شئون العالم الإسلامي ومشكلاته
أهمية باكستان:
تولي الولايات المتحدة الباكستان اهتماماً غير عادي، وتنظر إليها كمجال لا
يمكن الاستغناء عنه بسبب الميزات التي يتمتع بها. فباكستان يعتبر من العشر دول
الأكثر سكاناً في العالم، إلى جانب أهميتها الاستراتيجية، فوقوعها في شبه القارة
الهندية، ومجاورتها للاتحاد السوفييتي وإيران والهند والصين والمحيط الهندي كل
ذلك يكسبها موقعاً جغرافياً فريداً يجعلها مطمعاً للذين يؤثرون في السياسة العالمية،
وكذلك دورها كدولة لها أهميتها ضمن مجموعة الدول الإسلامية، وقربها من منطقة
الخليج، ودورها في مجموعة عدم الانحياز وعلاقاتها مع الدول العربية يعطيها
أهمية كبرى لا يمكن تجاهلها من قبل القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة
التي تحرص على بسط نفوذها في كل مكان من الأرض، والاحتفاظ بحرية التحرك
في المناطق والنقاط الاستراتيجية من العالم.
إن أميركا أول من يدرك أهمية باكستان جغرافياً وبشرياً، وهي في تعاملها
معها تبذل جهوداً لا يستهان بها من أجل فهم واستيعاب أسلوب هذا التعامل، ولا
تعتبرها دولة ثانوية غير مهمة كجمهوريات أمريكا اللاتينية مثلاً.
نظرة الباكستان إلى أميركا:
يرى الباكستانيون أن اعتماد الباكستان على الولايات المتحدة اعتماد
اضطراري يدفعهم إليه موقع بلادهم الحرج الجغرافي والسياسي، وهم يعرفون أن
الولايات المتحدة - كغيرها من الدول الكبرى - لا تعطي شيئاً مقابل لا شئ، إن
لها مصالح في المنطقة تريد المحافظة عليها، لكنهم يعللون اعتمادهم هذا على
الولايات المتحدة أنه لاخيار لهم فيه، حيث إن علاقتهم مع الهند تشكل مرضاً دائماً، ولابد من البحث عن جهات توفر لهم حداً من الحماية، وهم يعتقدون أن عمقهم
الطبيعي هو العالم الإسلامي، ولكن لأن أنظمة العالم الإسلامي خذلتها في صراعها
مع الهند.
ثم اكتشفت الباكستان عملياً أن أميركا ليست بالحليف الذي يعتمد عليه وقت
الأزمات، وأن السياسة الأمريكية سياسة منافقة لا تعتمد مبادئ الصداقة، بل ولا
تلتزم بالوعود التي تقطعها وقت السلم، وكان هذا الاكتشاف بعد حربها الأولى مع
الهند في أول الستينات، وعند انفصال البنغال (باكستان الشرقية) بتحريض من
الهند ومساندتها في أواسط السبعينات.
وأمام هذه الحقيقة فإن باكستان تحرص على الحصول على مساعداتها من أي
مصدر مع إبقاء علاقاتها مع أميركا.
نظرة الولايات المتحدة إلى باكستان:
تنظر الولايات المتحدة إلى باكستان كدولة مهمة ذات ثقل سياسي وجغرافي
مهم، فباكستان في نظهرها تتميز بدبلوماسية نشيطة وذكية، وعندها جيش كبير
وذو كفاءة عالية، وهي دولة مهمة على كل المستويات، وعلى الرغم من وجودها
إلى جانب دولة قوية وكبيرة كالهند؛ فإن سياستها تكاد تضارع السياسة الهندية
وأثرها في نظر أميركا إن لم يفق أثر الهند فهو يعادله على الأقل، وذلك لأن
علاقاتها مع كتل كبرى لها وجودها على الساحة الدولية يجعل من الصعب تجاهلها.
