مجله البيان (صفحة 4945)

ملفات

تجاوزات أبناء الحضارة الأمريكية

باسل يوسف النيرب

لم تكن الشهور الماضية سهلة على العراقيين، ولعل النساء شعرن بثقل أكبر

وسط منع عائلات كثيرة بناتها ونسائها من الذهاب إلى العمل أو الجامعة وحتى

المدارس الأولية مخافة أن يتم التعرض لهن أو اختطافهن.

وفي ما يأتي نحاول استعراض بعض التصرفات الأمريكية والبريطانية في

حق العراقيات بشكل خاص وبصورة موثقة لإثبات مسؤولية الاحتلال الأمريكي

والبريطاني، والجرائم التي تقترف وتبقى طي الكتمان ما لم يكتشفها أحد.

* الممارسات الأمريكية في العراق:

تؤكد الدكتورة شذى جعفر وهي عضو مؤسس في هيئة المرأة العراقية من

أجل السلم والديمقراطية، أنه منذ بداية الاحتلال الأنجلو أمريكي تم اختطاف أكثر

من 400 امرأة؛ حيث تشير إلى ما بين 5 حالات إلى 10 حالات اختطاف لنساء

أسبوعياً. فبعض منهن تُهان، وبعض تُغتصب، وبعض تُباع، وبعضهن يرجعن

إلى بيوتهم ليُقتلن من قِبَل أهاليهن غسلاً للعار. كما وصفت الدكتورة شذى مرحلة

الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق بمرحلة إبادة جماعية للنساء محملة الاحتلال

الأمريكي البريطاني المسؤولية عما يحدث لنساء العراق [1] .

من الصور الإعلامية التي بدت واضحة جلية اليوم صورة لجندي أمريكي

وهو يشير بعلامة النصر، ويقف بجوار طفلين عراقيين يحمل أحدهما وهو مبتسم

لوحة مكتوبة بخط اليد تقول باللغة الإنجليزية: (لقد قتل الجندي الواقف بجواري

والدي واغتصب أختي) . هذه الصورة وصلت إلى مجلس العلاقات الإسلامية

الأمريكية (كير) ، فطلب من وزارة الدفاع الأمريكية إجراء تحقيق فوري حول

مدى صحة ما جاء فيها.

كما تلقت (كير) رسالة من جندي أمريكي عاد من العراق ذكر فيها اسم

وحدته العاملة بالعراق، وأكد أن أحد الضباط الكبار بالجيش الأمريكي قام

باغتصاب فتيات عراقيات صغيرات السن.

بدأ الاغتصاب الأمريكي لنساء العراق في أعقاب الحرب مباشرة، لدرجة أنه

بعد أقل من 40 يوماً من سقوط بغداد وإعلان نهاية الحرب في 2/5/2003م،

اتهمت لجنة حقوق الإنسان في العراق قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني

باغتصاب العشرات من نساء وأطفال العراق، وقتل مئات العراقيين بعد اعتقالهم،

كما وجهت اللجنة رسالة بذلك إلى المنظمة العربية لحقوق الإنسان قالت فيها: إنها

«سجلت 57 حالة اغتصاب لنساء عراقيات على يد القوات الأمريكية والبريطانية،

و27 حالة اغتصاب لأطفال، منها 11 حالة على يد القوات البريطانية، و 3

حالات على يد القوات الدانمركية» .

ومن الممارسات الموثقة ما أورده موقع تابع للأكراد في أغسطس 2003م

واقعة مفادها أن الجنود الأمريكيين قاموا بفتح أبواب دار للأيتام، وطُلب من

الأطفال الخروج منها، قبل أن يقوموا باغتصابهم، حيث سجلت 75 حالة

اغتصاب لفتيات وأطفال صغار، و80 حالة اغتصاب لبالغين.

وقام أحد المواقع مجهولة الهوية على شبكة الإنترنت بنشر صور لثلاثة جنود

يتناوبون اغتصاب امرأة عراقية في منطقة صحراوية، قبل أن يتعرض هذا الموقع

للتدمير من جهات مجهولة.

واتهم العديد من سكان الفلوجة جنود الاحتلال الأمريكي بالتحرش بنسائهم

مؤكدين أن ذلك يمثل إهانة تستوجب مقاومة المحتلين وقتلهم.

