شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته
حقائق يجب أن تعرف عن الحرب اللبنانية
المسلمون السُنَّة هدف للإرهاب في لبنان وغيره
عجيبة هي الأخبار المتلاحقة التي تشهدها الساحة اللبنانية، وأعجب منها
القلوب الجامدة التي يمتلكها أباطرة الطوائف في هذا البلد المنكوب ...
فأنت تقرأ في الصحف أخبار المجاعة التي يئن من وطأتها جميع اللبنانيين
وأن قيمة الدولار تزيد على 70 ليرة لبنانية، وأن أكثر من رب أسرة في الجنوب
حاول بيع أولاده لأنه لا يجد من القوت ما يسد به رمقهم.. كما تقرأ في هذه
الصحف أخبار تجارة المخدرات التي تدر " المليارات من الدولارات " على قادة
الطوائف، وتشبه هذه الأخبار الأساطير، لكنها بكل أسف حقيقة ليس فيها شك
ولاريب. وإذا كانت الحرب قد ضاعفت استيراد المخدرات وزراعتها، فهي
موجودة قبل الحرب، وتعرف الحكومات المتعاقبة منذ القديم مَنْ من زعماء
الطوائف يزرع المخدرات وفي أي أرض يزرعها، ولكنها (أى الحكومات) أعجز
من أن تتخذ موقفاً بل هي ليست أحسن حالاً منهم.
ورغم الفقر والمجاعة والبؤس فلا تزال الحرب في لبنان تلتهم الأخضر
واليابس، وبينما كنا نعد مادة هذا العدد كانت أجهزة الإعلام العالمية تتابع أخبار
الحرب الضروس التي تدور رحاها حول المخيمات في بيروت وجنوب لبنان. إن
ما يجري في هذا البلد يهم كل المسلمين لأنهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وقد رافق هذه الحرب الآثمة اختراق تشكيل من المقاتلات الإسرائيلية حاجز
الصوت في العاصمة اللبنانية على ارتفاعات شاهقة، كما حلقت هذه الطائرات في
طلعات استطلاعية فوق منطقتي الجبل والبقاع وجنوب لبنان، أي فوق أرض
المعركة لمراقبة القتال، بل وشاركت الزوارق الإسرائيلية المسلحة في قصف
مساكن الفلسطينيين في مخيمات صيدا وصور! كما رافق هذه الحرب العدوانية
أيضاً اعتداءات من جيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل على المخيمات
الفلسطينية.
ومما ينبغي التأكيد عليه أن هذه الحرب ليست حدثاً عابراً نتج عن أخطاء
عادية، وقد تسوى هذه الأخطاء وتطوى هذه الصفحة، وتتصافى القلوب، ويلتقي
الطرفان على قتال العدو الصهيوني.. لا، ليس الأمر هكذا ولا يستطيع القارئ فهم
طبيعة هذه الحرب إلا إذا علم الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى:
هناك مؤامرة عالمية رهيبة ضد لبنان وقد شاركت الدول الكبرى وإسرائيل في
رسم خيوط هذه المؤامرة، والحديث عن المؤامرة قبل الحرب كان يتطلب أدلة
وبراهين، وبعد أكثر من إحدى عشرة عاماً أصبحت الأدلة واضحة لكل ذي بصيرة
لقد كشفت وثائق ومخططات، ونشرت مذكرات واستطلاعات صحفية كافية
لفضح أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد السوفييتي وغيرها من الدول
الكبرى.
لقد قرأنا فيما قرأنا أن (بن غوريون) رئيس وزراء العدو الصهيوني السابق، و (موسى شاريت) وزير خارجيته، كانا قد تحدثا فيما كتباه من مذكرات عن ضرورة تقسيم لبنان إلى دويلات طائفية، وتحدث العالم أجمع عبر وسائل إعلامية عن جولات (هنرى كيسنجر) وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية السابق بين عدد من عواصم دول الشرق الأوسط، وقل مثل ذلك عن لقاءات قادة العدو الصهيوني أمثال: بيغن، وبيريز، وشارون مع معظم زعماء الطوائف في لبنان.
ونتيجة لهذه المؤامرة انفجرت الحرب في لبنان، وكانت إسرائيل طرفاً فيها
ضد المسلمين السنة وحدهم، وعندما اجتاحت لبنان عام 1982 م استمرت في
حصار بيروت حتى اضطرت منظمة التحرير إلى مغادرة لبنان.. ودبر اليهود
وحلفاءهم مذابح صبرا وشاتيلا، ومما يجدر ذكره أن إسرائيل أصرت على مغادرة
(الميليشيات) السنية في بيروت الغربية مع أنهم لبنانيون.. وجملة القول فإسرائيل
والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وجميع الدول الكبرى لا يزالون يحركون هذه
الحرب عبر عملائهم من الطوائف اللبنانية.
