المسلمون والعالم
وقفات مع برامج المرشحين وتسليط الضوء عليها
يوسف شلي [*]
بعد فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات الجزائرية لولاية ثانية
فإن الشعب الجزائري يتطلع بلهفة كبيرة إلى تحرك الرئيس من دائرة القول إلى
دائرة الفعل والتطبيق، وسواء كان هدف الرئيس من التركيز في حملاته الانتخابية
على فضائل المصالحة الوطنية التي بإمكانها إنقاذ الجزائر من محنتها هو إزالة
الشك بشأن مدى مشروعية عملية الانتخابات الرئاسية برمتها رغم ما قيل عنها
والتي فاز فيها بالتزكية لعهدة ثانية كما يقول خصومه وناقدوه.
فإنه بمجرد انتهاء العملية الانتخابية وإعلان نتيجتها مبكراً ستتركز أنظار
الجماهير الآن على الرئيس لترى كيف سيطبق مشروعه للمصالحة الوطنية. وقد
قمنا باستطلاع آراء جملة من المواطنين الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة حول
موقفهم من المصالحة التي يدعو إليها المرشح الفائز عبد العزيز بوتفليقة، حيث
أجمعوا على أن الرئيس قادر هذه المرة خلاف الفترة السابقة على فرض مشروع
«المصالحة الوطنية» التي نادى بها منذ عام 2001 بولاية باتنة شرق الجزائر
في إحدى جولاته التفقدية، ولم يستطع تجسيدها بسبب الخطوط الحمراء التي كبل
بها من طرف بعض الأحزاب والشخصيات والمنظمات المدنية كضحايا الإرهاب.
ورغم علمهم أن الرئيس بوتفليقة لم يعلن بنوداً تفصيلية لمشروعه خلاف
مرشح الإسلاميين عبد الله جاب الله، إلا أنه من خلال خطبه وتصريحاته وبياناته
قبل عملية الانتخابات ذكر خطوطاً عريضة هي:
- استكمال المصالحة الوطنية شرط لا مناص منه لضمان رفاهية الأمة.
- المصالحة الوطنية هي إخماد كل نيران الفتنة التي أشعلها أعداء الوحدة
الوطنية لتشتيت شمل أبناء الجزائر والدفع بهم إلى ما لا تحمد عقباه.
- تصالح الجزائريين مع تاريخهم وثقافتهم العريقة التي تتغذى من جذورنا
الأمازيغية ومن رصيدنا العربي والإسلامي.
- جعل الجزائري يسترجع نخوته واعتزازه بكونه إنساناً حراً غيوراً على
استقلاله ومتضامناً مع شعبه في السراء والضراء.
- بناء صرح دولة عتيدة تقوم أركانها على العدل واحترام حقوق الإنسان.
- جعل جميع المذاهب والمشارب التي يجمع بينها حب الوطن والحرص
على مستقبل أبنائنا.
وكما يدرك المحللون السياسيون المتابعون للشأن الجزائري فإن هذه الخطوط
مترابطة بعضها مع بعض بصورة عضوية؛ بحيث أن كلاً منها يمثل إما سبباً
للآخر أو نتيجة له، والسؤال المطروح إذن هو: من أين يبدأ الرئيس بوتفليقة؟
الجواب قد نؤجله للأيام والأسابيع القادمة لنرى الجو السياسي العام في البلاد،
ونقيس مدى مصداقية الرئيس في بداية تطبيق المصالحة الوطنية المنشودة؛ وذلك
حتماً سيكون من خلال الخطوات الأولى الضرورية والأساسية لكسب ثقة المواطن
الذي مل من الانتظار والفرص الضائعة بسبب أو بغيره. وقد نرى أم البدايات التي
يبدو كل ما عداها مجرد تفاصيل اتخاذ رئيس الجمهورية الفائز بثقة الشعب لقرارين
مهمين: قرار سياسي برفع حالة الطوارئ والرجوع إلى الشرعية الدستورية،
وقرار إنساني بالعفو الرئاسي عن مساجين الرأي من أنصار الحزب الذي حُلَّ ممن
يعدون بالآلاف القابعين في السجون الجزائرية، ولأن تصحيح الخطأ التاريخي بعد
حل الجبهة الإسلامية، ومن ثم الزج بأنصارها في متاهات السجون والمعتقلات
والزنازين، أمر ضروري وصائب، وهو الذي يجب أن يسود وتكون نقطة البداية
التي يستوحي منها الرئيس بوتفليقة خطوته الاستهلالية لإشاعة السلام والأمن
والإخاء في المجتمع الجزائري عن طريق استعادة الحقوق المسلوبة للجميع
الإسلاميين وغير الإسلاميين.
* القضية المنسية في برامج المرشحين:
قد يشد انتباه الملاحظين أن المرشحين الستة للانتخابات الرئاسية 2004م
أهملوا بقصد، وتجاوزوا في برامجهم المقدمة إلى الشعب الجزائري مشروع
المجتمع الذي يراد إقامته، إلا من بعض الإشارات المبثوثة في بعض المحاور هنا
وهناك. وقد سيطر الهاجس الأمني والعامل السياسي والمشاكل الاقتصادية على
اهتمامات كل المرشحين بمختلف توجهاتهم.
