مجله البيان (صفحة 4997)

قيادة الجماهير

أحمد الصويان

من هو القائد الذي يستحق أن يَصْدُر الناس عن رأيه ويهتدوا بمواقفه؟!

أهو كل إنسان يتصدَّر للتدريس، أو الخطابة، أو الدعوة..؟!

أهو كل فاضل التف حوله الناس، وتكاثر المحبون والأتباع حول بابه..؟!

هل هو صاحب التميز العلمي، أم الفكري، أم هي السابقة..؟!

هل الشهرة وحدها هي المعيار الذي يؤهل الإنسان لكي يكون قائداً..؟!

أسئلة كثيرة تثير معضلات متجذرة في صفوف الصحوة الإسلامية، وفي كل نازلة من النوازل تتجدد هذه الأسئلة، وتبدو أكثر إلحاحاً حينما يلمس الناس مواقف مضطربة ـ علمية أو عملية ـ لبعض من تصدَّر لقيادة الجماهير.

بعض الصالحين ـ غفر الله لهم ـ يتميز في باب، أو أكثر من أبواب الصلاح، لكنه يُقْحِم نفسه ـ أو يُقْحِمُه الناس ـ في كل شأن، ويتصدر لكل نازلة، حتى إذا انجلى الغبار وهدأت العاصفة، أدرك الناس أن بعض القادة ربما كان فتنة لهم (?) .

كثيرون أولئك الذين يجيدون الكلام والتنظير المجرد، لكن قلَّة أولئك الذين يثبتون في النوازل، ويَطَّرِدُون في مواقفهم واجتهاداتهم مع تقلب الأيام وتبدل الأحوال (?) .

قلّة أولئك القادرون على استشراف المستقبل، وقراءة الأحداث قراءة ناضجة.. القادرون على بناء رؤية إصلاحية متكاملة.

قلة أولئك الذين يعرفون الرجال، ويبصرون معادن الناس.

قلة أولئك الذين لا تغريهم الأضواء، ولا تستهويهم الشهرة، ولا يتطلعون إلى الجاه أو المغنم، ولا يتدافعون المناصب.

إنَّ ريادة الإصلاح والبناء منزلةٌ في الدين عظيمة لا تُنال إلا بحقها، والأمة الإسلامية تواجه تحديات كبيرة في كل ميدان لا يقوى على الصمود أمامها إلا الكبار من أولياء الله. وأنصار الدين والمتعاطفون مع الحق كثيرون ـ ولله الحمد ـ لكنهم في حاجة ماسة لاستيعاب طاقاتهم، وتوظيف قدراتهم، وتوجيههم التوجيه الأمثل، ولا يستطيع ذلك كل أحد..!

إنَّ القائد الرباني أمينٌ على الحق، بصير بأولوياته، لا يقصِّر في نصرته، أو يضعُف في تبليغه، إذا أقدم أقدم في صدق وحزم، وإذا أحجم أحجم ببصيرة وفهم.

قال الله ـ تعالى ـ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015