وفي يناير 2004م ووفقاً لبيان نشرته وكالة (قدس برس) قام الجنود

الأمريكان باغتصاب العراقيات المعتقلات بسجن أبو غريب، وجاء في بيان الوكالة

وفقاً لسجينات عراقيات أفرج عنهن مؤخراً من سجن أبو غريب أنهن أكدن

تعرضهن لاعتداءات جنسية خلال اعتقالهن، وأكد البيان الذي حمل نداء استغاثة أن

كثيرات من المعتقلات فقدن عذريتهن، وأن بعضهن يحملن في أحشائهن أجنة من

جراء عمليات الاغتصاب.

كما انتقد وزير حقوق الإنسان العراقي عبد الباسط تركي انتهاك قوات

الاحتلال الأمريكي البريطاني لحقوق الإنسان في العراق منذ غزوها، وقال في

مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية: «إن هناك انتهاكات في ظل الاحتلال» موضحاً

أن «هناك اعتقالات وعمليات تفتيش تقوم بها القوات الأمريكية دون محاكمة ولا

أحكام قضائية» [2] .

وقد أكدت منظمة (هيومان رايتس ووتش) أن انعدام الأمن في بغداد والمدن

العراقية الأخرى بعد الاحتلال الأمريكي وهو ما يشجع على اغتصاب النساء

وخطفهن.

وقالت المنظمة في تقرير لها في يوليو الماضي: إن النساء والفتيات يسيطر

عليهن الخوف، وتفضل كثيرات منهن التخلي عن أعمالهن وعن الذهاب إلى

المدرسة أو عن البحث عن عمل، ولعل تقرير صحيفة «روبنز نورث»

الأمريكية حول قيام خمسة جنود أمريكيين بخطف سيدة عراقية أثناء خروجها من

المنزل لتلبية احتياجات أسرتها وأطفالها يوضح حقيقة قصص الاغتصاب الجماعي

لعراقيات [3] .

ويقول الأستاذ علي حلني مراسل شبكة (إسلام أون لاين) في حوار نشر في

الموقع بتاريخ 24/7/2003م، ورداً على سؤال حول سوء معاملة الأمريكان للنساء

العراقيات وانتهاكهم حرمة البيوت، أكد أنه شاهد بعينيه اعتداء الجنود الأمريكان

على النساء العراقيات؛ حيث كانوا في البداية يقومون بتفتيش الرجال والنساء على

السواء، وفي بعض الأحيان يحدث أن يقوموا بمداهمات للبيوت، ويقتحموا البيوت

على النساء والفتيات، وبعضهن تعرضن لنهب لمجوهراتهن والأشياء الثمينة التي

يقتنينها في بيوتهن، وكثير من الفتيات العراقيات تعرضن لمعاكسات من الجنود

الأمريكان.

وقد أزعجت هذه التصرفات الكُتَّاب والمعلقين الصحفيين الأمريكيين، فذكر

الكاتب الأمريكي «لورن ساندر» خلال مقالة نشرتها صحيفة «الواشنطن بوست»

الأمريكية أنه التقى بسيدة عراقية تحمل ابنتها الصغيرة فقالت له: في ظل نظام

صدام حسين كنا نقود السيارات ونمشي في الشوارع حتى الثانية صباحاً دون خوف،

ولكن الأمريكان جعلونا نخشى أن نسير في وضح النهار.

وأفردت جريدة «روبنز بنورث» الأمريكية على صدر صفحاتها الداخلية

قصة اغتصاب 5 جنود أمريكيين لامرأة عراقية تدعى «سهيلة» كانت متوجهة

إلى سوق مدينة البصرة لشراء احتياجات منزلها تاركة خلفها طفلتين، وأثناء سيرها

سمعت أصوات طلقات الرصاص، فشاهدها جنديان فأسرعا تجاهها، وتحت دعوى

التفتيش عن متفجرات يمكن أن تحملها بحوزتها للقيام بعملية تفجير ضد جنود

الاحتلال اصطحباها تحت تهديد السلاح إلى بناية، وبدلاً من استدعاء الجنديين

لإحدى المجندات لتفتيشها قاما باستدعاء ثلاثة جنود آخرين من زملائهما، وما هي

إلا لحظات حتى قاموا جميعاً باغتصابها حتى فقدت وعيها، ولم يحاول المغتصبون

إنقاذ ضحيتهم وتركوها تصارع الموت.