ويمكن أن نقول: إن هناك هاجساً غير مريح للأمريكان سواء في حالة
تعاملهم مع الباكستان أو في تجاهلهم لها.
أ- فهم -إذا تعاملوا معها- يتعاملون بحذر شديد، فمن جهة لا يريدون تقويتها
بالقدر الذي يغضب الهند، ويقدمون لها من المساعدات التي تجعلها قادرة على حفظ
مصالح الولايات المتحدة فقط، دون الذهاب في ذلك بعيداً إلى الحد الذي يجعل من
الصعب عليهم كبح جماحها فيما إذا أصبحت قوة عظمى تتمتع باستقلالية تساعدها
على التحرك بحرية، وهذا النهج من التعامل هو الأسلوب الذي تتعامل به القوى
الغربية والشرقية مع أي دولة في العالم الإسلامي.
ب - وهم - أي الأميريكيون - لا يشعرون بالاطمئنان إذا ما تجاهلوا
باكستان لأنهم يعتقدون أنها ستظل تبحث عن مصادر تقوية بعيداً عنهم ولن تكون
النتائج مضمونة، ولذلك فإنهم - مع مساعدتهم لباكستان - تراهم ينظرون بعين
الشك والريبة إلى علاقاتها هنا وهناك.
وهم يرونها مهمة لهم لأن هدفهم المركزي هو بقاء منطقة جنوب شرقي آسيا
خاضعة للنفوذ الأميركي، ولا يريدون تقويض الوضع القائم هناك أو تعرضه
للاضطراب، ويمكن أن يلمح المحلل ثلاثة ركائز على طول هذا المحور الممتد من
البحر المتوسط إلى المحيط الهادي، تعتبر ركائز أساسية للنفوذ الأميركي وهي
تايلاند وباكستان وإسرائيل، وباكستان بالنسبة لأميركا هي أصعب هذه الركائز من
ناحية التعامل معها.
أميركا وبنازير:
إن الظروف التي قتل فيها ضياء الحق تضيف شكاً جديداً إلى جملة الشكوك
السابقة التي تحيط بعلاقات الولايات المتحدة بباكستان والتي يعرفها الباكستانيون -
أو أكثرهم - معرفة أكيدة.
وقد أصبح واضحاً الآن أن أميركا تتدخل بصراحة فجة في توجيه السياسة
الباكستانية، فقد أحيطت بنازير بوتو بدعاية غير طبيعية، وأبرزت بعد مقتل
ضياء الحق بشكل يجعل من المستحيل أن لا تفوز في الانتخابات التي حصلت،
وتصريحاتها كانت صريحة بخطبة ود أميركا ومعها القوى الغربية التي ردت التحية
بأحسن منها، وسواء قلنا: إن تصريحات بوتو وما ترتب عليها من موافقة جماعية
غربية على توليها السلطة كانت خطوة ابتدائية منها؛ أو كانت فضلاً من ارتباطات
سرية؛ فإن النتيجة واحدة. فلاشك أن تشجيع الغرب - وعلى رأسهم أميركا -
لبوتو ينبع من عدة اعتبارات:
1- لأنها علمانية المنشأ، غربية الثقافة والفكر.
2- لأنها تكن في قرارة نفسها كراهية للإسلام تخرجها في كثير من
تصريحاتها وأحاديثها على شكل هجوم: على المتطرفين والأصوليين.
3- لأنها أول امرأة تتصدى لهذا المنصب الخطير في قطر كبير مهم من
الأقطار الإسلامية، فإذا نجح المسعى في جعل امرأة تقود هذا القطر الكبير فسيكون
ذلك أمثولة لغيره من الأقطار الإسلامية كي لا تعارض هذه القضية التي سبقها إليها
قطر مهم جداً وقام على أساس الإسلام، من سيظل يجادل في هذه القضية!