ومع تأجيل البتّ في مشروع المجتمع، وهي القضية التي بقيت دائماً مؤجلة
منذ رفض الرئيس السابق ليامين زروال فتح ملفها مع الطبقة السياسية، تختلف
درجات الاهتمام بموضوع الهوية ومعالم الشخصية الوطنية من مرشح لآخر حسب
الموقع والانتماء الإيديولوجي لكل واحد منهم.
وقد شكل مشروع المجتمع هاجساً كبيراً لدى السلطات والطبقة السياسية نظراً
لخطورة الموضوع وحساسية الملف، عندما نادت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد
فوزها في التشريعيات الملغاة عام 1992م إلى فرض النموذج الإسلامي في الأكل
والملبس والمظاهر الشخصية، استغلتها الأوساط المغرضة في ذلك الوقت،
وخاصة التيار العلماني المشكل من الأحزاب والجمعيات المدنية والشخصيات
السياسية والثقافية، فأعلنوا حرباً ضروساً على الإسلاميين لم تنقطع حتى بعد حل
الجبهة الإسلامية والزج بأبنائها في متاهات السجون والمحتشدات.
* تعزيز الهوية بمكوناتها:
قام برنامج المرشح الفائز عبد العزيز بوتفليقة على التركيز بشدة وبكل
وضوح على ضرورة التمسك بالهوية وترقية الانتماء الثقافي الحضاري للثقافة
العربية الإسلامية، ويعلن عن سعيه الجاد لترقية المكونات الأساسية للهوية
الوطنية بمكوناتها الثلاثة (الإسلام والعربية والأمازيغية) .
وذهب بوتفليقة إلى أكثر من ذلك عندما أكد أنه لا بد من جعلها في مأمن من
التوظيف السياسي والحزبي هاجسهم الدائم وصونها من المغامرات السياسية التي
أراد بعضهم إقحامها في فترات الأزمة الأخيرة، وخاصة بعد انفجار الأوضاع
الأمنية في بلاد القبائل أين سيطر العامل الأمازيغي على كل شيء في نضال
الحركات الثقافية البربرية واستبعادها العمدي لعاملي الإسلام والعروبة في نضالها،
هذا الاستبعاد الذي جاوز الخط الأحمر وكل محظور، ووصل إلى رفض الاعتراف
بها كمكونين أساسين للأمة الجزائرية الناشئة الجامعة لمختلف أطيافها السياسية
والعرقية.
ولم يكتف المرشح الفائز عند هذا التحديد بل ذهب إلى ضرورة تكثيف العمل
من أجل ترقية قيم الإسلام «دين الدولة الرسمي» والتسامح والرقي والإنسانية
والأخوة، واقترح المرشح الفائز بالاهتمام بتكوين الأئمة والدعاة والخطباء وإعادة
الاعتبار لمكانة ودور الزوايا والطرق الصوفية في خدمة المجتمع؛ متعهداً بترقية
إشعاع الحضارة العربية الإسلامية في بلادنا وعبر العالم؛ لأن الشعب الجزائري
أسهم في هذه الحضارة بشكل فعال وجاد، وبترقية الثقافة واللغة الأمازيغية عن
طريق تحويل البعد الأمازيغي من هويتها الضيقة التي سجنت فيها نفسها إلى عامل
إضافي للوحدة الوطنية والإشعاع في العالم، وبتعريف أبنائنا لشخصيتهم الوطنية
المتعددة ليعززوا من افتخارهم بالانتماء إلى وطنهم العظيم، وبالدفاع عن اللغة
العربية وترقيتها، وحماية المجتمع من كل عوامل الإفساد الداخلية والخارجية.
ويكون المرشح الفائز عبد العزيز بوتفليقة قد حسم في الكثير من مواضيع
الهوية الوطنية بشكل صارم، وبالدفاع عن الشخصية الوطنية وحمايتها من كل
الآثار المترتبة عن العولمة، والأزمة المؤلمة التي مرت بها، والوقوف في وجه
حملات التشويه والتغريب بشكل واضح وجلي.
غير أننا نلاحظ بأن العموميات قد لف الكثير من نقاط الهوية الوطنية ولم
يتطرق إليها بقصد أو بغير قصد، كمكانة الشريعة الإسلامية فيها، ودور الهيئات
الإسلامية التابعة لرئاسة الجمهورية (المجلس الإسلامي الأعلى، هيئة الإفتاء
وغيرها) في مراقبة التجاوزات الحاصلة المنافية للإسلام وهي كثيرة ومكانة العلماء
في المجتمع ودورهم في التوعية الدينية وتربية النشء، وفتح المجال للتمكين
للإسلام من أن يحتل مكانته الأولى في قائمة ثوابت الأمة. للتذكير تعتبر الجزائر
البلد الوحيد في العالم العربي الذي لا يقدم الأذان في شاشة التلفزيون، بعد أن ضاق
الحال بالتيار الاستئصالي عام 1993م في عهد رئيس الحكومة رضا مالك بالأذان،
فضغطوا عليه ولبى طلبهم وألغى الأذان نهائياً من شاشات التلفزيون.
* برنامج ابن فليس وتصوره:
علي بن فليس الخاسر الأكبر في الاستحقاق الرئاسي الأخير، كان برنامجه
يفتقر إلى مكانة الإسلام في الجزائر في حالة وصوله إلى سدة الحكم؛ فهو يقدم
اقتراحات بسيطة مبثوثة ومتقطعة في عدة محاور دون تحديد الموضوع، ولكن
خلاصة هذه الاقتراحات عموماً تذهب إلى ضرورة المحافظة على الانسجام
الاجتماعي والثقافي دون تحديد توجه معين للخيارات الكبرى.