وقادت المصادفة مجموعة من اللصوص تسللوا إلى البناية واكتشفوا المرأة

التي كانت فاقدة الوعي وسط بركة من دمائها، فأسرعوا بنقلها إلى المستشفي

القريب من الموقع، ولم تجد أياً من ضباط الشرطة العراقية يأخذ لها حقها، بل

طلبوا منها كتمان الأمر عن أسرتها حتى لا يتطوع أحد وينهي حياتها تخلصاً من

العار [4] .

ذكر كاتب أمريكي آخر هو «ديفيد كول» عملية اغتصاب بشعة قام بها

أربعة من الجنود الأمريكيين ضد أسرة المواطن (صدر حسن زيد أبي حسين)

الذي اقتحموا منزله في ساعة متأخرة من الليل لتفتيشه بحجة البحث عن أفراد

المقاومة.. كانت حالة المجندين لا تدل على أنهم مكلفون باقتحام المنزل، كانوا

مخمورين يدخنون الماريجوانا ويضحكون من تأثير الخمر؛ كان هدفهم إيجاد بغية

تنعش لحظاتهم التي يعيشونها ويحاولون أن يرسموا البهجة والفرح بدلاً من الخوف

الذي اقتحم صدورهم على يد المقاومين.

حين انتهوا من تفتيش المنزل البسيط ولم يجدوا ما يسرقونه التقط أحدهم

ذراع الزوجة وبكل قسوة اختطفوا الزوجة من بين أحضان طفليها الصغيرين اللذين

كانا يرتعدان خوفاً وهلعاً من أصوات بنادق المحتلين اقتادوها إلى غرفة مجاورة

دون أن يخرج زوجها لإنقاذها بعد أن أشهروا في وجهه البنادق، أخبروه بلكنة

عربية ركيكة أن زوجته يتم التحقيق معها، لكنه رفض المسوِّغ بعد أن سمع

صرخاتها في الغرفة المجاورة؛ حاول دفعهم لكنهم أصابوه بسلاح البندقية في رأسه

ليسقط وسط بكاء صغيريه [5] .

الكاتب الأمريكي «وليام بود» لم يكن أقل صراحة وهو يروي تفاصيل

جرائم بشعة ارتكبها جنود الاحتلال في صحيفة «ويست بومفريت» الأمريكية

حيث كتب في صدر الصفحة الأولى تحت عنوان: «الاغتصاب الديمقراطي» :

«إن بوش قد ترك لجنوده أن يفعلوا ما يحلو لهم مع ضحايا سجنه الكبير في

العراق.. تركهم من أجل أن يتناسوا الرعب الذي يعيشون فيه من طلقات المدافعين

عن بلادهم ضد المحتل؛ ترك المجندين كول وديفيد يغتصبان نساء عراقيات بلغ

عددهن 26 فتاة وضحية.. يتميز (كول وديفيد) بالعدوانية الشديدة ضد العرب

ويتميزان أيضاً بالهمجية وعدم الرحمة أو عدم الإنسانية. قبل أن يقدم المجندان

على جريمتهما يقومان باختطاف ضحيتهما واغتصابها ويقومان بتصويرها وإرسال

صورها إلى أصدقائهم في أمريكا. ويضيف: اعتاد» ديفيد وكول «على اختطاف

العراقيات بعد الثامنة مساء من شوارع العاصمة دون تسويغ سبب الاقتياد.. فقط

بنادقهم تتحدث وتتكفل بإسكات أي ضحية وبث الرعب في المحيطين بهم، 26 فتاة

وسيدة عدد ضحايا» ديفيد «و» بول «كأنهما حضرا إلى العراق من أجل

ارتكاب جرائم الاغتصاب وخصصهما القائد الأمريكي لهذا الهدف والدور. عشرات

الشكاوى وصلت إلى رؤسائهما ولم يتخذ ضدهما أي إجراء يمكن أن يمنعهما عن

هدفهما، وأضاف الكاتب الأمريكي:» هذه ليست ديمقراطية.. عار على أمريكا

أن تستمر في احتلال هذا البلد. يكفي تحقيق بعض الأهداف كالبترول والتوسع من

أجل مصلحة الأعوان، ولنرحل ونرحم نساء وأطفال وشيوخ العراق « [6] .