الحقيقة الثانية:
منذ بداية هذه الحرب وحتى كتابة هذه الأسطر هناك خطوط حمراء لا
تستطيع أية جهة تجاوزها، ومن الأمثلة على ذلك أن لإسرائيل خطاً أحمر في
الجنوب لا تسمح بتجاوزه، وبيروت الشرقية خط أحمر، وكذلك زغرتا،
والضاحية الجنوبية، والشوف وبعلبك، والبقاع، والجبل.. أما مناطق أهل
السنة، فهي هدف لكل من يتدرب على استعمال الأسلحة، ونذكر من الأمثلة على
ذلك: طرابلس، مخيم البداوي، ونهر البارد، وتل الزعتر، وصبرا، وشاتيلا،
وبرج البراجنة، والكرنتينا، ومخيم عين الحلوة، والرشيدية، والمية ومية،
وبيروت الغربية، وأحياء السنة في صيدا والجنوب.. وكانت الطوائف مع
إسرائيل تتناوب الاعتداء على مدن ومخيمات أهل السنة، وكان غير اليهود أكثر
يهودية [إن صح هذا التعبير] من اليهود.
قد يحصل خلل ويقع اعتداء على منطقة لغير أهل السنة.. والذي يحدث أن
الاعتداء يتوقف فوراً، ويجلس الطرفان على مائدة المفاوضات، أما مناطق أهل
السنة فلا يتوقف القتال إلا بعد الإبادة والتشريد أو الاستسلام التام.
وتفسير هذه الظاهرة لا يحتاج إلى تفكير طويل.. فالدول الكبرى التى اتفقت
على دمار لبنان وتقسيمه حددت خطوطاً حمراء، والذين ينفذون المؤامرة ملتزمون
بالأوامر الصادرة إليهم.
الحقيقة الثالثة:
الدويلات الطائفية حقيقة قائمة في لبنان، لكنها غير معلنة بشكل رسمي ومنذ
بضعة سنين والدول الكبرى تتعامل مع زعماء الطوائف كما لو كانوا رؤوساء دول، وفي طليعة هذه الدول الاتحاد السوفييتي الذي يمد بعض الطوائف كما يمد
المليشيات الشيوعية واليسارية بأحدث الأسلحة سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير
مباشر.. ونقول: الاتحاد السوفييتي شريك في المؤامرة لأن من بني جلدتنا من لا
يفهم الأمور إلا بعد فوات الأوان، وربما لا يفهمها لا قبل الأوان ولا بعده، أما دور
الولايات المتحدة وإسرائيل فمعروف عند الجميع..
ويتعامل أباطرة الطوائف مع بعضهم على هذا الأساس، وكل امبراطور
يعرف حدود دولته، وإذا حدث خلاف ذلك تنشب حرب بين الدولتين ثم يتدخل
الوسطاء.
وسبب الاعتداءات على المخيمات الفلسطينية هو حرص زعماء الطوائف
على تنفيذ آخر بنود الاتفاقية، وآخر هذه البنود يقتضي أن لا يقوم لأهل السنة
قائمة، وأن لا تكون لهم دولة.
الحقيقة الرابعة:
الأحزاب والحركات والهيئات العلمانية واليسارية التي يتزعمها قادة العلمانية
واليسارية التي يتزعمها قادة ولدوا من أسر سنية. هؤلاء لا يثق بهم أباطرة
الطوائف ولا يطمئنون إليهم رغم توددهم لأعداء الإسلام، وهذه عقوبة من الله لهم
في الدنيا، فالذين سلموا من إسرائيل بَطَشَ بهم عملاُء إسرائيل عند احتلال بيروت
الغربية، ومن سلم منهم من القتل أو السجن خرج هائماً على وجهه في بلاد الله
الواسعة.
وكذلك حال الفلسطينيين الذين تآمروا على قومهم في ساعات المحنة.. إنهم
يعيشون حياة لا يحسدون عليها، لكنهم فقدوا المروءة والنخوة، وقبلوا حياة الذل
والخيانة.
إن أعداء الإسلام يعرفون بأن السني، قد يتوب إلى الله من العلمانية والإلحاد
ويقف في الصف المعادي لهم، ولهذا فهم لا يثقون به مهما نافق وداهن لهم.
الحقيقة الخامسة:
إن هؤلاء الأباطرة يحاربون أهل السنة بالأصالة عن أنفسهم، ونيابة عن
إسرائيل والولايات المتحدة، وبقية الدول الكبرى، ولهذا فهم يتقاضون راتباً لكل
جندي من جنودهم، كما يتقاضون مساعدات وأسلحة ثقيلة وخفيفة، فضلاً عن
تجارة المخدرات وممارسة سياسة السلب والنهب.. ومن يعتقد غير ذلك كيف
يتصور أن تستمر هذه الطوائف أكثر من أحد عشر عاماً مع أن دولة من الدول
تعجز عن الاستمرار في القتال والاستنفار طيلة هذه المدة. وكيف يتصور إنسان
يحترم عقله استمرار حصولهم على السلاح والذخيرة إذا كانوا مستقلين ولا يتلقون
مساعدات من حكومات وأنظمة خارج لبنان.. وعلى كل حال فكل شيء في لبنان
واضح بالأدلة والأرقام، والأباطرة فقدوا الحياء والخجل وأصبحوا لا يخجلون مما
كانوا يتسترون عليه.