قد يستغرب أكثر من واحد بأن ابن الأوراس وأمين عام جبهة التحرير الوطني
التي حررت الجزائر من نير الاستعمار وتمكنت من الصمود بفضل الانسجام الديني
بين جميع أبناء الجزائر، الذين حافظوا على الهوية العربية والإسلامية بأغلى ما
عندهم: أرواحهم، في سبيل العيش في دولة جزائرية شعبية اجتماعية وفق المبادئ
الإسلامية، كما جاء ذكره في ميثاق أول نوفمبر. لكن للأسف الشديد لم نقرأ في
برنامج بن فليس أي حديث عن الإسلام والدور الذي يمكنه أن يؤديه وسط هذا الكم
الهائل من الهجوم على الإسلام والمسلمين في العالم الإسلامي، وهنا تكون المفارقة
بأن الوطني الأقرب توجهاً إلى الإسلامي قد اقترب ودنا من العلماني في رؤيته
للمقدس وتحديده للإسلام الذي لا يخرج عن كونه تراثاً مكتسباً لا دور له سياسياً أو
اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً في جزائر الحاضر والمستقبل.
* برنامج عبد الله جاب الله:
- عبد الله جاب الله هو ممثل الإسلاميين في هذه الانتخابات؛ فإن الاقتراحات
التي قدمها إلى الرأي العام الوطني قامت على ضرورة وحتمية الانتماء للحضارة
الإسلامية، مع التركيز على الدفاع وحماية الهوية والشخصية الوطنية وحمايتها من
حملات التشويه والتغريب من خلال إعادة الاعتبار للقيم الإسلامية السامية، وإحياء
الموروث التاريخي للأمة، وإدماجه في سياق تفعيل دور الأمة في التاريخ،
والتركيز على غرس هذه القيم في كل أجهزة الدولة ومؤسساتها حتى يكون الانسجام
مع تاريخ الأمة ومستقبلها.
لم نسمع كثيراً في تدخلات الشيخ عبد الله جاب الله في وسائل الإعلام
المختلفة أو في المهرجانات الشعبية التي نشطها في ربوع البلاد الحديث بإسهاب
عن الإسلام في جزائر الألفية الثالثة، وهو الذي رفع شعار (الإسلام هو الحل) .
قد تكون المادة الدستورية التي تمنع استعمال عناصر الهوية الوطنية لأغراض
سياسية الحاجز أو المانع من بيان هذا المعطى، لكن أن يقل الحديث عنه في
الأحاديث العامة والخاصة من الأمور التي لا يفهمها المواطن ولا تستسيغها الأنفس
ولا تقبلها العقول.
* سعيد سعدي ومعاداة للإسلام والعربية:
يعتبر سعيد سعدي الذي رجع إلى حجمه الطبيعي من خلال النتيجة
(الفضيحة) التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية أبا البرامج المتطرفة دون
منافس، وهو الذي تبنى روحاً وقلباً عملية تغريب حقيقية وحرباً واضحة على
ثوابت المجتمع الجزائري الكبرى: الإسلام، والعربية.
فهو لا يخفي انتماءه إلى التيار الاستئصالي الذي أزاح الجبهة الإسلامية،
وتبنيه ودفاعه المستميت عن المشروع اللائكي التغريبي؛ وكأنه بذلك يصفي
حساباته الشخصية ونفسيته المتمردة وبالمناسبة فهو طبيب نفساني على أي مقدس
وصراعه مع مقومات هذا الشعب؛ فهو يصر في كل إطلالة إعلامية له على حتمية
إلغاء قانون الأسرة الوحيد المستمد من الشريعة الإسلامية، ويدعي أنه قانون
يضطهد المرأة ويجعلها قاصرة إلى الأبد وفي المرتبة الثانية من حيث الحقوق
والمساواة بعد الرجل التي أقرها الدستور لها، كما يرفض اللغة العربية التي
يعتبرها لغة دخيلة على الشعب الجزائري والانتماء إلى الثقافة العربية الإسلامية،
ويدافع بشراسة لا حد لها عن اللغة الفرنسية والقيم الثقافية الغربية المستمدة من
الثورة الفرنسية العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة، وهو يدافع عن اللغة
الأمازيغية وترقيتها بالأحرف اللاتينية، دون أن يتمكن من إثرائها وتحويلها إلى لغة
حية وحقيقية وعلمية يمكن للشعب الجزائري استعمالها والاستفادة منها، رغم أن
أول الكتابات في الشعر والأدب والتاريخ المطبوعة والمخطوطة كتبت بالأحرف
العربية. كما يرى أن انتماءه الجغرافي يصل إلى حوض البحر الأبيض المتوسط
المسيحي، في الوقت الذي يدعو إلى تغريب المدرسة من خلال تنقية البرامج
التربوية من كل ما له صلة بثقافة وأصالة هذا الشعب، بداية من محاربة اللغة
العربية، إلى إلغاء المواضيع الدينية، إلى رفض كل أنواع النصوص التي لها
علاقة بالهوية والانتماء الحضاري للثقافة العربية والإسلامية، إضافة إلى محاربة
دور المؤسسة الدينية في المجتمع، ومطالبته بتغيير يومي العطلة الأسبوعية
الخميس والجمعة واستبدالهما بيومي السبت والأحد؛ لأن الظروف الاقتصادية تحتم
علينا ذلك. وخلاصة برنامجه يقوم على هدف أساس يتمثل في محاربة وإلغاء كل
ما له صلة بتاريخ وهوية هذا المجتمع، دون أن يكون له بديل سوى تكريس الثقافة
الغربية وبالذات الفرنسية الفرنكوفيلية المتطرفة.
