زنازين الاحتلال مقاعد دراسية لأسرى فلسطينيين!!
محمد ياسين
حوّل الأسرى الفلسطينيون سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى مقاعد دراسية، يحصلون من خلالها على الشهادات والدرجات العلمية المختلفة؛ وذلك رغم عزلهم عن العالم الخارجي، وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية؛ حيث إنهم استطاعوا ـ بعزيمتهم وإصرارهم على مواصلة الحياة ـ صنع الكثير من المعجزات، التي من بينها الحصول على الشهادات الجامعية.
ويقبع خلف أسوار سجون الاحتلال الإسرائيلي قرابة سبعة آلاف أسير فلسطيني، بينهم مئات الأطفال وعشرات النساء بعضهن حوامل وضعن أحمالهن داخل السجون؛ حيث تمارس بحقهم مصلحة السجون الإسرائيلية أبشع الممارسات، وتحرمهم من الكثير من الحقوق المكفولة لهم بموجب اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحقوق الأسرى.
وخاض الأسرى الفلسطينيون إضراباً مفتوحاً عن الطعام، استمر 19 يوماً على التوالي؛ حيث بدأ صباح الأحد 15/8/2004م وانتهى مساء الخميس 2/9/2004م بعدما أذعنت مصلحة السجون الإسرائيلية لغالبية مطالبهم.
- الحياة الثقافية:
يؤكد الأسير أبو مجاهد في اتصال خاص بمراسلنا أن «الأسرى استطاعوا بجهودهم أن يحولوا حياة السجن بشكل عام من محنة إلى منحة» ، واصفاً الوضع الثقافي داخل السجون بأنه «جيد جداً» ، ومضى يقول: «الدورات الثقافية المتخصصة لا تنقطع، ونستغل وجود أي (كادر) ثقافي يدخل السجن لكي نستفيد من تجربته وخبرته» .
وأضاف قائلاً: «السجون أعطت مئات الأسرى شهادات في التلاوة والتجويد معترفاً بها من وزارة الأوقاف الفلسطينية، وعشرات الأسرى أكملوا حفظ القرآن داخل السجن، وقد استطعنا بصعوبة بالغة تكوين مكتبات داخل كل سجن» .
وأشار الأسير أبو مجاهد إلى أن الأسرى يُقبلون بشكل جيد على مكتبات السجون؛ لافتاً الانتباه إلى العراقيل التي تضعها إدارة السجون الإسرائيلية في وجه الأسرى، وقال: «حصل أحد الأسرى على درجة الدكتوراه في ظل ظروف قاسية للغاية دون علم إدارة السجن، التي لو علمت بذلك لما سمحت له بإكمال دراسته» .
وتابع قائلاً: «هناك برامج ثقافية متكاملة يبدأ بها الأسير منذ لحظة وصوله للسجن بعد فترة التحقيق، فيبدأ بالأهم ثم المهم، والتركيز يكون على البرامج التربوية والحركية، والأمنية، والدينية، وفي السنوات الأخيرة تعمدت إدارة السجون الإسرائيلية أن توقف النشاط الثقافي، فلجأت إلى أساليب وحشية مثل إغلاق مكتبات السجون، وتحطيم ما فيها من كتب وخزائن، حيث لا تزال المكتبات مغلقة خاصة في سجن عسقلان منذ سنتين ونصف» .
- درجة الدكتوراه:
وفي سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة، حصل الأسير (ناصر عبد الجواد) من الضفة الغربية على درجة الدكتوراه؛ حيث منحته جامعة النجاح الوطنية بنابلس درجة الدكتوراه، لكونه ملتحقاً ببرنامج الدكتوراه في الجامعة الأميركية المفتوحة بواشنطن.
وقد تمت مناقشة الأسير ناصر في رسالة الدكتوراه عبر الهاتف بطلب من الجامعة الأميركية بواشنطن، حيث أشرف على رسالته الأستاذ الدكتور أمير عبد العزيز أستاذ الفقه المقارن في جامعة النجاح الوطنية سابقاً، وقد ضمت لجنة المناقشة كلاً من د. ناصر الشاعر عميد كلية الشريعة في جامعة النجاح، ود. حلمي عبد الهادي المحاضر بكلية الشريعة في الجامعة.
وحملت رسالة الدكتوراه عنوان «نظرية التسامح في التعامل مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي» ، واستمرت مناقشة الأسير ناصر عبد الجواد نحو ثلاث ساعات، تم بعدها إجازته. وقال الأسير ناصر في اتصال هاتفي للصحفيين: «أثبتت بالأدلة القطعية التي لا تحتمل المناقشة أن جميع التعاملات بين المسلمين وغير المسلمين في المجتمع الإسلامي قامت على التسامح؛ وذلك في رسالتي للدكتوراه» .
وأكد الأسير الفلسطيني قائلاً: «إن فترة اعتقالي التي زادت على 11 عاماً حتى الآن، لم تزدني إلا إصراراً على التميز والخروج بشيء ثمين من هذه الفترة الاعتقالية الطويلة، ولإثبات أن الفلسطيني قادر على التميز حتى وهو خلف القضبان» .
