفل، أو المجنون، مما يكون شرطاً في سائر العبادات، بل هو وصف شريف يتحلى به أفراد من الناس، ناتج عن سعة الأفق، وبعد النظر، والأناة، والتأمل في العواقب، وحسبان الآثار، وتمييز خير الخيرين، وشر الشرين، وقد قيل:
إذا كنتَ في حاجة مُرسِلاً
فأرسلْ حكيماً ولا توصِهِ
وإنْ بابُ أمرٍ عليك الْتَوى
فشاور لبيباً ولا تعصِهِ
وربما كان حظ المرء من العلم وافراً، لكن لا يوازيه عقل راجح، فيضل.
3 - التجربة: إن مما يذكي العقل ويسدده التجارب والمراس. قال القرطبي: (وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلاً مجرباً وادّاً في المستشير. ونقل عن بعضهم: شاور من جرب الأمور؛ فإنه يعطيك من رأيه ما دفع عليه غالياً، وأنت تأخذه مجاناً) (?) . ولهذا ينبغي أن يكون المستشار مطلعاً على أحوال مجتمعه، عارفاً بما يقع، على سبيل الجملة، مدركاً لاهتمامات أهل زمانه، وقد كان علماء أهل السنة (علماء عامة) ، يخالطون الناس، ويعيشون في أكنافهم.
ومما يعوض قصور التجربة أن يستفيد المستشار من تجارب السابقين، وأن ينخرط في بعض الدورات المفيدة، المتعلقة بفن التعامل مع الناس، وإدارة الحوار.
4 - التقوى: إن مقامَ المشورة يتطلب قدراً من استشعار مراقبة الله، وخشيته في الغيب؛ فقد يتسلل إلى نفس المستشار حظ من حظوظ النفس بسبب حاجة المستشير إليه، فيشير عليه بأمر له فيه غرض، وقد يُطيف به طائف من الشيطان بسبب النجوى مع النساء؛ فيفقد صوابه، ولا يعصمه من ذلك إلا تقوى الله؛ فإن آنس المستشار من نفسه ضعفاً أو هوى فالنجاءَ النجاءَ.
5 - الأمانة: عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «المستشار مؤتمن» (?) ؛ فهو مؤتمن على أسرار من يستشيره من الناس، فلا يحل له أن يفشيها، لا تصريحاً، ولا تلميحاً، ولا تمثيلاً متضمناً لذكر علامة فارقة، تؤدي بمستمعه إلى معرفة المقصود، أما ما كان على سبيل المثال العام، أو مع أمن التعيين، واحتيج إليه لبيان حقيقة، أو التدليل على ظاهرة، فلا بأس إن شاء الله.
6 - النصح: يتعين على المستشار أن يمحض المستشير خالص نصحه؛ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «حق المسلم ست.. وذكر الثالثة: وإذا استنصحك فانصح له» (?) ، وعنه أيضاً: «من استشارهُ أخوه المسلم، فأشار عليه بغير رُشده فقد خانه» (?) .
7 - حسن الإصغاء: ينبغي للمشير أن يصغي إلى الشكوى، ويستجمع أطرافها، ولا يعاجل المستشير برأي، أو تعليق، أو تخطئة، أو تصويب، قبل أن يتم حديثه، فإذا فرغ من عرضه ألقى عليه من الأسئلة ما يكشف ما طوى ذِكْرَه.
8 - صفاء الذهن، وعدم التشوش: أن يكون المستشار حال بذل المشورة في وضع مطمئن، غير مهموم، ولا مشغول، ولا مستعجل، ولا متشوش بعارض خارجي.
- ثانياً: المستشير:
فاوت الله بين عباده في عقولهم، وعلومهم، وأخلاقهم، كما فاوت بينهم في أرزاقهم؛ ففيهم العالم والجاهل، والذكي والبليد، والعاقل والأحمق، والمطمئن والمنفعل، بل والصحيح والمعتل، فينبغي للمشير أن يدرك هذا التفاوت، وأن يخاطب الناس على قدر ما آتاهم الله، وألا يسوق الكلام سَوْقاً واحداً دون مراعاة للفروق الشخصية. ونذكر ها هنا بعض التنبيهات المتعلقة بطبقات مختلفة من الناس:
1 - الأسوياء: وهم عامة الناس الذين يحتكمون إلى معايير ثابتة، شرعاً، وعقلاً؛ فلا يجد المشير عناءً في الغالب في إقناعهم ومناقشتهم.
2 - النساء: النساء من حيث الجملة دون الرجال في الخصائص الخلقية والخُلقية؛ ولهذا جعل الله شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، فقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] ، ومن مظاهر هذا الضعف: قلة التحمل، وعدم الضبط، وغلبة العاطفة التي تحمل على الانتقائية في العرض، وحجب بعض المعومات، والتفوُّه بذكر أسماء أو جهات تحرج المشير، أو الرغبة في الحديث والإفضاء فقط؛ فينبغي للمشير أن يكون في تعامله مع النساء حازماً في غير قسوة، متماسكاً لا تجرفه العاطفة، تقياً لا يتَّبِع الهوى، ومن ذلك أن يحذر من الوقوع في تخبيب المرأة على زوجها، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «ليس منا من خبَّب امرأة على زوجها» (?) .