* برنامج (لويزة) التروتسكية:
ركزت المرشحة النسوية الوحيدة لويزة حنون في برنامجها على تقديم
اقتراحات تخص بالدرجة الأولى طبقة العمال في السعي إلى البحث عن الحلول
الاقتصادية، وكذلك حل الأزمة السياسية والأمنية والمؤسساتية، باعتبارها الأولوية
الأساسية في جدول النضال الذي تقوده، لكن هذا لم يمنعها من التطرق إلى
موضوع قانون الأسرة المستمد من الشريعة ومطالبتها بإلغائه؛ لأنه يضر بالمرأة
ويعد عدواناً صارخاً عليها، واستبداله بالقانون المدني أسوة بالغربيين الذين ساووا
بين الجنسين من حيث الواجبات والحقوق، ولا نجد غير هذه النقطة في برنامجها
وإن كان الثقل الإيديولوجي واضحاً في تدخلاتها الإعلامية؛ فهي من المدرسة
التروتسكية أقصى اليسار الذي تمثله في الساحة السياسية الجزائرية.
* المرشح المجهول وبرنامجه الغريب:
المرشح المجهول في هذه المنافسة الرئاسية هو فوزي رباعين الذي التزم
الصمت مدة الحملة الانتخابية التي دامت ثلاثة أسابيع، فتجنب الحديث عن
موضوع الهوية بالقول أو التلميح، وتمسك بأرضية الصومام كأرضية لحل كل
المشاكل العالقة، مع ترك مساحة واسعة لكل الحلول، ولكن بنزعة لائكية (علمانية)
وطنية واضحة وغير قادرة على التعبير عن نفسها.
ويجب التذكير في هذا المجال بأن أرضية الصومام 1956م تجاهلت عن
قصد المبادئ الإسلامية وروح الشريعة عند تعريفها بالدولة الجزائرية المزمع
تكوينها بعد الاستقلال، وبذلك فهي تناقض ما جاء في بيان أول نوفمبر 1954م
الوثيقة الأساسية لشرعية الثورة الجزائرية..
* أبو جرة.. إسلامي يتحالف مع العلمانية:
في تصريح له أثار جدلاً كبيراً لدى الأوساط الإسلامية، قال أبو جرة سلطاني
رئيس حركة مجتمع السلم والمراقب العام للإخوان المسلمين في الجزائر إن:
«المشروع الإسلامي تجاوزه الزمن» و «أن السياسة أفسدت الناس، ولا ينبغي
أن نعول على الجماهير» و «التشادور الأفغاني لا ينتسب للإسلام ولا يمكن بأي
حال من الأحوال أن يتم إدماجه في ثقافتنا» .
أبو جرة سلطاني حليف استراتيجي ممن أوصلوا مرشحهم عبد العزيز بوتفليقة
إلى قصر المرادية، رفضت حركته التحالف مع حركة الإصلاح الوطني لجاب الله
بعدما طلبت ذلك هذه الأخيرة، ولم يجانب الدكتور أحمد بن محمد الصواب حينما
علق على مثل هذه التصريحات قائلاً: «إنه نكوص إيديولوجي كما يقال في
الغرب؛ فلقد أصاب بعضنا مسخ على مستوى المنهاج، المنهاج الإسلامي» .
* خلاصة أبرز شعارات المرشحين الستة:
- مرشح التحالف الاستراتيجي عبد العزيز بوتفليقة شدد على حتمية تحقيق
المصالحة الوطنية: «كقاعدة أساسية للخروج من الأزمات مما يسمح بنجاح أي
مشروع تنموياً كان أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو ثقافياً» .
- المرشح الإسلامي عبد الله جاب الله يعتقد أن تحقيق الإصلاحات السياسية:
«يمر حتماً عبر تعديل الدستور لإقرار نظام تعددي سليم ومحو الخلل في ممارسة
السلطة ومراقبتها» .
- مرشح المجاهدين وأبناء الشهداء اللائكي الوطني علي فوزي رباعين يرى
أن تطهير المحيط السياسي ينطلق من: «الاعتناء بكتابة التاريخ الوطني وإظهار
كافة الوقائع والحقائق بكل موضوعية» مركزاً في آن واحد على «بناء دولة
القانون واحترام حقوق الإنسان عبر تفعيل دور العدالة» مؤكداً أنه «جاء من أجل
التحدث عن كل شخص يعمل على تدمير المجتمع والخونة الذين هم في السلطة
متوعداً بالكشف عن أسمائهم» .
- مرشح التغيير الحتمي علي بن فليس من جهته اعتبر أن علاج المشكلة
السياسية يمر من خلال: «الارتقاء بالديمقراطية التي تضمن التعددية الحزبية
والإعلامية وتعدد الجمعيات وحماية الرأي والرأي المخالف» .
- مرشح القطب الديمقراطي العلماني سعيد سعدي يرى أن العمل المستقبلي
يجب أن يرتكز على: «إعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم، وبين الإدارة والمواطن
لأن بناء دولة القانون يمر حتماً عبر محاربة التهميش والإقصاء» بل إنه يرى أن
ذلك يستلزم جعل المواطن حجر الزاوية «في عملية البناء والتشييد» .