* التاريخ لا ينسى:

التصرفات الأمريكية في العراق اليوم ليست وليدة حرب التحرير، ولكنها

مستمدة من جذور الثقافة الأمريكية، وهذه» الممارسات الحضارية الأمريكية «

وصفها قبل أكثر من مائتي عام زعيم هنود (دولاوير) وهي إحدى قبائل الهنود

الحمر، المسمى» باشغنتاكيلياس «حين قال في عام 1787م:» إنهم يفعلون ما

يحلو لهم، يستعبدون كل من ليس من لونهم، يريدون أن يجعلوا منا عبيداً، وحين

لا يتحقق لهم ذلك يقتلوننا. إياك أن تثق بكلماتهم أو وعودهم إنها أحابيل؛ صدقني!

فأنا أعرف سكاكينهم الطويلة جداً « [7] .

في حملات إبادة لسكان القارة الأمريكية من الهنود الحمر كانوا ينظمون لذلك

حفلات خاصة ويدعون إليها عِلية القوم للتفرج والاستمتاع الشهواني بهذه المشاهد

المثيرة، حتى إن الكولونيل» جورج روجرز كلارك في حفلة أقامها لسلخ 16 من

الأسرى الأحياء أثناء حصار الاحتفالي لفانسيس طلب من الجزارين أن يتمهلوا في

الأداء، وأن يعطوا كل التفاصيل التشريحية حقها لتستمع الحامية كلها بالمشاهد.

وقد وصف الكولونيل «هنري هاملتون» في يومياته بهجة الحضور بأنهم خرجوا

يختالون بنشوة انتصارهم ورائحة دم الضحايا تعبق منهم، وإلى اليوم ما يزال

«كلارك» رمزاً وطنياً أمريكياً وبطلاً تاريخياً، وما زال من ملهمي القوات

الخاصة في الجيش الأمريكي «.

منذ تأسيس الجيش الأمريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليداً مؤسسياً

رسمياً؛ فعند استعراض الجنود أمام» وليم هاريسون «الرئيس الأمريكي لاحقاً،

تم التمثيل ببعض الضحايا، ثم جاء دور الزعيم» تيكومسه «الذي تزاحم صيادو

التذكارات على انتهاب ما يستطيعون من جلد هذا الزعيم التاريخي أو فروة رأسه،

ويروي» جون سغدن «في كتابه عن» تيكومسه «كيف شرط الجنود المنتشون

جلد الزعيم من ظهره إلى فخذه، وكيف أن أحدهم قص قطعة من الجلد شرائط

رفيعة لربط موسى الحلاقة، وتناهش الآخرون فروة رأسه حتى إن بعضهم لم

يحصل على قطعة أكبر من السنت (قطعة نقد معدنية لا يتجاوز قطرها السنتمتر)

مزينة بخصلة من شعر» تيكومسه « [8] .

ويعرف عن الرئيس الأمريكي (أندرو جاكسون) أنه من عشاق التمثيل

بالجثث، وكان يأمر بحساب عدد قتلاه بإحصاء أنوفهم المجدوعة أو آذانهم

المصلومة، وقد أشرف بنفسه على التمثيل بجثث 800 من الهنود الحمر من

الأطفال والنساء والرجال.

ومما يذكر في موضوع ما تعرض له الهنود الحمر على أيدي قادة الجيش

الأمريكي أمر الكولونيل جون شفنغتون بمهاجمة هنود ساند كريك؛ وبينما كان

الجنود يطلقون النار على أهل القرية المتراكضين في كل الاتجاهات أعطى أوامره

بالقصف المدفعي.