3 - المنفعلون: يتصل بعض المستشيرين في حالة هياج، وتأثر من جراء موقف آني، فينبغي للمشير أن يرده رداً جميلاً، ويعمل على تهدئته حتى يعود إلى حال السواء، وإلا طلب منه أن يتصل في وقت لاحق؛ لأن التعاطي مع المنفعل لا يعطي رؤية واضحة، ولا يحقق تقبلاً جيداً؛ ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الغضبان بالوضوء، والصمت، والجلوس إن كان قائماً، والاستلقاء إن كان جالساً.
4 - المرضى النفسيون: تعاني شريحة من المستشيرين من أمراض نفسية، عارضة أو مزمنة: كالاكتئاب، والوسواس، والشك؛ فيمكن للمشير أن يوجههم ضمن مشورته إلى مراجعة الطبيب النفسي، ويطمئنهم بأن ذلك يعينهم على اجتياز الأزمة، ولا يترتب عليه ـ بالضرورة ـ الوقوع في أسر العقاقير، وأن النفس تعتل كما يعتل البدن.
5 - العابثون: يتسلى بعض العابثين بالاتصال على أرقام طلبة العلم، والمستشارين، والتظاهر بالوقوع في مشكلة ما، وربما عمد بعضهم إلى ربط هذا الاتصال بغرفة في (البال توك) بغرض التندر، ويمكن للحاذق كشف هذا التلاعب من لحن القول، ومجرى الحديث، كما أن بعض المتصلين يقوم بتسجيل المكالمة دون استئذان المستشار، وفي بعض البيوت يضع الزوج جهاز تنصت على المكالمات الهاتفية لأهل بيته، وكل ذلك ينبغي أن يحمل المستشار على ضبط كلامه، ووزن توجيهاته، بما يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة.
- ثالثاً: المشورة:
1 - التمييز بين: (الحكم) و (الفتوى) و (المشورة) : لا بد من التمييز بين هذه المقامات الثلاثة؛ فالفتوى: (إخبار بحكم الله ـ تعالى ـ عن دليل شرعي، لمن سأل عنه في أمر نازل) (?) ، والقضاء: (إنشاء إباحة أو إلزام في مسائل الاجتهاد فيما يقع فيه النزاع لمصالح الدنيا) (?) ، فالحكم ملزِم، والفتوى غير ملزِمة، والحكم يتعلق بالواجبات والمحرمات والمباحات، ولا يتعلق بالمكروهات والمستحبات، والإفتاء يتعلق بالجميع، والحكم القضائي خاص بالخصومات والولايات والاستحقاقات، والإفتاء يكون في العبادات والمعاملات والحقوق والآداب. وأما المشورة فقد تقدم تعريفها: بأنها طلب الرأي الصائب فيما يعرض من مشكلات، وعليه فينبغي للمستشار، والمفتي أيضاً أن يتحاشيا التدخل في قضايا الخصومات المتعلقة بالمحاكم الشرعية، وينبغي للمستشار أن يتحاشى الفتيا فيما لا يحسن، وإن كان يسعه أن يحث المستشير على فعل الأولى، وإتيان الفضل.
2 - عدم المكاشفة بالأسماء والعلامات الفارقة: يمكن أن تتحقق المشورة بصورة مجردة، دون إقحام أسماء أو ذكر سمات فارقة، تحرج المشير، أو ربما تؤثر في مشورته، ويمكن للمشير أن يعوِّد محدثيه على الالتزام بهذا الضابط، ويحجزهم عن الوقوع والمساس بالذوات، والجهات، ويمكن في حالات خاصة أن يحيلهم على أشخاص أو جهات مناسبة.
3 - الوضوح: المشورة النافعة تتسم بالحزم، والوضوح، والتعليل، وهي بهذا الإخراج تريح المستشير، وتخرجه من دوامة التردد؛ ففي حديث استشارة فاطمة بنت قيس للنبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: «فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد! فكرهته، ثم قال: انكحي أسامة! فنكحته؛ فجعل الله فيه خيراً واغتبطت» (?) .
4 - التأجيل: قد يلتبس الأمر على المشير، فلا يفتح له في قضية من القضايا، فيبغي له أن يستمهل مستشيره ليتأمل، ويتبصر ويضرب له موعداً آجلاً، ولا يليق بالمستشار أن يتعجل في أمر له فيه أناة وفسحة؛ لأن المشورة أمانة ودين، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم (?) .
5 - الاستخارة: ينبغي أن تجلل المشورة بالإحالة إلى الركن الشديد، والحرز المكين، ألا وهو دعاء الله ـ عز وجل ـ المتمثل في (دعاء الاستخارة) ، فيؤمر المستشير بعد بذل المشورة بما دل عليه حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري ـ أو قال عاجل أمري وآجله ـ فاقدُره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري ـ أو قال في عاجل أمري وآجله ـ فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدُر لي الخير حيث كان ثم أرضني به، قال: ويسمي حاجته» (?) . وقد قيل: ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وتثبت في أمره.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله مشتبهاً علينا فنضل. وصلى الله على عبده ونبيه محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.