- أما المرشحة لويزة حنون يسارية الاتجاه أول سيدة تدخل المنافسة على
كرسي الرئاسة في الجزائر والعالم العربي، فترفض تماماً مشروع إصلاح هياكل
الدولة معتبرة أنه يهدف إلى: «تمزيق البلاد، والمساس بالدستور» . وتعهدت
حنون في حال فوزها بالرئاسة أن تعمل على «تصفية الأجواء السياسية
والاجتماعية وتكريس السلم الاجتماعي» .
وأجمع كل المتابعين لسير الانتخابات الرئاسية بأن الوجه الأساسي للخلاف
القائم بين المرشحين الستة المتنافسين في مسألة التواصل والاستمرارية أو التغيير،
ويوضح هؤلاء أنه بينما يركز مرشحون على حتمية تكريس التواصل والاستمرارية
لإخراج البلاد من أزمتها يرى بعضهم الآخر أن إحداث التغيير وتجسيد القطيعة
يبقى السبيل الأمثل للنهوض بالاقتصاد الوطني وحل المشكلات الاجتماعية.
* تصنيف العلمانيين في الجزائر:
«العلمانيون ليسوا سواء» و «إذا ما أردنا التعامل مع العلمانيين فعلينا
تصنيفهم أولاً، ثم التعامل معهم» كلمات قالها الشيخ عبد الله جاب الله لتوصيف
التيار العلماني في الجزائر، والمتأمل في موقف التيَار العلماني الاستئصالي في
الجزائر مقارنة بالبلاد الأخرى في العالم يدرك تماماً أن هذا الفهم «للديمقراطية»
غير مسلَّم به عندهم؛ إذ يستثني التيار الإسلامي بدعوى أنه غير «ديمقراطي»
ومن ثَمَّ لا يمكن ائتمانه على العملية «الديمقراطية» ، ومن ثمَة يستلزم إقصاءه
من دائرة الحياة السياسية، سواء بمنعه، وإن اقتضى ذلك الاستعانة بأجهزة الدولة
القمعية، أو في أقل الأحوال السعي لمحاصرته وعزله بكل الطرق. وقد شكل
العلمانيون أو ما يسمى بالديمقراطيين طرفاً مهماً في الساحة الوطنية الجزائرية بلا
خلاف منذ أن تمكنوا من فرض أنفسهم وخياراتهم وحتى شعاراتهم بعد فتح مجال
التعددية الحزبية في الجزائر عام 1989م، ووضع حد للتقدم الذي أحرزته الجبهة
الإسلامية للإنقاذ المحظورة في حينه. فقد انقسموا حول موضوع السماح للتيار
الإسلامي بتشكيل أحزاب إسلامية والمشاركة في تسيير دواليب السلطة
(المجموعات المحلية، الهيئة التشريعية، الوزارات..) بحجة واهية لا تستند
إلى أي مسوغ شرعي أو قانوني أو حتى عقلي إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
يرى أن تشكيل مثل هذه التنظيمات الإسلامية يكرس التعددية في داخل التيار
الإسلامي الجزائري، ويزج به في متاهات عالم التناقضات والاختلافات الذي لا
ينتهي مما يزيد من الانقسامات والانشقاقات داخله بسبب حب الزعامة والرياسة،
ويدفع من ثَمَّ إلى ضعفه. ويتزعم هذا القسم جبهة القوى الاشتراكية بزعامة رئيسها
حسين آيت أحمد.
القسم الثاني:
فيما يرى هذا القسم أن الإسلاميين مهما بلغ الخلاف بينهم، وتعددت رؤاهم
ومناهجهم وأفكارهم سيتحدون حتماً ضد خصم مشترك معادٍ لهم في الأفكار
والتوجهات، سواء كانوا من أقصى اليمين أو أقصى الشمال؛ لأن وجودهم يعتمد
بالدرجة الأولى على تسيير المجتمع بالقوانين الوضعية ومعاداتهم للشريعة التي
يرون فيها التخلف والتعصب والرجوع إلى القرون الوسطى، وتمثل الحركة
الديمقراطية الاجتماعية بزعامة الهاشمي الشريف هذا التوجه المتطرف، لكن إذا
عرف السبب بطل العجب؛ فحركة الهاشمي الشريف هي سليلة الحزب الشيوعي
الفرنسي أيام الاحتلال الذي تحول بعد ذلك إلى الحزب الشيوعي الجزائري
الستاليني وتوغله في دواليب الحكم الجزائري بعد الاستقلال، ويشاركه في هذا
التوجه التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية برئاسة سعيد سعدي والتحالف
الجمهوري برئاسة رضا مالك.
القسم الثالث:
ويختلف عن القسمين السابقين من حيث عدم معارضته لتشكيل الأحزاب
الإسلامية والمشاركة في النسيج السياسي السلمي الوطني والانتخابي؛ لاعتقاده بأن
الكلمة الأخيرة ترجع إلى الشعب في اختيار ممثليه من أي تيار كان، ولأن
الديمقراطية بالنسبة إليه عملية تناوب سلمي على الحكم، وكل مؤهل إلى شغل
الحيز الذي يخصه في جزائر الحاضر والمستقبل. ويعتبر حزب العمال ذو
التوجهات التروتسكية بقيادة لويزة حنون خير مثال على ذلك.