الحقيقة السادسة:
إن أباطرة الطوائف يتكتلون ضد أهل السنة رغم ما بينهم من تناقضات
وخلافات، ويستطيع المنصف أن يتبين صحة ما نقول إذا استعرض الأحداث منذ
بداية الحرب، وإذا كان لا يريد أن يتعب نفسه، فليقراً وليسمع ما نشرته وكالات
الأنباء وأجهزة الإعلام عن موقف الأباطرة في الأحداث الأخيرة، وعن موقف العدو
الصهيوني من هذه الأحداث.
الحقيقة السابعة:
إن أهل السنة يدافعون عن أنفسهم في ظروف لا يحسدون عليها.. إنهم
يلتفتون حولهم فيجدون العدو يحيط بهم من كل جانب داخل لبنان وخارجه وفي
معظم الحالات يحققون انتصارات مهمة، ولكن مساعدات الآخرين ووقوفهم إلى
جانب العدو يغير مسيرة المعركة.. وبعد أيام أو أشهر تنتهي الذخيرة، ولا يجدون
من يمدهم بها.. أو قد يُمْنَع عنهم التموين، أو الماء، أو المساعدات البشرية، نعم
قد تمنع هذه الأمور كلها لأنه لا طريق للوصول لأهل السنة المحاصرين إلا عبر
اجتياز دولة طائفية، وهذه الدولة ترفض الحياد إذا كان أهل السنة طرفاً في معركة
من المعارك، وتسارع إلى الانضمام لخصومهم، ولهذا السبب سقط تل الزعتر،
والكرنتينا، والمسلخ، ومحيت هذه المناطق من الوجود، كما سقطت طرابلس
وبيروت الغربية، وبرج البراجنة، وصبرا وشاتيلا، ومخيم نهر البارد، ومخيم
البداوي، وسجل المجاهدون صفحات من البطولة لا تنسى، كانوا يقاومون جيشاً
غازياً، كما يقاومون المليشيات الطائفية التي انضمت للغزاة، ومنعت عنهم الماء
والكهرباء والعلاج والغذاء، ويقاومون أيضاً الخونة وضعاف النفوس الذين جندهم
الغزاة منهم.. وقد حدث هذا في بيروت الغربية عند حصار الجيش الصهيوني لها،
كما حدث في طرابلس والمخيمات عموماً.
* * *
وبعد:
هذه هي الحقائق التي نستطيع على ضوئها فهم طبيعة الحرب اللبنانية قديماً
وحديثاً، حاضراً ومستقبلاً.
ومن هنا نستطيع أن نفهم أسباب الاعتداءات المتلاحقة ضد أهل السنة،
وآخر الذين تم اغتيالهم الشيخ صبحي الصالح -رحمه الله-، وما كان يملك
(ميليشيا) ، ولا كان زعيماً سياسياً، وعلى نقيض ذلك كان يمثل الاعتدال بين أهل
السنة، وكانت له علاقات جيدة مع النصارى وغيرهم، ومع ذلك لم يسلم، وجاء
اغتياله بعد محاضرة ألقاها خلال زيارة له في المغرب العربي تحدث فيها عن
الإرهاب والإرهابيين، وأنكر تبني الإسلام لمثل هذه الأساليب، والذين قتلوه مشوا
بجنازته وكتبوا في صحفهم يشيدون بمآثره، وينددون بالقتلة المجرمين، وكم في
لبنان من المضحكات المبكيات! ! .
ونقرأ في الصحف، ونسمع في نشرات الأخبار من يتهم المسلمين بالإرهاب، والحقيقة نحن هدف للإرهاب الذي تمارسه إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، ومن يدور في فلكهم من الدول والطوائف، وهذه هي حالنا في: لبنان، وفلسطين المحتلة، والحبشة، وأرتيريا، وتشاد، وأوغندا، وفي الهند وأفغانستان، وداخل الاتحاد السوفييتي والفلبين، وفي مناطق أخرى كثيرة من العالم الإسلامي.
نحن الذين من حقنا أن نطالب بوضع حد للإرهاب ومكافحة الإرهاب حقاً،
ويجب أن تسمى الأمور بمسمياتها الصحيحة فالخائن لا يمكن أن يكون بطلاً،
والسارق ليس شجاعاً والمعتدى عليه الآمن ليس إرهابياً.
ولا يزال بيننا بكل أسف من يخجل من قول الحقيقة لأنه -كما يزعم - لا
يريد تقسيم الإسلام إلى سني وغيره، ولا يريد أن نتهم بالطائفية، أو لأنه لا يزال
يحسن الظن بالذين يقولون له بكل خبث: ماذا تريد فالعلمانيون يقاتلون علمانيين..
كذبوا والله فالبائسون الآمنون من الشيوخ والنساء والأطفال والشباب في طرابلس
وبيروت الغربية والمخيمات ليسوا علمانيين، وهؤلاء الذين يرددون هذه الشعارات
ليسوا حياديين، ومن جهة أخرى فعدونا يقاتلنا لأننا من أهل السنة، وبعض
الأغبياء من أهل السنة يريدون منا أن نموت ونحن صامتون حتى لا نتهم بالطائفية.