وأميركا تعلم أن في تولي امرأة أعلى منصب في الدولة في قطر إسلامي
سابقة مهمة، ستكون لها آثارها على التيارت الموجودة داخل البلاد، فمن وجهة
نظرها يعتبر هذا إضعافاً للتيار الذي يتمسك بالإسلام، والذي تضفي عليه كثيراً من
النعوت والأوصاف بغية تفريقه وإضعافه، وتقوية لأعداء الفكرة الإسلامية من كافة
الاتجاهات، وإذا قوي هؤلاء فهم الذين يضمنون مصالح أميركا وغيرها من القوى
المعادية للإسلام ويمررون ما تريد بشتى الوسائل.
والولايات المتحدة تعلم جيداً أن قاعدة بوتو الشعبية ليست من القوة الحقيقية
بحيث تجعل مستقبلها في السلطة مطمئناً، ولهذا فهي لا تفتأ تقدم لها النصائح،
فأميركا تعلم أن فوز بوتو في الانتخابات كان نتيجة تحالفها مع جماعة المهجرين،
وهؤلاء لهم حساباتهم ومطالبهم التي إذا لم تنفذ فسيسهل عليهم التخلي عنها، وقد
حصل هذا فعلاً وأصبحت بوتو وحزبها مكشوفين، وتعرضت لهزة كادت تطيح بها. وكذلك فإن قوتها -وهي قوة غير مطلقة طبعاً- لا توجد إلا في إقليم السند، بينما
مركز الثقل بالنسبة لباكستان هو في إقليم البنجاب الذي لا أثر لها فيه والذي يكاد
يوازي باقي أقاليم باكستان مجتمعة.
ويمكن أن نلمس أثر النصائح الأمريكية بالمحاولات المتكررة لإضعاف
سيطرة الجيش، وانتقاء شخصيات ورتب مؤثرة فيه، وأحالتهم إلى التقاعد أو نقلهم
إلى مناصب لا أهمية لها.
إن أكبر تحد لسلطة بوتو هي قوة الإسلاميين كما تعتقد الولايات المتحدة ولذلك، فإن أي تحرك باتجاه إضعاف هؤلاء من قبل بوتو يلقى الترحيب من الولايات
المتحدة، ونستطيع أن نلمس حماسة الولايات المتحدة للتغييرات التي طرأت على
مسار توجهات الدولة، فعند الولايات المتحدة كثير من المصطلحات المضللة التي
تخفي نواياها في حرب التوجه الإسلامي في أي دولة. فإذا أحست أن نظاماً من
الأنظمة أبدى نية في ضبط التسيب الخلقي والاجتماعي عن طريق بث المفاهيم
الإسلامية ودعمها بما يهدد المفاهيم الغربية المنحلة نرى أميركا ترفع مصطلح القلق
على حقوق الإنسان وحرية الفكر والعقيدة أو حقوق المرأة ورفع الظلم عنها، وهذا
ما يلمح من نظرتها إلى باكستان في عهد ضياء الحق - وأخرياته على وجه الدقة -
في حين نجد أن أميركا لا تستطيع أن تخفي سعادتها وفرحها حين ترى أجهزة
الإعلام الباكستانية قد اتجهت إلى مسار أكثر حرية مما كانت عليه في أثناء حكم
ضياء الحق، ولا يغيب عن بالنا أن خصوم الإسلام حين يذكرون الحرية في هذه
المجالات يعنون: حرية الفساد والإفساد، والتحلل الأخلاقي بعيداً عن أي ضوابط
شرعية أو دينية.
ومن أهم التطورات التي طرأت على الباكستان وعلاقتها بقضية أفغانستان
تشجيع أميركا لبوتو لتبني الحل السياسي، والتخلي عن الجهاد، وهي لا تخفي
تذمرها من وجود حركات جهادية لاترضى أن تهادن الشيوعيين.
مثلث العلاقات الأمريكية الباكستانية الهندية:
إذا ما نظر الباكستانيون إلى القوى الخارجية التي يمكن أن يعتبروها مسؤولة
عن نصيب كبير مما يحدث لهم من مشاكل؛ فإن نظرتهم عندما تتعدى الهند تتجه
مباشرة إلى الولايات المتحدة، لأنهم يعتقدون - بحق - أن أميركا غير بعيدة عما
يحدث في باكستان وحواليها.