لكن الميزة الغالبة لهؤلاء العلمانيين وهي نقطة ضعفهم الكبيرة أنهم لا يقدرون
أهمية العامل الديني في شحذ همم المواطنين وكسب أصواتهم؛ فهم لم يأخذوا بعين
الاعتبار أن الجزائري مهما كانت درجة التزامه الديني لن يحيد عن معتقده إلى
معتقد آخر أو توجه إيديولوجي وفكري مغاير لقناعته الأصلية، وقد كان سعيد
سعدي أول ضحاياه عندما انهزم حزبه في الانتخابات التشريعية الملغاة عام 1991م
وصرح للصحافة الوطنية والعالمية بأنه: «أخطأ في المجتمع» ويقصد أنه لا
يرى نفسه ولا يشرفه الانتماء إلى مثل هذا المجتمع الذي اختار الإسلام وقيمه ومن
يدافع عنه ولم يختر الحداثة والعصرنة وفصل الدين عن الدنيا وفضائل الديمقراطية
والعلمانية فبهتوا أمام الزحف الكاسح للإسلاميين في كل مناسبة انتخابية ولم
يستطيعوا المقاومة، وظهروا وكأنهم استسلموا للأمر الواقع، رغم الحيف الذي
أصاب التيار الإسلامي بفعل التزوير المسلط ضدهم دائماً للتقليل من حجمهم وقوتهم
العددية، وقد صدق أحد السياسيين عندما وصف الإسلاميين بأنهم «الوعاء
الانتخابي» للأحزاب ونظام الحكم معاً. ويعتقد معظمهم أن هؤلاء الإسلاميين فازوا
مسبقاً بإقناع الناس بخطابهم الديني والسياسي لعدة اعتبارات أهمها جرأتهم في قول
الحق دون مراوغة، وتجاوزهم للقانون ومواجهة السلطة إذا اعتقدوا بأن الحق
معهم، إضافة إلى توفرهم على عشرات الآلاف من المساجد التي تشكل أكبر
مراكز الدعاية والتجمع على الإطلاق في الجزائر.
الخلاصة: أن الأمر مع التيار الإسلامي يختلف؛ فهو على عكس النخب
السياسية والحاكمة يمثل تياراً شعبياً ذا قدرة عالية على تأطير وتعبئة الجماهير،
ومن ثَمَّ لا قِبَل لهذه التيارات العلمانية بمنازعته في أي منافسة سياسية نزيهة، مما
جعل هذه النخب تحتمي بالمنطق الاستئصالي، من أجل استبعاد هذا التيار
الأساسي من الحياة السياسية، ولو كان ثمن ذلك حرية التعبير وحقوق الإنسان
و «الديمقراطية» ذاتها التي يتشدقون بها في كل محافل العالم.
* حوار مع الدكتور أحمد بن محمد:
تعريف: عمره 49 سنة، أستاذ جامعي، حاصل على دكتوراه دولة من
باريس حول «السلطة في القرآن والسنة» . أسس مع الشيخ أحمد سحنون
- رحمه الله - وغيره جمعية (التضامن الإسلامي الجزائري) عام 1992م،
وله مشاركات سياسية مع المعارضة الجزائرية، ورفض التكيف مع دستور
1996م الذي يمنع استخدام الإسلام لأغراض سياسية.
البيان: هل يمكن في نظركم الحديث عن مصالحة وطنية في غياب الجبهة
الإسلامية، وعدم معالجة أسباب محنة الجزائر؟
- «المصالحة الوطنية» شعار أكثر منه موقف شرعي. إن وديان الدماء
البريئة التي سالت في الجزائر لا يمكن علاج إشكاليتها إلا بالقرآن، فأصحاب
الدماء هم الذين يعفون. فمن الذي مات من أهل كبراء السلطة حتى يعفوا؟! ومن
الذي مات من أهل القيادات الإسلامية الأحياء كي يصفحوا؟! ألم يقل الله تعالى:
[وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً
فَلاَ يُسْرِف فِّي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُوراً] (الإسراء: 33) .
وبعد الصلح الشرعي بين الأهالي، يمكن إجراء مصارحة فقهية سياسية عما
جرى بين الساسة.
البيان: ما هو تقويمكم لتطورات الوضع السياسي العام وانعكاساته
المستقبلية على الجزائر؟
- أعاد النظام قولبة الوجدان السياسي لقطاعات عديدة من المجتمع، أضف
إلى ذلك أخطاء الإسلاميين السننية والشرعية، وإلا فكيف نفسر ميل نحو عدة
ملايين إلى مرشح النظام؟ إن المعارضة بدون القبائل، وبدون الإسلاميين لا قوة
لها، بل لا رائحة لها أصلاً!! والكلام هنا على قبائل دون قبائل! وعلى إسلاميين
دون إسلاميين!
البيان: ألا ترون أن ما حدث في الجزائر من دَخَن وفتن جنى على الحركات
الإسلامية في العالم وأن مد هذه الحركات قد تراجع بشكل كبير؟
- إن دعاة تحكيم الإسلام في الجزائر أحسنوا في مرحلة «المطالبة» ،
وكانت مزاياهم أكثر من خطاياهم في مرحلة «المغالبة» . أما مرحلة «المخالبة»
باستعمال المخالب أي البارود والحديد فيغفر الله تعالى لنا جميعاً؛ فهذا أساء
الانتقام ممن ظلموه، وذاك سكت، وذاك أساء الحديث إلخ ...
