وقفات
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
التبعية للغرب أصبحت سمة يتزين بها بعض المنتسبين إلى المثقفين
الليبراليين، والطريف في الأمر أن رؤيتهم للغرب رؤية انتقائية تكيل بمكاييل
مختلفة، ممَّا يؤكد أن معيار الهوى عند بعضهم له حضور فاعل في تقويم الأفكار
والمبادئ.
ومقولة طه حسين الشهيرة التي دعا فيها إلى متابعة الغرب بحلوه ومره،
خيره وشره، يبدو أنها مثالية مطردة أكثر ممَّا ينبغي؛ فقد أخذ أتباعه هذه المقولة
ودعوا إلى متابعة الغرب بمره ومره، شره وشره!!
ولهذا ترى بعض أولئك الليبراليين إذا طالبونا بالتحديث وبناء المجتمعات
العصرانية، فإنهم لا يعتنون إلا بتجاوز القيم الاجتماعية والثقافية، وهدم الثوابت
العقدية!! [1] الديمقراطية التي يدفعون المجتمعات الإسلامية إليها دفعاً هي
ديمقراطية مشوّهة محتكرة على أحزابهم، أما غيرهم فليس من حقهم أن يَنْتخبوا أو
يُنْتخبوا؛ فهم في نظرهم أصوليون ظلاميون..! إذا تحدثوا عن حقوق المرأة،
اختزلوها في تبرجها واختلاطها السافر بالرجال..!! وإذا كتبوا في قيم الحرية، لم
يلتفتوا إلا لفتح الباب على مصراعيه للفجور الفكري والانحلال الأخلاقي..! وإذا
ارتفعت أصواتهم بالإصلاح ذهبت أنظارهم مباشرة إلى التغريب السياسي
والاقتصادي، ومحاصرة المؤسسات الدينية، ورموزها العلمية والدعوية..!!
في كل يوم تطل علينا النخب الليبرالية بتيه جديد يدفعها بعيداً عن الأمة،
ويزج بها في مستنقعات الغرب الموحلة، وها هو ذا أحدهم يحلل ظاهرة العنف في
مجتمعاتنا الإسلامية، متسائلاً: (هل كان هذا بسبب ذنوبنا حسبما يخبرنا رجال
الدين؟!) ويجيب قائلاً: (نعم! ولكن الذنب هذه المرة هو التطرف الديني،
والغلو المتضخم في ثقافة المجتمع) ، ويفسر هذا الذنب بوضوح قائلاً: (الذنب
هو: القبول بصبغ الحياة الاجتماعية كلها بصبغة الأيديولوجيا الإسلامية،
والإصرار على إقحام الدين في شؤون الدنيا لإعاقة الحداثة) ! [2] .
قال الله عز وجل: [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ
مُصْلِحُونَ * أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ] (البقرة: 11-12) .