- جامعة بين جدران الأسر:
وينسب للدكتور الشهيد (إبراهيم المقادمة) أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس فضل إقامة جامعة في سجن النقب، أطلق عليها اسم (جامعة يوسف) تيمناً بالنبي يوسف بن يعقوب ـ عليه السلام ـ حيث وضع بمساعدة آخرين من محاضري الجامعات الفلسطينية خلال فترة اعتقالهم لدى سلطات الاحتلال مقررات دراسية لمن يرغب بالحصول على شهادة جامعية من الأسرى.
وبدأ الدكتور المقادمة قبل صدور الأحكام ضده بوضع مناهج إسلامية للمجموعة التي تم اعتقالها في قضيته ذاتها، وبدأ في تطبيق مناهج متعددة من قرآن وتفسير وسيرة ... إلخ، وكان في السجن عدد من طلاب الثانوية العامة في سجن المجدل لم يكونوا قد درسوا المناهج بشكل علمي سليم، فقام الدكتور المقادمة بتشكيل مجموعة من المدرسين المتطوعين في شتى مجالات العلوم قاموا بتدريس مواد الثانوية للطلاب، ووصل الطلاب إلى نتائج جيدة في الامتحانات، وحققوا إنجازاً بحصولهم على الثانوية العامة.
وقسم الدكتور المقادمة البرامج الثقافية في السجن إلى أربعة مستويات، وكان عندما يأتي المعتقل من خارج السجن أو من سجون أخرى يوضع في مستوى معين حسب مستواه العلمي والثقافي، وقد قام بوضع عدد من الكتب الموجودة في مكتبة السجن في إطار هذا البرنامج، وعندما كان يشعر بأن البرنامج يحتاج إلى الكتب من الخارج لا يتوانى عن إحضارها من خارج السجن.
يقول الدكتور محمد شهاب ـ رافق الدكتور المقادمة في السجن ـ: «كان الدكتور المقادمة يدفعنا إلى العمل والقراءة وإشغال الوقت بالمفيد، وكان يكلف كل واحد منا ببرنامج؛ فكان لا يستريح ولا يدع أحداً يستريح، وفي مرحلة لاحقة طرح الدكتور إبراهيم فكرة تكوين جامعة حقيقية لها مساقات ومدرسون، وتُعتمد شهاداتها من المؤسسات الخارجية، وبدأت اللجان التي شكلها بالعمل في تحضير المساقات والتعرف على حملة الشهادات العليا من المعتقلين» .
وأوضح أن المحاضرات تعقد في مواقيت رسمية معتمدة دون التلاعب أو الهروب أو الخروج على النظام، كما تم إفراز خيم معينة لإعطاء المحاضرات في أوقات معينة، وكان الطلاب يتوجهون إليها في مواعيد المحاضرات؛ حيث ساد جو علمي أكاديمي رائع.
وتطرح داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي العديد من المواد العلمية والدينية المختلفة؛ مثل مادة القرآن الكريم وعلومه، والمواد الشرعية (السيرة والفقه والسياسة الشرعية) ، وكذلك تاريخ القضية الفلسطينية، ودورات في الخط العربي واللغة العبرية، بالإضافة إلى دروس مكثفة لطلبة الثانوية العامة من المعتقلين.
- وأسير آخر ينال درجة (الماجستير) عبر الهاتف:
ومن جانب آخر نشر مؤخراً نيل الأسير الفلسطيني (وائل عبد الله أبو محيي) من سجن عسقلان هذه الدرجة في اللغة العربية من جامعة النجاح الفلسطينية، وتمت مناقشة أطروحته عبر الهاتف بين الطالب واللجنة المكونة من كل من:
الدكتور يحيى جبر: مشرفاً، والدكتور زاهر حنيني من جامعة القدس المفتوحة ممتحناً خارجياً. وكان موضوع الرسالة (النص الشعري، تفسير النص القرآني: دراسة في الدلالة النصية للقرآن الكريم، وتناول الطالب تحليل مفهوم النص ودلالاته، ولغة الشعر ولغة القرآن الكريم. والطالب المذكور أنهى درجة البكالوريس في تخصص اللغة العربية عام 2000م، وسجن خلال دراسته أكثر من عامين، ثم التحق ببرنامج الدراسات العليا، وما أن سلم أطروحته قبل عامين أبدى استعداداً للمناقشة حتى اعتقل مجدداً. وقال عميد الكلية بالجامعة: إن تسهيل إتمام مناقشة أطروحة الطالب يأتي في إطار التعاون الذي تبديه إدارة الجامعة مع طلبتها للتخفيف من معاناتهم، ومحاولة منها لمد جسور التواصل العلمي بينها وبين طلبتها (1) .
ولا شك أن قدرات هذا الشعب المجاهد توضح مدى جده واجتهاده وتميزه في الجهاد وطلب العلم.