البيان: التيار الإسلامي دخل الانتخابات الرئاسية مشتتاً، والنتائج تعكس
تراجعاً كبيراً له.. ما قراءتكم في ذلك؟
- راية الإسلام في هذه الرئاسيات لم تكن واضحة صورتها ولا قوياً صوتها؛
فلقد أصبحنا نستحيي أن نتحدث عن دولة الإسلام! أصبحنا نقول: «دولة القانون»
و «حماية الدستور» الجاهلي الأعرج ... وانظر إلى هذه الرئاسيات: فمنا من
امتنع، ومنا من ترجل عن فرسه وأسرجه لآخرين، ومنا من لا يحسن ركوب
الخيل ولكنه امتطى صهوة جواد، ومنا من كان ينتظر دوراً ثانياً في الانتخابات لم
يأت لعدم وضوح الرؤيا.
فهذه الرئاسيات لم يفز فيها ناجح بقدر ما خسرها ضعفاء! فخمسة مرشحين
كانوا خفافاً على مرشح السلطة، وهو بدوره صغير على مشاكل الجزائر المعقدة
المتوالدة.
البيان: هل أنتم متفائلون بأن التيار الإسلامي في الجزائر قد يشهد تغيرات
كبيرة ويسترجع عافيته بعد مسيرة شابتها النقائص والأخطاء؟
- الواقع صعب. علينا بعد زلزال هذه الرئاسيات أن نقبل السياط التي يجلد
بها بعضنا بعضاً، حفاظاً على الشجرة الإسلام ونظامه المرتقب ولو أدى ذلك إلى
إضاعة ثمرة هنا أو هناك.
* حوار مع الأستاذ كسَّال عبد السلام:
ممثل حركة الإصلاح الوطني يتزعمها المرشح الرئاسي الشيخ عبد الله جاب
الله في اللجنة السياسية الوطنية لمراقبة الانتخابات الرئاسية، ومقرر اللجنة
السياسية الوطنية؛ بالإضافة لكونه نائباً في المجلس الشعبي الوطني، ونائباً لرئيس
الكتلة البرلمانية للحركة.
البيان: هل من تفسير للنتائج التي حصل عليها الشيخ عبد الله جاب في
الانتخابات الأخيرة على خلاف التوقعات؟
- بسم الله الرحمن الرحيم.. النتائج بحد ذاتها لم تكن متوقعة بحجم الأرقام
المعلن عنها في وسائل الإعلام؛ فهذا لم يكن متوقعاً من التيار الإسلامي ولا من
جانب السلطة أيضاً، أما فيما يخص الزلزال الذي أصاب حركة الإصلاح الوطني
فهو درس لنا يجب أن نستفيد منه، ونحن في المرحلة الأولى أمام هذا الظرف
نتفحص جوانبه ونقرأ تداعياته لنستخلص الدروس ونتجاوز المرحلة الصعبة،
واستخلاص الدروس له جانبان رئيسان: إعادة القراءة الداخلية، والقراءة
الخارجية. وهاتان القراءتان هما اللتان تحددان الطريق وتبرزان معالم العمل
المستقبلي «المتجدد» ولا نرى محيداً عن هذا الامتحان العسير..
البيان: صرح الشيخ جاب الله بعد الانتخابات أنه أخطأ عندما توقع أن تكون
مفتوحة؛ فهل يعني هذا أن الضمانات التي قدمت له من قِبَل السلطات كانت فقط
وعوداً لدفعه للمشاركة وإعطاء المصداقية للعملية الانتخابية؟
- الذهول وأصارحكم بذلك كان كبيراً ووقعه على رؤوسنا كان لا يحتمل.
وأعتقد أن عملية التزوير ساهمت بقوة في صدمة النتائج الانتخابية، هذا التزوير
في تصوري لم يحدث له في تاريخ البشرية مثالاً؛ حيث كانت هناك أمارات كثيرة
للتزوير، لكن الآثار قليلة جداً؛ فالإمكانيات لكشفها لا يملكها إلا صاحبها، ولا
نملك في الفترة الحالية المفاتيح التي تمكننا من فتح تحقيق في هذه المسألة،
فالتزوير اعتمد في مرحلته الأولى على جانب «التمويه» : التمويه من جانبين:
جانب حياد المؤسسة العسكرية، وكنا ننتظر فعلاً منها أن تقوم بشيء ما في هذا
الباب لإلزام جميع الأطراف ومنها الإدارة بالالتزام بالحيادية؛ لكن تبين أن
المؤسسة بحد ذاتها قد غضت الطرف عن الكثير من التجاوزات. نحن ربما أخطأنا
عندما صدقنا أن الجيش قد يخرج من اللعبة السياسية نهائياً. وكنا نعتقد أن اللعبة
مفتوحة وأن رهان السلطة في التزوير هو رهان على أساس تقليدي: تزوير في
مكاتب الاقتراع، وضع المظاريف الإضافية في غفلة من المراقبين في الصناديق،
وتغيير نتائج الفرز، لكن هناك صيغة أخرى اعتمدت على التمويه وعدم الانكشاف،
فكان تركيز الناس على جوانب معينة نمطية في الحملة الانتخابية لضبطها والحد
من التزوير فيها، فإذا بالأمور تأتي من جانب آخر أذهلت العالم كله.