ويقول (روبرت بنت) أحد مساعدي شفنغون في شهادته أمام الكونغرس:

» لقد شاهدت خمس نساء مختبئات تحت مقعد طويل، وعندما وصل الجنود

إليهن بدأن يتوسلن ويطلبن الرحمة، لكن الجنود قتلوهن جميعاً، كان هناك

ثلاثون أو أربعون امرأة متكومات فوق بعضهن في حفرة، ولقد أرسلن إلينا طفلة في

السادسة تحمل الراية البيضاء مربوطة على عصا، لكنها لم تتقدم بضع خطوات حتى

أطلقنا عليها النار وقتلناها، كما قتلنا النساء اللواتي لم يظهرن أي مقاومة، ثم رأيتهن

بعد ذلك مسلوخات الرأس، بينما كانت إحداهن مبقورة البطن وجنينها في بطنها

واضح للعين.

ويقول شاهد آخر هو الجندي (آشبري بيرد) : رأيت امرأة تعرضت للتمثيل

بها بطريقة بشعة جداً، كما شاهدت جثثاً مقطعة تقطيعاً فظيعاً وعدداً من الجماجم

المحطمة، وإنني لعلى ثقة بأنها تحطمت بعد موت أصحابها بإطلاق النار عليهم كما

هو واضح.

وهذا ما يشهد عليه أيضاً السيرجنت (لوسيان بالمر) : إنني لم أرَ قتيلاً

واحداً لم يسلخ رأسه أو رأسها، لقد رأيت كذلك أصابع مقطوعة للسطو على

الخواتم؛ كما رأيت عدداً من الجثث وقد قطعت أعضاؤها التناسلية.

وشهد (دافيد لودرباك) أحد الفرسان أن «جثث النساء والأطفال تم التمثيل

بها بطريقة مخيفة. لقد رأيت ثمانياً منها فقط، ولم أجد في نفسي الشجاعة لرؤية

المزيد فقد كانت شديدة التقطيع وكانت مسلوخة الرؤوس» .

بعد انتهاء «المهمة» عقد الكولونيل (شفنغتون) مؤتمراً صحافياً أعلن فيه

أنه خاض مع رجاله «إحدى أكثر المعارك دموية مع الهنود» وأنهت لجنة تحقيق

الكونغرس تحقيقاتها باستهجان المجزرة وعدم معاقبة أحد.

أما الرئيس (تيودور روزفلت) فإنه تسامى بهذه البطولات فوصفها بقوله:

«إن مذبحة (ساند كرك) كانت عملاً أخلاقياً ومفيداً؛ ذلك لأن إبادة الأعراق

المنحطة حتمية ضرورية لا مفر منها» [9] .

وإذا ما تناولنا ما كتب عن الحروب الأمريكية في فيتنام واليابان وكوريا

فإننا نجد الفظاعات البشعة التي تستحي من تسجيلها الأقلام لما فيها من تجاوزات

أخلاقية، وسنورد منها ما نعتقد أنه من المناسب.

في حروب الحضارة الأمريكية على اليابان نشرت مجلة (لايف) الأمريكية

في عام 1944م، موضوعاً عن الحرب الأمريكية في اليابان ونشرت صورة

بصفحة كاملة لشقراء أمريكية يفترُّ ثغرها عن بسمة السعادة والفخار وهي تقف إلى

جانب جمجمة يابانية أرسلها إليها خطيبها من الجبهة.

كما أعدت قناة history التلفزيونية فيلماً وثائقياً عرض يوم 13/7/1996م

يصور شكلاً حديثاً متطوراً عن مشاهد السلخ في فيلم بعنوان: (قيام العنقاء) تناول

الجنود الأمريكيين في فيتنام وهم يقطعون رؤوس ما يشتبه بأنهم من عناصر

الفييتكونغ، ويعرضونها في مهمة أشرفت عليها وكالة الاستخبارات المركزية في

أواخر عام 1967م وأطلقت عليها عملية العنقاء phoenix operation، وتصف

مجلة Counterspy في عدد ربيع / صيف 1975م عملية العنقاء بأنها أكبر

برنامج للقتل الجماعي المنظم شهده العالم منذ معسكرات الموت النازية، وقد

تضاربت أرقام عدد القتلى من جراء هذه العملية وتشير في اغلبها إلى أن العدد

تجاوز العشرين ألف فيتنامي.