وإذا نظرنا من زاوية إسلامية خالصة فإننا نجزم بأن المسؤول الأول عن إبقاء
الخوف المستمر - وذي الأسباب الوجيهة - من التهديد الهندي هو الولايات المتحدة، وأميركا التي تعتبر أن لها الحق أن تملك مالا حدود له من القوة، تجد من غير
المعقول ولا المنطقي أن تكون هناك قوة إسلامية في أي بقعة من العالم متحررة من
الضغوط، بعيدة عن التهديد الدائم، وهذا ما يفسر لنا كيف أنها تستخدم موازين
مختلفة في علاقاتها مع القوى الخارجية، فهي من جهة تغض الطرف عن امتلاك
الهند للأسلحة النووية، وتغض الطرف عن محاولات الهند المتكررة للانتقاص من
سيادة الباكستان، بل والتدخل بقوة السلاح لفصل باكستان الشرقية عن الغربية،
وتعتذر عن ذلك بمعاذير باردة جداً لاتثبت عند النقد، فتدعي مثلاً بأنها لا تستطيع
أن تفعل شيئاً للهند، أو أن يدها مغلولة للتأثير على الهند، ولكنها حينما يترامى إلى
علمها أن باكستان تسعى لإنتاج السلاح النووي لتوازن الموجود عند جارتها
المتطلعة للتمدد تفقد أميركا صوابها، فتهدد بقطع المساعدات ما لم يتوقف العمل
النووي، وتهدد بأنواع كثيرة من الضغوط لعل من أخطرها وأشدها انعكاساً على
حياة الباكستان هو العمل على عدم استقرار البلاد، باستغلال الثغرات العرقية.
ويكاد الإنسان العاقل المنصف يقضي عجباً من موقف الولايات المتحدة في
انزعاجها الذي لا حدود له من امتلاك الباكستان للأسلحة النووية؛ ومن صمم أذنيها
عن امتلاك دولة مثل إسرائيل لذلك! لو لم يكن لأمريكا من المواقف الغريبة
المخزية ضد المسلمين (وهي كثيرة) إلا هذا الموقف، وكان لها من الأفضال
وإلإحسان إليهم عدد النجوم (وهذا غير مُسَلَّم) لكان هذا الموقف وحده جديراً واكفياً
في أن يغرس في قلب كل ذي عقل وضمير حى من المسلمين كراهية لا تزول
مادامت هناك دولة اسمها الولايات المتحدة في الوجود!
إن موقف أميركا من عداء الهند لباكستان نابع - إذن - من أنها لا تجد لها
ناقة ولا جمل في هذا الصراع، ولا تستفيد منه شيئاً، وهي من جهة لا تريد
إغضاب الهند ولا تحب انتصار باكستان.. وحيث إن الباكستان لا يمكن ولا
تستطيع أن تذهب بعيداً في تحقيق رغبات أميركا، لذلك لن تنتفع بشيء جوهري
من علاقاتها معها، وفي هذا الصدد تلتزم أميركا تجاه علاقة الباكستان بالهند بما يلي:
1 - لاتزود الباكستان بأسلحة لتقاتل بها الهند.
2 - لا تلبي أى طلب لتزويد الباكستان بأسلحة لا يمكن استعمالها إلا ضد
الهند.
3 - إذا طلبت باكستان سلاحاً متطوراً، وأدى ذلك إلى قلق واحتجاج من
الهند فإن أميركا يمكن أن لاتوافق على هذا المطلب خاصة إذا دفعت الهند ثمناً
سياسياً مقابل ذلك.