البيان: هل من الواقعية السياسية اتهام جهات بالتزوير بهذا الشكل الكبير
كما جاء في كلامكم؟ ألا ترى بأن الشعب هذه المرة اختار تماماً مرشحه؟
- نحن لم نقل أن الشعب لم يعط للرئيس أصواته، ولم نقل إن الانتخابات
كانت مزورة تزويراً شاملاً، وإنما قلت إن هنالك ما يشبه «التزوير القبلي» قد
وقع، وهذا فيما يخص تسيير بعض الجوانب التقنية الحساسة في العملية الانتخابية
التي تشرف عليها اللجنة الوطنية السياسية لمراقبة الانتخابات الرئاسية، ونحن قد
ناضلنا في هذه اللجنة نضالاً شديداً لكن صوتنا لم يسمع به، وحتى اللجنة لم يسمع
إليها.
هناك (7 ملايين) من الأميين لا قدرة لهم على التحليل وفهم الوقائع، ثم
يأتي جهاز السلطة بنوافذه الإعلامية الكبرى المحتكرة جميعها، لفرض قناعته على
عقول المواطنين وتوجيه العملية الانتخابية، وهو التوجيه الذي يجعل المواطن
العادي يحس في ضميره بأن هذا هو المنطق والحق المبين، وأن المنطق الذي
يجب أن يسير فيه هو منطق عدم المجازفة، وبهذا المنطق اختار هؤلاء الناس في
غالبيتهم رجلاً يعرفون إيجابيته وسلبياته في مدة حكمه.
* حوار مع الأستاذ سعيد مرسي:
أحد القيادات الإسلامية في الجزائر، وأحد قيادات الخط التصحيحي الذي
انفصل عن حركة مجتمع السلم (حمس) ، درس في الكتاتيب القرآنية ودرس في
الجزائر والسعودية وتخصص في الفيزياء ومارس التدريس والعمل الدعوي.
البيان: إذا أتينا إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما هو تقويمكم لنتائجها،
وهل كان خيار حركة مجتمع السلم بالتحالف خياراً صائباً؟
- بسم الله الرحمن الرحيم. في هذه الانتخابات الرئاسية نلاحظ تراجع
الخطاب الاستئصالي شعبياً وعزلته، وأيضاً ما مهد لهذه الانتخابات العهدة السابقة
التي جاءت بهدنة مع الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي حُلَّ ومشروع الوئام المدني
المتفق عليه والذي لم يطبق في جملته وتفصيله، لكنه أعطى أماناً للشعب وأملاً في
الاستقرار السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي؛ لذلك التف الشعب الجزائري
حول هذا الخطاب، وإن كان أغلب المرشحين تبنوا خطاب المصالحة، إنما كان
المرشح الفائز - عبد العزيز بوتفليقة - له بعض الضمانات هي الفترة السابقة، وقد
فهم الشعب حقيقة ذلك لما عاشه من ويلات ومآس وإقصاء، ومن رعب المجازر
الجماعية.. فالمصالحة الوطنية خطنا السياسي التي نادينا لها يوم أن كان هذا
المصطلح في بدايات سنوات الدم والجمر في قاموس الممنوعات، وكل من يتجرأ
على الدعوة إليها يوصم بالإرهاب. أما الآن والحمد لله، فقد أصبح تيار المصالحة
الوطنية هو الغالب.
البيان: ما هو مستقبل «التحالف الرئاسي الاستراتيجي» المؤلف من ثلاثة
أحزاب: (جبهة التحرير جناح بلخادم - وزير الخارجية - وحركة مجتمع السلم
والتجمع الوطني الديمقراطي) الذي مكن الرئيس بوتفليقة من عهدة ثانية؟ وهل
تعتقدون بأن هذا التحالف المؤقت قد يتطور ويصبح دائماً؟
- حقيقة التحالف هي مساندة وإسناد لمرشح السلطة، وهذا التحالف نعتبره
جاء في مرحلة جديدة ساد وقائعها خطاب المصالحة الشاملة، وهو أمل أضفى نوعاً
ما «ديكوراً» على هذا التحالف بأنه «تحالف استراتيجي» خصوصاً أن
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة صرح بذلك في بعض المقابلات الصحفية أنه مقبل
على مرحلة جديدة تحتاج إلى هيكلة الساحة سياسياً.. لقد استكثر على الشعب
الجزائري كثرة الأحزاب وكثرة الرايات، وله رغبة كبيرة في الذهاب قُدُماً لتركيز
وتجميع هذه الأحزاب في عائلات سياسية، وفي تقديري وهذا تخمين مني أن
الرئيس يسعى إلى تجميع العائلتين الوطنية والإسلامية في عائلة واحدة لجملة
القواسم التي بينهما، وتجميع عائلة الديمقراطيين والعصرانيين، مع بعض
الخصوصيات التي تبقى قائمة في منطقة القبائل من خلال تيار قد يمثله حزب جبهة
القوى الاشتراكية أو خيار آخر. المهم في كل هذا الأمر أن الرئيس ذاهب إلى
تقليص الساحة السياسية وتضييقها في تكتلات.
فهل يحالفه النجاح أم لا؟ هذا أمر آخر، لكن في تقديرنا هذا التجمع قد يعيدنا
إلى شبح حكم الحزب الواحد الذي عانينا منه كثيراً، والشيء الذي نستخلصه من
هذه الانتخابات ما يلي:
- بوتفليقة كان بإمكانه الفوز دون اللجوء إلى التحالف.
- فوز الرئيس بوتفليقة ليس تزكية للتحالف، وهو مؤشر على التفاف الشعب
حول المصالحة.