إن التاريخ الأمريكي الرسمي مليء بمثل هذه التجاوزات، فيعرف في وثائق

الكونغرس الأمريكي ما كشفة (سيمون هيرش) عن فظاعات القتل والدموية في

فيتنام؛ فقد قدم (هيرش) تقريراً إلى الكونغرس الأمريكي مكوناً من 40 مجلداً هو

الذي شجع الصحافة الأمريكية على فتح موضوع حرب فيتنام. فيقول في بعض

الشهادات: إن الضابط المسؤول عن مذبحة مالاي في فيتنام وهو (وليم كال) كان

يجر النساء والأطفال بيده نحو خندق، ويطلق عليهم النار قبل أن يساعده جنوده

فيما بعد.

وكان (جوزيف ستريك) الذي نال جائزة الأكاديمية للتوثيق في عام 1971م

قد أجرى لقاءً مع من قاموا بمذبحة مالاي، وكان مما جاء على لسان (فردانو

سمبسون) : «كانوا يمثلون بالجثث وبكل شيء، كانوا يشنقونها أو يسلخونها،

وكانوا يستمتعون بذلك بكل معنى الكلمة، وكانوا يتلذذون بقطع حناجرهم» [10] .

ومن المفارقات المذهلة في التاريخ الأمريكي اليوم ما صرح به مرشح الرئاسة

الامريكية الحالي (جون كيري) في تصريح لجريدة واشنطن إيفنج ستار في

18/4/1971م حول السياسة في فيتنام: لقد شاركت في مهمات قتل وتدمير وإحراق

قرى، وهذا كله انتهاك لقوانين الحرب واتفاقيات جنيف، وكل ذلك تم بناء على

أوامر مكتوبة وفقاً لسياسة الحكومة من قمة الهرم وحتى القاعدة. مؤكداً أن الرجال

الذين مارسوا هذه التصرفات هم مجرمو حرب [11] .

الأمريكيون لا يحترمون أي شيء لا في العراق ولا في أفغانستان،

وسلوكيات الجنود الأمريكيين تتشابه في معظمها في شرق آسيا والعراق وأفغانستان؛

فعلى سبيل المثال كل ما حدث في الصومال قبل ثلاثة عشر عاماً، حدث في

العراق في الفترة الأخيرة؛ فالأمريكيون لا يحترمون أي خصوصية لأي مجتمع،

وإنما يتعمدون في بعض الأحيان إلى الإيذاء لمجرد الإيذاء.

* الممارسات البريطانية في العراق:

لم تكن التصرفات البريطانية في العراق بأفضل حال من الأمريكية، وقد

أظهرت الصور التي اكتشفت بالمصادفة والتي التقطها جنديان بريطانيان أثناء

تعذيبهما أحد الأسرى وهو جندي عراقي سابق واغتصابه، وكشفت عنها إحدى

العاملات في معمل تحميض صور بعد أن كاد يغشى عليها من هول ما شاهدته من

بشاعة في الاغتصاب والتعذيب.

هذه الممارسات البشعة هي الجزء المخفي من جريمة الاحتلال الأصلية،

وتتكرر بالتأكيد حيثما تبتلى الشعوب بجنود الاحتلال والاستعمار، وتتزايد أعداد

الضحايا والمعاناة الإنسانية، وتتضخم المشاكل الاجتماعية، وتتشوه العلاقات

البشرية، وتتعاظم فظاظة الاحتلال العسكري والسياسي والأخلاقي، وتكون المرأة

في أكثر الحالات هي دافعة الثمن الأساسي والضحية الرئيسة.

فقد أكدت صحيفة Sun The البريطانية أن عدداً من الجنود البريطانيين في

العراق قاموا بصورة منتظمة بضرب وركل عدد من الأسرى العراقيين، ونقلت

الصحيفة عن أحد الجنود قوله إن الأسرى كان يجري إيقافهم على أقدامهم لمدة

طويلة جداً إلى أن يسقطوا واحداً بعد الآخر على الأرض، وأن أحدهم تُوفي تحت

وطأة التعذيب.

وكشفت الصحيفة أن عدداً من الجنود البريطانيين في العراق قاموا بتعذيب

عدد من الأسرى العراقيين الذين كانت رؤوسهم مغطاة، وهو الأمر الذي أدى إلى

وفاة أحدهم في أحد المعتقلات البريطانية بالقرب من مدينة البصرة.