ومن أجل فهم معادلة كون أميركا المورد الرئيسي للباكستان بالأسلحة من جهة؛ وعدم تلبية طلباتها فيما يضر الهند فلابد أن ندرك أن أميركا تحرص أن تكون
باكستان سوقاً لأسلحتها، وأنها تعلم أنها لو لم تمد باكستان بالأسلحة بتاتاً فستتجه
هذه إلى مصدر آخر للأسلحة فأمامها السوق مفتوحة والمصادر كثيرة لذلك تحرص
أميركا على بيع باكستان السلاح فتكسب مالاً ونقوداً، ولكنها من جهة ثانية لا
تتورط كثيراً فتكون صفقاتها مشروطة بعدم إغضاب الهند، التي تحرص أميركا
على كسبها أيضاً.
المعادلة الأمريكية الباكستانية الأفغانية:
يشكل الدور الذي لعبته وتلعبه أميركا في الصراع على أفغانستان فصلاً لا
يتسع المجال هنا لبسطه، ولكن الذي تجدر الإشارة إليه الآن هو أن دعم الولايات
المتحدة للأفغان كان دائماً دعماً مشروطاً ومبنياً على حسابات تهم أميركا وحدها.
وقد مر هذا الدور الأميركي بثلاثة مراحل:
1 - المرحلة الأولى: التي كانت مع بداية الغزو الشيوعي لأفغانستان، واتسم
الدور الأميركي فيها بشيء من الانتظار وعدم التورط بدعم المجاهدين صراحة،
لأن القوى على الساحة الاقليمية لم تكن توضحت وتميزت بعد.
2 - المرحلة الثانية: وكانت في أواسط مدة وجود الروس في أفغانستان
وتميزت بدعم المجاهدين ببعض الأسلحة الأميركية المتقدمة كالصواريخ، وكان ذلك
عن طريق باكستان - وبدا في هذه المرحلة تصميم باكستان على الوقوف مع
المجاهدين واستمرار دعمهم، بل إن تصريحات ضياء الحق وأعماله أظهرت ثقة
كبيرة بالنفس بالنسبة للمسلمين في شبه القارة الهندية ووسط آسيا أنهم لن يكونوا بعد
اليوم هدفاً للقوى الاقليمية: الهندية من جهة والسوفيياتية من جهة أخرى، وهكذا
اضطر السوفييت في مجرى هذه الفترة أن ينسحبوا من أفغانستان.
3 - المرحلة الثالثة: ما بعد انسحاب الروس، وهنا طرأ تغير على مجرى
الأحداث خاصة بعد مقتل ضياء الحق، وتولي بوتو السلطة في باكستان، وبعد
الانفراج الحاضر على الساحة الدولية بين الأمريكان والروس. وكان لذلك كله آثاره
السلبية على أهداف المجاهدين التي تتلخص بإخراج الروس من أفغانستان وإسقاط
عملائهم، وأن تكون أفغانستان دولة محكومة من قبل فئات الشعب التي عانت من
الاحتلال والتشريد والتي عملت وضحت من أجل طرد الغزاة عن أرضها.
ولكن ظهر لأميركا أنه خلال تصدي الشعب الأفغاني للاحتلال الروسي برزت
على الساحة قوى وجماعات عندها استقلالية في التفكير، وليس من السهل التأثير
عليها بشكل كامل، وتبنت هذه الجماعات خطاً متشدداً (بنظر أميركا) والخط
المتشدد بنظرها هو أن تستوحي هذه الجماعات فكرها التنظيمي وأهدافها من عقيدتها
ومن تاريخه، لذلك فإن هذه الجماعة تطمح إلى أن توجه الحكم في أفغانستان -إذا
وصلت إليه - سيكون إسلامياً، وهذا طموح مشروع نابع من عقيدة الأمة ومن
واقع الأمر، فالصمود الذي أظهره هذه الشعب في وجه الزحف الشيوعي مستمد من
تمسكه بإسلامه، والذين أقضوا مضاجع الشيوعيين في أفغانستان هم المجاهدون
المسلمون لا القوميون، ولا غيرهم من أنصار الملك السابق، ولكن مع هذا فإن هذا
الطموح لا تراه أميركا طموحاً مشروعاً، وهي تمد المسلمين بالسلاح كي يمنعوا
الشيوعية من التمدد وتهديد مصالحها الحيوية، لكن أن يكونوا أحراراً في بلادهم
يطبقون قوانينهم وشرائعهم الخاصة بهم والنابعة من عقيدتهم فهذا لا يكون ولا ينبغي.
ولذلك كانت أميركا غير راضية عن توزيع الأسلحة على المجاهدين من قبل
المخابرات الباكستانية، وكانت لا تود أبداً إعطاء أصحاب الاتجاه الإسلامي الذي
تسميهم الأصوليين أي أسلحة مؤثرة، وتلتقي الولايات المتحدة مع بنازير بوتو في
عدم تفضيلهما قيام نظام أصولي في أفغانستان.
وإذا أضفنا إلى ذلك الانفراج الحالي بين الشرق والغرب، وضغط الهند
والسوفييت على المجاهدين وطموح إيران لتكون لاعباً رئيسياً من جملة اللاعبين
ونقاط التلاقي بينها وبين هؤلاء على الساحة الأفغانية سندرك الصعوبة البالغة التي
يمر بها الشعب الأفغاني الذي وقع ضحية الجغرافيا والقوى والمحيطة به.
خاتمة
من مجمل دراسات العلاقات الباكستانية الأميركية يتضح لنا أن اعتماد
الباكستان على أميركا اعتماد اضطراري وهو من وجهة النظر الباكستانية أهون
الشرور (وإن كانت هذه النتيجة قابلة للمناقشة) ، وباكستان من حيث المبدأ تعتقد
أن عمقها هو العالم الإسلامي، ولكن لأن أنظمة العالم الإسلامي خذلتها في صراعها
مع الهند، بل نظرت إليها نظرة لا تخلو من شماتة وتشف وتفضيل للجانب الهندي
لذلك لجأت إلى أميركا، واكتشفت باكستان عملياً أن أميركا ليست بالحليف الذي
يعتمد عليه من أجل رفع الظلم وتحقيق العدل، بل اكتشفت ان السياسة الأميركية
في جوهرها سياسة منافقة لا تعتمد مبادئ الصداقة، بل لا تلتزم بالوعود المقطوعة
في فترات السلم حينما توضع هذه الوعود على محك التجربة وقت الأزمات.
وهكذا استمرت الباكستان تبحث عن الحلفاء فاتجهت إلى الصين ثم حاولت
مع روسيا لفترة قصيرة، ثم للعالم الإسلامي ثانية ثم لعدم الانحياز، وعلى الرغم
من كثرة أصدقاء الباكستان بين دول العالم الثالث فإن هؤلاء الحلفاء الضعاف لا
يستطيعون تقديم شيء لها في صراعها المرير مع الهند!
إن وضع الباكستان على غاية من التعقيد والخطورة، وإننا نلمح هذه الخطورة
من الحالة التي تلح عليها باكستان وهي محاولة الحصول على أي عون ضد مطامع
الهند، وخاصة بعد الانسحاب السوفييتي من أفغانستان.
يرى المراقب هذا الوضع الحرج الذي يحيط بالمسلمين في تلك المنطقة
المهمة من العالم، ثم يسأل نفسه: هل المسلمون هناك على مستوى هذا التحدي؟
وهل هم على قلب رجل واحد في فهم عقلية القوى المحيطة بهم، وفي فهم نوايا
الولايات المتحدة؟ يشعر الإنسان بخيبة أمل لأن الجسم الإسلامي ليس منيعاً بما
يكفي لمواجهة التحديات، وأن القوى الكبرى لا تتلاعب هذا التلاعب في مصائر
الشعوب، ولا تستهتر هذا الاستهتار، وتمعن بالمكر والتلون إذا واجهت تصميماً
صادقاً، وعزائم تعتمد على الله وحده.