ونقلت الصحيفة عن جندي بريطاني كان شاهداً على عمليات التعذيب

والضرب قوله إنه شهد تعامل الجنود البريطانيين مع تسعة معتقلين عراقيين جرى

اعتقالهم بتهم أنهم يقومون بعمليات قطع الطريق.

وقال الجندي البريطاني الذي رفض الإفصاح عن اسمه إن الأسرى جرى

إيقافهم على أقدامهم لمدة طويلة للغاية رافعين أيديهم قسراً فوق رؤوسهم؛ حيث

أُمروا أن يواصلوا الوقوف إلى أن سقطوا واحداً تلو الآخر على الأرض من شدة

التعب.

وشدد الجندي البريطاني، الذي لم تشر الصحيفة إلى دوافعه للإدلاء بتلك

الاعترافات، على أن الجنود البريطانيين كانوا يركلون ويضربون ويعتدون بكل

وسائل الإهانة على الأسرى من دون توقف، مؤكداً أن المعتقلين كانوا يطلبون

الرحمة ويستجدونها ويبكون ويصرخون إلى درجة أن أصواتهم كانت تصل إلى

ثكنات الجنود البريطانيين الآخرين.

وأشار إلى أن المعتقل العراقي الذي مات وُجدت جثته في أحد الحمامات

التابعة لمعسكر الاعتقال، وأنه وصل لمرحلة لم يستطع أن يمشي أو حتى أن يقف

لفترة بسيطة.

وأضاف قائلاً: «لقد رأيت ذلك الشخص قبل وفاته بفترة بسيطة جداً كانت

به كدمات، وكان السواد يُغطي مساحات واسعة حول عينيه، وأنه بعد وفاته كان

فكه في غير مكانه» .

وتحدث الجندي البريطاني أن زملاءه يضحكون ويسخرون من أولئك

المعتقلين الذين وصلت حالتهم إلى حد قضاء حاجاتهم البشرية في ملابسهم، من شدة

الخوف والترهيب. بل وتحدث عن إجبار أولئك الأسرى على شرب بولهم لمزيد

من الإمعان في إهانتهم والتنكيل بهم، علماً أن التحقيقات لاحقاً أكدت براءتهم جميعاً

من أعمال معادية للقوات البريطانية.

وأضاف شاهد الحادثة أن بعض زملائه في غرف مجاورة كانوا غير قادرين

على النوم من شدة صرخات المعتقلين. وقال: «لقد كان هؤلاء المعتقلين مقيدين

بطريقة بشعة تمنع حتى الدورة الدموية من العمل بطريقة عادية: بين مقيد إلى

الخلف، وبين معصوب العينين، وآخر محكم بثلاثة قيود معاً» .

وقالت الصحيفة نقلاً عن شاهد العيان: «لقد تعاملوا معهم بوحشية، كأنهم

يتعاملون مع حيوانات» . وأضاف: «أشعر بنفسي منذ تلك اللحظة أنني غير

طبيعي، وسأعيش مسكوناً بهذه الحادثة بقية عمري، أحس أحياناً بالذنب؛ لأنني لم

أستطع إنقاذ هؤلاء مما تعرضوا له على أيدي زملائي» [12] .

وكانت صحيفتا (Guardian The) و (Independent) قد نشرتا

مؤخراً قصصاً مشابهة عن الجنود البريطانيين، وطالبتا بالتحقيق؛ حيث اضطُرت

وزارة الدفاع للإعلان عن أن التحقيقات جارية، وأن الجنود الذين ارتكبوا

المخالفات والتجاوزات سوف يُحالون إلى المحكمة العسكرية.

* وماذا بعد؟

إن الثقافة وأسلوب الحياة الأمريكية ليس إلا القتل والدموية، وهذا ما أكد عليه

المؤرخ (تشارلز بيرد) بقوله: «منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية وتحقق

انتصارنا على اليابان ونحن في دوامة العدو الشهري، وتعني أننا في كل شهر

نواجه عدواً مرعباً يجب علينا أن نضربه قبل أن يقضي علينا» .

وبعد ما سبق هل يبقى كثير من المؤيدين أو الراغبين في الحرية والديمقراطية

على الطريقة الأمريكية؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015